دعونا نبقى مع "أسامة أنور عكاشة" ككاتب دراما..ودعونا نبدأ من النقطة التي وقف عندها "طارق العريان" متحدثاً عن "أحمد زكي" بموضوعية شديدة بعيداً عن كون الأخير هو من دشَّن بداية الأول كمخرج سينمائي.. "طارق" يرى أن الاحتفال الأفضل بـ"زكي" هو بدراسته بشكل موضوعي بعيداً عن كلاسيكيات سرادقات العزاء وإكليشيهاتها، وهو ما أحاول تطبيقه على قدر إمكانياتي المتواضعة كمشاهد دراما عادي على "أسامة أنور عكاشة"..في خواطر غير مرتبة..
ولا يمكنني ، ولا يمكن لغيري بالتأكيد ، أن ينكر أهمية ونجاحات "أسامة أنور عكاشة" ، أو أن ينكر كونه رقماً صعباً في الدراما التليفزيونية العربية ،قدم عدداً من أهم ما أنتجه العالم العربي من مسلسلات على الإطلاق ، ويبقى أستاذاً له من المريدين كثر، سواء على أسس فنية أو سياسية، لكني أرى أنه كما أجاد كثيراً أخفق كثيراً ، وكما أصاب كثيراً أخطأ كثيراً ، ووقع في أشياء هاجمها وحذر منها من عينة المط والتطويل على سبيل المثال، وناقض نفسه في وجهات نظر تتعلق تارة بالسياسة وأخرى بعلاقة المؤلف بالمخرج بالنجم بالجهة الإنتاجية ..وأشياء أخرى..وأنه فقد مميزات كثيرة تمتع بها في بداية مشواره الفني ، في توهجه في الجزء الأول من "الشهد والدموع" وفي الجزء الأول من "ليالي الحلمية"، انتهت به إلى مرحلة أصبح فيها المخرج يلعب دور المنقذ للمسلسل ، ينجح فيه أحياناً ("جمال عبد الحميد"- "زيزينيا" الجزء الأول أيضاً)، ويفشل في أحيان أخرى ("إسماعيل عبد الحافظ" البعيد عن مستواه في "المصراوية")..ويحسب المسلسل بنجاحه وفشله في نهاية المطاف على صانعه ، الاسم الكبير البراق في عالم الدراما المصرية والعربية "أسامة أنور عكاشة"..
في مرحلة صعوده الدرامية كان الحوار هو أبرز نقاط قوته ، الحوار السهل السلس بين معظم شخصيات دراماه ، وبنائه لشخصياته بدوافعها وضعفها الإنساني وتناقضاتها وما ترمز إليه أحياناً.. وكثيراً ما كان موفقاً في "رصها" وترتيب علاقاتها والأحداث التي تدور بينها ، هذا طبعاً في عصره الذهبي الذي استمر تحديداً حتى الجزء الثالث من "الحلمية"..
وقد تستغرب من أن "عكاشة" بتاريخه الدرامي الطويل قد أخفق في السينما ، قد يرجع البعض ذلك إلى كون الرجل الذي اعتاد كتابة مطولات درامية لم يجد نفسه بعد في كتابة فيلم سينمائي لا تتعدى مدته الزمنية الساعتين ، وأرجعه إلى حالات عدم توفيق فردية ، منها أسلوبه المباشر والخطابي أحياناً ("الهجامة"-"دماء على الأسفلت")، وإخفاقه في تغليف "منشوراته" السياسية بصبغة "بوليسية" ("كتيبة الإعدام" الذي عيب عليه في وقته ضعف حبكته)لا تخلُ من نظرية المؤامرة ("الطعم والسنارة"-فيلم تليفزيوني) ..والتي لاحظنا عدواها أيضاً في سهرات تليفزيونية كتبها في فترة التسعينيات كـ"لقمة القاضي" و"تحت الملاحظة"..أو عدم حصوله على "البراح" الزمني الملائم الذي يستطيع معه أن "ياخد راحته" في الكتابة و"التخديم" على الشخصيات والأحداث بما يكسبها قوةً ومنطقية..
ويشعر متابع "عكاشة" أنه يجيد أكثر في منطقة الدراما الاجتماعية على حساب دراما الجريمة (اللي بنسميها مجازاً "البوليسية") ، أو على حساب الكوميدي بدرجاته (أنجح تجربة كوميدية له هي "وأدرك شهريار الصباح" آخر ما أخرج صديق عمره "فخر الدين صلاح").. وقد أجاد -بدرجات متفاوتة- رصد تحولات اجتماعية في فترات زمنية مختلفة سواء مرحلة ما قبل الثورة أو المرحلة الناصرية أو فترة السادات أو العهد الحالي..أجاد عندما تحيز لـ"إنسانية" شخصياته أكثر (كما في "النوة" مثلاً)، وأخفق عندما قرر تقمص دور المنظر السياسي في الجزئين الأخيرين "الكارثيين" من "ليالي الحلمية"..ولاتهامات البعض له بـ"أدلجة" الدراما وجاهتها..وكذلك عندما اتجه لتكرار نفسه وتيماته في سنواته الأخيرة..
قد تختلف كثيراً جداً مع العبد لله في كثير مما كتب ، وقد ترى ما سبق هلاوس وضلالات ، وقد ترى في السطور السابقة بعض صحة ، وقد يكون لك قراءة أخرى تختلف كلياً عما سبق ، لكن تبقى تلك وجهة نظر مشاهد عادي لا أكثر يحترم ويختلف مع كاتب بتاريخ وموهبة "عكاشة" الذي رحل جسداً ولم يرحل جدلاً..
هذا ما كان من أمر الجزء الأول من تدوينتين عن مؤلف "الشهد والدموع"..أما الجزء الثاني فسيكون بإذن الله عن "الشهد والدموع" نفسه .. أحد أفضل ما كتب "عكاشة" وأخرج "إسماعيل عبد الحافظ".. وسأوضح فيه كيف أن "أسامة أنور عكاشة" هو أفضل من يكتب "جزء أول" من أي مسلسل في مصر!
*الصورة من موقع سوري..
*الصورة من موقع سوري..
1 comment:
توارد خواطر مدهش .... انا كمان بجهز حاجة عنه قبل ذكرى الأربعين ... لما انزلها هقولك.
Post a Comment