
على رئيسية "
البديل" لهذا اليوم قرأت أن "حالة من الغضب العارم" انتابت "الأوساط السيناوية" بسبب تصريحات لـ"عمرو أديب" بخصوص هجوم عدد من أبناء القبائل على مراكز الشرطة وإغلاق الطرق و...و.... .
لي تحفظات على الصياغة المضحكة للخبر ، ولي تحفظات على "عمرو أديب" الذي بدأت لا أطيقه (ولكن بدرجة أقل من البريمادونا اللي تتفات لها القارة).. إلا أن الرجل على كل عيوبه ليس غبياً ،هو أذكى من أن يوجه "سباباً جماعياً" لفئة معينة من فئات الشعب وليس بالهَوَج الذي يتخيله الناس فيه حتى حينما يريد أن يبدو مهذاراً.. وهو-مثلي تماماً-غاضب من أن يكون هذا هو أسلوب تعامل كل من له مشكلة مع "الدولة" التي هي أكبر من "الحكومة" و "النظام".. هذه التصريحات بدأت يوم الاثنين وليس الثلاثاء، وفي وجود "مفيد فوزي" الذي "انتقد" "المعالجات الأمنية" لـ"مثل هذه الأزمات".. وليس هذا موضوعنا على أي حال..
أريد فقط أن أربط هذا الغضب القادم من "المجلس المحلي" بعدة وقائع أخرى..
في عام 1997، أنتجت شركة "صوت القاهرة" مسلسلاً يحمل اسم "السرداب" ، عن كتاب للواء "محمد عباس منصور" وسيناريو الراحل "أسامة غازي" وإخراج "صفوت القشيري" ومن بطولة "صلاح السعدني" و "إبراهيم يسري" و "سوسن بدر" مع ضيافة شرفية لـ"سمية الألفي".. يدور المسلسل عن قصة صعود تاجر مخدرات سيناوي اسمه "عواد أبو جرير" (لعبه بشكل أكثر من رائع "صلاح السعدني") الذي يتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي في فترة ما بعد النكسة على النقيض تماماً من عائلته ذات المواقف الوطنية المشرفة ، وبعد حرب 1973 يعود الرجل لينقل نشاطه إلى العاصمة مثيراً شائعات عن أدواره البطولية في مقاومة الإسرائيليين ، ويرشح نفسه لمجلس الشعب عن دائرة في سيناء وتتحداه شقيقته "نصرة" (لعبتها "سوسن بدر")التي تعرف ماضيه على حقيقته..
علم صناع المسلسل أن هناك حساسيات قد تنجم عن عرضه .. فبدأوا بـ Disclamer يؤكدوا فيه على أن هذه الشخصيات (="عوَّاد" وآخرين) لا تمثل المجتمع السيناوي صاحب الدور النضالي في مقاومة الاحتلال الصهيوني ..
ورغم أن المسلسل هو أفضل سيناريو للراحل "أسامة غازي" (وأفضل ألف مرة من "أوبرا عايدة") ، ورغم تألق فريق التمثيل فيه بشكل واضح ، إلا أن هذا لم يمنع من منع عرض المسلسل داخل مصر..
وهي واقعة تعيد للأذهان قصة "وادي فيران" لـ"عبده مباشر" التي حولت إلى مسلسل أخرجه الراحل "علاء كريم"، رغم سوء المسلسل إلا أنه سلط الضوء على محاولات إسرائيل تغيير هوية سيناء وتحريض السيناويين على طلب حق تقرير المصير وإدخال زراعة المخدرات إلى شبه الجزيرة السيناوية ، ومنعت إعادة المسلسل رغم عرضه لمرة أولى -وأخيرة- في العام 1999..
وليس الأمر قاصراً على سيناء فقط .. ففي عام 1985 على ما أذكر عرض مسلسل اسمه "الهاويس" ينتقد تأثير الانفتاح على بورسعيد .. وصوحب المسلسل بغضب عارم أثناء عرضه بحجة أن اللكنة التي يتكلم بها أبطال المسلسل لا تمت للكنة بورسعيد بصلة (رغم أن أخطاء "أولاد الليل" كانت أكبر) ، وعلى عكس سنة التليفزيون في إعادة عرض مسلسلاته لم يعاد عرض هذا المسلسل أبداً منذ تاريخه وحتى كتابة هذه السطور.. وكاد نفس المصير أن يلاحق فيلم "أبو العربي".. طبعاً ليس لاعتبارات فنية..
في كل تجمع بشري هناك الطيب والشرير ، الجيد والسيء، النبيل والنذل ، والممارسات السوية والانحرافات.. وفي كل تجمع في مصر هناك قادة غير رسميين (وإن كانوا منتخبين في بعض الحالات) هم الذين يحركون المسائل ، ويتحدثون بخطاب شعبوي تهييجي عن "صورة البلد" و "أولاد البلد" و..و... وطالما أن لرأي عامة الناس "صفر" أهمية فهؤلاء أمام كل من يعيش بعيداً عن تلك المدن والمحافظات هم صوت عامة الناس.. وهذا كلام فارغ..
للتذكير.. كنت في بورسعيد إبان الأزمة التي افتعلتها "الأسبوع" ونواب ذوي انتماءات يسارية وناصرية حول تمثال "الملك فؤاد" في بورفؤاد.. من يقرأ الصحف يفاجأ ببورفؤاد أخرى غير بورفؤاد التي يراها بعينه ويلمسها من الحديث مع البورفؤاديين البسطاء.. والذين كان أغلبهم رافضين لكل الهوجة التي أثيرت حول تمثال "الملك فؤاد" أياً كانت سيئاته ، صحيح أن الجميع يرفض عودة تمثال "دليسبس" ، لكن "الملك فؤاد" على كل سيئاته ليس "دليسبس".. ويبقى تاريخاً مثله مثل شوارع كثير في العاصمة أطلقت على أشخاص فعلوا ما هو أسوأ ، مثل "عبد الخالق ثروت" مثلاً!
الحساسيات موجودة في الشارع ، هناك من يحركها ويؤججها لتحقيق مصلحة أو للتغطية على "خيبة بالويبة".. كان ينبغي على الطاقة التي نلمسها في الاحتجاجات والشجب والاستنكار أن توجه بشكل مثمر لضرب هذه السلبيات في مقتل.. ولو "الكلام الجميل" و "الإشادات" حلت في يوم مشكلة لحلت مشاكل اليوم والغد..
أما عن علاقة الإعلام والميديا والدراما بثقافة "رفض الدولة" وشريعة الغاب وأكل الحقوق.. فتلك قصة أخرى.. لي عنها كلام بإن الله..
* الصورة من إسلام أون لاين دوت نت..