ليس الغرض من التدوينة الحالية ، أو التدوينات القادمة إن قدر الله لي كتابة في نفس الموضوع إقامة سرادق عزاء لـ"يوسف شاهين" بكل العبارات والمجاملات السخيفة التي تصحب تلك المناسبات .. ولكنه محاولة هادئة لقراءة ما قدم من تراث سينمائي مهم ومثير للجدل والنقاش والدهشة بكل ما تحمله من معنى.. ولو من عين غير متخصصة.. قد لا تكون تلك القراءة موضوعية بما يكفي لأنها - كما سبق - من غير متخصص .. ولكن السينما في النهاية هي فن جماهيري يعنى به من هو موجه أساساً إليه.. الجمهور الذي يضم متخصصين وغير متخصصين ..أساتذة جامعات وبسطاء .. فقراء وأغنياء..
بالنسبة لكثير من عشاق الفن السابع هو الأفضل .. الأكثر حرفية والأكثر ذكاءً والأكثر قدرة وجرأة على مناقشة وتوصيل أفكاره حواراً وصورةً وصوتاً وأداءاً..ويتعصب له العديد من المثقفين الذين يرون أنه لا سينما إلا سينماه وما يقدمه.. حتى وصل الأمر في فترات سابقة إلى تحول سينماه إلى "عياقة" ثقافية مثلها مثل فرق "وسط البلد" ومن قبلها "ناس جديدة" ..الخ..
بالنسبة لعامة الناس هو المخرج الشهير بغموض أفلامه.. ذهنية عميقة في أفلام معينة "الاختيار" وشيء من الفانتازيا "اسكندرية كمان وكمان وحدوتة مصرية" .. ويراه البعض نرجسياً بدرجة "تنرفز" لدرجة تخصيص أربع أفلام للحديث عن سيرته الذاتية (اسكندرية ليه وكمان وكمان ونيويورك وحدوتة مصرية).. قد يكون بين الأشخاص العاديين من يراه "عالمياً" على حق وجدارة واستحقاق.. ومنهم من يراه عالمياً لكونه الأقرب إلى الغرب لا أكثر ولا أقل .. وعلى كل حال هناك شبه إجماع في الشارع على أنه "شخص مثير للجدل" بعيداً عن السينما التي يقدمها..
مشجعو "شاهين" كُثُر.. تماماً كرافضيه والمختلفين ليس مع آرائه السياسية والاجتماعية والثقافية فحسب ولكن مع وعلى سينماه أيضاً .. هناك من ينتقد وبشدة على سبيل المثال بحثه عن بطل "بمواصفات معينة" قريبة من مواصفاته لكي يكون بطلاً لأفلامه .. وهناك من يتهمه بـ"وقف نمو" العديد من مشاريع النجوم التي عملت معه أمام وخلف الكاميرا .. وهناك من ينتقد طريقته في إدارة ممثليه وفنييه تماماً مثل من يشيد بها ويراها الأفضل..
ستستغربون عندما أقول لكم أن كل ما سبق صحيح .. ولو بنسب معينة.. هو كل هؤلاء!
قدَّم أفلاماً يمكن للمشاهد البسيط فهمها والإعجاب بها سواء في بداية مشواره الفني من أمثال "ابن النيل" ، "انت حبيبي" ، "القلب له واحد" ، "باب الحديد" -بعض الناس قد لا يصدق أن تلك الأفلام من إخراج "يوسف شاهين".. ولهم حق!- وحتى بعد ما قرر أن يكون نفسه كما في "الابن الضال" ، "العصفور" ، "الأرض" و رائعته "اسكندرية ليه" ..لاقى معظمها استنكاراً جماهيرياً في وقته ثم تغيرت الأمور بمرور الوقت ، وفي نفس الوقت له أعمال لا يمكن فهمها ولا بلعها بالنسبة لشخص مثلي أو حتى لمن هو أكثر ثقافة مني مثل "الاختيار" .. تألق - كما يراه صديقي بشرى محمد صاحب مدونة "بحب السيما"- في "الناصر صلاح الدين" وتمكن من فرض بصمة خاصة به حتى وهو ينفذ عملاً كان يفترض أن يخرجه "عز الدين ذو الفقار" ، وكما أراه في "اسكندرية ليه" و "حدوتة مصرية" المبتكران في أكثر من جانب.. كما خاصمه التوفيق كما أرى في "الآخر" وكما رأى آخرون في "هي فوضى"..
لا أرى أنه "أحرف" مخرج مصري.. بما أنني من أنصار "صلاح أبو سيف" و "كمال الشيخ" اللذين لم ينالا حظهما المستحق من التكريم والتقدير .. لكنه يولي اهتماماً خاصاً بالصورة وبالصوت .. اهتماماً وضح بعد "أفلام مصر العالمية" التي وجد فيها استقلاله وراحته وأمانه كمخرج .. قد تختلف كمتلقي مثلما اختلفت بشدة حول "المصير" لكنك كنت أمام شريط سينمائي "حلو" و "مريح" للنظر وللسمع أيضاً.. جزء من مهارة المخرج وحرفيته في الإمتاع البصري - وليس التعذيب كما ترى في سينما "هشام أبو النصر" و"محمد كامل القليوبي"!
يفرض شخصيته على العمل في ديكتاتورية مستفزة "آخر حاجة" في بعض الأحيان ، يصبغ بها أداء ممثليه ويحركهم وفقاً لها ..نعم.. أفسد هذا الأسلوب أفلاماً بعينها .. و"فَرمَلَ" أسماءً تؤهلها إمكانياتها للتحليق عالياً في سماء النجومية..لكن على الجانب الآخر رأينا نفس الأسلوب وقد "جاب نتيجة" في أول سكندريتين له.. خاصةً أن عالم السكندريات- كما سأتناول بإذن الله- عالمه الخاص الذي يعرف تفاصيله ويحفظها عن ظهر قلب .. ترى "شاهين" الحاكم الآمر في أفلام ، وفي أخرى "الآخر"-الرمزي بشكل مضحك- و "هي فوضى" تراه قد سلم ذقنه للشخص الخطأ : خالد يوسف!
"يوسف شاهين" من أكثر الشخصيات المصرية إثارةً للجدل على الإطلاق .. وهو الوحيد فيمن وعيت عليهم من شخصيات - بما إني مش كبير قوي ومش صغير قوي- الذي قد تكتشف أن نسبة كبيرة مما كتب عنه كشخص أو كمخرج صحيح .. وأنك يمكنك أن تكون كل أشكال الآراء عن أفلامه .. الجيد والرديء والبشع والمفهوم والفزورة ..الخ..
لم يترك "شاهين" ثروة طائلة من المال .. لكنه ترك لنا ثروة طائلة من الجدل .. وسنظل ومَن بعدنا نتكلم عن أفلامه ووجهات نظره بالطيب وبالشرس وبالقبيح لسنوات طويلة.. في حين أن غيره يعيش وينتج ويموت بلا حس أو خبر .. ولم يتبق منه سوى أسبوع لأفلامه هنا أو هناك على بضع مقالات ودمتم..
لله دائماً في خلقه شئون.. دمتم بألف خير..
* الصورة من "الخليج" الإماراتية..
* الصورة من "الخليج" الإماراتية..
6 comments:
لو الموضوع مجرد ازواق بدون اتهامات بالتخلف الفني وعدم الفهم وعدم الاستيعاب
يبقا الافضل صلاح ابوسيف
ومحمد خان
واجري علي الله
:)))))))
مخدش طوبه في دماغي من محبيه اللذين اقاموا سرادقات له يوم حكم براءة ممدوح اسماعيل
بص انا راجل على قدي لا بتاع سيما ولا شغل السيما ، بس هوا يوسف شاهين في مجمله حلو ، وبس
بره الموضوع
عيد ميلادك كان قريب صح؟
انا مقلتش كل سنة وانت طيب
:)
كل سنة وانت طيب وبتكتب حلو وبتفكر حلو
العزيزة ساسو:
وانتي طيبة وفي صحة وسعادة ..وتأكدي أن تهنئتِك في موعدها حتى بعد فوات عشرين يوماً على دخولي المرحلة الثلاثينية.. ربنا يستر على العالم المحيط بيا من اللي شكلي ح أعمله فيه! :)
محمود ماجد :
وهذا هو رأيي أيضاً.. والغرض من التدوينة السابقة باختصار هي سرد معظم ما قيل فيه بالحلو وبالوحش.. وسأكتب قريباً عن فيلمي المفضل له "اسكندرية ليه" بإذن الله..
العزيزة بنت القمر:
أتفق معكِ أيضاً..
صلاح أبو سيف ما كانش بيلجأ للفوازير الذهنية اللي كان بيعملها شاهين في نسبة من أفلامه .. كانت عينه أكثر على الشخص المتلقي العادي اللي عايز يوصل له وجهة نظره ..
صلاح أبو سيف بيفكرني بعبارة شهيرة لأينشتين:البساطة هي قمة التعقيد.. وعليه فإن التقليدية في أحيان كثير قد تكون قمة التمرد..
Post a Comment