Sunday, March 28, 2010

أنا مش خرونج


تقتضي الأمانة احترام النجاح ، والاعتراف بأنه ترجمة لوجود شيء -واحد على الأقل - جيد فيه ، سواء جهد مبذول أو ابتكار أو توفيق .. ولكنها (=الأمانة يعني) لا تلغي حق أي متلقي في الاتفاق أو الاختلاف مع أي شيء ناجح..

بدايةً أقر وأعترف أن أغنية "أنا مش خرونج" "علقت" وحققت نجاحاً مدوياً ، وربما كانت أنجح أغاني ألبوم السيد "أبو الليف" ، بسبب عنصر "الخدعة" الذي نجح "محمد يحيى" الملحن و"توما" الموزع في توفيره لأغنية من هذا النوع.. حيث وفروا خلفية هادئة رومانسية لكلمات الأغنية التي احتفظت بإفيهها بداخلها دون إظهاره في البداية كما هو معتاد هذه الأيام..وقد تستغل هذه الأيام استغلالات أخرى في مجالات شتى أهمها السياسة ، في ظل ما يتم استكرادنا به تحت اسم "الحراك السياسي"..

ولكني أختلف تماماً مع كل المبالغات التي قرأت بعضها حول الألبوم ، وحول شاعره "أيمن بهجت قمر" والذي وصل الأمر بالكاتب "محمد عبد الخالق" في موقع "في الفن" بوصفه بأنه "بيرم التونسي العصر الحالي" ، وهو أمر أجد صعوبة كبيرة في فهمه وفي بلعه..

قيل أن الألبوم عودة إلى فن "المونولوج" الذي قدم من عشرات السنوات على أيدي "إسماعيل ياسين" و "ثريا حلمي" و "شكوكو" و "سيد الملاح".. ماشي.. جميل أن يعود المونولوج أو الأغنية الكوميدية لمن يصر - وله حجته الوجيهة- على عدم دقة إطلاق هذا المصطلح على هذا القالب الفني المميز ، كمحاولة لكسر حالة الاكتئاب التي تكسو الفن المصري على كافة ميادينه ، وكمحاولة لتقديم رسالة أو رأي أو وجهة نظر كما كان يفعل المونولوج في السابق ، كما أنني لن أفتح المندبة مترحماً على زمن الفن الجميل ولا زمن المونولوج الجميل ، لكن لي ملاحظة واحدة فقط..وهي تتلخص في أنه لا "أيمن بهجت قمر" "بيرم التونسي الألفية الجديدة" ، ولا المونولوج مناسب لإمكانياته التي لا يخفى على أحد محدوديتها..

أهم شيء في "المونولوج" ببساطة هو الكلمات ، وقوته في الزمن الماضي لم تكن -فقط- في ضخامة الأسماء التي احترفت كتابته مثل "بديع خيري" و "أبو السعود الإبياري" حتى "بخيت بيومي" في الثمانينيات ، والأسماء التي لم تحاول حسب علمي كتابته رغم قدرتها على ذلك كالراحل الرائع "عبد الرحمن شوقي" ، ولكن في امتلاكها لأمرين اثنين : ثراء حصيلة الكلمات ، والقدرة على الابتكار والمباغتة.. صحيح أن مونولوجات الأمس لم تتناول مواضيع ضخمة الأهمية من عينة "أزمة الشرق الأوسط" ولا "الشباب والرياضة" .. لكنك كنت تشعر بجاذبية الكلمات وتنوعها وسهولتها وسلاستها .. ولا عجب في أن كتاباً بهذه المهارات ، وبخاصة "بديع" و "الإبياري" ، قد حققوا نجاحاً مدوياً ككتاب للحوار ، بل يعدان من أهم عشرة كتاب حوار في تاريخ السينما المصرية ،إن لم يحجزا ترتيباً متقدماً في الخمسة الأوائل..

مع احترامي لـ"أيمن بهجت قمر" ولمحاولاته فعل كل شيء ، كتابة سيناريو هنا ، شعبي هناك ، وربما يكتب بالفصحى قريباً ، إلا أن "حوار" المونولوج أكبر بمراحل من قدراته ، وهو يعاني من "الاستسهال" ، بل لا أبالغ إن قلت أنه أحد أهم رموزه حالياً ، فقد اشتهر ، أكثر من غيره ، بتحركه بين مجموعة ضئيلة وقليلة من الكلمات يكررها من حين لآخر..تنكسر أوزانه أحياناً فيحاول "طلسأتها" بأي من "المسامير" المستعملة في مجاله من عينة "وأنا" و "طب" ..نسخة جديدة من "مصطفى كامل" ، صحيح أن سمعة هذا الأخير في "الحصول على أفكار أغانيه" "مسمعة" في كل مكان ، لكن كلاهما يشتركان في نقص الثقافة وقلة القراءة والاطلاع وضعف الابتكار .. والاستسهال طبعاً..فما بالكم عندما يفكر أي منهم وخصوصاً "أيمن" في أصعب أنواع الكتابة الغنائية : الغناء الكوميدي أو "المونولوج" أياً كان المصطلح..

وعندما أحس بحرج موقفه لجأ -مثلاً- في أغنيته "أنا مش خرونج" في محاولة منه لصنع إفيه بأي طريقة إلى استعمال ألفاظ فائقة القدم ، من عينة "خرونج" العبارة التي انتهت صلاحيتها كـ"شتيمة" منذ "عادل إمام" في "شاهد ما شافش حاجة" ، وكذلك عبارة "كاورك"* ، و "كنج كونج" الذي نسته الشريحة التي يزعم "أيمن" التحدث باسمها منذ الفيلم الذي أخرجه "بيتر جاكسون" منذ خمس سنوات ، حتى مصطلح "بنج بونج" لم يعد يستخدم بكثافة لوصف لعبة "تنس الطاولة" في السنوات العشرين الأخيرة..

ولأن الفهلوي "نصف ذكي" ، فاعتمد "أيمن" على حالة الانبهار التي يصنعها أداء "أبو الليف" -الرومانسي جداً والجاد جداً جداً- لمقطع "أنا مش خرونج" مع ارتفاع لحن "محمد يحيى" ، من أجل الغلوشة على التفكير في علاقة "البنج بونج" بـ"الفيس بوك" ، وتفاخر الحبيب بأنه "أراجوز متربي في سيرك"..و"مش عيل كاورك".. قد تجد الكثير من الحذلقة والفذلكة فيما قلت ، لكني مصر على أن "المونولوج" يضحكنا لأنه موجه "ع النافوخ عدل" مع الاعتذار لـ"أحمد زكي" في "البيضة والحجر"، أما ما يحدث فهو تكرار لما كنا نعيشه في المرحلة الثانوية مع كتب اللغة الفرنسية - المكتوبة بنفس الاستسهال- والمشيعة بإكليشيه : "ليس من المهم أن تفهم كل شيء".. "أديك عشت مع "أنا مش خرونج".. مش مهم يخش الباقي دماغك ..حننهب؟"

من حق "أيمن بهجت قمر" وغيره أن يحاول ، ومن حقنا أن نقبل ونرفض ، والأهم..من حقه أن يعلم أن الأمر يحتاج لتمرين وثقافة واطلاع.. فلكي تحلق كنسر ، يجب أن تدرس جيداً كيف تحلق النسور.. وأنه لو كانت المسألة إفيهين ثلاثة يتم استحضارهم من المتحف "ما كانش حد غلب"..ولـ"قطعت" العصافير على الجوارح في أكل عيشها..
*يقال أن أصل "كاورك" عبارة "cow-work" والتي كانت تطلق زمن الاحتلال الإنجليزي على من يعمل بلا عقل كالبقرة تماماً.. لست متأكداً تماماً من صحة هذه المعلومة بالمناسبة .. الصورة من محيط..

2 comments:

آخر أيام الخريف said...

اؤيد كل حرف كتبته

Kareem Roshdy said...

من السخرية ايضا .. موضوعك جميل جدا وارجو ان مونولوجاتي تعجبك .http://fookera.blogspot.com