Thursday, April 21, 2011

الفرجة : نحن


أنشر هذه التدوينة في اليوم الذي يوافق مرور خمس سنوات على "استفتاح" هذه المدونة ، ودخولي عالم التدوين بصفة عامة.. وبما أن مرور خمس سنوات على شيء مناسبة تستحق لدى البعض احتفالاً ، كنت أتمنى أن أعد احتفالاً كبيراً يليق بها ، ولكن..

ولكني قررت هذه المرة عمل شيء مختلف ، قد يكون صادماً ومستفزاً للبعض..

هذه المرة .. لن أكتب عن فيلم أو مسلسل أو أغنية أو تصريح ، ولا عن برنامج شاهدته على فضائية ما ، ولا عن شخصية أبدعت وأقنعت وأمتعت أو العكس.. قررت هذه المرة أن أكتب عنا نحن.. كمادة للفرجة..

تذكرت ما قاله خطيب للجمعة منتقداً مقولة تنسب لـ "يوسف وهبي" "وما الدنيا إلا مسرح كبير" .. وربما لو عاش- إن كان قيد الحياة بما أن الواقعة عمرها أكثر من عقدين- لأدرك صحة مقولة "عميد المسرح العربي" كما يوصف ، بما أن الدنيا هي المكان الأنسب والأفضل لبني البشر لاشتغال بعضهم البعض طول الحياة ، من المهد إلى اللحد..أو كما يلخصها المونولوج الرائع الذي كتبه "أبو السعود الإبياري" وغناه "إسماعيل ياسين" : "دنيا تياترو"..

"دنيا تياترو.. حب تياترو.. بلف تياترو.. كل ما تمشي تلاقي تياترو"..

أقوى الممثلين على مسرح الحياة هم من لم يمثلوا-بعد- أمام كاميرا أو في استوديو إذاعي أو على خشبة المسرح ، وفي كل تلك الأماكن هناك مخرج يضبط ، وسيناريست يخطط ، عكس الحياة التي لا توجد بها إعادات ، ولا مونتاج ، ولا موسيقى تصويرية ، ولا تعدد كاميرات ، ولا ..ولا..

كمية كاراكترات لا تجدها في أي فيلم أو مسرحية ، ربما لأن العمل الفني لا يخلُ من خيال ، والخيال مختلف عن الواقع تماماً ، الفيلم -حيالله- ساعتين ، والمسرحية ثلاثة ، في الوقت الذي يمكن أن تتعرض فيه لتلك الكاراكترات على مدى من ثمانية عشر إلى عشرين ساعة في اليوم- استبعدنا هنا ساعات النوم- وفي كل محيط يحيط بك..كاراكترات قد تكون في بعضها تلقائية ، حقيقية ، قد يفرضها الشكل ، كما يحدث في الدراما أيضاً ، وقد يفرضها الموقف ، ووضع البني آدم نفسه داخل بيته ، كليته ، مدرسته ، عمله ..ومع أشخاص بعينهم ، وهؤلاء الناس "حدوتة" و"مالهمش حل" ، ويستقي كتاب الدراما منهم عدداً ليس بالهين من النماذج في أعمالهم الفنية، وقد تكون تلك الكاراكترات -على الجانب الآخر- في بعضها الآخر مفتعلاً ، أقرب إلى حالة "العيش في الدور" ، منها ما هو مبني على كاراكترات معروفة ، من يعيش في دور "عادل أدهم" ومن تعيش في دور "سعاد حسني"- وهذا النوع الأخير كارثة إذا كانت من تمارسه ثقيلة الظل بشكل بشع-، وينقسم هذا الفصيل من البشر الممثلين إلى أناس يرتدون مجرد "ماسك" أمام فئة معينة من الناس ، وأناس لديهم الافتعال عرض مستمر..27/7/365 ما داموا أحياءاً يرزقون..

كلنا بلا استثناء ممثلون ، نمارس التمثيل بحسن أو بسوء نية ، ودوافعنا للتمثيل مختلفة ومتباينة ومتشعبة ، يختلط فيها الشرعي بالمشروع ، كثير من التمثيل يدخل تحت بند النوايا الطيبة ، وكثير منه أيضاً يدخل تحت باب "الأفلمة" و"الاشتغال" و"شغل الثلاث ورقات"..

من الدوافع "المحتملة" خد عندك يا سيدي : البحث عن شكل عام أفضل وصورة أفضل ، ويدخل فيه الظهور بمظهر المتدين و/أو الوطني و/أو الغيور و/أو المحب و/أو الكبير و/أو الحكيم و/أو صاحب السلطة و/أو.... ، البحث عن تعاطف المحيطين (وبتحصل مع الأطفال عادة) ، البحث عن تواصل اجتماعي أفضل في محيطات الأسرة والعمل والدراسة والجيرة ، استدرار عاطفة أو تعاطف أو اهتمام الجنس الآخر ، الظهور بمظهر أقوى من تغيرات الزمن ، أو بمعنى أصح ظهور المرأة أو الرجل بمظهر المرغوبة دائماً أو المرغوب ، الحصول على امتيازات قد تكون من حقك ، وقد لا تكون ..

وهناك فئات تحترف التمثيل ، من بينهم الساسة ومن في حكمهم ، وعدد كبير من المشتغلين في الحقل الإعلامي والصحفي ، وهم يتصرفون بما أن الإعلام يدخل في الـ show business وبما أن المذيع يعامل كنجم ، فيجب أن يظهر أو تظهر كنجمة سينما ، وبما أن نجوم السينما والتليفزيون يمثلون فعلى المذيع أن يكون هو الآخر ممثلاً ، وأن يبحث له عن كاراكتر من "سوق الكانتو" ينطبق عليه كل ما قيل في السطور السابقة ..

وألذ ما في الدنيا أنك تخرج من تمثيلية إلى أخرى ، ومن كاراكتر إلى آخر ، ومن دور إلى آخر ، تماماً كالممثل الذي يمثل عدة أدوار في عدة أفلام في ستوديو واحد ، طيب في مكان وشرير في آخر ، مخلص في مكان ومتآمر في آخر ، وهكذا..

عالم الفرجة بالنسبة لي كما حددته لهذه المدونة منذ خمس سنوات ما هو إلا جزء من عالم كبير ، في عالم الفرجة المحدود نحن - حيالله- متفرجون ، صامتون ، لنا رأي فيما يقدم لكننا لسنا -بالضرورة- من صناعه ، أما في العالم الأكبر فنحن ضالعون ومتورطون ، أخياراً وأغياراً ، أبراراً وأشراراً..

ولو كنت قد مثلت عليكم في كلمة واحدة في هذه التدوينة لكان كل ما كتبته في السنوات الخمس الماضية تمثيلاً في تمثيل .. :)

هذه التدوينة مهداة بكل الحب إلى كل من زاروا وساندوا "فرجة" ومدونتيّ الأخرتين طوال خمس سنوات..دمتم جميعاً بألف خير .. وربنا ما يحرم حد من حد بيحبه أو حاجة بيحبها..
*تحديث وتصحيح واجب: مونولوج "دنيا تياترو" من كلمات "أبو السعود الإبياري" وألحان "عزت الجاهلي"..هذا لا يمنع أن "بيرم التونسي" عمل مع "إسماعيل ياسين" وقدم معه إنتاجاً متميزاً في مجال المونولوج..الطريف أنني اكتشفت تلك المعلومة عن "دنيا تياترو" أثناء تشييري لرابط المونولوج على الفيس بوك.. لذا لزم التنويه والاعتذار..
*تحديث 28/4: الصورة من مدونة لموقع البنك الدولي....

1 comment:

Unknown said...

great