Monday, April 30, 2012

فرجات آخر الشهر : نهاية السادسة ، بداية السابعة

يعلن المدوَّن أنه لن يصوت لأي من مرشحي الرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة ، وهذا قراره النهائي ولا رجعة فيه....

*وبالمناسبة ، أنا ضد أي دعوى ترفع ضد ممثل بحجة أدائه لدور لو لم يقم به لقام بغيره ، وضد أن يتحول أي فنان - في المقابل -إلى شيء مقدس لمجرد مهاجمته لتيار أو لمجموعة سياسية في المجتمع مع التسليم بأنه من حق الفنان أيضاً أن يتخذ أي موقف شاء.. الكلام بمناسبة "عادل إمام" و غير "عادل إمام"..

*قبل ما نخش في المواضيع ..إلى كل جمهور "فرجة" ومتابعيها ومن يخصصون ولو ثوانٍ لزيارتها مهما كان رأيهم فيها ..كل عام أنتم أكثر سعادة..

* يبدو أن "محمود سعد" قد قرر التخلص من العصير ليعتمد على "سنيكرز" ، يضع قطعاً منها في جيبه تحسباً للضيف ، فإن كان مناسباً أكل واحدة قبل التسجيل .. انت مش انت وانت جعان..

* كم هو مسلي مسلسل "بتخونني بتخونني بتخونني يا عمو حسام" .. الشهير بـ"روبي"..

* إذا كنت ممن يستهجنون ظهور المخرجين في الكادر الأخير من تتر المقدمة و/أو النهاية في المسلسلات ، على غرار ما كان يفعل "حسام الدين مصطفى" في أواخر أيامه ومن بعده "تيسير عبود".. ما رأيك في بدعة ظهور الصحفيين في إعلانات صحفهم الجديدة؟ تلك البدعة التي بدأت مع "التحرير" ووصلت لمداها في إعلان جريدة "الوطن" التي يمتلكها صاحب الـ"سيس بي سي" "منصور عامر" ، .. هذه المرة لا يظهر المخرج - عفواً رئيس التحرير - وحده ، بل يظهر فريق تحرير الجريدة على طريقة تترات مقدمة المسلسلات الأجنبية.. ولا يمكن أن يُفهَم ذلك إلا بطريقة واحدة فقط ، مفادها أن "مجدي الجلاد" نقل معه فريق "المصري اليوم" بأكمله إلى الجريدة الجديدة ..هاهاهاهاها.. ماعرفتكش أنا بقى.. يبدو أن "الجلاد" قد وقع ضحيةً لملعوب عاطفي دبره له بالليل والدنيا ضلمة ملاك "المصري اليوم".. "اتصدم" - على رأي "هاني رمزي"!

* افتقدنا في ألبوم "منير" الجديد شاعراً كبيراً اسمه "بهاء الدين محمد" كان شريكاً في ألبومات "منير" الأخيرة ولكن الأخير آثر عدم العمل معه هذه المرة ، "بهاء" من الشعراء الذين يجيدون مع "محمد منير" ويقدم دون تكلف للصور تصوراً أنضج للتعبير عن الحالة التي يريد توصيلها ، تذكروا رائعته "خايف أوعدك ما أوفيش" في ألبوم "في عشق البنات"..

* أشعر بالشفقة الشديدة على قنوات "الحياة" وملاكها ، "شبكة تليفزيون الحياة" قررت الجمع بين مسلسلات "يحيى الفخراني" و "عادل إمام" و "محمود عبد العزيز" و "نور الشريف" في رمضان القادم دفعة واحدة رغم تواضع نسب مشاهدة المسلسلات التي كانت تعرض حصرياً على شاشتها ، فقط كي تشعر الإدارة والملاك بأن كل أنظار كل الناس ستتحول ولو لساعة واحدة للقناة في الشهر الفضيل.. أفينة الذات للإحساس بنشوة وهمية للانتصار شيء مثير للرثاء ، وليس لمجرد الشفقة..

* والمثير للشفقة أكثر هو قناة "النهار" لـ"استبن" "منصور عامر" "محمد الأمين".. قناة "اللي جاي أحلق" تتمرغ في تراب MBC إلى أقصى درجة ، نقلت برنامجاً غريب الشكل اسمه "هيك منغني" ، ثم وصل الأمر درجة نقل مسلسل تركي فاشل كانت تعرضه MBC4 دون أن يشعر به أحد أو يقارنه بمسلسل من عينة "العشق الممنوع" مثلاً.. فقط لأن MBC كانت تعرضه.. وليتها اكتفت بذلك ، بل أحاطته هو الآخر برعاية وإعلانات كما لو كان مسلسلاً ناجحاً بحق وحقيق.. تماماً كالملاكم الذي أشبعه منافسه ضرباً ثم يتحدث بكل فخر عن "البوكس" الوحيد الذي وجهه للمنافس وطاش في الهواء شاشي ، وهو ما يدراشي .. يا جدع ..نههههههه..

* توضيح بخصوص المسلسلات التركية : المسلسل التركي عادة ، كما هو الحال في "ما هو ذنب فاطمة جول" يعرض أسبوعياً ، الحلقة مدتها في شبكات التليفزيون التركي ساعة وبعض الساعة ، مثل الفيلم تماماً ، بالتالي تبدو الحلقة أكثر دسماً رغم كونها أطول.. أما الحلقات التي تعرض فهي نفس الحلقات بنفس الأحداث دون مط ولا تطويل ، الفرق أننا نشعر به لأن الحلقة في النسخة المدبلجة تقترب من ثلاثة أرباع الساعة ، وهو الطول الزمني المعتاد .. معلومة أطلب منكم تصحيحي فيها إن أخطأت ، وإن كنت قد استنتجتها من جروب إحدى ممثلات المسلسل على "فيس بوك"..

* طلب صغير : برجاء حار من جميع القراء والزوار ، مَن يعرف منكم اسم مؤلف موسيقى تتر برنامج "هنا العاصمة" يخبرني به ، فمن يضع موسيقى مقرفة ومقززة بهذا الشكل يستحق بعض "الدلع" من صاحب هذه المدونة بما يليق به وبما يفعله بآذاننا..

* الجانب الخيري من فضائيات المال السياسي : الغرض الوحيد من "النهار دة" هو توفير فرصة عمل لـ"دعاء عامر"..، الهدف الوحيد من وجود "مفيدة شيحة" في "الستات ما يعرفوش يكدبوا" هو إنعاش سوق أدوية الضغط اللي فاتحة بيوت!

* سبحان مغير الأحوال : "دينا الشربيني" التي ملأت مسلسل "اكس" الكئيب مرحاً وخفة ظل تتحول إلى "إنسان آلي" في مسلسل "روبي" وتتحرك على طريقة شخصيات لعبة "جي تي إيه".. أكبر خطأ ارتكبته تلك الممثلة في مسيرتها الفنية القصيرة أن قبلت على نفسها أن تكون "روبوت" "روبي"..

* بعض مخرجي الإعلانات لا يزالون يعيشون في سنة 1994 ، نفس أسلوب لطش الأغاني والاستعراضات غير المفهومة والإفيهات السمجة .. يتقدم العالم من حولهم حتى داخل سوق الإعلانات المصري وهم على ما هم عليه .. المشكلة ليست فيما يقدمونه قدر ما هي في تصورهم أنهم على حق!

* لماذا تصرخ "لميس الحديدي" في الميكروفون عندما تتكلم؟.. عن نفسي أرى كمتفرج عادي جداً أن نبرة الصوت التي تتكلم بها السيدة "لميس الحديدي" لا تصلح بالمرة للتليفزيون ، ومن أقرها على ذلك وقت عملها الأول في التليفزيون المصري ارتكب في حقها - وحقنا كمشاهدين بالتأكيد - جريمة كبيرة ، ولأنه لم يعترض أحد ولم ينتقد أحد فقد وصلت الأمور إلى الأداء الهستيري الذي نشاهده على "السيس بي سي".. الذي يذكرنا على الفور بعبارة " over قوي قوي قوي يا "انشراح"..

* بعض الموتيفات في الموسيقى التصويرية لمسلسل "روبي" ، وخصوصاً التي يُعزَف فيها على الساكس تصلح أكثر لفيلم "السفاح"!

* التليفزيون المصري أذاع إعلانات مسلسلاته قبل رمضان بثلاثة أشهر.. عال.. المرحوم صحته اتحسنت قوي عن قبل كدة!

* أيهما أغبى : الخريطة البرامجية لـ"سي بي سي" أم لقناة "الحياة"؟

* في مسلسل كـ"الزهرة البيضاء" نرى العروس المنتظرة وهي تمضي فترة مع أهل العريس المنتظر وعائلته وتسكن معهم.. هل هذا هو "السيستم" في "تركيا"؟ هو جواز ولا فترة "تأقلم" كالتي يخوضها اللاعبون الذين يخوضون اختبارات في أندية أوروبية؟ سؤال رخم حبتين..

* "ريهام سعيد" ممثلة أفضل..خصوصاً لو تخلت عن دور الواعظ والمصلح الاجتماعي الذي تلعبه في برنامج "صبايا الخير"..

* "يسرا اللوزي" تؤيد استعمال الشتائم في الأفلام ولكن وفقاً لـ"ضوابط".. ماشي .. هل نتوقع حواراً مثل "امشي يابن الست اللي مش كويسة ، أهو انت يا ابن البوبي " مثلاً.. أم حذف الصوت والاكتفاء بـ subtitle أسفل الشاشة مكتوب فيه "* كلمة غير مهذبة" ، أم "نمشيها" "الوغد" وهي الكلمة التي تترجم في التليفزيون المصري نصف قاموس الشتائم البذيئة في اللغة الإنجليزية؟ بصراحة كنا نتمنى توضيحاً من "يسرا اللوزي" بالكلام السهل السلس "الشيعبي" بما أن مفهوم "الضوابط" بهذا الشكل الغامض يصعب على أمثال الإنسان العادي فهمه!(1)

* أجد مشكلة إنسانية كبيرة في التعامل مع "حريم السلطان" .. في التعامل مع مسلسل مكتوب من وجهة نظر من بنوا امبراطورية عظيمة على عظام شعوب الدول التي كانت ولايات عثمانية ، بحبوحة العيش والترف في الآستانة ، والتخلف والفساد والظلم في كل ما عداها..

* سؤال صعب : هل هناك علاقة بين انتقال "إبراهيم عيسى" لـ"أون تي في" وبين ترك "باسم يوسف" لها إن تأكد خبر رحيله إلى "سيس بي سي"؟ سؤال أصعب : ماذا سيفعل "باسم يوسف" هناك؟

* أخيراً.. لا حس ولا خبر في الصحافة الفنية عن فيلم "رد فعل" بالطيب أو بالرديء ، هل الفيلم سيء إلى درجة أنه لم يتبق منه سوى بوستر يزاحم بوسترات مرشحي الرئاسة؟

*(1) الشيء الذي يحتاج لضوابط فعلاً هو طريقة تعامل "يسرا اللوزي" نفسها مع "في الفن".. يفترض بها أن تنشر توضيحاً أو تكذيباً لما جاء في الخبر وعنوانه وإذا لم ينشره الموقع فلتفعل هي ما شاءت .. الصورة من الخيال التعبيري للمدون.. فوتوشيبسي! :)

Monday, April 23, 2012

الليلة الكبيرة : صنعها "جاهين" و"مكاوي" و"السقا" .. وأبقاها التليفزيون في الذاكرة

للمرة الثانية هذا العام أكتب عن العرائس..

أول من أمس ، الحادي والعشرين من أبريل ، احتفلت "أغاني اف ام" بقمتين وقامتين فنيتين عاليتين مصريتين هما "سيد مكاوي" و "صلاح جاهين" الذي تصادف وأن توفيا في نفس اليوم ، توفي "جاهين" أولاً عام 1985 ، ولحق به "مكاوي" بعدها باثنتي عشرة سنة عام 1997 .. ويجمع الاثنين قواسم مشتركة عديدة..

كلاهما تمتع بروح مصرية ، انعكست على أعمالهما أكثر من غيرهما في رأي كثيرين ، "جاهين" الشاعر والزجال متعدد المواهب عكس نظرة المصري للحب والحياة بلغة شديدة البساطة سريعة الوصول إلى قلب قرائها وسامعيها ، و"مكاوي" اعتمد في موسيقاه على روافد مصرية خالصة استوحاها من ولعه واهتمامه الشديد بالإنشاد الديني منذ نعومة أظفاره ، وبالمدرسة المصرية التقليدية في التلحين بعيداً عن تيارات التجديد وعن تيارات التغريب أيضاً كما يصفها البعض.. فخرجت موسيقاه تعكس ليس فقط ما تريده أذن المستمع المصري ، بل ما يشعر به ، باعتبارها أيضاً انعكاساً لروح المكان وسكانه.. وكلاهما أيضاً ظُلِمَ نقدياً ، فالأول والحمد لله تكفل كتبة الأعمدة باختزاله في الرباعيات والرسوم الكاريكاتيرية وبعض الأغاني فقط ، وأغفلوا كونه كاتباً كبيراً للسيناريو كان صانعاً لأعمال سينمائية هامة منها "عودة الابن الضال" الذي أراه أحد أهم أفلام "شاهين" ، و"شفيقة ومتولي" الذي كان انطلاقة لمخرج كبير هو "علي بدرخان".. ، ولم يلقَ "مكاوي" اهتماماً إعلامياً يتناسب وقدراته وتاريخه الموسيقي الكبير رغم كونه من القليلين الذين لحنوا لـ"أم كلثوم".. وكلاهما ، على ما مر به من كآبات واكتئابات ، كان خفيف الظل ، وانتقلت خفة الظل والروح المرحة إلى أعمالهما ، سواء ألحان "سيد مكاوي" أحد ظرفاء عصره خفيفة الروح ، أو أشعار "صلاح جاهين" التي كتبها لـ"سعاد حسني" ولفريق كبير من فرق الثمانينيات اسمه "المصريين"..لم تغرب شمسه إلا بغروب شمس "جاهين" عن هذا العالم..

العمل الأهم الذي جمع الشاعر الكبير والموسيقار الكبير كان عملاً كبيراً ، فكرة مبتكرة وغير مألوفة ، أن تحول صورة غنائية إلى استعراض للعرائس : "الليلة الكبيرة".. المتوقع أن يتم تحويل الصورة الغنائية إلى شريط سينمائي أو تليفزيوني (مثل "الدندرمة" حين تحولت لاستعراض تليفزيوني مع بدايات التليفزيون في الستينيات) ، لكن تحويلها إلى مسرح العرائس كان مغامرة حققت نجاحاً مدوياً يصعب تكراره..

اعتبر كتاب أعمدتنا المسلون للغاية "الليلة الكبيرة" "أوبريتاً" ، وهي ليست كذلك.. الأوبريت مسرحية صغيرة ، ذات طابع غنائي ، يجمع ما بين الحوار المسرحي العادي والحوار المُغَنَّى ، وعرفه الفن المصري على يد أسماء منها "سيد درويش" و"بديع خيري" أصحاب "العشرة الطيبة".. أما "الليلة الكبيرة" فكان أصلها "صورة غنائية" ، لون غنائي مصري ارتبط بالإذاعة (لأن مصر لم تعرف التليفزيون قبل 1960) ، مجموعة من الأغاني مرتبطة ببعضها البعض في موضوع يصور حالة معينة ، كحالة المولد في "الليلة الكبيرة" أو قصة معينة كـ"عوف الأصيل" ، ولا يمكن تصنيفها كأوبريت أصلاً لأنها لم تمثل على المسرح..

بالتأكيد نعرف من صناع"الليلة الكبيرة" الكبيرين "صلاح جاهين" و "سيد مكاوي" ، وبالتأكيد مخرجه الكبير والأب الروحي لمسرح العرائس في مصر "صلاح السقا".. لكن كان إلى جانبهم أيضاً أسماء أخرى كمخرج الصورة الإذاعية الأصلي "عباس أحمد" الذي تم تحويل عمله بعدها بسنوات إلى "الليلة الكبيرة" التي نعرفها ، ومخرج تليفزيوني في بداية الثمانينيات أعتبره هو السبب الرئيسي في نجاح "الليلة الكبيرة" بالنسبة لأجيالنا.. "محمود بيومي"!

نعم ، مستغربين ليه؟

الأوبريت ينقل لك حالة ، تتخيلها كأنك تتخيل فيلماً أو مسلسلاً ، وكلاهما تراه في شاشة كاملة ، تتخيل نفسك جزءاً منها ، هذا لا يتحقق في العادة في مسرح العرائس إذا ما شاهدته في التليفزيون بحجمه الذي هو عليه في الحقيقة ، عادةً ما يشغل مسرح العرائس مساحة صغيرة على خشبة المسرح ، خصوصاً إذا كانت عرائس ماريونيت يتم تحريكها من أعلى .. ولا يستطيع التليفزيون أن ينقل شيئاً كهذا بحجمه الطبيعي (1)، إلا إذا غاصت الكاميرا في قلب مسرح العرائس لتظهره في ملء الشاشة.. (2)..

لم تنقل الكاميرا التليفزيونية مجرد شيء يحدث في مساحة صغيرة على مسرح ، بل حالة المولد بكامله (3)، بشخصياته التي رسمها وأدارها "السقا" وطاقمه ، والكاميرا تتعامل مع تلك المساحة الصغيرة - حسب افتراضي- كما تتعامل مع المسرح العادي الذي يمثل عليه ممثلون عاديون ، تقطع لتحسسك بالمساحة هنا وهناك ، وتتحرك ، كما نراها ، من مكان لمكان داخل المولد ، بائع الحمص ، القهوة ، لاعب النيشان ، ...الخ.. كأنك تشاهد مسرحاً متحركاً ، يتحرك فيه الديكور من لوحة إلى الأخرى ، ولا ترى بالتأكيد العرائس المخصصة لكل لوحة وهي تختفي لتنزل مكانها أخرى ، بمعنى أصح ، تعطيك الكاميرا باختصار شديد احساساً كأنك تمشي في المولد أو كأنك تشاهده..

بالتأكيد كانت "الليلة الكبيرة" أهم عمل في تاريخ مسرح العرائس كله ، والمقارنة بينه وبين النسخة التي تحولت إلى استعراض عادي بتوزيع السيد "جمال سلامة" تماماً كمقارنة "برشلونة" و "ريال مدريد" بأي فريق درجة ثالثة محلي ، لكن المشكلة الكبيرة أن ذلك الفن لم يتحرك أبعد ، ربما لم تساعد الإمكانيات ولم تساعد متغيرات الزمن ، وقلت جاذبية المجال لكثيرين لم يستطيعوا تعويض رحيل "السقا" وتلامذته "نجلاء رأفت" و "محمود رحمي" ، ولم تفتح "النفس" لإدخال تكنولوجيا أحدث في هذا المجال، لم تتطور حتى أشكال العرائس بالشكل الذي يجذب عيون الأطفال ، الجمهور الأكبر لمسرح العرائس عادةً في مصر ، يذوي مسرح العرائس شيئاً فشيئاً ، وأكبر ذكرياتنا عنه هو "الليلة الكبيرة" التي وإن نجحت بكتابها ومخرجيها ، فإن التليفزيون هو من أبقاها في الذاكرة أكثر ، لنتذكرها ، ونتذكر أيضاً أصحابها .. دمتم بخير..
حواشي:(1) كتبت هذه التدوينة بفرضية أنه حين صورت "الليلة الكبيرة" تليفزيونياً في الثمانينيات كانت خشبة مسرح العرائس الصغيرة منصوبة على مساحة صغيرة أيضاً على المسرح ، هذه الفرضية استنتجتها من معلوماتي البسيطة عن مسرح العرائس ومن التسجيل التليفزيوني ، أرجو من كل زائر لديه معلومات أكثر عن "الليلة الكبيرة" وملابسات تسجيلها تليفزيونياً أن يصححني إن كانت فرضيتي خاطئة ، وأنا تحت أمره في أي تصحيح..
(2) نفس المشكلة تظهر حين ينقل التليفزيون مباراةً في تنس الطاولة ، وهي من أصعب الأحداث التي تنقلها كاميرا التليفزيون بحيث يمكن للمشاهد العادي مشاهدتها بأريحية..
(3) يبدو أن حالة "الليلة الكبيرة" كانت ملهمةً فيما يبدو لفنانين كبار آخرين ، الموسيقار "علي إسماعيل" مثلاً في فيلم "مولد يا دنيا" وهو يلحن لوحة "المولد" التي اختارها "حسين كمال" مخرج الفيلم لتكون تمهيداً للأحداث وتعريفاً للشخصيات ، وكذلك "كمال الطويل" وهو يلحن لوحة المولد في "شفيقة ومتولي"..
* الصورة من وكالة الأنباء البحرينية..

Wednesday, April 18, 2012

جديد "منير" : ليس خارقاً ، وليس محبطاً

في رأيي على الأقل ، لم يكن الألبوم الجديد لـ"محمد منير" "سوبر" للدرجة ، ولم يكن أيضاً محبطاً بالقدر الذي يتخيله البعض ، رغم أن الأغاني التي تم تسريبها ، كما سيتقدم ، لعبت دوراً كبيراً في هذا الشعور..

لنعترف أنه مع "منير" -وهذا يحسب له - تضمن الخروج ولو بشكل مؤقت من دائرة المباشرة السمجة التي تعرفها في كلمات عدد من الشعراء الغنائيين الحاليين وهم يتكلمون عن الحب الضائع والسب للحبيب السابق قليل الأصل عديم التربية والتعليم ، وتسمع كلمات "مختلفة" و "غير مألوفة" و ربما "صادمة".. وستتأكد أن صناع موسيقى الألبوم يحاولون فعل شيء يليق بنجومية "منير" و "دماغ" "منير" ، نجح الملحنون والموزعون في ذلك أم لا.. كما سيتقدم..

1-خمس عشرة أغنية ، رقم كبير بالتأكيد ، لكن أول تجربة سماع لمعظم أغاني الألبوم توحي بما لا يدع مجالاً للشك أن الرجل يريد أن يفعل كل شيء ، أسماء جديدة تلاقي ، أسماء قديمة تلاقي ، مود ثوري تلاقي ، مود سياسي تلاقي ، إعادة توزيع لأغاني الغير القديمة تلاقي ، إعادة توزيع لأغاني "منير" نفسه القديمة تلاقي ، والمنطق يقول أنه طالما حاولت أن تفعل كل شيء ، لن توفق في فعل كل شيء ، وهذا ما كان..

2-من يعرف "منير" يضع خطاً تحت الأغنية التي يضعها أولاً في الألبوم ، بوصفها - في رأي البعض - "فاتح للشهية" (حتى ولو كنا في زمن التحميل الذي لا يعترف كثيراً بترتيب الأغاني في الألبوم) ، لنتذكر : "يونس" في "طعم البيوت" ، "الليلة دية" في "من أول لمسة" ، "تعالالي وكفاية هروب" في "الطول واللون والحرية" ، هنا قرر أن يبدأ بأغنية سريعة عنيفة الإيقاع ، الأمر الذي اعتبره البعض من وجهة نظر لها وجاهتها أنه ظهر فيه "منير" وكأنه يغني أغنية لـ"عمرو دياب" ، وإن كنت أختلف مع ذلك الرأي ، كان من المطلوب بالنسبة لمود كثير من المستمعين أن يبدأ بشيء سريع ، عنيف ، بسيط ، كما في "عيون" .. كلمات "سيد حجاب" كانت بسيطة ، مختصرة ، تذكرنا بأغنية "هيه هيه" التي كتبها "مجدي نجيب" قبل ما يقرب من العقدين ولحنها "وجيه عزيز" ، وفي نفس اتجاه البساطة سار لحن "عمار الشريعي" الذي لم يكن يحتمل كثيراً من الفخامة التي اعتدناها من هذا الأخير عندما يوزع ألحانه بنفسه ، ولا تقبل الناحية التطريبية العالية التي نراها في روائعه الدرامية (تذكروا التتر البديع الذي كتبه "حجاب" وغناه "حسن فؤاد" في مسلسل "أرابيسك" 1994)، ولـ"عمار" ألحان تبدو بسيطة يجربها من حين لآخر عندما يحن للعمل خارج نطاق الدراما ، كما فعلها ذات مرة مع "لطيفة" في أغنية "إديني فرصة تانية" قبل عشرين عاماً مع الشاعر الكبير الراحل "عبد الوهاب محمد".. "منير" ليس "الحجار" في جبروته ، لكنه يجيد في الألحان البسيطة أكثر ويضفي عليها عمقاً أكبر حين تسمعها.. من أكثر الأغاني التي "دخلت دماغي" في الألبوم ليس فقط لأنني من معجبي الأسماء الأربعة الذين شاركوا فيها..

3- وكما رأينا "طارق مدكور" مختلفاً في "عيون" ، رأينا "طارق عاكف" مختلفاً في "يا رمان" ، يشعر بذلك من يسمع الأغاني التي يوزعها "طارق عاكف" منذ حقبة "راغب علامة" و "نوال الزغبي" في التسعينيات ، حاول "عادل حسن سلامة" شاعر الأغنية توظيف تيمة أغنية شعبية قديمة بشكل جديد ، نفس فكرة "الحبيب الوحش" ولكن ليس بالشكل الزاعق الذي نعتاده في معظم الأغاني الحالية ، بعض الآذان قبلت اجتهادات "سلامة" والبعض الآخر لم ، نقطة الضعف الوحيدة هي الظهور الشرفي لـ "شاندو" الذي بدا صوته "مختنقاً" وهو يغني الجزء الأخير المخصص له في الأغنية.. الفلكلور كان حاضراً في أغنيتين أخرتين ، "ألايا" أكثر من "أبو الطاقية شبيكة".. علاقتي بالأغاني النوبية لـ"منير" ممتازة حتى مع وجود حاجز اللغة..

4- أفضل أغنية "مخصصة" للألبوم من حيث الكلمات "قلبي ما يشبهنيش"..لم يسرف الشاعر الكبير "عبد الرحمن الأبنودي" في استعمال صوره ومحسناته ، وهو يلخص حالة تضارب بين العقل والعاطفة عبر عنها بشكل درامي ، وصل "الأبنودي" إلى الهدف وانتظر لحن "محمد رحيم" وتوزيع المجتهد "أحمد شعتوت" أن يصلا إليه ويلحقان به ، وإلى الآن لا يزالا تائهين.. نعومة "رحيم" الزائدة لم تناسب الكلمات بالمرة.. وهو ما يمكن قوله على "يا حمام" -تشابه أسماء أغاني الألبوم مشكلة بالمناسبة- وهو ما انتقد فيه كاتب السطور "رحيم" في وقت سابق بسبب لحن ختام مسلسل "مملكة الجبل" الذي لا تناسب نعومته كلمات "الأبنودي" في هذه الأغنية وفي ذلك اللحن المشار إليه.. رحم الله "حسن أبو السعود" والذي يعد "وليد سعد" امتداداً نظرياً له ، هذه الأغنية كانت تحتاج لحن "وليد سعد"..

وبالتأكيد يصعب الحديث عن الألبوم دون التطرق لـ"كوثر مصطفى" التي قدمت الأغنية التي اختارها "منير" هذه المرة ليوزعها مرتين (وله سابقة في هذا الصدد مع أغنية "صياد" في "امبارح كان عمري عشرين") ، تكتب "كوثر" أغانٍ تناسب "منير" أكثر من غيره ، ولا تشعر أنها كتبت أغنية يمكن أن تقول عنها "دي تليق على علان أكتر".. مباراة التوزيع حسمت لصالح "فتحي سلامة" الذي يجيد التعامل مع "منير" ووزع له عدداً من أفضل أغانيه في المرحلة التسعينية ، عن نفسي أعجبني الإيقاع الذي "يجيب على مغاربي" ، "زياد الطويل" كما توقعته.. حاضراً ومتألقاً في ظهوره الوحيد في الألبوم..

5- "نبيل خلف" علامة استفهام كبيرة ، استعمال الصور سلاح ذو حدين إن لم يكن ثلاثة ، حتى مع "محمد منير" ، في "جرحي القديم" المعروفة اختصاراً بـ "يا أهل العرب والطرب" ، يسرف في استخدام تلك الصور لتجعلك أمام حالة يتركك فيها أحياناً "أيمن بهجت قمر" ..حالة "مين كسر إيه دة".. لا تفهم ماذا يريد ، ولا الصورة التي يريد توصيلها لك ، شيء سمعت الروائي الكبير الراحل "خيري شلبي" ينتقده في أحد أواخر تسجيلاته التليفزيونية ، فكرة التنقل من صورة لصورة وليس داخل الصورة.. باقي أعضاء مثلث "وائل جسار" ممثلين في "وليد سعد" و "عادل عايش" "عملوا اللي عليهم".. في حدود ما تركه "نبيل خلف" معقولاً!

أما في "افتحوا يا حمام" فلن تعرف "مين كسر إيه دة".. استوحى "نبيل" "صلاح جاهين" وهو يكتب قصيدته التاريخية في أعقاب مجزرة بحر البقر ، لـ"يدفس" فيها صوره بشكل هجومي يذكرك بـ"في حضرة المحبوب" ، الألبوم الذي نجح اعتماداً على الحالة فقط ، تخرج منها بـ "والعالم عاقل مش مجنون ..ولا يمكن طلقه هترسم كون..ولا تقدر تخلق خط و لون..ولا تمنع شمس تضم غصون" ، طبعاً لا تسألني عما قبلها ولا ما بعدها.. "أشرف محروس" موزع الأغنية لم يكن سيئاً بالمرة.. بالنسبة للأغنية الثالثة لـ"خلف" "البعد نار" فلا تملك إلا أن تقول لـ"خلف" و"وليد سعد" و-بالمرة- "توما""الله يسهل لكم"..حتى أنت يا "توما"؟

بالمناسبة ، حتى ولو قلت على استحياء لـ"توما" "الله يسهل لك" فستقولها بعلو الصوت عندما تسمع "بلادي يا عرب".. أسوأ أغاني الألبوم على الإطلاق..

6-"قلش" "منير" في الأغنيتين القديمتين الذي اختار إعادة توزيعهما له "في عينيكي غربة" وللغير "حارة السقايين".. توزيع "في عينيكي غربة" علامة استفهام كبيرة ، هذه الأغنية وزعها منير مرتين بعد توزيعها الأصلي في الثمانينيات وهو الأجمل والذي صنع ذكريات جيلي معها ، وحتى في التوزيع التسعيني كانت مقبولة جداً عندما نجحت تجربة توزيعها بخلطة إيقاعية سائدة في التسعينيات كانت لعبة موزعها وقتئذ ونجح بها مع "فؤاد" و"منى عبد الغني" و "علاء عبد الخالق".. أما التوزيع الحالي : "تانجو"؟

الأغنية الوحيدة التي أجاد "منير" غناءها للغير وأعاد توزيعها هي "أنا بأعشق البحر" ، التي لحنها "هاني شنودة" وهو ملحن يعرفه "منير" وبنى معه مشواره الفني في مرحلته الأولى.. ولم يشعر "منير" بغربة في أدائها فخرجت جميلة ومقنعة.. فيما عدا ذلك فقد أخفق في كل ما تلاها من تجارب.. أفضل من كان يمكنه أن يعيد غناء "حارة السقايين" هو "نانسي عجرم".. التي توافق شخصيتها في الأداء طريقة تلحين "منير مراد" في هذه المرحلة من حياته.. وكذلك خفة ظل كلمات "حسين السيد" ، وهو شاعر لا يمل سماعاً وكتابةً كواحد من أفضل شعراء الأغنية في القرن الماضي..

7-اللعبة الكبيرة التي لعبها "منير" في هذا الألبوم دمجه لأغنيتين في أغنية ، "أمجاد يا عرب أمجاد" لـ"عبد الفتاح مصطفى" و "أحمد صدقي" و "ييجي زمان" لـ"عبد الرحيم منصور" و "عبد العظيم عويضة" (والأخيرة كانت تتر مسلسل "مارد الجبل" الشهير في الثمانينيات مع بعض التغييرات) .. لمن لا يعرفها ، ولمن لم يقرأ العلاف ، يشعر بأن الأغنيتين أغنية واحدة ، أو هكذا أراد "منير" أن يوصل لنا ما يراه من تكامل بين الفكرتين ، وصل للبعض ، ولم يصل للبعض الآخر..

أجاد "منير" غناءاً في الألبوم ككل ، لكن الجمهور سيسأله بالتأكيد عن اختياراته ، هو ليس مجرد مغن عادي النجومية يتعامل مع الملحنين والموزعين والشعراء كضيوف ، هو نجم له بصماته على الألبوم ككل ، شأنه في ذلك شأن أسماء كبيرة وناجحة كـ"عمرو دياب" مثلاً.. المحصلة النهائية في رأيي ألبوم جيد ، موسيقى في مجملها جميلة وإن أتت بعض الأغاني أقل من المتوقع ، والشيء نفسه يمكن قوله على الكلمات ، تسريب الأغنيات الذي سبق الألبوم على مدى ما يقرب من عام أو يزيد أضره خصوصاً أن معظم ما تم تسريبه كان أضعف من "منير" ، ولن تخرج أعنف الانتقادات الموجهة للألبوم عن تلك الأغاني كثيراً ، باختصار شديد ، يمكن اعتبار "أهل العرب والطرب" جديد "منير" ألبوماً ألبوم لا هو بالنقلة النوعية بالنسبة لـ"منير" لأن الظرف الراهن خاصةً في السوق الموسيقي الذي تشوبه حالة من الغموض لا يسمح لأحد بعمل أي نقلة من أي نوع ، ولا هو بالإحباط الكبير الذي يستأهل عليه الهجوم.. ننتظر الأفضل حتى من الأفضل..
* الصورة من مدونة "يا جامد"..

Saturday, April 14, 2012

عود هذا الرجل

إذا كانت آلة العود هي هي لا تتغير ، كيف يمكن أن نقول أن عود فلان غير عود علان. الإجابة بسيطة..

كمستمع ومتلق نهائي غير متخصص ، أشعر أن آلة العود دوناً عن الآلات الموسيقية هي الأكثر تأثراً بشخصية عازفه ، يبقى العود كما هو ، لا أختلف ، لكن الأصابع التي تنقر عليه تترجم شخصية صاحبها ، بشكل تستطيع معها تمييز هويته عن غيره حتى ولو لم تكن أذنك موسيقية أصلاً ، في الوقت الذي يصعب فيه أن تفرق ، مثلاً ، بين عازف كمان وآخر..

مثلاً ، ومن وجهة نظري الشخصية المحدودة ، تستتنج أن "نصير شمة" رجل احترافي بكل ما تعني الكلمة من معان إيجابية وسلبية على السواء ، وينقل لك "عمار الشريعي" شجنه واحساسه بالموسيقى والمكان والحياة عندما تضرب أنامله على العود لدرجة تشعرك عندما يعزف أنه يتكلم، ويظهر لك ومن أول ضربة عود "سيد مكاوي" خفة ظل وحس ساخر ممزوج بالألم والاحساس بالظلم والتجاهل ، يختلف عن عزف "محمد علي سليمان" في الموسيقى التصويرية التي كان يكتبها للدراما في عصره الذهبي في فترة الثمانينيات ، .....الخ..

لكن هؤلاء كلهم سيجمعون ، حين تسألهم عن أعظم عازف عود عرفوه ، على اسم واحد ، نذكره هذه الأيام التي تذكرنا به .. "فريد الأطرش"..

"فريد الأطرش" الذي يعيده "شم النسيم" إلى الذاكرة بأغنية "آدي الربيع" ، التي التصقت بتلك المناسبة التصاق "رمضان جانا" لـ"محمد عبد المطلب" بالشهر الفضيل ، ربطته علاقة هي الأقوى بالعود ، علاقة يلخصها "فريد" نفسه في ثلاث كلمات : "رفيق حياتي كلها".. هكذا كان طوال حياة تراجيدية طويلة ما بين ترحال وفقر وكفاح من أجل لقمة العيش ومذلة بعد عز ، وصدمات هزته إنسانياً أشهرها رحيل شقيقته "أسمهان".. كان يهرب من كل ضربة إلى العمل ، وإلى العود..صديقه الصدوق..

هرب موسيقيون كثر إلى العود ، "الشيخ إمام" ، "سيد مكاوي" ، "عمار الشريعي"" ، وآخرون ، قبل أن ينظر له بعدهم ملحنون على أنه آلة ثقيلة الوزن والهضم ، وقبل أن ينحسر دوره في موسيقى اليوم ، كلهم أقاموا صداقة مع آلة هي الأقرب ليس إلى نفسهم فقط بل فيما يبدو إلى النفس البشرية بشكل عام من وجهة نظر لها وجاهتها ، لكن الوحدة التي عاشها "فريد" والتقلبات الكثيرة التي شهدتها حياته العاصفة جعلت علاقته به هي الأقوى ، وجعلته يبقى معه حتى النهاية .. لدرجة صار لا يفارقه في أي حفل أو أي تسجيل وأي فيلم يمثل فيه ويشارك..ويلعب دوراً في ألحانه يبدو أكبر من مجرد دور تلعبه مجرد آلة كغيرها من الآلات الأخرى..

بعد ثمانية وثلاثين عاماً من رحيله في 26 ديسمبر 1974 يبقى لهذا الرجل "عوده" الذي يختلف عن "عود" ملحنين مصريين وعرب كبار .. ليس فقط لأنه "فريد الأطرش" بما أثرى به السينما الغنائية في مصر ، ولكن للعلاقة الفريدة التي جمعت بينه وبين العود.. علاقة جعلت عود "فريد" "فريدا"..

ذو صلة: وبعيداً عن العود ، الدكتور "أسامة عفيفي" يتناول بشكل نقدي موسيقى "فريد الأطرش" ما لها وما عليها بعين متخصص ..
* الصورة من موقع جريدة "25 يناير" الإلكترونية..

Friday, April 13, 2012

ليه يا دكتور؟

الكتاب الكبار يسقطون سقطات كبيرة ، وفي بحر مجاملتهم في الدفاع عن أصدقائهم ومحاسيبهم ينسون أشياء يرونها تافهة ، من بينها أنهم لا يكتبون لقراء أغبياء..

لطالما احترمت ، وأعجبت بكاتب مثل الدكتور "أحمد خالد توفيق" .. لكن هذا الأخير أحبطني بفاصل من السفسطة والكلام الفارغ يدافع به عن إعلاميين يتضح في كل يوم أن الراقصات التقليديات في أفلام السينما المصرية في الأربعينيات كن أشرف منهم وبمراحل..

يتحدث الرجل عن سياسة "اجعلهم يحسدون" التي ربطها أولاً بالإعلام الحكومي ، وإحقاقاً للحق فإن تلك السياسة أيضاً كان يمارسها إعلام المال السياسي وبشكل فج للغاية ، والله يرحم أيام "إبراهيم عيسى" في الإصدار الأول من "الدستور" وقت أن كانت جريدته أول جريدة تغطي أفراح "النوفو ريش" في مصر ، ووصف ذلك وقتئذ بكونه نوعاً من الذكاء الإعلامي ، يقلد فيه ما كان يفعله "محمد التابعي" في أيام "آخر ساعة" الأولى.. كان الغرض أكثر هو مصمصة الشفاة وإثارة الحسد وتساؤلات من عينة"همة بيجيبوا الفلوس دي منين" وعبارات مثل "ولاد البوبي واكلين البلد والعة".. يقول الكاتب لا فوض فوه أن "سياسة اجعلهم يحسدون لا تفشل أبدا. وتنجح دائما فى تفريق الغضب أو تفتيته على طريقة فرق تسد".. ماشي.. إذن كانت "الدستور" و"الميدان" ثم الآن "عين" و "وشوشة" شريكة في تطبيق نفس السياسة لنفس الهدف.. ولا إيه؟

يعود الرجل ليكرر منطقه المسلي واللذيذ في الدفاع بالحق والباطل عن "محمود سعد" .. فيقول :

كلنا نعرف مناورة أنس الفقى وزير الإعلام، مع محمود سعد فى مداخلة على الهواء، قال فيها إن محمود سعد يتقاضى تسعة ملايين جنيه فى العام. نسى الناس كراهيتهم للفقى ونسوا كل شىء.. كانت هذه ضربة قاتلة لمحمود سعد، وأعتقد أنه لم يستعد شعبيته قط منذ ذلك الحين. وظهر المواطن «صابر صبرى عبد الصبور»، الذى يؤكد أنه يقبض 300 جنيه، عليه أن يعول ستة أطفال منها. الحقيقة أن أحدا لم يتساءل عما يتقاضاه أنس الفقى نفسه.. ثانيا محمود سعد لم يسرق ولم يلو ذراع أحد.. لديه سلعة، رأى البعض أنها تستحق ذلك، وتم كل شىء فى النور. أنا أعرض الموبايل العتيق الخربان الخاص بى للبيع وأطلب مئة ألف جنيه.. أنا حر يا أخى.. لو قبل أحد شراءه فلا تثريب عليه ولا علىّ. ثالثا، هل محمود سعد يدفع الضرائب المستحقة عليه؟ لا تنف ذلك لأننا لا نعرف.

امنعوا الضحك..

1-بما أن سمعة الإعلام المصري الحكومي قبل الثورة لا تخف على أحد ، وبما أن له علاقات أمنية وسياسية متشعبة إبان "أمانة السياسات" ، كيف وقع اختيار "أنس الفقي" على السيد "محمود سعد" لتقديم برنامج كهذا؟

2-بما أن السيد "محمود سعد" لم يسرق ، وإن كنت أرى أنه كان يحاول لي ذراع أحد ، فلماذا لا يتحدث على الملأ عن خلافاته المالية كما يفعل لاعبو الكرة؟ لماذا حين تمارس أي فضائية سلطتها التي تملكها بحكم العقد الموثق في الشهر العقاري (يعني مش ورقة عرفي) نجد السيد "محمود" والسيدة "دينا" وغيرهم يصرخون عن الاضطهاد وتهديد الحريات؟ أيصبح ذلك حلالاً زلالاً مثلاً لصاحب عمارة حين يقرر عدم تجديد العقد لصاحب محل في نفس العمارة يؤجره بملاليم ، ويصبح حراماً على قناة - أياً كان رأيي فيها وفيمن يمولها وفي توجهها - تدفع لـ "س" أو "ص" بالملايين؟ هل الحديث عن المال المشروع "يكسف" كما لو كان الحديث عن تقسيمة عوائد عملية تهريب مخدرات؟ أيصبح ذلك "كخاً" على ممثل تنشر نفس الصحيفة أجره العالي الذي يعلن عنه بشكل واضح و"دحَّاً" لـ"إعلامي" يخجل من اتفاق مشروع وعقد مشهر؟

3-يبدو أن مجاملة الرجل للسيد "إبراهيم عيسى" - مع احترامي - قد جعلته ينسى ما سبق ذكره بأن سياسة "الرنجة الحمراء" سبق وأن مارسها هذا الأخير في أيام "الدستور" - الإصدار الأول - ثم بعد العودة ، ولا زالت تمارسه أغلب الصحف "الثورية" أكثر وأكثر .. والمنطق ذكره الكاتب نفسه - مش حد تاني - في نفس المقال : أسلوب الرنجة الحمراء الذى يشتتون به كلاب الصيد فتنسى هدفها الأصلى. هذا الأسلوب يستخدمه الإعلام كثيرا وفى كل مرة ينسى الناس الهدف الأصلى وينقضون على من يقال إنه ثرى. لا غرابة فى هذا فمعظم الناس فقراء كما قال شارلى شابلن، والدرس الذى تعلمه من أفلامه الكوميدية كذلك هو أن الناس تحب أن ترى الأغنياء يلقون ألعن مصير ممكن.. المرأة المتغطرسة التى تتعثر وتسقط تضحك الجميع، بينما لا أحد يضحك على المتسول الذى يسقط..

إذن بنفس النظرية ونفس المنطق .. فإن رموز المال السياسي ، بثرواتهم التي يعلم الله وحده كيف جاءت وعن أي طريق ، يسعون هم الآخرين لتفتيت الغضب عنهم ، بما أنهم شركاء في صناعة التفاوت الطبقي الرهيب الذي تحدث عنه الكاتب بعضمة لسانه وضغطة كيبورده، بنشر الأخبار عن لصوص آخرين ، فينسون صور الأفراح والليالي الملاح ، أمام الشعارات الرنانة ومعلقات الحنجوري.. وساعتها لن تنظر الناس أكثر للإعلان الذي يأكل النصف السفلي من الصفحة الأولى لمعظم صحف تلك النوع ، ولن تسأل عن الطريقة التي حصل بها هؤلاء على معلوماتهم عن الحرامية ، ولا لمصلحة من كان السكوت طوال تلك الفترة.. أيعقل أن تنسى يا دكترة من كان يتحدث طوال الوقت باسم المواطن "صابر عبد الصبور"؟ .. أزعل!

ختاماً.. أسوأ أنواع الكلام الفارغ كلام يبدو في ظاهره منطقياً ، وأسوأ أنواع الكذب ما يبدو من الخارج صدقاً بواحاً ، وأسوأ أنواع الغش هو ما يعتمد في أحيان كثيرة ، على حقائق.. تمنيت أن يكون الكاتب الذي لطالما احترمته أكثر موضوعية ووضوحاً.. خسارة..
* الصورة لـ"محمود سعد" من الموقع الرسمي لجريدة "الوسط" الناطقة بلسان الحزب الذي يحمل نفس الاسم..ومن المحتمل أن نتناول "محمود سعد" نفسه لاحقاً..

Tuesday, April 10, 2012

مش ألبوم "نكت"

ألبوم يعود إلى الثمانينيات ، 1981 تقريباً ، قد يراه البعض ألبوم مونولوجات أو أغاني كوميدية ، بما أن من يغني فيه هو "سمير غانم" الفارسير الأشهر ، لكن يفاجئك ، كما فاجأني ، أن الألبوم يحمل بصمات ثلاثة مبدعين ، الأول رغم قدمه وخضرمته في تاريخ الشعر الغنائي ، تراه يقدم في جرأة على تجربة كهذه ، والثاني رغم حياته القصيرة ، إلا أنه لا يتوقف عن إبهارك بالتألق في كل مكان يدخله ، والثالث لم يحصل إعلامياً على ما يستحقه من فهم ، رغم أنه جزء لا يتجزأ من تاريخ الأغنية المصرية في الثمانينيات ، وليس مجرد واضع موسيقى تصويرية فحسب..

لا أعرف الكثير عن ملابسات الألبوم ، ولم يتوفر على الإنترنت معلومات تذكر سوى أغانيه موجودة على "يوتيوب".. لكن ما أغرب أن يجتمع في ألبوم واحد كل من "حسين السيد" و "عصام عبد الله" و "محمد هلال".. ولكل منهم تاريخ وتجربة وشكل خاص به .. إحدى أغاني الفيلم هي تتر فيلم "أربعة - اتنين - أربعة" الذي شارك فيه "سمير غانم" نفسه وكان من نجومه إلى جانب صديقه الكوميدي الراحل "يونس شلبي" وعرضته "الحياة" قبل أيام قليلة ، وهناك أغاني لا أعتقد أنها جاءت ضمن أحداث أفلام شارك فيها "سمير غانم"..

"حسين السيد" بتاريخه الغنائي الطويل ، وتجاربه في كل لون ، يعود للكوميديا مع "سمير غانم" وهو صاحب تجارب في الأغنية الكوميدية مع "فؤاد المهندس" ومع الثلاثي نفسه ، وتربطه بهم علاقة عمل طويلة قبل وبعد وفاة "الضيف أحمد" (الذي تمر ذكراه في السادس عشر من هذا الشهر ولم يغب عن ذلك الألبوم كما سيتقدم) ، وعلاقة "حسين السيد" بالدراما أقدم بكثير من علاقته بالمونولوج ، أو الأغنية الكوميدية على الطريقة المصرية ، قال فيه "محمد عبد الوهاب" : "الشاعر حسين السيد كان يكتب الاغنية الموضوعية فاغنيته ذات موضوع و قصة"..وهو ما طبقه عملياً في أغنية مثل "الشانس" ضمن الألبوم .. جمع فيها ما بين المونولوج بسمعته في مصر كأغنية كوميدية ، وبينه بمعناه الأصلي كـ"حديث للنفس".. الجميل هنا أنه ، في أغنية حسب علمي وصححوني إن أخطأت لا تأتي ضمن سياق درامي ، يجمع فيها ما بين "المونولوج المسرحي" (بإلقاء غير غنائي) والأغنية ، مرونة تحسب لـ"محمد هلال" الذي لم يختر أن يلحن الأغنية كأغنية بجمل مكررة وكان بمقدوره ، لكنه لحنها "ثلاثي" على طريقة الثلاثي التي تحتفظ بجملة رئيسية ينطلق بعدها الملحن بحرية تامة في داخل الأغنية إيقاعاً وحركة..الأغنية تتحدث ببساطة عما يمكن للإنسان أن يفعله لو ابتسم له الحظ ، أو "ضحك له الشانس".. حالة لم تتكرر في خفة دمها إلا مع "محمود أبو زيد" و "حسن أبو السعود" و"يحيى الفخراني" في فيلم "الذل" بعدها بثماني سنوات أو أكثر ، حينما يتخيل نفس الحالة من وجهة نظر "قمارتي"!

"حسين السيد" الشاعر الدرامي النكهة صاحب الخبرة في الكوميديا يقدم في تلك المرحلة من حياته نضجاً في نهاية تجربته ، التي صادفت بداية تجربة شاعر سيبقى قصة جميلة لم تكتمل ، "عصام عبد الله".. أمل مصر في الشعر الغنائي كما وصفه "صلاح جاهين"..

لا يمكن أن أوفي هذا الرجل حقه ، وأحد الزملاء لديه مدونة خاصة بأعمال هذا الشاعر الصغير سناً الكبير موهبة وتجربة ، وعندما تطلع على تاريخه ستذهل.. هذا الرجل الذي له تحف شعرية غنائية مثل "الطول واللون والحرية" و "وحدانية" و "قلب الليل" و "ودعي المكان" ، و"لو بطلنا نحلم نموت" ، و"روحي فيكي تروح" ، كتب أغاني للأطفال -مثل "البطة أطة" لـ"عبد المنعم مدبولي" و "الديك الشركسي" لـ"يونس شلبي" ، وكتب أغان كوميدية كما في هذا الألبوم، وكتب أغاني إعلانات ربما نعرف بعضها وحفظناها عن ظهر قلب خاصة جيلي الذي كان في مرحلة الطفولة وقت توهج "أفندينا" "طارق نور" ، ومنها ، في اعتقادي ، تعرف على "محمد هلال" الملحن وصاحب الأيدي البيضاء على جيل بأكمله من المطربين منهم "عمرو دياب" و "محمد فؤاد" والقائمة تطول.. "هلال" هو الآخر نعرف تاريخه ولا نعرفه هو.. المعلومة الوحيدة لدي أنه توفي!

لـ"عصام" في "مانا مانا" ثلاث أغاني ، أغنية تتر "أربعة اثنين - أربعة" كما سبق الذكر..و"أنا مبسوط" التي تذكر من بعد بمونولوج شهير لـ"إسماعيل ياسين" اسمه "نبوية" ، وأغنية هي رسالة مفتوحة لـ"الضيف أحمد".. مود مختلف عن باقي الألبوم ، "يلقيها" ولا يغنيها "سمير غانم" على خلفية موسيقية بديعة من "هلال".. لصديق رحل قبل ذلك التاريخ بعشر سنوات ..

"حسين السيد" ، "محمد هلال" ، وثالثهما "عصام عبد الله" يجمعهم قاسم مشترك ، وهو علاقتهم بالدراما ، "حسين السيد" أحد رواد الديالوج الغنائي منذ "حكيم عيون" ، وكتب أشعاراً لأعمال درامية ما بين مسرح وسينما ، وتشكل جزءاً من أسلوبه الغنائي حتى وهو يكتب أغنية مثل "ست الحبايب" ، "عصام" له من ضمن تجاربه محاولة واحدة مع فيلم "أنياب" للراحل "محمد شبل" ، ولولا رداءة الصورة هندسياً لأجبرت فضولية الجيل الحالي الفضائيات على عرضه لما يثيره من جدل فكري وسياسي (=قصده وتعمده صناع الفيلم) ، وكانت أشعار "عصام" جزءاً لا يتجزأ من الفيلم وليست مجرد أغنيات عادية ، أما "محمد هلال" فمعروف لنا كواضع موسيقى تصويرية في العديد من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات ، وترك أسلوبه في التنفيذ الموسيقي آثاره على العديد من الموزعين الذين كانوا في بداية حياتهم وقت أن عملوا مع "هلال" في سنوات الثمانينيات.. ما نراه في هذا الألبوم بالذات هو "هلال" الملحن ، كما لم نره من قبل ..

"سمير غانم" ليس مطرباً بالمعنى المفهوم للمطرب ، لكنه ذكي بشكل يعرف معه إمكاناته جيداً جداً ، يجيد كمؤدي كما يجيد ممثلون كثر ، ويتعامل معه الملحنون على هذا الأساس ، والمتعة في الألبوم غير الضحك بالتأكيد هو الأداء أكثر منه الغناء ، الأداء الذي وضع على أساسه "محمد هلال" موزع الألبوم وملحن معظم أغانيه خططه ، الأداء الذي انتظره من كانوا فضوليين بالدرجة في ذلك الوقت لسماع ألبوم كوميدي في فترة كان فيها كل الغناء عاطفياً صرفاً (ولم يثر على ذلك الوضع إلا قليلون من صناع الأغنية في مصر) ، وبقي معنا ونحن نعيد قراءة ألبوم كان يعتبره البعض مجرد ألبوم "نكت" حتى وهو مرصع بأسماء ثلاثة مبدعين حقيقيين ينتمون لجيلين مختلفين.. سمح الظرف الحالي بإعادة اكتشاف اثنين منهم ، "عصام عبد الله" و "محمد هلال"..
* شكر خاص جداً للزميل العزيز "شريف" صاحب مدونة الشاعر "عصام عبد الله" .. الفيديو من "يوتيوب"..

Saturday, April 07, 2012

والصورة تخدع .. كثيراً : جزء ثان

في التدوينتين السابقتين تحدثنا عن استخدام الساسة الأفراد للصورة في شكلها المجرد للتسويق لأنفسهم ، واستخدام المجموعات السياسية للصورة في شكلها الدرامي السمعي البصري لتسويق نفسها ، تذكروا أننا لا زلنا نتكلم عن نفس البلد .. هل تستعمل دول أخرى الصورة لتسويق نفسها؟

الإجابة نعم ، وبالتأكيد..

الدول كالساسة والشركات ، تسعى هي الأخرى لتسويق نفسها ، تسويق صورتها السياسية وتسويق "قيم مجتمعها" من حرية سياسية واقتصادية واجتماعية كما هو الحال بالنسبة للسينما الأمريكية ، أو التعدد الثقافي كما يفهم البعض من السينما الهندية (رغم ما شاب بعض الأفلام في السنوات الأخيرة من نعرات عنصرية)، تسويق صورة المجموعة الحاكمة الدينية كما في السينما الإيرانية ، أو العالمانية أو المتعلمنة كما في الدراما التركية ، أو حتى الصورة السياحية كما في السينما الهندية وأحياناً المسلسلات التركية ، بما أن سمعة الأفلام التركية في مصر لا تزال سيئة ، مقارنة بالمسلسلات.. بل إن بعض النقاد خارج مصر يتهم السينما المصرية في العصر الناصري بالتسويق للفكر الناصري أيضاً..

يرى كل هؤلاء على اختلاف أماكنهم ومشاربهم في الفن قوة ، قوة الاستيلاء على عينيك وعلى عقلك ، الاستيلاء على عينك بما تراه من مناظر خلابة وأجواء بديعة ووجه حسن بالتأكيد، والاستيلاء على عقلك بما تراه من أنماط وثقافات هي "وش القفص" في تلك المجتمعات ، ويختلف هؤلاء عنا كعالم عربي في فكرة أننا - كما يرى البعض وأتفق معه جزئياً- "بتوع علاقات عامة" أكثر من اللازم ، نجعل من فكرة "سمعة البلد في الخارج" قيداً يستعمل بشكل سيء ولا أخلاقي أحياناً على حرية التعبير داخل البلد ، ونفرضها فرضاً على أعمال هي للاستهلاك المحلي باعتبار أن المشاهد في الخارج قد يطلع عليها (وبيني وبينكم هو بيطلع عليها كتير) ، لا وسط إذن ، إما أن نبيع خيالاً صرفاً للشعب خشية كلام الناس - اللي لا بيقدم ولا يأخر من وجهة نظر "جورج وسوف" (1)- أو نبيع لهم أسوأ ما في الواقع فنصبح أحلى موضوع لكلام الناس.. ولكل سكة من يتربح منها ويعمل أحلى أحلى سبوبة..

الخارج مهم للدول والحكومات كأهمية الداخل ، لا توجد دولة في عالم اليوم ، ولا حتى في عالم الأمس ، تستطيع أن تعيش بمعزل عن الغير أياً كانت قوتها وما تمتلكه من موارد اقتصادية وتكنولوجيا متقدمة ، في كل يوم يزداد العالم تشبيكاً وتشابكاً ، الخارج هو سوق لمنتجات الدولة ، وأفكارها ، ونموذجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، والخارج "القريب" أو الدائرة المحيطة هي عمق استراتيجي للدول ، ومناطق نفوذ سياسي واقتصادي وديني لها .. الأمريكان مثلاً ، رغم أن سينماهم كانت تجتاح العالم ، عاشوا ما أسموه بأيام العزلة عن العالم الخارجي ، سواء أكانت عزلة سياسية أو جغرافية بحكم إحاطتها شرقاً وغرباً بمحيطين كبيرين ، لكن مع دخول الأمريكان الحرب العالمية الثانية ، وتوابع "بيرل هاربر" ، ثم ظهورها كقوة عظمى ، ثم الحرب الباردة ، رأوا أنه لكي يبقى نفوذهم وتستمر قوتهم يجب أن يكون لهم في كل "مكان ما" عفريت ، لأن كل مكان ستتركه سيذهب إليه تلقائياً المنافس -الاتحاد السوفييتي السابق - الذي يفكر بنفس الطريقة ويبحث عن نفس مناطق النفوذ .. ومع إحساس دول أخرى بقوتها وحجمها ورغبتها في أن تكون فتوة و"كوماندا" بدأت هي الأخرى تسلك نفس المسلك ، تبحث "إيران" عن تصدير الثورة وتحسين سمعة الملالي ، بخلطة يصفها أستاذي الناقد "أسامة القفاش" بالدعائية ، تجعل "تركيا" من دبلجة المسلسلات واستحداث خدمة تليفزيونية ناطقة باللغة العربية جزءاً من سياسة تمددها نحو الشرق ، الذي تبحث فيه عن دور يستحيل أن تتمتع به داخل أوروبا ، وتستعيد من خلاله أوهام الإمبراطورية العثمانية حيث كانت تركيا بالصلاة على النبي تحتل كل تلك الدول التي تصل إليها مسلسلاتها الآن..

للصورة قوة ونفوذ وسر باتع ، نجحت الأفلام الأمريكية في أن ترسم صورة يصفها النقاد اليساريون - نقلاً عن آخرين -بـ"الحلم الأمريكي" ، جذبت إليها عديد المهاجرين من كافة أصقاع الأرض ، تماماً كمن بنيت عليهم أسس الإمبراطورية الأمريكية قبل قرون ، جل هؤلاء وفدوا ليس هرباً من اضطهاد ديني أو مذهبي ، أو سعياً وراء حمى الذهب التي صاحبت الفترة الأولى من تاريخ الولايات المتحدة كما كان الحال مع أوروبيين كثر، بل على حس الحلم الأمريكي الذي صنعه لديه ما شاهده من أفلام في فترات سابقة (رغم أن هناك أفلاماً أمريكية تنتقد فكرة الحلم الأمريكي نفسه بشكل جاد أو تهكمي) ، ويتخيل من هذا الجل نسبة كبيرة من الناس أنه سيعيش فيلماً أمريكياً هوليوودياً بكافة مشتملاته ، تماماً كمن يعتقد حين سفره لإجازة لـ"تركيا" - إن سمحت له إمكانياته بذلك - أنه سيرى "مهند" و "سمر" في شارع ما هناك ، أو العالم المبهر الذي تقدمه بوليوود في أفلامها بمجرد النزول في مطار "نيودلهي" (ينسى معه مشاهد الفقر الذي تقدمه بوليوود لمغازلة جمهور السينما الهندية الضخم داخل الهند والمكون معظمه من فقراء).. شغل البروباجاندا وألعاب الصورة إذن "بيجيب نتيجة".. بدليل أنه قد أصبح للأردوغانية في مصر جمهور كبير وفي زمن قياسي، دون التفكير فيها وعرضها من كافة زواياها ، وتحول "رجب طيب أردوغان" إلى زعيم لم تنجبه الأمة العربية من قبل ، ولا تختلف رؤية البعض لـ"أحمدي نجاد" كثيراً..

..رغم أن الصورة لا تعكس جزءاً كبيراً من الحقيقة ..

اسأل كل من بنى فكرته عن نظرية أو فكرة أو بلد على حلم ، والصورة لدى البعض حلم ، أو كابوس لمن يريدها هكذا.. حتى يصطدم بحقيقة قد تنسف كل تصوراته نسفاً.. اسأل من عاش التجربة ، وستعرف ، وسترى أشياء..

ستسأل بالتأكيد : وماذا عنا؟

أيضاً سأجيبك بنفس نظرية اللاوسط ، السليق أو الحريق ، كان لدينا الفن كله موجهاً في فترة الحكم الناصري ، كل أدوات الفن من إذاعة معتمدة وموسيقى وسينما تقريباً كانت في يد النظام الحاكم ، قام باستغلالها كلها لتسويقه والدعاية له ، إلى أن اهتزت الصورة في 1967 وتوابعها ، بعدها مع الوقت بدأت اليد الحكومية تخف ، ظهر الكاسيت كمؤسسة موازية للإذاعة ، وظهر الفيديو كمؤسسة موازية للتليفزيون ، وظهرت شركات الإنتاج الخاصة في السينما فتفرغت الدولة للتليفزيون الذي كانت تحتكر خدماته أرضاً وفضاءاً ، صعد المال السياسي وأصبح لديه من المال ما يكفيه لإنشاء فضائيات وصحف وإنتاج مسلسلات وأفلام ، ولم يعد هناك "لاعب أوحد" في الحكم في مصر ، يتحلق حوله آخرون يستفيدون منه سواء مثقفون أو رأسماليون .. ضعفت الدولة و "هكعت" ووصل التهكيع إلى مستوى الإنتاج التليفزيوني ، والسينمائي-التليفزيوني (كالجرائم السينمائية من عينة "رجل له ماضي" و "أبناء الشيطان").. طالب بعض المثقفين ذوي الميول اليسارية والناصرية من الدولة أن "تنتج" و أن "تنقذ البلاد من الهوة السحيقة من الإسفاف والابتذال" و..و... اجتراراً لإرث الحكم الناصري ، لكن لا التجربة الناصرية نجحت أو استمرت حتى تتكرر بحذافيرها (كله عايز يكرر الماضي بحذافيره.. معقولة ح أفكركم برضه بالكلام دة) ، ولا كان لدى الدولة في الحكم المباركي شيئاً لتسوقه سوى صورة النظام ، للاستهلاك المحلي طبعاً..

وبطريقة أو أخرى أسهمت الصورة في مصر في جعل سمعة هذا البلد أسوأ ما يكون ، من تطرف في "الذواق" إلى تطرف في "اللغمطة".. ولدينا بالمناسبة خلل كبير في صناعة الصورة نفسها ، يعني ياريت الصورة كانت عدلة ، سواء على مستوى السينما أو التليفزيون ، حتى عندما تطورت مواصفات الصورة في التليفزيون ، وأصبحت تبدو كصورة السينما صارت تقوم بالتخديم على منطق غبي يفسد لك كل ما بذل من مجهود في المواصفات والألوان..

الصورة التي اعتقد البعض أنها يمكن أن تزغلل عين الآخر فترى السوء حسناً قامت بتسويد الدنيا لدرجة الكلوح في عين أهل الدار ، سلاح ارتد إلى نحرنا وقنبلة انفجرت في وجوهنا جميعاً..

سيتطلب الأمر ، على أي حال ، منا أن نتعامل مع الصور الوافدة إلينا بعقلانية لا انبهار ، ومن صناع الصورة في مصر أن يحترموا عيوننا وعقولنا أيضاً ، كي يستطيعوا كسب احترام الآخرين لهم ولما يقدمون ،ولنا أيضاً.. أتمنى أن أكون قد أوصلت الفكرة بشكل صحيح في هذه التدوينة أو في التدوينتين اللتين سبقتاها .. دمتم بكل ود..
(1) الموديل في أغنية "كلام الناس" لم تكن سوى "روبي" .. "سيرين عبد النور" يعني!
* الصورة لـ"كيفانش تايتولونج" و "بيرين ساات" أو "مهند" و "سمر" (وحالياً "فاطمة جول") من موقع مجلة "كلمتنا"..

والصورة تخدع .. كثيراً: جزء أول

إذا كانت التيارات الدينية تبيع لك القصص التي تحكى على المنابر رغم استحالة تحقيق العديد من مثالياتها ، فإن التيار الليبرالي في مصر (والليبرالية المصرية الحالية ليبرالية اقتصاد وليست سياسة أو ثقافة فما تفرحوش قوي) يبيع لك صورة مصر في أفلام "نجيب الريحاني" ، واليسار والناصريون يبيعون لك صورة مصر في أفلام فترة الستينيات .. وفي كل مرة يحاول هؤلاء إقناعي وإقناعك بأن تلك كانت الصورة الحقيقية للبلد بمن فيها ، وهو كلام أقل ما يقال عنه أنه "هبل" وكلام فارغ..

1-لنعترف ، أولاً ، بأننا كعالم عربي من المحيط إلى الخليج نعاني من تجاهل تام لما يمكن تسميته بـ"التأريخ الاجتماعي" .. أبسطهالك : نحن نعرف من التاريخ أحداثه الهامة والمواقع الحربية والمعاهدات وخلافه ، والأبنية التي نراها وتتركها كل حضارة حولها ، لكننا لم نكلف عقولنا بالسؤال عن حال الناس في ظل تلك الحضارات ذات الأبنية الضخمة الجميلة في مظهرها الخارجي ، من العادي جداً أن تكتب كتب التاريخ عن دول وعصور ذهبية على الأصعدة العسكرية والعلمية والفكرية والثقافية والاقتصادية في حين أن شعوب تلك الدول كانت تعيش في فقر وجهل وتخلف وظلم وغياب كامل للعدالة الاجتماعية.. تذكروا حالة مصر ما قبل 1952.. صورة جميلة في الأفلام والصحافة وصورة بشعة في الواقع تتحدث عن جهل ، وأمية منتشرة ، وانعدام للعدالة الاجتماعية ، ووجود أسوأ صور الاستغلال للعمالة الزراعية وأحياناً للعمالة الصناعية ، بل وفي بعض الفترات الترخيص بالدعارة من أجل "الترفيه عن الجنود الإنجليز"!.. وفترة الستينيات لم تكن كلها إيجابيات كما يسعى ستينيو الهوى لإقناعنا بها..

2-لنعترف ، أيضاً ، بأنه من الممكن أن نعتبر أن ما تم إنتاجه في تلك الفترات من أعمال فنية يمكنه أن يعكس جزءاً من الصورة التي كان عليها المجتمع المصري.. وليس كلها.. يمكن أن أحصل على فكرة معقولة نسبياً عن اللغة الدارجة في تلك الفترة ، عباراتٍ ونطقاً ، والمصطلحات الشائعة في التعبير عن "مودات" مختلفة ، استحساناً واستقباحاً وجداً ومزاحاً ، وحتى نوعية الشتائم التي كانت مستخدمة في تلك الأفلام..

3-ولنعترف ، إلى جانب ما سبق ، بأن النظرة العامة للفن ، والظروف المصاحبة لإنتاجه ، تختلف عما نحن عليه الآن.. بالرجوع لأفلام فترة الأربعينيات على سبيل المثال ، كان المنتجون يتمثلون بالنهج الهوليوودي في صناعة أفلام يرونها منافساً لأفلام "كلارك جيبل" و "تايرون باور" ومعاصريهما ، وحتى عندما كانوا يقدمون أفلاماً استعراضية ، إلى درجة جعلت النقاد يربطون بين أسماء مصرية ونظيراتها في هوليوود تلك الفترة ، كما كان الحال مع "منير مراد" - الملحن الشهير وشقيق "ليلى مراد" - الذي أسماه نقاد وصحفيون "فريد أستير الشرق" نسبة للنجم الاستعراضي الأشهر في تاريخ هوليوود ، لتشابه التجارب الاستعراضية المحدودة لـ"مراد" التي تشبه مع فوارق كبيرة نظيراتها الأمريكيات..

ولكي تقدم فيلماً جميلاً عليك بالذوق وبالعافية أن تقدم واقعاً جميلاً ، حتى بعيداً عن فكرة أن الجمال قيمة في الفن في حد ذاتها ، وأن الفن -مهما حاول أن يعكس الواقع أو حاول جعلك تفهمه أو تتقبله أو تثور عليه - لا يجب أن يكون نسخة من الواقع بنسبة 100% ، كثير من الأفلام تتناول على سبيل المثال الطبقة الأرستقراطية بقصورها المنيفة وحياة أهلها المرفهة ، ففي تقدير منتجي تلك الفترة كان المشاهد يذهب ليستمتع برؤية عالم أجمل من عالمه الحقيقي ، وحتى عندما تناولت الطبقة الوسطى والطبقات الفقيرة حرصت أيضاً على أن يكون تناولها جمالياً أيضاً ، لا أزعم أن بعض الناس وقعوا في غرام الفقر كما صوره فيلم "لعبة الست" (1946) ، وهو يختلف كثيراً عن الفقر الحقيقي الذي كانت تعيشه أسر أخرى في أماكن أخرى بعيداً عن عالم الأفلام اللذيذ.. هذا عن الذوق..

أما العافية فتذكر أنه كانت هناك رقابة ، ورقابة حادة كالسيف ، وكانت تصرفاتها غريبة ، ولكن محكومة بسياق الزمان ، كما فعلت الرقابة مع فيلم "لاشين" (1938 ويقال 1939) الذي منعته بدعوى شبهة الإساءة إلى الذات الملكية ، رغم أن من يشاهده الآن يفهم أشياء أخرى تختلف.. وفي الستينيات كانت قبضة الدولة البوليسية قد اشتدت ، ومن الطبيعي أن تزداد صرامة الجهاز الرقابي أيضاً.. ضع بعين الاعتبار أيضاً أنه كان من غير المقبول أن تقدم أفلام تحرض الناس على ثورة بحق وحقيق ، ولا توجد طريقة أسهل لتحقيق ذلك الغرض سوى أن تقول للناس الحقيقة (أو تستنى لحد ما الفترة تخلص وتيجي اللي بعدها وتقولي كل اللي انت عايزه).. أن تذهب إلى أماكن الفقر وتسجلها لتصدم بها أعين الناس المحافظين في ذلك الوقت ، أو حتى من يسعى للتسلية لا أكثر ولا أقل.. علماً بأن الشرائح المحافظة لن تكون سعيدة بما يكفي عندما تصدمها بعنف بواقعها كما هو .. فالشتائم المتداولة في تلك الفترة ، بعضها بذيء جداً بالمناسبة، والتي لم نعرف عنها شيئاً بفعل الرقابة والمجتمع المحافظ وأشياء أخرى، بما أن المستند الوحيد الذي يوثقها في أيدينا هو الأفلام والمسرحيات "ما سجل منها إذاعياً" .. وبالتالي فإن "الواقعية" كما قدمها بعد 1952 "صلاح أبو سيف" لم تكن مرحباً بها إذا ما تم تقديمها في 1952 ولو قبل الثورة بأسبوع..

الآن ..الحمد لله ، الذي لا يحمد على مكروه سواه ، فقد تطور الوضع من النقيض إلى آخر النقيض ، كلما كان الفيلم أكثر قبحاً ، وقباحة ، كلما كان واقعياً بامتياز ، وكلما تم قطع الشعرة ما بين الحد الأدنى المشروع من جماليات الفن وبين التسجيل الحرفي للواقع بمنشار كهربائي كلما كان أحسن ، وكلما كان صانع الفيلم فجاً و "دجَّاً" كما يقول الأشقاء في بلاد الشام كلما كان عبقرياً ، ولنا في "خالد يوسف" و "خالد الحجر" ما يغني عن مزيد بيان.. وأيضاً - سبحان الله - ستصل إلى نفس النتيجة ، وستكتشف أن تلك الأفلام أيضاً لا تعبر عن مصر التي ليست كلها "مارينا" وليست كلها مناطق عشوائية ، في الوقت الذي يقول لك المخرجان المذكوران وأشياعهما في الصحافة وخارجها أن سينماهما تعكس مصر ومن يقول غير ذلك فهو كذا وكذا ..

خلاصة القول ، جميل أن تذكرك الأفلام والأغاني القديمة بجانب من الماضي الذي هو بالتأكيد أجمل في بعض جوانبه من الآن ، لكنها ليست مستنداً يمكنك على أساسه اختيار مشروع سياسي يحكم حاضرك ومستقبلك ، كثير مما كان يصلح بالأمس لا يصلح اليوم ، وكثير مما يمكن عده ضرورة حياة في الوقت الراهن سيعفُ عليه الزمان في يوم ما.. ولعله قريب..
* الصورة من الفيس بوك..

Friday, April 06, 2012

يسقط يسقط حكم الصورة

ربما تثير هذه السطور غضبك قارئي العزيز .. معلش .. استحملني شوية..

لا أعتقد أننا على مدى ثلاثة عقود كنا نحكم بامبراطورية أمنية كما كان بعض الناشطين يتوهمون ، ما كُنَّا نُحْكَم به هو الإعلام يا سادة .. دائماً ما كنت أعتقد أن الرجل الأقوى فعلياً في مصر ، والذي استمر طوال الحقبة المباركية بأكملها لم يكن وزير داخلية ولا رئيساً لجهاز أمني ، بل كان ، ودوناً عمن شغل منصبه من بعده ، "صفوت الشريف" ، وما زلت عند رأيي في كونه رجل "مبارك" القوي ، كل ما هنالك أن طبيعة دوره "قد" تغيرت مع فترة صعود "جمال".. لا أكثر.. بدليل أن كل وزراء الداخلية في عهده تقريباً ، ومنهم من كان أقوى من "العادلي" ألف مرة ، تذكروا "زكي بدر" و "حسن الألفي" ، وحتى "يوسف والي" الذي شغل لفترة طويلة منصب الأمين العام للحزبوطني ذوى هو الآخر وأفل نجمه.. وبقي رجل الإعلام حتى الثورة محتفظاً بكامل نفوذه ، وحتى ما قبل جمعة الغضب بيوم يتحدث بثقة منفوشاً كالديك الرومي..

كُنا نحكم بثلاثة أدوات : الصورة ، والمانشيت ، والإذاعة .. وحتى ما قبل عقد خلا من الزمان كانت الدولة المصرية تحتكر كل وسائل الإعلام ، مقروئها ومسموعها ومرئيها ، ولأن تليفزيون الدولة ، وجرائد الدولة ، وإذاعة الدولة كانت على مدى العقدين الأولين من فترة "المخليوع" تحتكر بدورها الخبر ، والمعلومة ، والحقيقة ، وساعد موروث كبير عن علاقة الناس بالدولة ، وعلاقة الإعلام بالدولة ، وعلاقة الإعلام بالناس على أن تتحول وسائل الإعلام في مصر إلى شيء مقدس ، مرجعية لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها أي شكل من أشكال الباطل .. حتى لو خالف ذلك ما يصدقه العقل وتشهد عليه العين..

ومع السماح لقنوات خاصة وصحف مستقلة بالظهور ، لا على سبيل حرية الرأي وأزهى عصور المش عارف إيه ، وإنما انحناءً لمد جديد من رجال الأعمال المراهقين سياسياً ، خيل لنا ، ولي على الأقل ، أن تلك المعادلة سابقة الذكر في طريقها للاختلال ، فهؤلاء لعبوا أولاً على حالة "الدروخة" التي لازمت الإعلام الحكومي مع منتصف التسعينيات ، وفقدان التليفزيون المصري بالتحديد لأرض كان قد كسبها في مجالات الدراما والترفيه لحساب المد اللبناني - البترودولاري في عالم الفضائيات ، و ثانياً تراكم سوء الأداء الحكومي على مدى عشرين عاماً سبقت تلك المرحلة ، وثالثاً إحساس رجال الأعمال المذكورين (الزائد) بالقوة في مواجهة شراكات فاسدة صنعتهم هم ، وطبعاً على "البوفيه المفتوح" والصرف بلا حدود على الميديا من قبل أناس بعضهم "تايكونات" في مجالاتهم ، بدأ الناس يرون إعلاماً مختلفاً ، بخطاب مختلف ، يلعب على السخط الشعبي العام من سياسات فاشلة بدأت منذ الثمانينيات وليس منذ 2005 كما يتوهم بعض المثقفين ، وعلى ظهور مشاكل مجتمعية ضخمة نتيجة تلك السياسات الفاشلة من بطالة وخلافه ، ويتاجر بالناس كقوة ضاغطة آخرها تكرار سيناريو 17 ، 18 يناير 1977 دون أن يتطور الأمر إلى ثورة شاملة تأكل عصابة المال السياسي جنباً إلى جنب مع رموز الحقبة المباركية ورجال أعمالها.. في تلك الفترة كان من الممكن أن نسمع صوتين مختلفين ، وتناولين مختلفين لقضية واحدة أو لحدث واحد ، فقط لتضارب المصالح بين إعلام "بالروح بالدم" وإعلام "عيشتنا صبحت غم"..

قامت الثورة واعتقدنا أن كل شيء قد تغير ، لكن ما كان صادماً للشعب ، وربما لي على الأقل، ككاتب هاوٍ متابع لعالم وسائل الإعلام المصرية إن جاز استعمال المصطلح ، أن شيئاً لم يتغير ، نفس اللعب بالصورة والمانشيت والاعتماد على الأساليب الدعائية الصفوتية الشريفية ، بشكل مختلف ، وبتوزيع جديد ، فعندما أعلن "البرادعي" انسحابه من السباق الرئاسي رأينا جريدة "التحرير" في عهد رئيس تحريرها "إبراهيم عيسى" تتحول إلى صورة طبق الأصل من جريدة "الأهرام" إبان "إبراهيم نافع" بعد كل خطاب لـ"مبارك" في عيد العمال أو في أي عيد يخطب فيه ، كأن الثورة قد قامت لكي يتم خلع "نافع" ونضع مكانه "عيسى" ، عندما تقرأ هذا المقال لـ"نصر القفاص" تفاجأ بأن "القرف"(1) الذي كنا نقرأه من "سمير رجب" إبان فترة "النادي السياسي" للحزبوطني (قبل ظهور أمانة السياسات) قد عاد كما كان ، آليات النفاق لم تختلف ولم يتغير مستوى الابتذال حتى ولو بقدر يسير.. هو فيه كدة؟ :(

يا فرحتي - قوي - بالتعددية السياسية بشكلها البراق الجذاب في حين تجد فيه معظم وسائل الإعلام ، الخاص وأغلب الحكومي ، يسير في اتجاه مرشح واحد للرئاسة بعينه ، يناقش الإعلام أفكار مرشحين بما يرضي الله ، ويناقشون مرشحين آخرين بما لا يرضي الله ، إلا المرشح إياه ، كأنك تتحدث عن "مبارك" جديد مع الفرق إن "مبارك" الأصلي جاء بالتعيين أما الآخر فبالانتخاب.. بل أرى أنه لو كان قد قُدِّرَ لـ"جمال مبارك" خوض الانتخابات في 2011 لرأينا نفس الصورة التي تراها أعلى التدوينة بنفس التقنية.. وطبعاً بما أن الجمهور غبي وجاهل ولا يفكر ومتخلف عقلياً من وجهة نظر الإعلام الجديد ، فما هي حاجته في أن يعرف كل شيء عن برامج مرشحه للرئاسة أيا كان وأيا كان انتماؤه وأياً كانت مرجعيته نقداً وتحليلاً بالمزايا والعيوب ، فهذا الإعلام هو مبعوث العناية الإلهية لكي يقول للحرافيش الأدبسيس افعلوا ولا تفعلوا ..

وطبعاً عندما يفوز ذلك المرشح ، ستصاحب الكاميرا مولانا أينما حل وارتحل ، وستغرق صوره الفيس بوك ووسائل الإعلام المعروفة وغير المعروفة ، وسيتم "تأييف" تقارير وريبورتاجات هنا أو هناك في العاصمة أو الصعيد أو وجه بحري ، مع الثقة بأن "الناس طيبة وحتصدق" ، وسترى أعدل حاكم عرفه العالم منذ "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه ، شوفوا ورع الرئيس ، وتقوى الرئيس ، وتواضع الرئيس ، ووقوفه مع الغلابة والمحرومين ، مع كافة مشتملات شغل البروباجاندا الهابطة وجو الدراما الرخيصة المصاحب..

وإن كنت ممن آذى ما حدث في الفترة الانتقالية من قتل وتعذيب وسحل وخلافه مشاعرك ، فأقول لك وعلى مسئوليتي أنها ستتكرر في عهده ، وبشكل أسوأ ، لكن الكاميرا والجريدة ستقومان بدور المحلل ، تقرير هنا وصورة هناك ، وكله تمام ، أي انفلات يتحدث عنه الموتورون ، وأي غلاء يتحدث عنه الحاقدون ، وأي سوء للحال يتحدث عنه هؤلاء الجهلاء الحمقى ، سيتم إخفاء جسم الجريمة بفعل الصورة والصوت والفيديو والمقال ، وسنرى "أحلى هز" من ملوك التوك شو يذكرنا بما نقرأه عن حرب كباريهات شارع "عماد الدين" قبل ثورة 1952.. وسمعني سلام "الراقصة والسياسي إيد واحدة".. وعلى من لا تصدق عيناه ما يرى ولا يقبل عقله ما يحدث اللجوء إلى مستشفى الأمراض العقلية..

هل ستقبل بعد ذلك أن تحكم الصورة عقلك؟ هل ستقبل أن يحكمك مَن معه الإعلام أياً كان توجهه السياسي أو الديني أو المذهبي ، بما أن من معه الإعلام معه الكرة ، وبالتالي يحدد اللعبة وقواعدها واللاعبين فيها؟ هل ستحترم من سيراهن على غبائك باسم الدين والثورة والوطن ودماء الشهداء ، التي لم تخضب الأرض كي نرى المال السياسي ولصوص الإعلام يحكمون عقولنا كما كان "مبارك" يفعل؟ دون أن يكون عقلك حراً ، ستحكمك "الصورة" ، تمهيداً للكتابة على قفاك وقفاي وقفا شعب بأكمله..

الكلمة لك..
* (1) مع احترامي الشديد جداً لمن يعتبر ذلك مدحاً عادياً ، أذكر نفسي وأذكر الجميع بأن ما بين النفاق والمدح ليس مجرد خط رفيع ، بل ماسورة شديدة الغلظة من الرصاص ، أذكر نفسي وإياكم بما كتبه "المتنبي" في مدح ، ثم في ذم "كافور الإخشيدي".. الصورة من "الفيس بوك"..