إذا كان كل إنسان في نفسه سلطان ، فكل "إنساناناية" في نفسها بريمادونَّا .. إلى أن يثبت العكس!
و البريما دونا كلمة إيطالية - كما هو واضح - كلمة معناها الحرفي "السيدة الأولى" ، وفي المسرح تعني بطلة الفرقة ونجمة النجوم التي تأمر فتطاع..رغم أنف ممثلي الفرقة وممثلاتها ومخرجيها ومنتجيها..
قد يكون هذا الهوس بالنجومية أنثوي أكثر منه ذكوري .. معتقد عالمي أكثر منه عربي ، فتجاربي وملاحظاتي على الأقل تقول أن الأصل في الأشياء أن المركب ذات الأنثيين تغرق ، وأنه يصعب على أي أنثى أن تتعامل بشكل حيادي مع أي أنثى أخرى داخل نفس التجمع البشري دون أخذ رد فعل يبدأ من التقليل منها لأتفه سبب ، لاحتوائها وتحييدها ، للتنافس معها ، وللتصادم معها.. صحيح أنه مع تغير المجتمع بدأت تظهر لهذه القاعدة شواذ ، لكن هذا لا يمنع أبداً من أنها تحدث وبشكل صارخ في العائلات والمكاتب المغلقة ، فما بالكم بالـshowbusiness ، الكلمة الجامعة المانعة لكل عموم الفن والميديا(وكلاهما يعتمدان أكثر من أي مجال آخر في العالم على لفت النظر شكلاً وموضوعاً "بغض النظر عن نوع من يلفت النظر").. وأصبح من المعتاد أن نسمع خبراً عن استبعاد بطلة المسلسل الفلاني لممثلة أخرى "مبتسمعش الكلام" (أو لأنها أصغر في السن ومن الممكن أن تخطف الأنظار منها) ، أو أن زوجة المخرج تستبعد ممثلة أخرى لا لشيء إلا لأنها تغار منها ...الخ!
إلا أن الميديا -دوناً عن الدراما- صارت ساحة للبريمادونات .. فأي مسلسل "كبيره" خمسين حلقة على أقصى ما تتحمل خزانة المنتج ، أما الشو التليفزيوني الفضائي فيستغرق "سيزونات" بحالها.. وعليه فإن قوة وقدرة وجبروت البريمادونا لا يقتصران في أحيان كثيرة على البرنامج نفسه ، الذي يتم انتقاء طاقم عمله "عمولة" ، بل وقد يتعداه إلى باقي القناة ، وقد تدخلن في صدامات مباشرة مع رئيس القناة وصاحب المال ، وعلى حسب صبرهما وقوة المذيعة السوبر تتحدد فترة إقامتها على هذه الشاشة أو تلك!
من أشهر البريمادونات هالة سرحان ، والتي قتلناها بحثاً وكلاماً ، وإن كان يكفي التذكير بأنها "تسحب معها" في تنقلاتها من قناة لأخرى شلتها من فريق الإعداد من الصحفيين والمخرجين والمواضيع أيضاً ..ولا تستشعر أبداً بأي تغير يذكر في شكل أي برنامج تقدمه من حيث الصورة والمضمون سواء أكان في الإيه آر طين أو في دريم أو في روطانا.. وجبروتها في كل محطة "هو اللي جايب لها الكلام" بنسبة كبيرة!
وإحقاقاً للحق ، ليست هالة سرحان وحدها هي التي تسحب "الصورة" التي حفظها الجمهور بها من ديكور وكادرات وزوايا تصوير ، منى الشاذلي أيضاً فعلت نفس الشيء ، أولاً -لمن يرى- برنامج العاشرة مساءً هو البرنامج الوحيد بين أمثاله التي تقدمه مذيعة واحدة (مقابل اثنين لـ90 دقيقة ، اثنين إلى ثلاثة في القاهرة اليوم والبيت بيتهم)،وثانياً..من تحتفظ ذاكرته بلقطات من برامجها السابقة في الإيه آر طين يتذكر أن الكاميرا كانت تقطع عليها بمفردها في كرسي على الجانب الأيسر من الاستوديو ، تسلط عليها الكاميرا في كادر "عمولة" لم يتغير منذ الأيام الخوالي في شبكة رجل البر والإحسان والاحتكار تأكل فيه ثلاث أرباع الشاشة ، أمر لم يحدث مع هالة سرحان أو حتى نيرفانا إدريس ، أما الضيوف فلهم نفس الوضعية التي كانوا عليها في البرنامج المذكور ، كنبة تذكرك بميكروباصات الأقاليم (أربعة ورا) ، وكرسي إضافي للضيف الزائد إن حضر ضيوف زيادة (وهذا ما لا يتوفر في الميكروباص).. والأخبار التي تصل من دريم في مواقع النت تؤكد سيرها على نفس طريق أستاذتها هالة سرحان!
نيرفانا إدريس من جانبها حاولت أن تكون بريما دونا ، لكن أصحاب القنوات كانوا أذكى بكثير.. نوبات غرورها أدت إلى استبعادها من الأوربت ، وعندما انضمت للبيت بيتهم ثارت ثائرة مذيعات البرنامج الأصليات جاسمين وياسمين ، وانتظر الجميع للمذيعة الوافدة غلطة (اتضح أنها ليست غلطة بالمرة) حتى تم تفنيشها من البرنامج بدم بارد ، وكضربة وقائية قرر مسئولو البيت بيتهم اختيار مذيعة ضعيفة لا تشكل خطراً على وجود محمود سعد أو على "نجومية" تامر أمين بسيوني - إن وجدت!
والسيء في برامج الجانات والبريمادونات هو القفز على فكرة العمل الجماعي من أساسه .. فالمعد الحقيقي في حالتنا تلك هو المذيعة السوبر ، والمخرج الحقيقي هو المذيعة السوبر التي تصمم "الكادر الخاص" - محدش يفهمني غلط- وذلك كله رغم القائمة الطويلة من المعدين والمخرجين التي تظهر على تترات ختام البرنامج.. نجاح البرنامج صار دالة في شخصية المذيعة نفسها ، فهي التي تحرك الحوار وتقوده في أي اتجاه تشاء ، وشعبيتها ونجوميتها قد تفرض نوعيات معينة من الموضوعات والضيوف .. وبالتالي لو تعرضت تلك المذيعة لـ"عطلٍ ما" -وكلنا عرضة للأعطال - أو لو حدث خلاف مادي صرف فإنه من الصعب جداً الحصول على بديلة ذات كفاءة تقبل دخول القناة "على العفش القديم" لزميلة سابقة!
في وجود عوامل ثقافية واجتماعية محلية .. ورغبة أصحاب الفضائيات في البحث عن نسخ عربية من أوبرا وينفري وتايرا وغيرها من برامج الـ One Man Show أو One Woman Show.. وربما أسباب أخرى .. سنسمع ونشاهد جانات وبريمادونات كُثُر على مسرح الفضائيات العربية ..سواء أكانوا موهوبين أو موهومين!
هذه السطور التي أعتذر عن طولها مجرد ملاحظات من متفرج عادي ، وليس "فلن" ولا يعاني من "حكت تبكي" على نفوذ النجمات الكبيرات.. فقط يأمل أن تعرف الجماعية طريقها أكثر إلى الإعلام ، ولا يعقل أن نسمع مواعظ في الديمقراطية من مذيعين وإعلاميين ديكتاتوريين!
* الصورة من جريدة الرياض السعودية ، كادر معتدل نسبياً عن كادر بداية الحلقة!