Tuesday, September 16, 2008

سيتكوم وبيتزا


في قصة للساخر الكبير الراحل "يوسف عوف" تحولت لاحقاً إلى مسرحية في أواخر حياته* أقنع أحد محاربي حرب أكتوبر السابقين "صابر الطيب" بطل القصة بأن له نصيباً في مصر وأنه يجب أن يشرف على كل شيء في نصيبه..وكان من ضمن نصيب الرجل الطيب الذهاب إلى مسرح للقطاع الخاص وقت أن كان في أوج عنفوانه ليجد زبوناً من بلد عربي شقيق من الذين يزورون مصر في هذا التوقيت من العام يعد الضحكات التي ضحكها في المسرحية .. ليجدها أقل بكثير من الرقم الذي وعد به منتج المسرحية إياها .. ويتذمر الزائر الشقيق قائلاً أنه قد تعرض لحالة غش فني تجاري لأن كمية الضحك كانت أقل بكثير من الكمية التي زعمها المنتج..

وهو نفس شعور كاتب هذه السطور..

فكما وعد منتج المسرحية في القصة سالفة الذكر متفرجيه بمليون ضحكة مشفيين بلا عظم أو زوائد .. وعدنا منتجو السيت كومز التي تساقطت فوق رءوسنا كمطر يناير بما يشبه ذلك.. وأشعر أن كثيراً منا قد تعرض لنفس عملية النصب التي تعرض لها السائح..

والسيت كوم طبقاً لدستور الفهلوة في بلادنا التي تَضْحَك من الغيظ لقب يطلق مجازاً على كل مسلسل قصير لا تزيد مدته على الربع ساعة ، تنتفش إلى نصف الساعة بوجود فواصل إعلانية .. هو أشبه بقطعة البيتزا كما يصفها الفنان الكبير "محمد صبحي" : حتة عيش بايتة عليها شوية خضار.. وهي بالنسبة لعاشق للمخبوزات مثل العبد لله لا تسمن ولا تغني من جوع..

تاريخياً - مع الاعتذار للإعلان الإذاعي السمج- نشأ السيت كوم في أحضان المسرح رغم أنه ولد في الإذاعة.. وهو مجرد مسرحية متلفزة قصيرة مبنية على مواقف وتعتمد في جزء كبير منها على حضور الممثل وفهمه للشخصية وقدرته على الإضحاك.. وهي بالفعل تصور فيما يشبه خشبة المسرح كما يلاحظ في Friends و Becker بالذات.. ولكي يكتمل الجو كان من الطبيعي أن يكون هناك جمهور في المسرح يشاهد - أو يخيل لنا أنه يشاهد - تلك المسرحية القصيرة التي يضحك عليها.. ولذلك بدأ منتجو تلك المسلسلات أو المسرحيات القصيرة في إضافة "تراك" ضحك في الإذاعة وحتى عندما انتقلت إلى التليفزيون في أربعينيات القرن الماضي ، ولا يمنع ذلك من استعانة بعض منتجي المسلسلات بجمهور حقيقي كما كان يعلن ذلك منتجو Happy Days أحد أشهر السيتكومات في التاريخ.. صحيح أن بعض تلك السيتكومات خارج الولايات المتحدة الأمريكية كانت خاليةً من أي تراك ضحك حقيقي أو مصطنع ولكن التقليد استمر باستمرار وجود التراك إلى لحظة كتابة هذه السطور..

الـsitcom إذن هو عين في المسرح وعين في التليفزيون .. باختصار شديد..نقطة أنطلق منها إلى الحال عندنا..

في أوائل القرن الماضي بدأ المسرح بالاقتباس من الخارج ، مثلما بدأ السيت كوم عندنا أيضاً بنفس الطريقة .. ثم مع الوقت بدأت شخصية المسرح المصري تظهر وخاصةً في الكوميديا أكثر أنواع المسرحيات رواجاً في بلادنا وفي أنحاء كثيرة من العالم .. وظهر له في البداية ممصرون كبار من أمثال "بديع خيري" وآخرون، ومن بعدهم ظهر كتاب نجحوا في صنع أعمال مصرية صرفة من أمثال "بهجت قمر" و "أبو السعود الإبياري" ومن بعده "عبد الرحمن شوقي" و "فيصل ندا" و "سمير عبد العظيم" و "لينين الرملي".. أما السيت كوم عندنا فاستسهل صناعه واستحلوا البقاء في دائرة الاقتباس الطويلة ، من دون المقاومة التي كان يبديها "بديع خيري" عن طريق التمصير المحكم للنصوص الفرنسية..

بقاء السيت كوم في مصر في أحضان التجارب الأمريكية كان سبباً رئيسياً في عجزه عن انتزاع ضحكات حقيقية .. "سعيد صالح" حكى ذات مرة عن تغيير إفيهات في مسرحية "هاللو شلبي" المقتبسة عن نص فرنسي لأنها قد تضحك الفرنسيين لكنها غير ذات تأثير مع المصريين .. والشيء نفسه مع المواقف نفسها والعلاقات بين الشخصيات ..

رغم أننا كما يقال عنا شعب "ابن نكتة" إلا أننا فشلنا في صناعة سيتكوم مصري مضحك .. رغم امتلاء الواقع المصري الاجتماعي بمساخر "توقع من الضحك" إلا أن صناع السيتكوم ونحاتيه آثروا البقاء في جلباب Dharma and Greg و Friends وأخواتهما.. كأنك تشاهد نسخاً معرَّبة من تلك المسلسلات أكثر من أي شيء آخر.. رغم أن قوة وتأثير السيتكوم في بلاد منشئه تنبع من كونها من صميم مجتمعات تلك البلاد..أضف إلى ذلك أنه في سيتكومات الخارج فإن تراك الضحك يتم استخدامه بذكاء وحرفية في المواضع التي يُتَوَقَّع منها ضحك ، وإن كان بعض صناع تلك السيتكومات انتقدوا هذا الأسلوب بحجة أنه محاولة للتوجيه والإضحاك بالإيحاء.. أما عندنا فنرى هذا التوجيه وذلك الإضحاك بالإيحاء بشكل مباشر وعلى عينك يا تاجر ، وفي أماكن ومواقف يصعب أن تضحك الشخص العادي.. ولنا في فاجعة "شباب أون لاين" درس وعظة!

هل هو الاستسهال الذي رأيناه ونراه في "تامر وشوقية" و "راجل وست ستات" و "كافيه تشينو"؟ هل هو العقم الكوميدي الذي بدأنا نعانيه ونحن البلد الذي قدم ثلثي عظماء الكوميديا في العالم العربي كتابةً وتمثيلاً وإخراجاً؟ لا عين تشاهد ولا فكر يبتكر ولا خفة دم؟ الله أعلم.. المهم أن ما يقدم على موائد الضحك خاصة أطباق السيتكوم هو مجموعة من قطع البيتزا- منزوعة النِّفس!

ذو صلة: وقد يرى من يتفقون مع محمد بركة ما كتبت نوعاً من القسوة والتجني.. لكني مقتنع تماماً بما سبق.. مع اعتذاري لمحبي البيتزا :)
* أعني بها "مين يشتري مصر" التي نشرتها الدار المصرية اللبنانية.. الصورة من موقع "نادي المزيكا"

4 comments:

^ H@fSS@^ said...

شوف
اتفق معاك في كل اللي قلته
بس
هو من امتى اصلا عندن امسلسات عادية كويسة عشان نقدر نعمل سيتكوم عليه القيمة؟؟
احنا تلفيزوناتنا كلها تقرف
كلها مشاكل يقال عليها اجتماعية و هي مش اي حاجة غير انها بترجع المشاهد لورا في نسبة ذكائه


بس سيبك
المقولة بتاعت ابيه عماد حمدي دي تحفة

تحياتي

زمان الوصل said...

ياااااااااااااه ...

بعد ما يقرب من 25 سنه أخيرا حد بيقول ما كنت أقوله و أنا أشاهد عروض "المابيت شو" زمان !! كنت دايما باتغاظ منها لحد مقاطعتها و أقول أنّى لا أتصوّر أن يخبرنى أحدهم أن "هذه مناسبه للضحك .. إضحكى من فضلك" !! و إنّه مش لازم اللىّ يضحّكهم يضحّكنا ..

و من شدّة شعبية عروض السيت كوم وقتها -لم أكن أعرف طبعا وقتها أن هذا هو وصفها- كنت أخجل من التعبير عن استيائى هذا و أكتفى بالمقاطعه فى صمت .. لهذا حين قرأت على لسان أحدهم -أسامه أنور عكاشه غالبا- أنّ الأمر يذكّره بالقطيع الذى يقاد بسبب وجود صوت ضحكات مصاحب لشريط صوت الحلقه كأنّما يخبرنا أن علينا الضحك كانت الدمعه هتفرّ من عينى :)

السيت كوم للأسف الشديد حلّ محلّ الفوازير .. بس الفوازير كانت لفتره من الفترات تصنع بإجاده فكان فيه مبرر لانتشارها هذا الانتشار الساحق .. لكن السيت كوم الذى انهال فجأه على رؤوسنا على غير توقّع اختراع شديد السخف .. تظهر فيه أغلب عيوبنا و أبرزها الاستسهال و الاستظراف و التعامل بخفّة -من استخفاف و ليس خفّة ظلّ- مع المتلقّى و اعتقاد أن مجرّد ظهور الممثل سيجعله يقع على قفاه من الضحك .. كوميديا "اسماعيل ياسين" المعتمده على التعبيرات الجسيده و التظاهر بالغباء و تسميته طيبه مابقتش تضحّك غير الأطفال و من ثمّ ظهور شخصيات تتميّز بالهطل و العبط فى السيت كوم لا يضحك سوى الأطفال .. و السيت كوم الوحيد الذى شاهدت بعض حلقاته الاولى "راجل و ست ستات" يسير بامتياز على هذا المسار .. وخلال سنتين او اقل انتج منه ما يقرب من خمسة اجزاء -ولا اجدع خط انتاج علب جبنه او حلاوه طحينيه- على اعتبار ان كتابة الحلقات لا تحتاج سوى لظهور بعض الشخصيات على مسرح لا يتغير و ترديدها لبعض الكلام الفارغ .. و طالما فيه جمهور ينتظر هذه الحلقات و معلنين يتنافسوا على حشو الحلقات باعلاناتهم السمجه يبقى ماننتجش ليه و نحط كام ضحكه هنا على كام ضحكه هناك .. و ليستمر الهلس سنوات و ليعاد العرض عشرات المرّات لحد ما تأتى نوبة الإفاقه و هى أكيد ستأتى .. بس بعد ما يكون ضاع وقت طويل أوى ..

قلم جاف said...

العزيزة زمان الوصل:

أتفق معكِ فيما قلت..ولكن:

1-ولكن دعيني أتحدث أكثر عن السيتكوم في الخارج..

أ-بالنسبة لتراك الضحك.. أشعر أن تراكات الضحك موضوعة في تلك المسلسلات باحترافية.. المسألة في مسلسلات مثل بيكر أو ساينفيلد ليست توجيهاً ولكنها تعتمد على "مناطق الضحك" في المواقف في تلك المسلسلات.. العملية ليست "كفتة" كما يحدث عندنا..

ب-في الخارج تحتوي تلك المسلسلات على نقد اجتماعي لاذع للمجتمعات الغربية نفسها كل في مكانه.. يظهر ذلك مثلاً في "بيرني ماك" (بدون تراك صوت) أو في بيكر وساينفيلد ..

2-في بعض الأفلام ظهر إسماعيل ياسين بوجه مغاير تماماً للكوميديا التي كانت سائدة في وقته والتي قدمها كابن بار لواقع صناعة الكوميديا في تلك الفترة من تاريخ السينما.. منها في فيلم "إنسان غلبان" وهو فيلم مستوحى من فيلم لـ"شارلي شابلن" وأخرجه ببراعة "فطين عبد الوهاب"..فيلم كوميدي إنساني يعتمد على الموقف أكثر منه أي شيء آخر وإن كان لا يعرض كثيراً..

قلم جاف said...

العزيزة حفصة:

أول مرة أو تاني مرة تقريباً حد يعلق على "كلمات للتاريخ"..

بس أبيه "عماد حمدي" كان جبار وهو بيقولها.. العبارة نفسها برة الفيلم تهلك من الضحك.. وما يضحكش أكثر منها إلا العبارات اللي جت على لسان كبير المتطرفين في مهلهل "عرب لندن" السوري "زهير عبد الكريم"!