Wednesday, April 21, 2010

فرجات آخر الشهر : ودخلنا العام الخامس

* أسوأ شيء بالنسبة لأي مدون هو أن تحتجز لديه كل الأفكار ويفشل في إطلاق سراحها أو التعبير عنها.. والأسوأ أن يكون هذا الفشل نتيجة لصدة نفس لا لظروف قهرية خارجة عن إرادته.. وقد مررت بالأمرين معاً على مدى العام .. أتمنى أن يكون العام القادم للجميع ، وليس لي فقط كمدون وكإنسان أفضل بكثير من سابقه..تلك مقدمة قصيرة لتدوينة أستهل بها عامي الخامس كمدون وتستهل بها "فرجة" عامها الخامس أيضاً..

* في أحيان كثيرة يستفيد المشاهد من وجود خناقة.. كالتي حدثت مؤخراً بين "اليوم السابع" وصاحب قنوات "بانوراما دراما".. وسر استفادة المشاهد بالطبع هي الأسرار الخفية التي تظهرها وسيلة الإعلام عن الطرف الآخر عندما لا تكون الأمور على ما يرام.. فلولا تلك الخناقة لما عرفنا أن صاحب "بانوراما الدراما" صاحب مصنع كاتشب ، ولا أن "كرومبو" الذي يزرينا به على قنواته مسروق.. لكن الغريب الشكل هو أن تلك الحملة توقفت فجأة كأن لم تكن وبشكل غامض للغاية.. فعلاً دنيا تياترو..

* الإنجاز العظيم الذي قامت به قناة ON TV بدمج برنامجي "بالمصري" و "بلدنا" تحت اسم برنامج "بلدنا بالمصري" قد يغري "أحمد بهجت" إن قرر الاندماج مع "حسن راتب" في المحور في دمج برنامجي التوك شو في القناتين ليكون اسم البرنامج الجديد "العاشرة وتسعين دقيقة"!

* بعد أن توقعنا أن "ريم ماجد" ستنقشع إلى غير رجعة عادت لتقدم هي البرنامج الجديد مع "إبراهيم عيسى" بعد أن تم "قلش" "خالد صلاح" و"مي الشربيني" .. المدهش أن "ريم" حاولت الإيحاء لنا بأن برنامجها قد منع وبأنها كبش الفداء لمنع "بالمصري".. لتبقى هي ويخرج الآخرون.. على رأي "سمير غانم" : "يا طويل؟ دة انت الطويل"!

* شوية شر صغيرين : "زعلان" على "مي الشربيني" فقد كانت واحدة من أقل مذيعات التوك شو في مصر استفزازاً.. وفي الوقت نفسه "زعلان لـ" "خالد صلاح".. ما كانش يومك يا خوليو.. عموماً تستاهل!

* منذ متى كنت سعيداً برؤية "هند رستم" شابة حتى أراها في التسعين في البيت بيتك؟ لم يكن اللقاء الذي أجراه "محمود سعد" في "مصر النهاردة" ذا قيمة بالمرة..

* الخنف وحركات الأصابع وتقليد "هالة سرحان" لا يصنع مذيعة جيدة ولا مذيعة من أصله.. الكلام لـ"شيماء السباعي" في "مودرن"..

* حضور "أيمن نور" و "حمدين صباحي" للعرض الخاص بفيلم "عصافير النيل".. يعني أن "مجدي أحمد علي" في طريقه لأن يكون "خالد يوسف" جديد.. ربنا يستر..

* شاهدت مسلسل "أبو ضحكة جنان" على "ميلودي دراما".. فوجئت بسيرة ذاتية أكثر اتزاناً وإنسانية في عرضها من سير ذاتية كثيرة شاهدتها على شاشة التليفزيون، لم تقدمه كبطل أسطوري ولكن كإنسان له أحلامه وأخطاؤه وحساباته ووجهة نظره مهما كانت ، وإن كنت أعيب على المسلسل عدم التواجد الواضح لشخصيات أثرت في حياة "إسماعيل ياسين" مثل "ثريا حلمي" التي شاركته في كثير من أعماله وكانت شاهداً على مراحل هامة في حياته.. والمفاجأة الحقيقية في المسلسل هو "عمار الشريعي" ليس فقط بإعادة توزيعه للمونولوجات -والتي فتحت فضولي لمتابعتها على النت ومتابعة إنتاج "أبو السعود الإبياري" ككل- ولكن باستغلاله الذكي جداً لقطع شديدة المرح في مونولوجات "إسماعيل ياسين" وتحويلها إلى موتيفات حزينة أحياناً.. قد لا يعيش "عمار" أفضل مراحله كمؤلف موسيقي ولكنه يفهم جيداً جداً وظيفة واضع الموسيقى التصويرية التي تغيب عن كثيرين ممن يعملون بهذا المجال..

* كذلك معجب جداً بالملحن "محمد يحيى" والذي يستعين به "أيمن بهجت قمر" للتغطية على هفوات كلماته وعدم اتزانها..

* سؤال غبي : الكلام في "أنا مش خرونج" موجه لرجل أم لامرأة؟..

* على ذكر "أنا مش خرونج" : "حمدي رزق" دافع بشكل محموم عن أغاني النفاق التي صاحبت عودة الرئيس من ألمانيا كما لو كانت مواقف سياسية ، وتساءل باستنكار في جلسة جمعته بـ"خالد جلال" مخرج ما يسمى بـ"قهوة سادة" عما إذا كان يجب عليهم أن يغنوا للمعارضة..هل كان سيادته ليتسامح مع هؤلاء المطربين لو غنوا للمعارضة فعلاً؟ لا لا .. أشك!

* باعتقادي أن دخول هؤلاء المطربين معترك السياسة من هذه البوابة الضيقة هو قمة الغباء.. كان يمكن تبرير ذلك في الوقت الذي كانت الدولة تحتكر فيه الفن إنتاجاً وصناعة.. لكن ما هو الدافع الواضح لفنانين مشاهير يحصلون على أرباح خيالية - اللهم لا حسد- من أغانيهم لممارسة النفاق بهذا الشكل؟ ألا يخاف هؤلاء من خسارة شريحة من الجماهير صارت أكثر حساسية لكل ما هو سياسة؟ مش عارف..

* أخيراً.. كانت قناة OTV النافذة الوحيدة لأي مشاهد فضولي يريد أن يرى سينما غير أمريكية .. إلى أن استرخصت وبدأت في إذاعة أفلام المقاولات التليفزيونية السينمائية المنتجة في "خريف الليثي" بدلاً من الأفلام الأوروبية.. خسارة..

Thursday, April 15, 2010

صوت وصورة .. ظل وضوء

مقدمة: شكراً لكل من سأل عني طوال فترة الغياب السابقة ، وقبل السابقة ، وقبل قبل السابقة .. وعن نفسي أنا أكثر الناس حزناً للغياب عن التدوين.. بل إني بدأت أشعر أنني أدون على طريقة الفاصل الإعلاني بين كل فترتي توقف!.. لذا قررت أن تكون عودتي التي تتواكب مع قرب احتفال "فرجة" بختام عامها الرابع بشيء مختلف بعض الشيء..

فكرت في تقديم ملف أكثر من مرة .. ولم تساعدني ظروفي خلال كل مرة .. إلا أنني هنا قررت الكتابة عن موضوع أردت تناوله منذ فترة طويلة..

عندما يسقط الضوء على أي شيء يترك ظلاً على الأرض .. وبحكم قوة الدراما وبحكم شعبيتها دوناً عن فنون كثيرة فإنها تلقي الضوء على أشياء وشخصيات في حياتنا نرى لها ظلاً بين ظهرانينا.. اخترت منها ثلاث نماذج فقط اتسع وقتي للكتابة عنها في مسودات بشكل خاطف طوال الفترة الماضية.. وربما تكون لكم اختياراتكم بالنسبة لتلك الشخصيات ، أو لشخصيات أخرى.. فالحياة ككل مصنع لا ينضب لأفكار وشخصيات يمثلها ممثلون أكثر براعة من أبرع ممثل وقف على خشبة مسرح أو في بلاتوه سينما أو في ستوديو صوت إذاعي..

اعتدت على تقديم إهداءات لزملاء يجمعني بهم كل ود وتقدير ومحبة خالصة .. اسمحوا لي هذه المرة بأن أهدي هذه المجموعة من التدوينات لظلال تلك الشخصيات وغيرها على الأرض..

1-"هريدي".. وكل "هريدي"..


أشعر في كل مرة أشاهد فيها رائعة "صلاح أبو سيف" "الفتوة" أن الفيلم به حاضر غائب كبير .. ألا وهو "محطة مصر"..صحيح أن هذا المكان الذي لم أشاهده على الطبيعة سوى مرتين من أصل سبع زيارات للعاصمة المدللة في حياتي كان "الحاضر الحاضر" في فيلم هام أيضاً هو "باب الحديد".. إلا أن "محطة مصر" كانت هي "الفتوة" في "الفتوة".. مجازاً يعني..

"محطة مصر" هي المكان الذي يلتقي فيه الملايين من المصريين يومياً .. الذاهبين إلى قراهم ومدنهم من العاصمة وبالعكس .. وهو معين لا ينضب بالنماذج البشرية المختلفة التي تسيل لعاب أي مؤلف سيناريو مهما كان حجم موهبته.. قد يرى البعض في الطريقة التي يكتب بها أولئك الكتاب عن تلك الشخصيات نظرة فوقية بحكم كون الكتاب قاهريين أو أبناء جيل ثان أو ثالث من عائلة إقليمية عاشت في القاهرة ، لشخص أو أشخاص يعتبرون القاهرة هي غاية المنى وعين المراد .. عن نفسي لا أراها كذلك..

اعتمد صناع "الفتوة" في كتابتهم للفيلم وتصميمهم للشخصيات على أشياء لها أصولها في الواقع .. فاختاروا الشخصية الرئيسة "صعيدياً" رمزوا له باسم يذكر به الصعيد إلى ساعة كتابة هذه السطور -"هريدي عمران" - بكل ما "يسمَّع به" الصعيد في ذاكرة المشاهد من أشياء إيجابية كالنخوة والكرامة و..و..إلى آخر قائمة الصفات التي تتواجد في كل الأوساط بغض النظر عن موقعها الجغرافي ، وأشياء سلبية مرجعها الأول هو عدم تفهم غير الصعايدة لظروف الصعيدي القادم من مجتمع آخر بعيد عن مجتمع العاصمة.. وليس لعيب في شخصية الصعيدي نفسه..وعن حقيقة واقعة هامة وهي النجاح - اللافت - للصعايدة كتجار في الأماكن التي هاجروا إليها كالقاهرة والإسكندرية ، وسيطرتهم شبه الكاملة -وقت صناعة الفيلم حسب علمي المحدود وربما إلى الآن- على سوق تجارة الخضر والفاكهة ، وعلى قلبه -"سوق روض الفرج" الذي أصبح لاحقاً "سوق العبور"..

لكل مدينة كبيرة سحرها الأخاذ وجاذبيتها ، فما بالكم لو كنا نتحدث عن العاصمة سواء العاصمة السياسية -"القاهرة" أو "باريس"- أو ما في حكمها -كـ"لاجوس" أو "نيويورك"- ، عن القلب ، قلب الرزق ، والثروة ، والشهرة ، قلب البلد النابض ، عن الشمس التي تدور حولها كل الكواكب في مدارات محددة ، والشاطر من يقترب ويخترق .. دون أن يحترق.. ولم يكن "هريدي عمران" من ذلك الصنف من البشر..

كان لدى الرجل حلم بسيط في أول الأمر ، مكان تحت الشمس في قاهرة "المعز لدين الله الفاطمي"- مع الاعتذار لـ"بوحة"- لكن بعد أن اقترب من الوصول لحلمه تغيرت الخطة وتبدلت الأحلام ، عندما رأى من كانوا مثله ذات يوم كباراً يحكمون ، يأمرون فيُطَاعون ، عندما خطف بهرج الثروة والنفوذ بصره وبصيرته ، تحول تدريجياً إلى ذلك المتمرد المتنمر لفطرته البسيطة أولاً.. ولمن علا ووصل على أكتافهم ثانياً.. حتى سقط .. وعاد كما بدأ.. قصة أشبه بقصص الوعظ التي تحكى في السير الشعبية وفي حفلات السامر في الريف والصعيد .. لكنها تحمل عظة حقيقية ودرساً لمن يرى.. وهو ما صنع جزءاً كبيراً من جاذبيتها لممثل نجم كـ"فريد شوقي" بما مثله للمشاهد المصري والعربي من صورة "شجيع السيما" الذي لا يُهزَم ولا يُقهَر ، رغم أن الدور على العكس من ذلك ، ولمشاهدي الفيلم إلى يومنا هذا ، مدعومةً طبعاً باستخدام مبتكر ومبهر للمكان من قبل مخرج أول حرف من اسمه "صلاح أبو سيف".. وفريق رائع من الممثلين والفنيين والتقنيين..ونجاح الفيلم أبهر عدداً من صناع السينما والدراما التليفزيونية لكتابة أشباح لـ"الفتوة".. كمسلسل "سوق الخضار" الذي كتبه "عبد المنعم شطا" وأخرجه "محمد النقلي" وقامت ببطولته "فيفي عبده" وأناس كثيرون..

إلا أن نسخ "هريدي عمران" في الحياة تختلف.. فمعظمهم هارب من شيء ما إلى شيء ما آخر .. من الفقر إلى الثروة ، ومن الاستضعاف إلى السلطة .. "هريدي" لم يكن مستعداً للتنمر لكنه اكتسبه لضعفه الإنساني ، لكن "غيره" ترك قيمه وأخلاقياته وراءه في بلدته ، وعاد ليتنكر لكل شيء ، ليحسب نفسه على الأرض الجديدة رامياً جذوره التي "يتفشخر" بها حين تدق ساعة المصلحة..

صحيح أن "هريدي عمران" كان ذلك البسيط محدود التعليم عديم الخبرة ، الذي وضع تحويشة العمر في صندوق البريد في قلب الشارع تطبيقاً لما فهمه من رأي سمعه يوماً ما عن "التحويش في البوسطة".. لكن غيره جاء متعلماً ، مثقفاً ، لعب في سوق الخضار ، أو في سوق الكلام ، أو في أي سوق من تلك التي تزخر بها مدينة "غول" بحجم "القاهرة".. كان "هريدي عمران" صعيدياً في الفيلم لأغراض فنية ، لكن النسخ الحقيقية جاءت من كل حدب وصوب ، من كل مكان بعيد عن القاهرة بل من القاهرة نفسها.. تلمحه حتى في شخصيات درامية أخرى كتلك التي أداها "عادل إمام" في أشهر أفلام سينما "الانفتاح" "حتى لا يطير الدخان" .. أو في شخصية شهيرة أخرى في سينما "صلاح أبو سيف" .. "محجوب عبد الدايم".. كلهم ليسوا بنفس الظروف .. لكنهم يحملون في طيات أنفسهم نفس الحلم ، ونفس "النمردة".. وربما يؤولون لنفس المصير..الله أعلم..
*أفيش الفيلم من jr7i.com

2-هلال .. لا تثبت رؤيته


1-يحلو للعديد من النقاد وكتاب الأعمدة تناول استخدام كتاب الدراما لجهاز الشرطة في مسلسلاتهم وأفلامهم على أنه رمز لـ"الدولة" أو "النظام" أو "السلطة".. وهذا صحيح إلى حد ما ، وظهر ذلك في أفلام متعددة في حقب سياسية مختلفة .. سواء الأفلام التي تناولت الحقبة الناصرية كـ"الكرنك" ، أو الساداتية كـ"زوجة رجل مهم" .. ولوحظ في معظم تلك الأفلام تناول رتب متوسطة وكبيرة عطفاً على حقيقة أنه في أي مؤسسة عسكرية - جيش أو شرطة- في جميع أنحاء العالم تتحرك السلطة من الأعلى إلى الأدنى ..وكلما كان الرجل في الدرجة الأعلى من السلم كلما كانت سلطته ونفوذه أقوى ،وكلما زاد شعوره بحجمها..لكن تلك القاعدة بدأت في التهاوي لأسباب سيلي ذكرها.. ولوحظ أيضاً وبطبيعة الحال تباين تناول كتاب الدراما لهؤلاء تباين انتماءاتهم السياسية والفكرية وعلاقتهم بالسلطة..

كمثال.. عندما قرر "ناصر عبد الرحمن" -يساري- و"خالد يوسف" - ناصري- تقديم نموذج لمخبر صغير فائق الاحساس بالقوة والنفوذ في "هية فوضى" .. لم يخل تناول "حاتم" في الفيلم من تأثيرات يسارية - ناصرية كما رأى البعض .. كما لم يخل تناول "وحيد حامد" للرتب الصغيرة من ارتباك يراه البعض - وربما بعض آخر- من الناس في تقييمهم له (="وحيد حامد") عموماً.. فمن الناس من يراه معارضاً .. ومنهم من يتهمه بمغازلة السلطة .. ومنهم من يعتبره رافضاً للجميع .. ومنهم أيضاً من يصنفه من ضمن اللاعبين على كل الحبال..

على كلٍ.. لن أتناول الشخصيةالتي قدمها "وحيد" في فيلم "البريء" كما توقع كثيرون.. لأن شخصية أخرى شدت اهتمامي .. كتبها خصيصاً لفيلم "الإرهاب والكباب" ومثلها "أشرف عبد الباقي" .. "هلال" "عسكري المراسلة" الذي خرج من قريته لا ليعمل كعسكري صغير في جهاز الشرطة.. بل كشبه خادم لرتبة أعلى داخل الجهاز الشرطي.. من توصيل الابن للنادي لشراء الخضر لمسح السيارة .. مهمش نزعت آدميته بحكم القوي على الضعيف.. لا يشعر به أحد.. نسي منسي..

ترك له "وحيد حامد" فرصة ذهبية للتمرد.. بكل ما يتعرض له من اضطهاد وظلم بحكم الحاجة للاستقرار وحكم القوي في ظرف استثنائي ،لم يتردد "هلال" في الانضمام إلى "أحمد فتح الباب" - لعبه "عادل إمام" - في مخاطرة قد تكلفه كل شيء يلخصها في عبارة ما معناها أنه على استعداد لفعل أي شيء طالما يغضب سيادة اللواء!.. عبارة قد يراها الكثيرون ساذجة ومقحمة لغرض الإضحاك.. لكنها تلخص الكثير من معاناة "هلال" وكل "هلال"..

"شريف عرفة" كما قلت غير مرة هو مخرج "صنايعي" يولي اهتماماً بصنع فيلم جميل الشكل ومتقن .. ولم تكن هناك غرابة إذن في اختياره الموفق جداً لـ"أشرف عبد الباقي" لهذا الدور.. ومما ساعد "أشرف" على النجاح فيه شكله في تلك المرحلة السنية وطريقة أدائه المتقنة لشخصية عسكري المراسلة الريفي- بكل الإكليشيهات المحيطة بشخصية جندي الأمن المركزي أو عسكري المراسلة في الدراما المصرية (والتي كرَّس "حامد" لبعضها في بعض أعماله الأخرى)- ممزوجة بأسلوب أداء تميز به لفترة معينة في مشواره الفني ..وحسناً فعل بتخليه عنها ليجرب نفسه في مناطق أخرى بعيدة عنها كما في "خالي من الكوليسترول" ثم "صيد اليمام"..

قد تتذكر "هلال" بـ"أشرف عبد الباقي" .. لكنك ترى هذا النموذج المقهور حولك في كل مكان .. تراه في مهمشين لا يأبه أحد لهم مقهورين بـ"حكم القوي".. بأوامر غير مكتوبة ومنصوص عليها .. ولا تعرف لآدميتهم قيمة إلا عندما يريد بعض أصحاب المصالح في الميديا ذلك .. غير ذلك فهم أهلة غير ثابتة الرؤية..أهلة مقهورة لا يخرج ضياها للوجود..
* الصورة من Mazaj TV.. لـ"هلال" -يميناً- واللواء -"سامي سرحان"- يساراً..

3-"أبو المحاسن" : سجن المتعة


مرة أخرى مع "وحيد حامد"..

وهذه المرة في فيلم دمرَّه سوء التنفيذ وانعدام التوفيق في مناطق معينة في الكتابة والإخراج ، رغم أن المخرج هو "سمير سيف" ، فضلاً عن الإنتاج التليفزيوني الذي قدم للسينما التجارية ما يتواضع أمامه أسوأ ما قدم في سينما "المقاولات".. "سوق المتعة"..

وعلى الرغم أن علاقة "حامد" بالمسرح ليست وطيدة ،ولا تتعدى مسرحية تجارية واحدة كتبها في أواسط الثمانينات باسم "جحا يحكم المدينة" من بطولة "سمير غانم" و"إسعاد يونس".. إلا أنني كمتفرج عادي أشعر بوجود تأثيرات مسرحية في كثير مما يقدمه ذلك المؤلف المخضرم ، في الحوار أحياناً ، في صنع المشاهد أحياناً ،وتصميم شخصياته أحياناً..

ما شدني في الفيلم شخصيته الرئيسة .. "أحمد أبو المحاسن".. سجين سابق لعب دوره "محمود عبد العزيز".. ارتكب جريمةً واحدة جعلت منه حبيس السجن لفترة التهمت أحلى سنين عمره .. ليخرج من ظلمة السجن وبرودته وقيوده إلى عالم الحرية بلا أهل ولا عمل وبلا مال وبلا تصور لمستقبل لا يعلم له وجهاً من قفا..

يقوم هنا "وحيد حامد" بحركة أراها مسرحية .. حيث يختلق له حيلةً تجعل كل ما حُرِمَ منه "أبو المحاسن" طوال عقود داخل السجن ممكناً ومتاحاً.. مصباح "علاء الدين" المعدل في صورة ضيف شرف الفيلم "فاروق الفيشاوي" الذي يخبر "أبي المحاسن" بأن رجل أعمال كبير خدمه ذات يوم قرر أن يرد الدين بثروة لا حصر لها ، طالباً فقط ألا يسأل أكثر عن الشخص الذي أرسل له كل هذه الثروة .. وإلا فسيرى هذا الشخص الذي لا يراه مخلوق حي مرتين..

قُصْر الكلام.. انفتحت أمام "أبي المحاسن" أبواباً لم تكن مفتوحةً في أيامه الخوالي قبل دخول السجن ، ثروة تفوق تخيله يستطيع أن يشتري بها كل شيء وأي شيء ، أن يغير بها مظهره من "رد سجون" إلى وجيه أمثل ، وسكناه من زنزانة حقيرة في السجن إلى حجرة في فندق خمس نجوم ونصف تمهيداً للانتقال إلى شقة بدرجة قصر ..رغم كل ما أتيح له ، مباحاً كان أم غير ، حلالاً كان أم حراماً.. فإن ذلك كله لم يخرجه من السجن في الواقع.. خرج من السجن لكنه لم يستطع أن يخرج السجن من داخله.. فضل النوم تحت السرير على النوم على فراش فاخر .. ذهب إلى قسم الشرطة وقام بتنظيفه بهمة ونشاط وحماسة شديدة فقط لأن المكان يذكره بالسجن .. بل وقام بجمع أصدقائه السابقين من نزلاء وضباط في مكان واحد..

أمثال "أبي المحاسن" خارج السجن كُثُر.. ممن يؤذي ضوء الحرية قرنياتهم ويلهب هواؤها رئاتهم.. أفراد وساسة وأحزاب.. الفرق أن "أبي المحاسن" كان كمعظم من كتب كاتب السطور عنهم في هذا الملف .. ضعيفاً عاجزاً.. هزم السجن كل إرادة له في التغيير .. أما "غيره" ففضلوا ترك السجن بزنازينه وعساكره وظلمته بداخلهم لأن ذلك أفيد لهم ، ويصب في بحار مصالحهم "الغويطة".. "أبو المحاسن" لم تكن لديه الاستطاعة لكسر قيوده ، واحتاج لقوة هائلة لكي يتمرد ، دارياً أن ذلك التمرد قد يكلفه حياته كما حدث في ختام الفيلم ، أما الآخرون فلديهم القدرة والإرادة .. ولكنهم قرروا حبسها لأن ذلك أنفع لهم.. هم اختاروا فقدان الشيء عن عمد .. ويوهمون غيرهم بقدرته على إعطائهم إياه.. هو رأى أن المتعة قد تكون سجناً .. هم رأوا أن السجن متعة!

يعد الدور أحد أفضل أدوار "محمود عبد العزيز" في مرحلة ما بعد "الكيت كات" ..حيث بدأ خطه البياني في النزول.. وربما كان أداؤه ، وأداء "حمدي أحمد" ضيف الشرف الآخر .. أفضل ما في الفيلم.. بغض النظر عن وعن إصرار "إلهام شاهين" على تقديم نفسها كممثلة إغراء بالعافية ، وعن المستوى الفني للعمل ككل .. والذي ساعد على جعل الناس تنساه بسرعة الصوت..
* الصورة من imageshak.