Tuesday, November 06, 2012

ممثلو التوك شو : محاولة للفهم

التمثيل في مكانه عمل محترم ، في غير مكانه لا يصبح عملاً ولا محترماً.. أعرف عن التمثيل على خشبة المسرح وفي ستوديوهات الإذاعة والتليفزيون وبلاتوهات السينما ، لكن يوجد نوع من التمثيل يعد في غير مكانه رغم أنه يتم أمام الكاميرات ، لأن من يقوم به ببساطة الشخص الخطأ ، أعني هنا بالتحديد ممثلو التوك شو الأفاضل..

إذا عدنا للوراء ما يقرب من العشرين عاماً في فوازير رمضان للراحل "عبد السلام أمين" كانت في سنة من السنوات تتحدث عن مذيعين مشهورين في زمن القناتين الأولى والثانية ، وكانت قائمة في كثير على تقليدهما ، كان آخر المذيعين في تلك الفترة "العلامة المميزة" ، هي بالتأكيد ليست "ضربة مطوة .. لطشة سكينة" إلى آخر ما قيل في "شاهد ما شافش حاجة" في تعريف صاحب "العلامة المميزة" .. لكن هنا أتحدث عن لازمة حركية أو لغوية أو "بوزيشن" معين أمام الكاميرا في حالة الراحلة "فريال صالح" على سبيل المثال.. فيم عدا ذلك فهم أناس طبيعيون ليسوا مرضى بهسهس التمثيل..

ما نراه الآن هو كاراكترات ، يصحو المذيع من نومه ويذهب للعمل كأي شخص عادي ، ما أن يظهر أمام الكاميرات حتى يبدأ في تقمص الشخصية ، أو ما يسميه عامة الناس "يعيش الدور" ، يعرف من لهم علاقة بعلم التمثيل أن الكاراكتر ليس مجرد لازمة حركية ، بل شكل وطريقة كلام وطريقة تفكير ، حزمة مواصفات وعلامات مميزة ، تذكروا "اللمبي" و "اتش دبور" و حتى "خالتي فرنسا" ، وهذا ما نراه في برامج التوك شو أيضاً ، كل ما هنالك أن تلك الكاراكترات لا تحتاج إلى تغييرات في المظهر أو إلى ملابس معينة على غرار ملابس الراحلة الكبيرة "سامية الإتربي" في برنامج "حكاوي القهاوي" ، المهم أي علامة مميزة ، وإديله في شيكارة..

كاراكتر بنت البلد - مثلاً- تمثله السيدة "ريم ماجد" بفجاجة منقطعة الخلف ، ومن الصعب على مرارة الشخص العادي أن تتقبل أن مذيعة نشرة فرنسية سابقة لها من الثقافة ما لها تفتعل الحديث بلغة كانت لغة البسطاء منذ خمسين عاماً فقط ، ألفاظ شديدة التقادم لا يعرف بعضها جيل آبائنا متعه الله بالصحة والعافية وطول العمر ، أمر يجعلنا أمام مونولوجست - بما أننا الشخص الوحيد الذي ابتدع تلك العبارة اللوذعية..

إذا كانت "ريم ماجد" تمثل كاراكتر بنت البلد ، فهناك آخرون يمثلون كاراكترات أخرى ويعيشون في الدور ، محاولات "لبنى عسل" استدرار عطف الجمهور بصرياً بنظرة تظهر فيها بوادر دموع وربما تكون هذه طبيعتها في الحقيقة، محاولات "لميس الحديدي" الظهور بمظهر "المصرية الجدعة قوية الشخصية" على طريقة "الغجرية ست جيرانها" بالزعيق ونبرة الصوت المبالغ فيها جداً بشكل لا يتناسب مع التليفزيون ولا البوتاجاز ، خاصةً عندما تصدر تلك التصرفات من مذيعة دخلت المجال "استخصار" على أساس أنه من المعيب أن يكون زوجها مذيعاً وشقيق زوجها مذيعاً وهي لا.. وهناك غير من سبق ذكره كاراكترات أخرى فيها من التناكة وإحداث النجومية ما فيها ، "جيهان منصور" و "دينا عبد الرحمن" وباقي حدف مدرسة "دريم" للإعتام لا للإعلام.. مدرسة "شريفة شريفة شريفة" على رأي "عبلة كامل" في فيلم "خالتي فرنسا" ، المضحك أن "خالتي فرنسا" لقب أطلقه في العادة على كاراكتر لم آت على ذكره كثيراً في هذه المدونة ، وهو كاراكتر "سهير جودة" زوجة الصحفي "محمد هاني" والتي كانت تقدم برنامجاً في الإيه أر طين والمراسلة الفاشلة في "إل بي سي" والرجل القوي في برامج من بينها "الستات ما يعرفوش يكذبوا" بحكم كون زوجها الرجل القوي في "سيس بي سي".. كاراكتر هذه المرأة هو مقياس حقيقي لقوة التحمل وصلابة المرارة عند الإنسان المعاصر..

درجة حب الشخص لنفسه تحدد إلى حد كبير موقعه في لعبة الكاراكترات ، كاراكتر البريمادونا هو البريمادونا نفسها ، بميل وجهها على الكاميرا ، والتأتأة شبه المفتعلة ، ومحاولة الحديث بالفصحى على طريقة مذيعي إذاعة الشباب والرياضة وهم يفقعون مراراتنا وهم يذكرون نتيجة مباراة ما ، الأمر الذي جعلها ملقفاً للتقليد ، وجعلها من أبرز ضحايا "إيمان السيد" في برنامج "توك شو" على قناة "موجة كوميدي" ، قبل أن نعرفها (="إيمان") كممثلة لاحقاً..

والبعض يتصرف ككوميديانات الاستاند أب ، قالب أمريكي النشأة على ما أظن ، يقوم فيه شخص بدور الصديق المرح الذي "ياخد ويدي في الكلام" و "يخش معاك قوافي" إن لزم الأمر ، "عمرو أديب" مجرد مثال على ذلك ، وفي اعتقادي أنه كان سينجح كممثل استاند أب كوميدي لو لم يحقق شهرة كمذيع ، يرى في نفسه entertainer أو حسب ما أترجمها "مسلواتي" يجعل المشاهد جالساً متابعاً لبرنامجه حتى وإن بدا موضوع الحلقة مملاً وكئيباً ، حقق نجاحاً بالتأكيد في هذا القالب ، بمساعدة موهبته الكامنة كممثل والتي لم يستغلها كما يجب ، لكن سرعان ما أصبح الموضوع نقمة عليه ، وأصاب الغرور "أديب الصغير" مما جعله شخصاً غير مقبول ، وذلك منذ انتخابات 2005 عندما تحول برنامجه من الترفيه إلى السياسة.. ميزة أخرى في "أديب" هي العمل الجماعي على طريقة ممثلي المسرح ، فبعض ممثلي المسرح الكوميدي الخاص وقدامى الفارسيرات من أمثال "وحيد سيف" و"سمير غانم" يؤمن بأن الإضحاك عمل جماعي يمكن تقسيمه على طريقة مباراة كرة القدم ، واحد يباصي والتاني يرفع والتالت يجيب الجون بدماغه ، لكن تلك الخلطة لدى "عمرو أديب" تفشل أكثر مما تنجح ، يعزو البعض ذلك إلى حب "أديب" سرقة الكاميرا ممن حوله ، والبعض الآخر إلى ثقل ظل كثيرين يظهرون معه في البرنامج ويحاولون التفنن في تمثيل كاراكتراتهم التي بموجبها يرون أنهم ولجوا عتبة "القاهرة اليوم" ، كالصحفي مدعي الثقافة "محمد مصطفى شردي" والمحامي الألمعي الذي لا يصلح للظهور في مسلسل كرتون "خالد أبو بكر" ، والمثقف الأكاديمي "ضياء رشوان" ، وحتى "عزت أبو عوف" اللي مالوش في الجد على طريقة الإعلان إياه ، ولا ننسى جبل الجليد السويدي "شافكي المنيري".. التي جعلتنا نترحم على أيام الست "نيرفانا"!

"إبراهيم عيسى" يلعب نفس اللعبة بشيء كبير من الابتذال ، يغلفه بشعارات فضفاضة من عينة العدالة والعدل والحاكم العادل والديمقراطية والشفافية ، وهو أقل حرفيةً من "أديب" كممثل ، يحاول أن يفعل أي شيء لجذب الانتباه ، يستعين بأكسسوارات أحياناً ، يحاول اللعب بنبرات صوته وحركات وجهه على الطريقة الأديبية فتخونه تلك التعبيرات ، يحرص على الظهور أكثر بمظهر المثقف المحرض ، يستغل في ذلك ديكوراً مخصوصاً له ، فبينما يجلس "أديب" على "ترابيزة" عليها أكثر من مقعد لاحتمال حضور الضيوف ولجعل المشاهد يرى أن ظهوره بمفرده أمر اضطراري ، "يستربع" السيد "إبراهيم عيسى" على منضدة عليها كرسي واحد فقط في منتصف الشاشة التي يبتلع من مساحتها مساحة لا يفوقها إلا المساحة التي تبتلعها "لبنى عسل" على "الحياة"!

هوس النجومية والبحث عن القوة هو القاسم المشترك بين كل المذكورين وغير المذكورين أعلاه ، المذيع صار نجماً مثل الممثل وأكثر ، وكيف لا وهناك مذيعون دخلوا التجربة ، واللافت أنهم لم يكونوا كاراكترات ، لا يستطيع شخص أن يقول عن "عبد الرحمن علي" الراحل الكبير وأحد أشهر مذيعي البرامج الدينية في النصف الأول من تاريخ التليفزيون المصري وهو صاحب النبرة الهادئة والوجه الأهدأ أنه كاراكتر(1) ، رغم أنه كان ممثلاً جيداً وسيء الحظ بسبب المرض الذي قتله بالتصوير البطيء ، كما أن "نجوى إبراهيم" ليست بالكاراكتر الزاعق الناعق وإن كانت لم تنجح كممثلة ، واقتربت عروض التمثيل من مذيعات أخريات كـ"هالة أبو علم" و"خديجة خطاب" وكلتاهما رفضتا من باب "رحم الله امرئ عرف قدر نفسه" ، كما أنه حتى الجيل الحالي من المذيعين الممثلين أشخاص عاديون لا يعيشون الدور.. "كريم كوجاك" و"نجلاء بدر" التي أعتبرها ممثلة جيدة من خلال أدوارها في "ريش نعام" و "شارع عبد العزيز"..

مرة أخيرة .. المذيع ليس ممثلاً ، وليس من عمله التمثيل ، حتى وإن بدت الشخصية عاملاً من عوامل قوته وتألقه ، إلا إذا كانت البرامج كلها من عينة المصارعة الحرة ، أشخاص يضربون بعضهم في الحلبة ويسهرون معاً في الحانة!
(1)من يبدأ التمثيل مع "صلاح أبو سيف" لا يمثل إلا بعد فترات طويلة وعلى مسافات متباعدة لأن هذا المخرج يصعب على أي ممثل العمل كثيراً مع غيره ، تذكروا "حمدي أحمد" الطاقة الرائعة في "القاهرة 30".. الصورة من "محيط"

No comments: