Tuesday, June 08, 2010

وسمعني السلام الجمهوري-جزء ثاني


لا تحتاج إلى أن تكون في مصر لتعرف أن للكاميرا استخدامات أخرى غير التي نعرفها .. تماماً مثل أشلاء سيارة "رمضان السكري" في مسرحية "العيال كبرت"! ..

1-عندما تكون في سوبر ماركت كبير أو متوسط ، تظهر لك لافتة ظريفة لطيفة تطلب منك الابتسام لأنك أمام كاميرات المراقبة في السوبر ماركت.. وبالتالي فإنك قبل أن تنفذ لك ما تسوله لك نفسك الشريرة بالسرقة من السوبر ماركت سيشاهدك القائمون على الأمن و"حيعملوا معاك الصح"..

سيخيل لك لأول وهلة أن كاميرات التليفزيون -بنفس المنطق- أداة فعالة لمتابعة ، ومراقبة ، أحداث بعينها ، كالانتخابات مثلاً ، سواء أكانت انتخابات نادٍ كناد الزمالك ، أو انتخابات حزب كحزب الوفد ، أو حتى انتخابات مجلس الشورى التي كانت قبل أيام من كتابة التدوينة (بما إني بأدون اليومين دول بالتقسيط) .. دعونا نركز على المثالين الأخيرين..

2-قامت "أون تي في" بتغطية تبدو في ظاهرها متميزة لانتخابات حزب الوفد ، الانتخابات التي تتم لأول مرة تحت تغطية "تليفزيونية" ، كل ساعة أو أقل تقرير تليفزيوني مباشر ، على اتصالات ، على ضيوف ، كما يحدث في العديد من الفضائيات الكبيرة عندما تقوم بتغطية انتخابات ، وبالتالي كان من الصعب على مشاهد عادي مثلي أن ينتظر خروجاً على النص من أي من القائمتين المترشحتين في الوفد ، فهم تحت المراقبة تماماً مثل زائر السوبر ماركت ، وبالتالي فسيحرص الجميع على الظهور كأطفال مطيعين منفذين لنصائح "نانسي عجرم" في ألبوم "شاطر شاطر".. بل يمكنك توقع ظهور المرشحين الرئيسين مبتسمين ابتسامة "سرور" في "فلاش" وهما ممسكان بيدي بعضهما البعض ، ويغنيان معاً السلام الجمهوري ، و"يا أغلى اسم في الوجود" ، و"المصريين أهمة".. الخ..

تحرض الكاميرا بالتالي كل السادة "المراقَبين"- بفتح القاف- على التجمل والظهور بمظهر متأنق "لتشيييف" .. حرصاً على الصورة العامة والمظهر العام وكل ما هو عام.. الأمر الذي قد يرسل إليك كمشاهد رسالة واحدة من الآتي بعد : إما أن هؤلاء الناس ممثلون من تلقاء أنفسهم ، أو لديهم تعليمات بالتمثيل للتغطية على شيء ما، أو أن هؤلاء الناس مهذبون بحق وحقيق ، وتلك الرسالة تترك لك أيضاً واحدة من رسالتين محتملتين : إما أن هؤلاء الناس مهذبون لأنهم تربوا ودرجوا على ذلك ، وإما أن هؤلاء الناس مهذبون لأنه لا توجد منافسة ، وأن الأمر شبه محسوم ، وأن الأمر يكاد يكون تمثيلية أخرى..

التفسير متروك لك كمشاهد ومتابع ، وإن كنت قد تكون في حاجة للتذكير ببعض المعلومات ، منها تجارب "الوفد" الانتخابية بعد رحيل زعيم نسخته الجديدة "فؤاد سراج الدين" ، وبأن صاحب جريدتي "الدستور" و "صوت الأمة" - "عصام إسماعيل فهمي" وهو عضو "سابق" بـ"الوفد" - أعلن تأييده لـ"السيد البدوي"- صاحب قنوات "الحياة" - كما نشر في "المصري اليوم" .. ورئيس تحرير "الدستور"- "إبراهيم عيسى" - هو الرجل القوي جداً حالياً في قنوات "ساويرس" الذي يسعى بدوره بحسب صحف مصرية للانضمام إلى "الوفد" "المعدل"..وبالتالي يصعب تحييد كل تلك المعلومات المعروفة للجميع ، والمنشورة في وسائل إعلام جماهيرية ، عما حدث..

3-تماماً مثل تغطيات التليفزيون الرسمي للانتخابات ، والتليفزيون الرسمي كما نعرف غير محايد بالمرة في أي انتخابات لمجلس نيابي ، وولاءه معروف مسبقاً .. وإن كانت العملية لديهم أبسط .. المراسل وفريق التصوير يجلسون معاً في "قعدة" تحت ظل شمسية ، وشايهم معاهم ، جالسين جنباً إلى جنب مع الأمن الذي يعمل على جعل فترة ضيافتهم سهلة ولذيذة ومرحة ، إلى أن تحين لحظة الظهور على الهواء ، يقف المراسل اللطيف الظريف مع أي شخص ، والأسئلة إياها ، على حركة للكاميرا على "القاعدة الجماهير العريييضة" وهي تتجه عن بكرة أبيها للتصويت في اللجنة الانتخابية .. ثم "يقفل" المذيع على أن يعود بعد فترة ليكرر نفس ما فعله .. وكما قالها "جاهين" في "الليلة الكبيرة": "دي وصفة سهلة .. دي وصفة هايلة"..

4-يقول الشاعر العربي : وعين الرضا عن كل عيب كليلة .. وعين السخط تبدي المساوئا.. ومهما حاولت القنوات التي "تنقل" الانتخابات هنا أو هناك الظهور بمظهر المحايد الاحترافي فإن التحيزات تطفو على السطح وتظهر من حين لآخر.. وتنعكس على الصورة التي تراها على الشاشة .. و"على وشك يبان يا نداغ اللبان" كما يقول المثل الدارج..إما أن ترى الانتخابات صورة بيضاء ناصعة ، أو صورة سوداء كالحة.. لا وسط إلا فيما ندر.. ونحن شبه عبيد بكل أسف للميديا ، هي التي ترى وتفكر بالنيابة عنا ، هذا الموروث يجعل منها حكماً كحكام كرة القدم .. الميقاتي الوحيد والرائي الأوضح .. وبالتالي فإن كل ما تقوله الفضائيات حقيقة لا تقبل الشك مهما ثبت العكس .. جاءت الانتخابات خفيفة الظل على قلب هذه القناة أم تلك فاعلم أن الإقبال قياسي حتى ولو كان أقل من عدد مرتادي مقهى في نهار رمضان ، وأن العملية الانتخابية مية فل وعشرتاشر مهما رأيت التجاوزات بأم عينيك..

.. عندما يواصل الإعلام العمل بنفس الطريقة فلا حق له أن يصدع رءوسنا بشعارات غبية عن الإعلام ودور الإعلام والتغطية الإعلامية وتنوير المجتمع ..الخ ، ومن الأفضل له أن يبقى في دائرة الترفيه فيريح نفسه ويريحنا .. بعيداً عن تقديم تمثيليات سياسية ساذجة ظريفة ينساها الجمهور بنفس سرعة تمثيلها عند ظهور أول فضيحة فشل الأطفال الحلوين الذين ظهروا على الشاشات مبتسمين في إخفائها ، ولا يحق لنا أن نعترض ما دمنا نضفي على الميديا قداسة لا تستحقها ، فصناع الميديا مثل رجال الأحزاب والساسة مثلنا تماماً بشر لهم ما لهم وعليهم ما عليهم .. فسكوتنا العقلي على هذا الأداء العجيب من وسائل الإعلام يجعل صناعها على يقين أنهم يسيرون على الطريق الصحيح..وقال يا فرعون إيش فرعنك؟ .. دمتم بخير..
* تحديث 10/6:تعديلات في الفقرتين الأخيرتين .. الصورة من othellooutlook.com

No comments: