Friday, April 06, 2012

يسقط يسقط حكم الصورة

ربما تثير هذه السطور غضبك قارئي العزيز .. معلش .. استحملني شوية..

لا أعتقد أننا على مدى ثلاثة عقود كنا نحكم بامبراطورية أمنية كما كان بعض الناشطين يتوهمون ، ما كُنَّا نُحْكَم به هو الإعلام يا سادة .. دائماً ما كنت أعتقد أن الرجل الأقوى فعلياً في مصر ، والذي استمر طوال الحقبة المباركية بأكملها لم يكن وزير داخلية ولا رئيساً لجهاز أمني ، بل كان ، ودوناً عمن شغل منصبه من بعده ، "صفوت الشريف" ، وما زلت عند رأيي في كونه رجل "مبارك" القوي ، كل ما هنالك أن طبيعة دوره "قد" تغيرت مع فترة صعود "جمال".. لا أكثر.. بدليل أن كل وزراء الداخلية في عهده تقريباً ، ومنهم من كان أقوى من "العادلي" ألف مرة ، تذكروا "زكي بدر" و "حسن الألفي" ، وحتى "يوسف والي" الذي شغل لفترة طويلة منصب الأمين العام للحزبوطني ذوى هو الآخر وأفل نجمه.. وبقي رجل الإعلام حتى الثورة محتفظاً بكامل نفوذه ، وحتى ما قبل جمعة الغضب بيوم يتحدث بثقة منفوشاً كالديك الرومي..

كُنا نحكم بثلاثة أدوات : الصورة ، والمانشيت ، والإذاعة .. وحتى ما قبل عقد خلا من الزمان كانت الدولة المصرية تحتكر كل وسائل الإعلام ، مقروئها ومسموعها ومرئيها ، ولأن تليفزيون الدولة ، وجرائد الدولة ، وإذاعة الدولة كانت على مدى العقدين الأولين من فترة "المخليوع" تحتكر بدورها الخبر ، والمعلومة ، والحقيقة ، وساعد موروث كبير عن علاقة الناس بالدولة ، وعلاقة الإعلام بالدولة ، وعلاقة الإعلام بالناس على أن تتحول وسائل الإعلام في مصر إلى شيء مقدس ، مرجعية لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها أي شكل من أشكال الباطل .. حتى لو خالف ذلك ما يصدقه العقل وتشهد عليه العين..

ومع السماح لقنوات خاصة وصحف مستقلة بالظهور ، لا على سبيل حرية الرأي وأزهى عصور المش عارف إيه ، وإنما انحناءً لمد جديد من رجال الأعمال المراهقين سياسياً ، خيل لنا ، ولي على الأقل ، أن تلك المعادلة سابقة الذكر في طريقها للاختلال ، فهؤلاء لعبوا أولاً على حالة "الدروخة" التي لازمت الإعلام الحكومي مع منتصف التسعينيات ، وفقدان التليفزيون المصري بالتحديد لأرض كان قد كسبها في مجالات الدراما والترفيه لحساب المد اللبناني - البترودولاري في عالم الفضائيات ، و ثانياً تراكم سوء الأداء الحكومي على مدى عشرين عاماً سبقت تلك المرحلة ، وثالثاً إحساس رجال الأعمال المذكورين (الزائد) بالقوة في مواجهة شراكات فاسدة صنعتهم هم ، وطبعاً على "البوفيه المفتوح" والصرف بلا حدود على الميديا من قبل أناس بعضهم "تايكونات" في مجالاتهم ، بدأ الناس يرون إعلاماً مختلفاً ، بخطاب مختلف ، يلعب على السخط الشعبي العام من سياسات فاشلة بدأت منذ الثمانينيات وليس منذ 2005 كما يتوهم بعض المثقفين ، وعلى ظهور مشاكل مجتمعية ضخمة نتيجة تلك السياسات الفاشلة من بطالة وخلافه ، ويتاجر بالناس كقوة ضاغطة آخرها تكرار سيناريو 17 ، 18 يناير 1977 دون أن يتطور الأمر إلى ثورة شاملة تأكل عصابة المال السياسي جنباً إلى جنب مع رموز الحقبة المباركية ورجال أعمالها.. في تلك الفترة كان من الممكن أن نسمع صوتين مختلفين ، وتناولين مختلفين لقضية واحدة أو لحدث واحد ، فقط لتضارب المصالح بين إعلام "بالروح بالدم" وإعلام "عيشتنا صبحت غم"..

قامت الثورة واعتقدنا أن كل شيء قد تغير ، لكن ما كان صادماً للشعب ، وربما لي على الأقل، ككاتب هاوٍ متابع لعالم وسائل الإعلام المصرية إن جاز استعمال المصطلح ، أن شيئاً لم يتغير ، نفس اللعب بالصورة والمانشيت والاعتماد على الأساليب الدعائية الصفوتية الشريفية ، بشكل مختلف ، وبتوزيع جديد ، فعندما أعلن "البرادعي" انسحابه من السباق الرئاسي رأينا جريدة "التحرير" في عهد رئيس تحريرها "إبراهيم عيسى" تتحول إلى صورة طبق الأصل من جريدة "الأهرام" إبان "إبراهيم نافع" بعد كل خطاب لـ"مبارك" في عيد العمال أو في أي عيد يخطب فيه ، كأن الثورة قد قامت لكي يتم خلع "نافع" ونضع مكانه "عيسى" ، عندما تقرأ هذا المقال لـ"نصر القفاص" تفاجأ بأن "القرف"(1) الذي كنا نقرأه من "سمير رجب" إبان فترة "النادي السياسي" للحزبوطني (قبل ظهور أمانة السياسات) قد عاد كما كان ، آليات النفاق لم تختلف ولم يتغير مستوى الابتذال حتى ولو بقدر يسير.. هو فيه كدة؟ :(

يا فرحتي - قوي - بالتعددية السياسية بشكلها البراق الجذاب في حين تجد فيه معظم وسائل الإعلام ، الخاص وأغلب الحكومي ، يسير في اتجاه مرشح واحد للرئاسة بعينه ، يناقش الإعلام أفكار مرشحين بما يرضي الله ، ويناقشون مرشحين آخرين بما لا يرضي الله ، إلا المرشح إياه ، كأنك تتحدث عن "مبارك" جديد مع الفرق إن "مبارك" الأصلي جاء بالتعيين أما الآخر فبالانتخاب.. بل أرى أنه لو كان قد قُدِّرَ لـ"جمال مبارك" خوض الانتخابات في 2011 لرأينا نفس الصورة التي تراها أعلى التدوينة بنفس التقنية.. وطبعاً بما أن الجمهور غبي وجاهل ولا يفكر ومتخلف عقلياً من وجهة نظر الإعلام الجديد ، فما هي حاجته في أن يعرف كل شيء عن برامج مرشحه للرئاسة أيا كان وأيا كان انتماؤه وأياً كانت مرجعيته نقداً وتحليلاً بالمزايا والعيوب ، فهذا الإعلام هو مبعوث العناية الإلهية لكي يقول للحرافيش الأدبسيس افعلوا ولا تفعلوا ..

وطبعاً عندما يفوز ذلك المرشح ، ستصاحب الكاميرا مولانا أينما حل وارتحل ، وستغرق صوره الفيس بوك ووسائل الإعلام المعروفة وغير المعروفة ، وسيتم "تأييف" تقارير وريبورتاجات هنا أو هناك في العاصمة أو الصعيد أو وجه بحري ، مع الثقة بأن "الناس طيبة وحتصدق" ، وسترى أعدل حاكم عرفه العالم منذ "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه ، شوفوا ورع الرئيس ، وتقوى الرئيس ، وتواضع الرئيس ، ووقوفه مع الغلابة والمحرومين ، مع كافة مشتملات شغل البروباجاندا الهابطة وجو الدراما الرخيصة المصاحب..

وإن كنت ممن آذى ما حدث في الفترة الانتقالية من قتل وتعذيب وسحل وخلافه مشاعرك ، فأقول لك وعلى مسئوليتي أنها ستتكرر في عهده ، وبشكل أسوأ ، لكن الكاميرا والجريدة ستقومان بدور المحلل ، تقرير هنا وصورة هناك ، وكله تمام ، أي انفلات يتحدث عنه الموتورون ، وأي غلاء يتحدث عنه الحاقدون ، وأي سوء للحال يتحدث عنه هؤلاء الجهلاء الحمقى ، سيتم إخفاء جسم الجريمة بفعل الصورة والصوت والفيديو والمقال ، وسنرى "أحلى هز" من ملوك التوك شو يذكرنا بما نقرأه عن حرب كباريهات شارع "عماد الدين" قبل ثورة 1952.. وسمعني سلام "الراقصة والسياسي إيد واحدة".. وعلى من لا تصدق عيناه ما يرى ولا يقبل عقله ما يحدث اللجوء إلى مستشفى الأمراض العقلية..

هل ستقبل بعد ذلك أن تحكم الصورة عقلك؟ هل ستقبل أن يحكمك مَن معه الإعلام أياً كان توجهه السياسي أو الديني أو المذهبي ، بما أن من معه الإعلام معه الكرة ، وبالتالي يحدد اللعبة وقواعدها واللاعبين فيها؟ هل ستحترم من سيراهن على غبائك باسم الدين والثورة والوطن ودماء الشهداء ، التي لم تخضب الأرض كي نرى المال السياسي ولصوص الإعلام يحكمون عقولنا كما كان "مبارك" يفعل؟ دون أن يكون عقلك حراً ، ستحكمك "الصورة" ، تمهيداً للكتابة على قفاك وقفاي وقفا شعب بأكمله..

الكلمة لك..
* (1) مع احترامي الشديد جداً لمن يعتبر ذلك مدحاً عادياً ، أذكر نفسي وأذكر الجميع بأن ما بين النفاق والمدح ليس مجرد خط رفيع ، بل ماسورة شديدة الغلظة من الرصاص ، أذكر نفسي وإياكم بما كتبه "المتنبي" في مدح ، ثم في ذم "كافور الإخشيدي".. الصورة من "الفيس بوك"..

No comments: