Thursday, January 10, 2008

سوداوية المتعة!


كل الشكر لصناع فيلم "حين ميسرة" ومن نافقوه ومن شرشحوا له ومن استفادوا منه .. فقد أمد هذا الفيلم كاتب هذه السطور بسلسلة من رءوس المواضيع توفر عليه مئونة البحث عن شيء يجدد به هذه المدونة المتواضعة!

قبل أن أتكلم عن الرشوة الطبقية ، و"المنشورات السياسية السينمائية" وهي كلها مواضيع هامة آمل بإذن الله العلي القدير ألا أنساها في زحام المشاهد والمشاهدات ، فكرت في الكتابة عن ظاهرة جديدة لفت "المسلماني" النظر إليها في الحلقة سابقة الذكر عن الفيلم المذكور سابقاً .. وهي من النقاط الصحيحة القليلة في كلام هذا الكاتب!

التمتع والتلذذ بالسواد والسوداوية..خدوا عندكم:

1-الشعبية الجارفة التي يتمتع بها أغاني ومطربو النكد في مصر.. وكلما زاد النكد زادت الشعبية بلا سبب واضح يسهل على أمثالي فِهمه..وبالمناسبة.. قد أستطيع تفهم كآبة أغاني "حسن الأسمر" مثلاً لكون أغلب الأغاني الشعبية القادمة من قيعان المدن حزينة للغاية (مثل لون غنائي في الجزائر يعرف باسم "شعبي" يشبه "الشعبي" المصري في مرحلة ما قبل "شعبوللا") .. لكن ماذا عن كآبة أغاني "مصطفى كامل" الذي تتضاعف من ألبوم إلى آخر .. وبلا سبب مقنع ..وتزداد شعبيتها في كل مرة بشكل يثير الذهول؟

2-أما مسلسلات النكد لدينا فتتمتع بجماهيرية غير معلومة المنطق ، وكل ما كانت جرعة الصويت والنواح في المسلسل أعلى كلما كان "أقيم" و"أكثر جديةً واحتراماً".. واتضح أن الأمر لا يقتصر فقط على المسلسلات المصرية فحسب .. تذكروا كيف سحب المسلسل الياباني "أوشين" البساط من تحت أقدام مسلسل "الأقرع والجميلات" - كما أتعمد ترجمته هكذا.. أحسن!- بعد مرحلة كان التليفزيون يذيع فيها قبل المسلسل الأخير خمساً وأربعين دقيقة من الإعلانات!

وفي الأفلام لا يختلف الحال كثيراً رغم هوجة الكوميديا في السنوات الأخيرة .. صحيح أن لذلك الأمر في السينما المصرية جذور ترجع إلى عقود وعقود .. حيث كان اسم "مخرج الروائع" مقترناً بـ"حسن الإمام" ولم يقترن أبداً بـ"فطين عبد الوهاب" أو حتى "كمال الشيخ".. وكان العديد مما قدمه "الإمام" من سينما يحتوي على نكد من النوع الأوشيني السوزوراني منقطع النظير.. لكن تغير الوضع لعقود طويلة ساد فيها الكوميدي مع "عادل إمام" والكوميديانات الجدد ومعه الأكشن والأفلام الرومانسية .. ثم عادت الأمور سيرتها الأولى مع النجاح المدوي لفيلمي "حين ميسرة" و من قبله "هي فوضى".. رغم أن الأخير يحمل -جزئياً- اسم "يوسف شاهين".. وما أدراكم ما "كان" يمثله اسم "يوسف شاهين" يوماً ما!:)

3-ولما كانت جرعة الكآبة غير كافية في الأفلام والمسلسلات والأغاني بدأ هناك اتجاه جديد للبحث عن الكآبة بمنكاش .. التلذذ بمشاهدة المآسي الإخبارية .. والمانشيتات الكئيبة لبعض الصحف المستقلة وبعض مطبوعات الحزبوطني .. والإدمان على متابعة مواطن الكآبة في برامج تليفزيونية شهيرة منذ أيام "كلام من دهب" مروراً بـ "حتيييث المتيييييينة" ونهايةً بـ"العاشرة" وأخواته.. قد أرى ضرورة لمشاهدة هذه البرامج ومتابعة تلك الجرائد (في حدود ما تتحمله مرارة الإنسان الطبيعي) في محاولة لفهم ما يحيط بنا وإشباع فضول المعرفة لدينا .. لكن ما يحدث (وقد يكون تهيسؤات) هو نوع من التلذذ والاستمتاع بكل هذه الكآبات المحدقة بنا من جميع الاتجاهات الأصلية والتايوانية!

وعليه كان من الطبيعي أن نفشل في عمل كوميديا مقنعة مثلما كان الحال عليه في فترات سابقة.. اللهم إلا من بعض الإفيهات والقفشات واللزمات هنا وهناك تجعلنا نبتسم ..وصارت الكوميديا عندنا أحياناً عافية وقوة ودراع "تامر وشوقية" وأفلام وممثلين فاشلين في الإضحاك "أفلام تامر عبد المنعم وسلسلة العيال الحبيبة والهربانين وقريباً المجانين"..

هذه الحالة من الاستمتاع السوداوي الذي أدعوكم لمشاركتي البحث عن ما وراءه وعن أسبابه بدأت تفقدنا الشعور ليس فقط بكل ما هو مرح بل بكل ما هو جميل حتى ولو كان غير زاعق الضحك.. بدأت تفقد عيوننا رؤية ألوان الطيف وتحول حياتنا إلى شاشة كمبيوتر يعود إلى عصر الـ XT -للي يوعى عليه- عبارة عن لونين أسود وأبيض ودرجات الرمادي..بدأت تفقدناأي أمل في أي إمتاع أو إقناع وتحول حياتنا إلى عذااااب.. عذاااااااب.. عذااااااااب.. ياااااا عيييييينييييي!
* الصورة من عند الزميلة "عصفورة في الساحة"..

4 comments:

عمرو عزت said...

المسألة التي عرضتها فعلا موضوع مثير للبحث .
عند نيتشة ما يصلح مدخلا لإجابة : فهو برى أن المثال الأخلاقي - الزائف في نظره - يرتبط بقيم الزهد و الخشوع و الخضوع و الشفقة و التضحية و العذاب و الألم . بينما ارتبط نقيض هذا المثال - الذي هو أخلاق الحياة الحقيقية عند نيتشه - بمفاهيم القوة و المتعة و اللذة و اللعب و الحرية الجامحة و المرح .
لذا ربما يقبل الناس على المتعة و اللذة و اللعب - و ربما المجون - و يستهلكوه و يحبوه, و لكن عند " الكلام " عن الجيد و الراقي و المهم و الأصيل - بالمعايير النخبوية أو الشعبوية - يتقمصون المثال الأخلاقي و يرتدون نظارته و يميلون للجاد و الحزين و المتألم .

ربما !

قلم جاف said...

عمّور:

خطوة عزيزة في "فرجة".. دي تقريباً أول مرة ألاقيك صاحب الرد الاول في موضوع متواضع للعبد لله.. هذا من دواعي سروري :)

اللي قلته في ردك أقرب جواب عن سؤال قديم مستفز حيرني في وقت سابق عن العداء اللي بيكنه النخبة من النقاد والمثقفين لكل ما هو كوميدي في الدراما بشكل عام..وأقرب تفسير للتناقض اللي حتى الناس اللي بتروح الفيلم الكوميدي وبتنتقده..

فيه ناس ضحكت على أفلام زي "عوكل" و"اللمبي" أو حتى قديم نسبياً زي "4-2-4"..ومع ذلك لما بتسألها عنها بتقول دي أفلام هايفة..

يمكن يكون الفيلم الكوميدي هايف كمضمون أو مبيناقشش قضية كبيرة أو مبيدعيش صناعه كدة من الباب للطاق.. لكنه نجح في الهدف المعلن والحقيقي ليه وهو إنه ضحكني .. خلاص .. يبقى من غير المنطقي إني أشن هجوم عنيف ومجحف وأصف بالسطحية والهبالة فيلم حقق غرضه بالنسبة لي..

ويمكن لإن الناس على عقول نخبتها.. لما تفتح أي قناة أو تشتري أي جرنال وتلاقي ذوق النخبة مبرمج على "الجيد" طبقاً للمثال الأخلاقي الزائف عند "نيتشة" زي ما أوضحت لي .. خلاص .. يبقى "الناس دي صح لإنها مثقفة وعارفة كويس".. وطالما الواحد ماشي وسط القطيع وراهم دة بيسحق أي محاولة للابتسام في وجه شيء يضحكني!

زمان الوصل said...

من يومين كان فيه فى شارعنا فرح نوبى
اختيار الدى جى لأغانى كئيبه فى الافراح أصبح شئ شائع .. أغانى يغنيها ناس لا تعرف اسمهم لكن تعرف اغانيهم لكثرة سماعها فى الميكروباصات مثلا .. لكن الفرح النوبى كما اتخيل اكثر اشراقا و ابتهاجا من الفرح الشعبى العادى لهذا كان شئ غريب جدا ان يختار الدى جى فيه اغانى كئيبه !!

من ضمن الاغانى التى اختارها سيادته اغنية "خلاص مسافر" التى تغنيها "شاديه" .. عشان تتخيل بس درجة الكآبه .. فى احد الكوبليهات تقول "شاديه"

خايفه تلاقى ورده تحلوّ فى عينيك
تنسانى و تميّل تقطفها بايديك
وتجرحك الاشواك و تتعذب هناك
اقطفها بايديا و ماتجرحش ايديك
سيب الجرح ليا و خلى الفرح ليك

و طبعا الف علامة استفهام على هذا الحب السادىّ الذى يستعذب هذا القدر من تعذيب النفس على طريقة شيوخ قناة "الناس" التى لا ترى غضاضه فى ان تخطب المراه لزوجها و تختار له العروس !! حاجه تشلّ فعلا ..

قلم جاف said...

وأنا اللي كنت فاكر نفسي في موقف بايخ لما اقترحت نشغل الكاسيت في حفل فرح أخو واحد صاحبي وعلى حظي كل ما نشغل الكاسيت تطلع أغنية أكأب من اللي قبلها.. :)

الظاهر الأغاني اليومين دول حتصفصف على نوعين: نوع يتمنى فيه الحبيب لو دهسه قطر سكة حديد قبل ما يدهس حبيبه ،ونوع تاني يتمنى فيه الحبيب إن القطر يبتدي بحبيبه الأول!