Saturday, November 24, 2012

فيلم المقاولات .. كيف نفهمه؟

الآتي بعد هو وجهة نظر مشاهد أفلام عادي غير متخصص الشخصية ، ولا ألزم بها أحداً..

بدايةً ، مصطلح أفلام المقاولات أطلقه عدد من كتبة الأعمدة ، أغلبهم ستيني ، على مجموعة مما يعرف عالمياً بالـ B-movies ، وهي عادة ما تكون أقل جودة ، أو أردأ إذا ما أسمينا الأشياء بما هي عليه ، وهؤلاء لم يطلقوا عليها تلك التسمية لأنها رديئة ، بل لأنها تخالف النموذج الستيني الذي لا قبله ولا بعده ، سلفية ثقافية لا تختلف كثيراً عن السلفية الدينية المتشددة..

ولا تنتظر من صناعة السينما في أي مكان في العالم بما فيه هوليود أن تنتج أفلاماً كلها من الفئة الأولى ، هناك B-movies حتى في السينما الأمريكية ، الأفلام التي تشبع بها سوق الفيديو في مرحلة الثمانينيات ، والظاهرة قديمة قدم السينما الهوليودية وقدم تاريخ السينما بشكل عام ، وتفرع من تلك التقسيمة أفلام تصنف C-Movies و Z-Movies مثل فيلم plan 9 from the outer space وهو فيلم صنفه بعض النقاد ضمن أسوأ الأفلام في التاريخ..

إذن .. الـB-movie هو فيلم قليل التكاليف صمم لجمهور معين ، ولوسائط معينة ، كالفيديو الذي اعتبر من قبل نقاد - وأرى أنهم محقون في ذلك - التليفزيون الموازي لتليفزيون الدولة ، والذي يمكن من خلاله مشاهدة محتوى قد لا يظهر على شاشة تليفزيون الدولة ، والمفارقة أن تلك الظاهرة اتسعت في الوقت الذي عاش فيه التليفزيون عصره الذهبي ، ووصلت فيه الدراما إلى مستوى استحال على دراما الآن الوصول إليه.. وانحنت السينما في الثمانينيات رغم غزارة إنتاجها للفيديو ، حيث أصبح الفيديو هو السوق الذي يتم فيه توزيع الفيلم السينمائي قبل أن ينتهي به الأمر شريطاً في مكتبة التليفزيون ، وكان سوقاً واسعة لم يقتصر فقط على مصر بل امتد لدول عربية عدة من بينها بالتأكيد دول خليجية..

الـ B-movies في جميع أنحاء العالم وفي مصر بالتحديد هي محاولة لتقليد السائد ، خاصةً إذا ما كان عليه إلحاح ، يتباكى كتبة الأعمدة على زمن السينما الاستعراضية ، فيقدم البعض سينما استعراضية على طريقته ، يتباكى كتبة الأعمدة على السينما القديمة ، فيقدم هؤلاء نسخته من السينما التقليدية ، وكله موجود ، ضرب تلاقي ، أغاني تلاقي ، واطبخي يا جارية كلف يا سيدي..

الفيلم قليل التكلفة - وليس المستقل رغم أن السينما المستقلة قليلة التكلفة أيضاً ولكنها غير تجارية وبعض بل معظم أفلامها تجريبي صرف- يحتوي على عناصر فنية لا تكلف صاحبها كثيراً ، ممثلين على استعداد للتمثيل مقابل المال تحت أي ظرف (ومنهم أسماء معروفة) مجاملة للمنتج الذي قد يكون ريجيسيراً صغيراً أو شخصاً يريد استثمار أمواله في استثمار سينمائي مضمون ، حتى إن لم يجد الفيلم طريقه إلى صالات السينما فالفيديو هو المحك حيث يصنع الزبون المطلوب ، وهؤلاء يرون من وجهة نظرهم أن تلك الأفلام حماية لهم من عوامل الزمن التي تجعل الممثل كخيل الحكومة، ومخرجين يجيدون الخلطة التي تعجب مشاهد الفيديو المعني بهذا الكلام وليس مشاهد السينما الذي لا يهمهم في كثير ، بل من مخرجي تلك الأفلام من كان واقعياً جداً "وأنا أعمل إيه وسط سينما "عادل إمام" ولا "نادية الجندي" اللي الجمهور عليها طوابير في العيد وفي مواسم السينما اللي الشعب كله عارفها"..رغم أن بعض مخرجي تلك الأفلام يفتخر بأن السينما تكون حين عرضها "كامل العدد"..

لا يمكن ذكر السينما الـ "بي" في مصر ، سواء كانت "بي" من "B" أو "بي" من "بيئة" دون ذكر كوميديان موهوب انتحر فنياً بسوء اختياراته هو "سعيد صالح" ، وممثلون "كسر" من عينة "سميرة صدقي" التي كانت بريمادونا أفلام المقاولات ، و"سمير غانم" الذي يرى أن الإيد البطالة نجسة وصعب على الفنان أن يبقى بلا عمل بحجة اختيار عمل فني جيد ، هذا غير "نبيلة كرم" و"غادة الشمعة" وآخرين ، أما من المخرجين فهناك "صلاح الدين سري" و "ناصر حسين" و"سيد سيف" و "إسماعيل حسن" ، والغريب أنه ليس منهم "إيد وود" مصر "إبراهيم عفيفي" صاحب الكوارث السينمائية التي لا تجدها ضمن التصنيف التقليدي للـ B-movies... ذلك أنه اختصر المسافة من الـ A-movies إلى الـ Z-movies بسرعة الضوء ، ولا "هشام أبو النصر" صاحب مسخرة سينمائية اسمها "العصابة".. ولا ننسى منتجين من عينة "جلال زهرة" -ريجيسير سابق-و"إبراهيم عزقلاني" و "فؤاد الألفي" و-ما تستغربوش - "آل العدل" الذين كونوا جزءاً من تاريخهم من إنتاج تلك النوعية التي يصفها البعض بأنها "أفلام ساقطة"!

يفتخر "ناصر حسين" صاحب أيقونة سينما الـ B المصرية "المشاغبون في نويبع" ، والذي يحتوي على كم من الهبل قل أن تجده حتى في أفلام "عفيفي" ، بأنه رجل "منظم جداً" ، يصور الفيلم في ثلاثة أسابيع من العمل الدءوب ، الذي لا يتاح - طبقاً لمنطقه - لأي فيلم طبيعي من الأفلام التي تصمم للمكان الذي يفترض أن تعرض فيه الأفلام .. السينما يعني .. وإن كنت ستطالب بسقوط "النظام" الذي يأتي من تحت رأسه أشياء كـ"المشاغبون في نويبع"!

تغير كل شيء ، وأصبحت تلك السينما هي ما يبتزنا به أصحاب فضائيات النفط ، ويعرضون أفلامها ليل نهار جنباً إلى جنب مع الأفلام التجارية التي حققت نجاحاً (حقيقياً) في دور العرض.. لك أن تتخيل أن مقاطع كثيرة من مقاطع "المشاغبون في نويبع" حصل عليها جمهور اليو تيوب من نسخة عرضتها "روتانا سينما" ، وكلما ظهر خطأ صارخ في المشهد تسمع من طرف خفي تلك العبارة "يا عم دة تمثيل".. دة تمثيل فعلاً بس مش للدرجة دي نهائي!:(

يتحدث نقاد وصحفيون عن أن الفضائيات ستكون السوق القادم لأفلام الفئة B بعد الفيديو ومن قبله سينمات الدرجة الثانية والثالثة التي بدأت تنحسر أقله خارج العاصمة ، وبالفعل تعرض فضائيات فيما تعرض أفلام B لرخص أسعارها ولملء الميادين الفارغة في جداول إذاعة برامجها..

واللي يشوف B الغير تهون عليه بلوته ، شاهدت مقاطع من أفلام B تركية ، من أبطالها "شونيت أركين" وهو ممثل يعادل في شهرته "عادل إمام" و "فريد شوقي" في تركيا إلى حد ما ، وهو يقدم ما لم يظهر في أسوأ كوابيس "ناصر حسين" السينمائية ، بل إن "ناصر" بالنسبة له "فيديريكو فيلليني"، تلك الأفلام التي صارت تعرض في سينما "علي بابا" وأقرانها خارج العاصمة ، في الفترة التي كانت لا تزال دور العرض تلك موجودة فيها..

نهايته .. السينما فن جماهيري بالأساس ، قوته في وصوله لأكبر عدد ممكن من الناس ، تجاري بحيث يؤهله للصرف على نفسه .. وكلما كانت نشاطاً مربحاً كلما أفرز عدداً أكبر من الأفلام منها بالتأكيد الجميل والجيد والمحترِم لعقلية المشاهد ، ومنها بالتأكيد أيضاً السخيف والسمج والمتخلف عقلياً .. وإن كان هناك من محرك للـ B-movies لدينا فهو الإلحاح الإعلامي السمج على صورة ما للسينما يستحيل تقديمها لدى المنتجين الكبار فيحاول الصغار تقديمها بشكل "يرضي الزبون" ويتماهى مع "الذوق الرسمي" على طريقته ، ومن حسنات المرحلة الحالية أنه يصعب فيها أن تجد فيلم مقاولات بالمعنى المتعارف عليه ، وإن كان يمكنك أن تعثر على أفلام ، ومسلسلات ، أسوأ من أي فيلم مقاولات رأيته في حياتك.. دمتم بكل خير..
* لقطات من "المشاغبين في نويبع" من اليوتيوب..

2 comments:

د/دودى said...

صدق او لاتصدق بقى...بابا من عشاق الافلام دى دايما بيقولى اتفرجى على الافلام دى عشان تقدرى الفن الحقيقى و تحترميه لما تشوفيه

عدوية كان اساسى فى الفترة دى و فى فترات اسنبدل بكتكوت الامير و كده و لو مش موجودين اهو سمير غانم يغنى نفسه و ماله

قلم جاف said...

لكن "سعيد صالح" لوحده في الحوارات دي حكاية ، فيلم "المشاغبون في نويبع" بمشاهده على اليو تيوب كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. والمصيبة إن الفنان الكبير "جمال اسماعيل" شارك فيه!


فيه ممثلين محترمين وقعوا في شراك النوعية دي من الأفلام الهابطة جداً.. علشان خاطر الفلوس