Tuesday, October 26, 2010

فرجات آخر الشهر

* كيف لا أستغرب ممن يقوم بأشياء مريبة في توقيت مريب ثم يستغرب هو من ارتياب الناس فيه؟ هذا ما ينطبق تماماً على "النايل سات" الذي أغلق قنوات بتهمة مخالفة الميثاق الإعلامي وشروط التعاقد فيمَ هناك قنوات أخرى خالفت نفس الميثاق ونفس الشروط ولم يوجه لها أي إنذار ، وبعضها مملوك لبعض رجال الأعمال الكبار بالمناسبة..

* من البرامج الانفلاشية على شاشة "دريم" برنامج "كنت وزيرا".. وهو برنامج سمج ومستفز عبارة عن مقابلة يجريها المحاور الصحفي- ما كلهم بقوا صحفيين- مع "وزير سابق" ليشعرنا كم أن الأمور قد تدحدرت إلى أسفل سافلين في الفترة التي غادر فيها سيادته الكرسي الوثير.. هل لذلك علاقة بأن صاحب المحطة المصون حقق أكبر عدد ممكن من المكاسب (غير)المشروعة في فترة كان يحكمنا فيها رئيس وزراء قبل سابق؟

* قبل الآذان وصلاة الجمعة يذيع التليفزيون المصري كليبات صغيرة على أصوات مبتهلين ومنشدين كبار من أمثال "النقشبندي" و "نصر الدين طوبار" ، لكن مشكلتها تبقى في هزال تسجيل الصوت وهزال الشكل البصري لتلك الكليبات ، والمؤسف فعلاً أنني وجدت على تلك الكليبات الصغيرة اسم لمخرجة كبيرة هي "سميحة الغنيمي".. لم أتوقع أن يقدم هذا الاسم الكبير ذلك المردود الهزيل جداً..خسارة..

* لا ألوم منتجي السينما على الدخول بثقلهم في الفيديو ، فالمسلسلات بالفعل صارت مربحة أكثر ، الفيلم مهما حقق من إيرادات تبقى حياته قصيرة ، وتبقى قوته مقترنة بالأسابيع القليلة التي يعرض فيها في السينمات ، وبعدها يصبح مجرد شيء يتم بيعه للقنوات ، أما المسلسل فعلى تكاليفه الباهظة يبقى كالحساب الجاري في البنك الذي يعطي صاحبه راتباً شهرياً وسيولة معقولة .. المهم ألا ينعكس ذلك على مستوى الأفلام كماً وكيفاً فيم بعد..

* تحية إعجاب للممثل الذي قام بدور "عبد الحليم حافظ" في فيلم "سمير وشهير وبهير".. مكسب بكل المقاييس ولفت نظر كل من شاهد الفيلم بمن فيهم منتقديه..

* إلى من يقلل من أهمية "الموزع الموسيقي" في الأغنية ، شاهدت تتر "ابن الأرندلي" قبل أيام ، ويظهر فيه- كما العادة في المسلسلات الجديدة- أسماء العازفين المشاركين في الموسيقى التصويرية والألحان ، ووجدت تلك الأسماء نفس الأسماء التي تعمل مع غالبية موزعي مصر ، ومع ذلك فإن موسيقى "محمود طلعت" -ملحن تتري "الأرندلي"- تختلف عن موسيقى يقدمها "تميم" أو "توما" أو "أسامة الهندي" أو غيرهم..إيه رأيهم؟

* فيما له صلة ، يحسب لـ "عمرو دياب" مهما اختلفنا معه أنه يثري الساحة الموسيقية بموزعين مهرة جدد ، "حسن الشافعي" الذي كنت من منتقدي ظهوره الأول مع "دياب" أصبح الآن واحداً من نجوم التوزيع بجدارة واستحقاق ، وله أعمال جيدة جداً مع "أنغام" وأسماء أخرى كبيرة في عالم الأغنية المصرية والعربية.. عناية "دياب" بموسيقاه تبقى أحد أهم نقاط قوته..

* قال "بليغ حمدي" عن "عفاف راضي" أنها كانت تغني "خواجاتي" في بداية عهدها بالغناء تأثراً بدراستها للغناء الأوبرالي ، إلى أن قام بتعديل أسلوبها لتصبح واحدة من الأسماء ذات الوزن في الساحة الغنائية ، تذكرت ذلك وأنا أسمع تتر "ريش نعام" ، حيث نجح "تامر كروان" في إعادة "هدى عمار" إلى المرحلة التي كانت فيها "عفاف راضي" قبل أن تتعامع مع "بليغ"!

* إن كان ترشيح "سميرة أحمد" للبرلمان صحيحاً ، أتوقع أن يقوم منافسوها بتشغيل أغنية "الناس بيخافوا منها..فوزززززية"!

* هل لدي مشكلة في "بلع" "هبة الأباصيري" من حيث هي ، أم أنها مذيعة غير "مبلوعة"؟

* أشعر أن الاحتفاء بـ "كندة علوش" مبالغ فيه للغاية ، خاصةً أن الدور الذي قدمت به نفسها في الدراما المصرية واحد من الأدوار المسطحة جداً التي لا تعكس بالقدر الكافي مدى "الجبروت" الذي قدمها لنا الإعلام المصري به..

* تذكرون بالطبع قصة البطة التي فكرت في أن تكون نسراً فلا هي طارت ولا هي استطاعت العودة للسباحة.. هذا ما ينطبق تماماً على "مدحت العدل"..وتترات "قصة حب" تؤكد ما أقول..

* بمناسبة شائعة شراء "جمال مروان" لـ"دريم".. أتمنى إعلاناً جديداً لـ"الميلودي مان" يعود فيه سيرته الأولى ، لينتقم من الجميع ، يلقي بـ"هبة رشوان" من الشباك ، وينهال ضرباً بالعصا الغليظة على "المسلماني" ، ويربط "وائل الإبراشي" في شجرة الصبار في الصحراء كما حدث في إعلان سابق مع سائق "رخم"..ويفر الباقون من أمثال "خالد منتصر" و "جمال الكشكي" و "دينا عبد الرحمن" هاربين.. فتتأثر "منى الشاذلي" بالمشهد فتطلق على رأسها رصاصتين.. وأطمع من السيد "جمال مروان" كذلك بعد الإعلان إياه أن يقوم بشراء "الحياة" و "أون تي في" ليقوم فيها بثورة تصحيح مماثلة تحت قيادة الرفيق المجاهد البطل "ميلودي مان"!

Wednesday, October 13, 2010

العرعريت الأنتيخلي


قيل أن عاملاً ريفياً بسيطاً يفك ثلاثة أرباع الخط كان يعمل لدى تاجر في منطقة تجارية شعبية بمدينة كبرى ، فأراد ذلك التاجر أن يستخف دمه ويستظرف على العامل الغلبان ، فطلب منه أن يحضر له كيساً من "العرعريت الأنتيخلي".. وكأي عامل مطيع في مكانه ، ذهب لـ"يلف" الشوارع من محل إلى محل بحثاً عن هذا الشيء الذي لا يعرف مخلوق ما هو ، بمن من فيهم كاتب هذه السطور ، وفي كل مرة كالمتوقع تحاصره سخريات وتهكمات وشتائم الباعة ، الذين لا يعرفون بطبيعة الحال ما هو هذا الشيء..

مر زهاء اليوم الكامل حتى استقر الأمر به لدى عطار ، وكان الرجل المسكين في حالة نفسية بشعة ، ووصل به السخط إلى درجة لم يعد يبالي فيها بأي شيء ، إلا بأن يعرف أولاً ما هو الشيء الذي ظل يوماً بأكمله يبحث عنه ، فسأل -وهو في قمة إنهاكه وإحباطه ويأسه- البائع في المحل عن "العرعريت الأنتيخلي" ، وكان البائع الغشيم في مسائل البيع والشراء على بعض الدراية بأمور العطارة ، التي لا تخل أسماء ما يباع فيها من أعشاب من مفردات غريبة وسيمات عجيبة ، فاستغرب بدوره الاسم ، وكاد أن يدخل في مشادة عنيفة مع العامل المحبط ، لولا أن سمع صاحب المحل ، وكان عجوزاً "عقراً" يتمتع بدهاء وخبرة سنوات طويلة ، فـ"سحب" البائع المتهور وأخذه "على جنب" ، فحكى له الأخير القصة كاملة ، وأن العامل الزبون أقسم له بأغلظ الأيمان أنه يوجد شيء اسمه "العرعريت..الخ" .. فما كان من العجوز أن وبخ البائع ، وطلب منه في الحال بأن يأتي له بحفنة من عشب معروف لدى العطارين غير معروف لدى عامة الناس ، وبأن يضعها في كيس ، وبأن يعطيها للبائع على أنها ما يريد..

المهم أن صاحبنا عاد إلى المحل ، منتشياً بنجاحه الذي سيرضي عنه صاحب المحل السمج ، ليفاجأ بصاحب المحل مع أصدقائه وهو يحكي لهم على العامل الساذج الذي ضحك عليه ، وكم كان ذهولهم عميقاً عندما رأوا كيس ذلك "البتاع" في يديه!

لماذا أشعر أننا كلنا ذلك العامل البسيط شبه الأمي رغم حصولنا على مؤهلات تعليمية مرتفعة؟ لماذا أشعر أن الإعلام يفعل بنا كما فعل به ولي نعمته ، وجعلنا نعيش في نفس ما مر به رجل غريب بسيط التعليم في بلد لا يعرفها لشراء شيء لا وجود له؟ هل هذا ما يحدث أم أنها مجرد تهيؤات وفوبيا لدي من الإعلام كفوبيا الأماكن المرتفعة والمغلقة وفوبيا الكلاب؟

يوجد حولنا ألف "عرعريت أنتيخلي".. ألف شيء لا وجود له .. وألف شيء لا نعرف ما هو ، وألف علامة استفهام يقرر بعض صناع الإعلام ألا يفيدونا عنها بإجابة تشفي الغليل وتطفئ نار الفضول ، أبسط مثال ، سبب الغلاء المتوحش الذي نعيشه هذه الأيام ، الغلاء الذي لم يكن ، ولن يكون ، ظاهرة طبيعية كالزلازل والسيول ، فقط كل ما تفعله أن تجعلنا نصرخ ، "كيلو الطماطم بخمستاشر جنيه" ، "الطماطم بقت عاملة زي الحشيش" .. دون أن نعرف السبب الحقيقي ، والذي أراه عن نفسي أكثر أهمية لي كمواطن ، حتى ربما من أهمية معرفة ما هو "العرعريت الأنتيخلي" لهذا الرجل المغلوب جداً على أمره.. فمن حقي أن آخذ حذري إذا ما رأيت سحب الغلاء في كبد السماء .. فأعمل حسابي وأبحث عن بديل ، أو أتخذ كمواطن خطواتي تجاه أي مستغل طالما أن جمعيات "حموم المستهبل" تتفرج على ما يحدث ، مثلها مثل المراكز البحثية ، وجنرالات قهاوي الاقتصاد ، ومراكز المش عارف إيه للدراسات السياسية والاستراتيجية ، وعباقرة التوك شو من معدين وضيوف وصحفيين يوهموك بأنهم يعرفون عدد أصابع النملة الحامل.. ويزيحوا عني مئونة أن أعيش في مجتمع نصفه من أهل العلم الذين لا يعلمون ، ونصفه الآخر صورة من أبطال رواية "غسان كنفاني" الشهيرة ، وربما الوحيدة "رجال في الشمس" مستسلمون لقدرهم ، ولمن يطلب منهم شراء ، أو التظاهر من أجل "العرعريت الأنتيخلي"..يحبطه النصف الأول ويشعره بأنه يعيش في مجتمع ترفض نخبته ويرفض مثقفوه أن يعلموا وأن يجعلوا غيرهم يعلمون ، فلا يأمن على نفسه في مجتمع هذه نخبته وهذا إعلامه ، فتسود الدنيا في عينيه ، ثم يتحول بالتدريج إلى أحد أفراد النصف الثاني بامتياز.. يسهل تشكيله .. والتلاعب به..سواء من الحزبوطني ، أو الأعيان ، أو من كل من يستطيع أن يدفع أكثر..
* الصورة من comic book movie dot com..

Thursday, October 07, 2010

كيف تكتب مسلسلاً في مصر؟


لا يوجد شيء في سهولة كتابة المسلسلات في مصر.. كل ما تحتاجه هو بعض التفكير المنظم والكثير من الفهلوة واللعب بالبيضة والحجر ما أمكن .. هذه الخطوات قد تشكل دليلاً نافعاً للأشخاص القادرين على اتباعها من أجل أن يصبح كاتباً دراماتيكياً يشار إليه بالخنصر والسبابة..

1-العلاقات أولاً وأخيراً: أحسن توضيب علاقاتك مع المنتج الذي يناسب وضعك الحالي في سلم الكتابة ، وإن كنت صحفياً فأنت محظوظ محظوظ محظوظ يا ولدي .. فمنتجو هذه الأيام خاصة القادمون من عالم السينما "بيتنشقوا" على صحفيين ليقوموا بأعمال الكتابة ، ولا أخفيك سراً أن هذه الأيام أيام صحفيين ، حيث أصبح من الصعب ذكر مجال لا يعمل به الصحفيون في الوقت الحالي ، وما سيغريهم بطلب خدماتك هو حجم علاقاتك في الوسط الصحفي واسم الجريدة التي تعمل بها سواء أكانت صحيفة حزبوطنية أو مال سياسية ، والتي عن طريقها تقدم أوراق اعتمادك للمنتج الأفخم بتدبيجك قصائد المديح والثناء في حقه ، ووصفه تارة بأنه رجل "بركة" ، وبأنه يتعامل مع كل الناس بـ"العدل" ، وهو من "صفوت" الناس ، وشخص "كامل" الأوصاف و"أبو علي" زمانه ..

2-اختر الرفيق قبل الطريق.. النجم يعني: اختيار النجم أمر شديد الأهمية ، فهو الذي على أساسه ، أو أساسها ، سيتم تسريب المسلسل للقنوات الدرامية المحلية أو العربية ، من الممكن أن يكون لك "بعض" الدور في اختيار النجم تنفيذاً لرغبات المنتج إن كنت مبتدئاً ، أما إن استطعت "تسنيج" المنتج ، وجعله كالخاتم في إصبعك ، فتستطيع أن تفرض عليه أي نجم كيف شئت .. ومن الأشياء النافعة لك وأنت تقترح على منتجك اسم أي نجم أن تعرف الحجم المالي لمنتجك ، فإن كان من المنتجين السينمائيين العاشقين للمنظرة ، اقترح عليه نجماً سينمائياً يأخذ بالملايين ، أو نجمة من الكبار "لسة فيها الرمق" ولا تزال تعرض عليها بعض الأفلام التي تتمنع عليها بتناكة.. أما إن كان "على قده" اقترح عليه نجماً أو نجمة من النجوم شبه المتقاعدين الذين أجلسهم نجوم السينما الجديدة في بيوتهم بعد أن انتهت صلاحيتهم في السينما فحلوا ضيوفاً ثقالاً على الفيديو لاستعراض عضلاتهم على الممثلين والممثلات الناشئين..

3-إدي نجمك برستيجه: فبدون نجمك فلن تحصل على الأفلس التي تستطيع تقليبها من تحت رأس منتجك.. وطبعاً على حسب نوع نجمك المفضل وحجمه يترتب البرستيج ..

إن كنت تتعامل مع نجمة من النجمات المتقاعدات ، حاول أن تشعرها من خلال السيناريو الذي تكتبه أنها لا تزال تعيش شبابها الغض ، وأن كل رجال المسلسل سينتحرون شوقاً من أجل الفوز بقلب جنابها ، وأنها مثل الأهرامات وأبو الهول لا تؤثر فيها عوامل الزمن التي تشيخ من في نصف عمرها قبل الأوان.. وحاول أن تقنع "القفص" - المخرج يعني - بألا يستقدم أي شيء مؤنث قد يشكل "خطورة معنوية" على صورة النجمة الكبيرة ، أو بصريح العبارة : حاول اقناعه بتفادي الاستعانة بأي ممثلة أصغر في السن وأكثر جمالاً وأعلى تمثيلاً يمكنها أن تشتت الأضواء عنها..

وفي اعتقادي فإن ذلك وحده لا يكفي ، حاول أن تقنع القفص أيضاً بإعطائها مساحة أكبر للتدخل في العمل الفني ككل ، المخرج "بييجي ويروح" أما النجم فيصعب تكراره ، وإن لم تستطع الإبقاء عليه أو عليها ، فسيطير أو ستطير بقدرة قادر إلى منتج آخر يطلب بأي طريقة الاستعانة بخدماته أو خدماتها من أجل مسلسل من المائة وخمسين مسلسلاً الذين سيعرضون في رمضان..

النجم أسهل من النجمة في إعطائه البرستيج اللازم ، والنجوم الرجال أقل كلاماً وأقل استغلالاً لنفوذهم داخل المسلسل من قريناتهم.. فقط احرص على جعله يشعر بأنه "ريدج" في مسلسل "الجريء والجميلات" -والذي أتعمد تسميته "الأقرع والجميلات" - وما أدراكم ما كان "ريدج" أو "مهند" .. وخلي القوس مفتوح!

واحرص على أن تستمر عملية الدلع أثناء تصوير المسلسل ، وشدد على القفص بأن "يتوصى" بالبطل أو البطلة ، فلا يدع أي مشهد يخلُ من ظهور له ، واحرص على أن تأكل صورته أو صورتها تتر الختام بالكامل فلا يظهر أي كومبارس آخر -أي ممثل تاني في المسلسل يعني - معه أو معها.. تماماً كالصورة الضخمة لـ"تهامي" في آخر برومو من سلسلة "تهامي ووديع" "الحقيقة وراء سفن".. وأوصي المخرج كذلك بالفلاتر ، "اهريه فلاتر".. خاصةً إن كان الممثل أو كانت الممثلة كبيرة في السن بعض الشيء ، لزوم إخفاء التجاعيد و"الديفوهات" .. "احنا عايزين ناكل عيش مش ناكل بحاجات تانية"..

4-خش في المفيد: لا شيء بسهولة التأليف ، والأفكار "مرطرطة" في كل مكان كما الخضار في السوق -قبل موجة الغلاء طبعاً- وللعلم ، لا يوجد شيء في الدراما التليفزيونية المصرية المعاصرة اسمه "مؤلف" بل هو "مولف" يقوم بتوليف الأفكار المنتقاة كما الخضار من سوق الخضار ، وفق "متطلبات المرحلة"..

في الماضي ، كانت هناك حزمة Package الرقصة والأغنية والخناقة والقبلة .. الآن توجد متلازمة الفساد والثروة والسلطة والإرهاب .. ويمكن عمل "أحلى شغل" ممكن من تلك التوليفة التي لا تخرج عنها المسلسلات هذه الأيام..

نبدأ بالفساد ، احرص على أن يكون الفاسد دائماً عضو مجلس شعب أو رجل أعمال كبير ، بحيث يكون أول حرف من اسمه "هشام طلعت مصطفى" ، وحاول التصرف على طريقة "مش اللمبي خالص"* أو ما فعله صناع فيلم "الجزيرة لنفي علاقة فيلمهم بـ"عزت حنفي" ، كل ذلك بهدف التأكيد على زواج الثروة بالسلطة ، لا تحاول استعمال كليشيه القروض لأن "موضته بطلت" ، ولأن السادة الذين "تعثروا" عادوا من جديد إلى أرض الوطن استعداداً للبحث عن دور في ظل "الحراك".. ركز فقط على الاستثمار العقاري ، ويستحسن أيضاً أن تجعل رجل الأعمال الوحش يقيم علاقة مع فتاة مغمورة ، ممثلة مغمورة ، أو مطربة مغمورة ، ولست بحاجة لتذكيرك بأن تكون هذه الممثلة أو المطربة "وحشة" لأنه لا يصح بالمرة أن تتواجد أنثى أجمل من البطلة .. "هارش"؟

والآن مع الإرهاب .. أسهل شيء في كتابة المسلسلات هو الحديث عن المتطرفين بكافة أشكالهم ، أشكال مين ، هو شكل واحد فقط .. أي شخص بجلابية بيضاء ، ومنديل أبيض ، وبلحية سوداء ، بدون شارب ، وبكلمات باللغة العربية الفصحى طبعاً ، في السياق في غير السياق "مش مهم" .. وتذكر إنه "يووووه يووووه يووووه هوة فيه حد النهاردة بيفتكر".. أحلى حاجة في كاتب السيناريو ألا يشغل نفسه بالتفاصيل ، وبألا تكون له معرفة بالفرق بين السلفيين الحسانيين ولا الجهاديين ولا الإخوان ، بل يفضل ألا يعرف الفرق بين الشيوعيين والإخوان، "ليه تشغل باااالك ليه ليه"..

وفي وسط "محراق الشر" الذي ستبني عليه مسلسلك التحفة ، احرص على أن يكون هناك شخص طيب ، شخص مثالي ، شخص لا يتغير ، شخص أبيض يا ورد ، وطبعاً أنت تعرف من سيكون أو من ستكون.. والحدق دائماً يفهم..فقط حاول ألا تبدو مكرراً ومملاً ..اجعل ذلك الشخص صحفياً مرة .. ومحامياً مرة .. ووزيراً مرة .. ومفكراً مرة .. وموظفاً فقيراً مرة .. ومعتقلاً سياسياً من ثوار الحركة الطلابية في السبعينات مرة ..وطبيباً شرعياً مرة .. وناظر مدرسة مربي أجيال مرة.. التغيير حلو .. تحدى الملل يا صديقي!

حاول حشر أكبر عدد ممكن من الحوادث والقضايا في مسلسلك كي تعطي انطباعاً بأنك متابع لكل شيء ، وبشكل فج طبعاً ، من أول قضية "لينا والفيشاوي" إلى "سوزان تميم" مروراً بـ"مدينتي" والاعتصامات والمعتصمين -وكتر الصلصة لإن الصنف دة مطلوب عند الحكومة والمعارضة- ونهايةً بموقعة "أم درمان".. والأهم .. احشو المسلسل بأكبر كمية ممكنة من الإكليشيهات إياها .. إن كان البطل أو البطلة من الصحفيين "البلد لازم تنضف ، وأنا ح أحاربهم بقلمي دة" أو "أنا معايا المستندات اللي حتوديه في ستين داهية" إلى آخر قائمة الكلام الكبير التي تزخر به الأفلام التي سميت بـ"أفلام المقاولات" في فترة الثمانينيات.. حتى تعطي مبرراً جيداً لأصدقائك من الصحفيين بأن ينافقوك وينافقوا نجمك أو نجمتك.. لهذا السبب قلت "العلاقات أولاً وأخيراً"..

بعد أن اتبعت كل هذه الخطوات ، استرخ في منزلك مطمئناً إلى النجاح الذي حققته ، فمسلسلك هو أفضل مسلسل في رمضان بأقلام الصحفيين وكتاب الأعمدة وإلحاح الفضائيات ، والمشاهد القرفان الوحش قليل الأدب ناكر الجميل عديم الأهالي والأهلية سيتذمر أول الأمر ، إلا أن يأتي السحر الأسود النابع من "الزن ع الودان" ثماره ، ليقر ويعترف بأن مسلسلك أجدع ناس..

فضل العبد لله كتابة هذه السطور كتعليق عام وشامل على تسعين بالمائة من المسلسلات التي عرضت في رمضان الماضي ، والتي امتدحتها الصحف بشكل مبالغ فيه ، وستشمل كذلك مسلسلات السنوات القادمة ما إن بقيت نفس الظروف ، وبقي نفس من يتبع تلك النصائح السابق ذكرها..
* الصورة من موقع "في الفن"..