Monday, May 22, 2006

الحي أبقى من الميت

كمواطن مصري فخور بمصريته..أقر وأعترف بأن مصر بلد يتعطل فيه المنطق عن العمل ، بلد يحتاج إلى كتالوج لتفهم أموراً كثيرة تدور بين جنباته!

مثلاً.. نحن أغرب شعوب الأرض تعاملاً مع الموت ، ولعل الجملة السمجة للكاتب الكبير فيصل ندا في مسلسله (الفجالة) "الموت فرح" تميط بعض اللثام عن التصور المصري للموت ، فنحن - وصححوني إن أخطأت - جعلنا الموت مناسبة يحتفل بها ، أول من احتفل بالخمسان ، ثم بالأربعين .. تليها السنوية .. وعندما يموت فينا كبير أو مشهور نبني له هرماً ، ومع مرور الوقت نغير رأينا فنبني له ضريحاً عليه قبة خضراء .. ولا مانع في أن نفتكس له "مولداً" نحتفل بذكراه كل عام ، ونعبق وسائل إعلامنا المقروءة والمسموعة والمرئية برائحة المرحوم.. ولا مانع من أن نخترع بالمرة -وإن شا الله ما حد - بعض الكرامات والظواهر البارانورمالية التي قام بها البيه المرحوم أو الهانم المرحومة..وبالتالي فإن شخصاً له كل تلك القدرات التي يحكي بها الخلق ويتحاكون بعد موته لا يُقبَل أن يناقشه أو أن ينقده أحد !

ولأن لكل عصر تقنياته ، فقد تفسخ الذهن الدرامجي المصري عن وسيلة عصرية لتمجيد المرحوم وكل مرحوم .. وسيلة لن تكلف المؤلف شيئاً (فكله على حساب أسخاب المخل اللي بيدفعوا الضرائب)..وهو عمل مسلسل يخلد ذكرى المرحوم ويكون الفرصة الذهبية لعرض إنجازاته ومعجزاته وكراماته..تحشد له الجهة الإنتاجية جيشاً عرمرماً من الفنانين والفنانات والفنيين والفنيات.. ثم تتبع السياسة الاستباقية فتتفق مع صحفيين أو ثلاثة من النافذين لعمل هالة من الإعجاب حول سيدي صاحب المولد أو صاحب المسلسل والمسلسل ذاته.. ولا مانع من وصف من لا يعجبهم المسلسل ، ولا الهالة الملائكية لسيدي صاحب المسلسل ، بالمتطرفين أصحاب الذقون الطويلة ، والرجعيين ، والمتخلفين الذين لا يفهمون شيئاً لا في دراما ولا في فن ولا في دين..

والمضحك أنه أحياناً يرفع بعض ذوو "سيدي" دعاوى قضائية على منتجي المسلسل ، ومن ضمن أسباب تلك الدعاوى هي الاختلاف في وجهة النظر حول الصورة الملائكية لسيدي الذي يغتسل بالبيتادين .. فبينما يفترضه المؤلف ملاكاً يصر أهل سيدي على أنه أكثر ملائكية .. مزايدة على سيدي وملائكية سيدي نشغل بها وقت القضاء بالمرة..

كل ما سبق بمناسبة مسلسل سعاد حسني ، والذي لن يكون الأخير ما دام ذلك كذلك..وربما تكون الخلافات العنيفة بين آل العدل منتجي المسلسل وممدوح الليثي ، وبين القائمين على المسلسل وورثة سعاد حسني ، وهي فرصة للصحافة الفاضية بأن تشغلنا من حين لآخر بمسلسل بيزنطي الشكل في غياب أخبار صفقات انتقال اللاعبين وسخافاتها ..

يا الله يا ولي الصابرين.. هذا المسلسل وغيره كافون لإقناعك بأن مصر مغارة علي بابا التي لا تنضب من الذهب والمرجان والياقوت ..وبالرغم من الملايين التي تنفق على أعمال دون المستوى وتضيع في الهواء الطلق(رغم أن تكلفتها المنطقية لا تتجاوز فقط مئات الآلاف بل أقل) ،والمليارات التي يدين بها سي اتحاد الإذاعة والتليفزيون لطوب الأرض ويختلف مسئولو الإعلام فقط على عدد هذه المليارات بالضبط والربط .. إلا أن تلك المليارات والملايين تتوالد بل تنقسم ميتوزياً كل واحد إلى اثنين..ويؤمن القائمون على الإنتاج التليفزيوني بأننا يجب أن "نفرتك القرش" حتى يعود لنا القرش اثنين وأربعة ، وأن مصر يجب أن تنتج وتنتج "غلاسة" ولإثبات الوجود والريادة ، وأننا "100 فل وعشرتاشر " وليخسأ الخاسئون!

ما هي حاجتنا لعمل مسلسل يخلد حياة عبد الحليم وسعاد حسني رغم أن إعلامنا الجميل لا يتيح لنا الفرصة لنسيانهما، ورغم أن كراماتهما وكرامات غيرهما تخرج في السنوية ، ورغم أن حياة الاثنين كالدوال تقبل الاشتقاق منها ، وبها نقاط غامضة تستحق القزقزة والمزمزة ، مثل لغز مصرع السندريلا والذي قد يتهم بتدبيره تنظيم القاعدة أو جماعة الخميرو الحمر؟

أشعر بأننا -منتجين ومتفرجين- نقسو على العندليب والسيندريلا كما أسمتهما الميديا المصرية .. فقد حولناهما بطريقة أو بأخرى إلى أصنام من العجوة .. وعندما جعنا بدأنا - جميعاً- في التهامها..

ألنا عين بعد ذلك كله أن نفتخر بأن لدينا في مصر تعبير يقول : الحي أبقى من الميت؟..

ذو صلة :
مقال شديد على حق في مدونة "زمان الوصل"

5 comments:

Veeeva said...

و لما الرسول عليه الصلاة و السلام يهان يطلع شيخ الازهر يقول انه مات خلاص يبقي الموضوع يتقفل أحسن

حاجة تقرف

أنا مش فاهمة هنفضل نمجد "نجوم" الفن دول لحد امتي؟

قلم جاف said...

الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكل الرسل والنبيين عليهم الصلاة والسلام لهم صفاتهم المعروفة ومن بينها العصمة ، فلا يجوز أن نقارن بين أي نبي وأي شخص يصيب ويخطئ.. هذه حقيقة..

وعليه فلا يجوز ديناً ولا عقلاً إني أضع أي شخص ، فنان أو سياسي أو أيا كان في مصاف أي نبي من الأنبياء عليهم جميعاً الصلاة والسلام..

أما المشكلة فهي في طريقة تعاملنا كمجتمع مصري بالتحديد مع الموت ، طريقة بدأت قبل ظهور الرسالات كلها (بما أن الحضارة الفرعونية بدأت قبل ظهور الرسالات السماوية الثلاث بقرون طويلة).. وياريتنا اتعلمنا منها نقلاً وعقلاً على حق..

Veeeva said...

أنا مكنش قصدي انهم يكونوا في مكانة
واحدة

زمان الوصل said...

تخيّلوا ان آل العدل بسبيلهم الى اطلاق مسابقة لاختيار وجه جديد يمثل السندريللا !! ولم نفق بعد من مأساة العندليب من يكون ولازال اثر الصدمه باقيا فى نفوسنا و عقولنا !! كل الاطراف تتسابق لالتهام جزء من الكعكعه فالورثه يريدون مقابل مادى كى لا يقاضوا المنتج و المنتج يريد مسابقه و تليفونات و برامج و الفضائيات تريد ما تملا به فضاءها و تزيد به من "فضيانها" و خلّى الشعب يعيش

قلم جاف said...

مدد يا ستي السندريلا .. مداااااااااد...

حنفضل بلد أضرحة.. مفيش فايدة.. مفيش فايدة.. مفييييييش فايدة..

إنا لله وإنا إليه راجعون..