Tuesday, August 01, 2006

واحد من الناس


من بورسعيد أحييكم ..

أمس شهد تجربة مثيرة بالنسبة لي ، وهي دخول دار عرض سينمائي لأول مرة في حياتي..فأنا مثل كثيرين تذوقوا الفن السابع وتفرجوا عليه من خلال التليفزيون والفضائيات ، لأسباب كثيرة منها ضيق الوقت وعدم وجود دور عرض في مدن مصرية كثيرة بمستوى يصلح للاستهلاك الآدمي وأسباب أخرى.. إلا أن مشاهداتكم للسينما حفزتني على خوض التجربة ، خاصة في بورسعيد التي أزورها حالياً وبها دور عرض جيدة، وبالمرة لأحدثكم عن فيلم "واحد من الناس" الذي كتبه بلال فضل وأخرجه أحمد نادر جلال..

الفيلم في مجمله "يشد" ، يحتوي على أكشن وجوانب إنسانية ، تيمة مختلفة عن السائد بعض الشيء ، خاصة بعد ظهور موجة أفلام التسبيل في شرم الشيخ!

بلال فضل هو "مؤلف" الفيلم ، أو لنقل "مولف" الفيلم على حد لهجات عربية لا تنطق الهمزة الساكنة ، وبالفعل ، فهو قام بعمل "توليفة" من أفلام سابقة له وأفلام لغيره .. فطريقة تعريفه للشخصية كررها في فيلمه السابق مع نفس المخرج "أبو علي" ، تيمة الانتقام شبيهة بتلك في "الكونت دي مونت دي كريستو" ، فضلاً عن بعض شذرات من فيلم "الغول" لوحيد حامد وسمير سيف ، بل إن قصة الحب المصطنعة بين كريم عبد العزيز (محمود) وابنة الشرير رشا مهدي (ريهام) شديدة الشبه بتلك في فيلم يحيى العلمي "الليلة الموعودة"!.. ناهيك عن بعض مكرراته مثل فساد الشرطة كرمز لفساد السلطة .. هذا لا يمنع من القول بأنه رغم كل الاعتراضات على بلال فضل ، وأهمها مقال زميلتنا زمان الوصل عن الواقعية الشرشوحية في فيلم "خالتي فرنسا"، فإن الرجل قادر على تقديم ما هو أفضل ، بعكس مجدي بيه صابر الذي حولته العربي الناصري إلى "عملاق" من عمالقة كتابة الدراما رغم أن الكفيف يرى عيوب دراماه في عز الظهر!

أحمد جلال بدأ في النضج كمخرج ، وهو يحاول أن يكون له أسلوبه الخاص ، بالنسبة لي كمتفرج غير متخصص في السينما على الأقل ، وإن كان قد لفت نظري بصراحة اعتماده على التصوير البطيء ، والفلاش باك ، واللقطات الخاطفة .. وفق جداً في استخدام الفلاش باك ، مدعوماً بالموسيقى التصويرية (سيلي ذكرها فيما بعد) ، خاصة في مشاهد ذكريات كريم عبد العزيز "محمود" مع زوجته القتيلة منة شلبي "منى".. إلا في المشهد الأخير حيث الفلاش باك الصوتي .. وجاء توفيق جلال أقل بكثير في التصوير البطيء خاصة في المشاهد التي لا تستلزم ذلك مما أعطاها طولاً لا تحتمله ، أمر يذكرني تماماً بمسلسل كابتن ماجد الذي من الممكن أن تمضي حلقة كاملة فيه وأنت تشاهد ضربة جزاء!.. أما المشاهد الخاطفة خاصة مشهد محاولة هجوم "محمود" على فيلا الشرير "أبو العزم" بعد المحاكمة فجاءت غير موفقة بالمرة..فيما عدا ذلك فقد قاد الفريق بشكل موفق..

كريم عبد العزيز تحسن أداؤه هو الآخر .. ولمسنا ذلك رغم تعاطفنا الشديد إنسانياً مع الشخصية.. وكان طارق الشناوي في الوطني اليوم محقاً في وصفه بالكونت دي مونت دي كريم على أساس قدرته على أداء شخصية شبيهة في تصميمها ببطل الكونت دي مونت كريستو .. عابه فقط محاولة تخشين الصوت ومخارج الألفاظ في لقطات الفيلم الأولى (ليس عطلاً من أجهزة دار العرض) ، وفي مشاهد أخرى متفرقة..كما قدم الفيلم لنا كريم كممثل متخصص في الأكشن ينافس السقا وقد يحقق بعض النقاط عليه!

الملاحظة التي خرجت بها أيضاً هي أن كل الشخصيات الأخرى في فريق التمثيل بدت كشوارع فرعية متفرعة من شارع كريم عبد العزيز ، وبدت مساحات العديد من الأدوار قصيرة ، لكن تفاوتت أهميتها بتفاوت موقعها ، وتفاوت أداء الممثلين فيها ، منة شلبي بدت مقنعة جداً في دور فتاة فقيرة متوسطة التعليم ، محمد شومان أكد أنه موهبة ويستحق فرصاً أكبر وليس فقط مجرد ممثل إعلانات (ممثلو الإعلانات أقوى بكثير من فتيات الإعلانات في التمثيل - إذا ما استثنينا ياسمين عبد العزيز خاصة في صايع بحر)، فيما كان الجندي نمطياً في تجربته المؤثرة الأولى في دور الأب ، وكذلك بسمة وعزت أبو عوف ، أحمد راتب لعب بخبرته في المساحة المخصصة له ومساحة دوره وأدائه لا تجعلك تشعر أنه ضيف شرف ، أما رشا مهدي فكانت نقطة الضعف في الفيلم ليس بسبب ضعف أدائها التمثيلي ، ولكن لأن الدور الذي كان من الممكن حذفه كله لم يعطها فرصة لإثبات وجودها كممثلة..

النجم الحقيقي في الفيلم ، هو الزئبقي ، ملك الحركات .. محمد بركات الموسيقى التصويرية .. عمرو إسماعيل!

تحسن عمرو كثيراً عن "أبو علي" ، بل يمكن القول أنه نضج ، وكان العنصر الأكثر قوة وتوفيقاً في الفيلم كله متفوقاً ربما على فريق التمثيل بأكمله دون مبالغة، ورغم اعتماده على مقدمة الفيلم كمصدر لتيماته داخل الفيلم إلا أنك لم تشعر بالملل منها ، بالعكس ، كانت عنصر قوة للفيلم ، ومعبراً بصدق عن أحداثه ، يكفي أنني خرجت وهي ترن في أذني .. وهذا نجاح يحسب لجلال وعمرو إسماعيل على خلق "جو" خاص للفيلم يجعلك تتذكر الفيلم إذا ما سمعت اسمه..

واحد من الناس هو واحد من الأفلام الجيدة رغم كل ما سبق ذكره ، وينبئك بدون الزعيق الذي صاحب "يعقوبيان" و "حليم" و "العشق والهوى" أنه من الممكن رؤية ما هو أفضل بكثير من السائد..

حاشية : حسناً فعل جلال بعدم دمج أغنية واحد من الناس في الفيلم ، فكلمات الأغنية ركيكة ، والموسيقى أضعف كثيراً من موسيقى الفيلم..

* أسرة الفيلم تحتفل بتصويره من موقع في البلد .. وعذراً لغياب الصورة التي اخترتها سابقاً لمشاكل تقنية

9 comments:

محمد أبو زيد said...

مقال جميل ـ وتحليل ممتع ـ أحييك عليه

قلم جاف said...

وأنا شاكر لك جداً ثناءك(والذي لا أعرف إن كنت أنا أهل له أم لا) ومرورك على المقال وقراءته..

زمان الوصل said...

هل يمكن ان يمضى الانسان 28 عاما من عمره دون ان يذهب للسينما !! أذهلتنى فعلا بهذا الاعتراف فقد كنت اظنّك مثلى "لاجئ" فى دور السينما ايّا كانت حالتها الصحيّه :)

على اى حال لا تبتئس .. الصيف الماضى شاهدت فيلم "بنات وسط البلد" فى وسط البلد فى سينما ريفولى .. مرّت اعوام طويله جدا منذ آخر مره دخلت فيها سينما ريفولى التى كانت امّى تصطحبنا لدخولها كونها كانت سينما محترمه !! حين دخلتها العام الماضى كان ذلك بعد ما يشبه دفع إتاوه لكافيتريا السينما التى اضطررنا لدخولها هربا من بلطجى يقف خارجها -ربّما بالاتفاق مع ادارة السينما- كى يجعل اى متفرّج يفر من امامه و من امام المشرط الذى يخرجه من فمه من حين لآخر الى كافيتريا السينما متحمّلا اى اتاوه مقابل اللحاق بالفيلم قبل رفعه نهائيا من دور العرض ..

so7ab said...

قلم جاف بجد تحليل شخصى مهم للفيلم وانا متفق معاك
لكن كمان اللى بيضيئى فى الافلام اللى من نوعية واحدمن الناس واللى فعلا نسخة معدلة من امير الانتقام هو ان المؤلف والمخرج بيحبو يخلصو كل حاجة فى الدنيا فى الفيلم فممكن تشوف اكشن وبعدين كوميديا وبعدين رومانسية تحس انك فى سوبرمارك وبلال فضل نموذج مرعب لكاتب السوبر ماركت الافلام بجدناقصها اولا حس انسانى فردى تانى حاجة مهمة كمان التكثيف والتركيز

واسف على الاطالة بس بجد انا باحييك على المدونات بتاعتك وعلى ارائك واتمنى انى استقبلك ضيف عزيز عندى فى المدونة طول الوقت

قلم جاف said...

عزيزتي زمان الوصل : على ذكر تجربتك في سينما ريفولي ..من شر البلية إن كشاف السينما جاي لي وبكل هدوء يطلب البقشيش .. التيبس يعني!

كنت ح أقول له : اللي يقبل البقشيش النهاردة .. حيتذل بيه بكرة.. بس اكتفيت بالقول إني أول مرة أدخل سينما خالص!

عزيزي صحاب : شاكر لك تحيتك أولاً ، وأتمنى أن أكون عند حسن ظنك..وثانياً الورق يبقى مشكلة كبيرة ، في التليفزيون كمان أكثر منه في السينما..

أما الأفلام الأول سايز الكوميديا على أكشن على كله دة تقليد راسخ وقديم في السينما المصرية منذ الأربعينيات وحتى الآن ، ولن يكون التخلص منه سهلاً ، لك أن تتخيل أن مخرجاً قدم فيلماً بدون قصة حب واحدة .. سيتهمه النقاد الصحفيون بالجنون ويطالبون بإحالة أوراقه إلى مفتي الديار المصرية!

قلم جاف said...

عزيزي شريف نجيب .. أهلاً بيك في الفرجة ..دة أولاً..

محدش ينكر إن ألكسندر دوماس قدم تيمة انتقام محصلتش ،واتكررت في عشرات الأفلام بشكل مباشر وغير مباشر .. لكن مش كل تيمة انتقام هي الكونت دي مونت كريستو..

بالتأكيد تعرف أكثر مني مسرحية "زيارة السيدة العجوز" لفريدريش دورينمات ، كان انتقام ، بس مختلف تماماً..

بالمناسبة ..فاكر المسلسل الكاتين "كناريا" للكابتن أسامة أنور عكاشة؟ دة كان ممكن يبقى فيه مشروع الكونت دي مونت كريستو ، بس فاجئنا ببطل على العكس تماماً من بطل واحد من الناس ، في الوقت اللي كان بطل واحد من الناس إيجابي وغائي وضرب بمبادئه عرض الحائط .. أما التاني فكان في غيه يتردد ، متلخبط وسلبي ومهزوز وتعبان يا ولداه ، ويبدو إن صاحبنا الأربعيني مش عارف يلم بنيان شخصياته من كتر الشخصيات اللي بيعبي بيها المسلسل..

تيمة الكونت دي مونت كريستو ببساطة هي تيمة الانتقام المتسلسل المنظم بالثروة والذكاء والنفوذ من أكثر من شخص شاركوا بالتواطؤ في تحويل حياة البطل المنتقم إلى جحيم .. ولا تطرح كثيراً تساؤلات عن مدى صحة وأخلاقية الطريقة اللي بينتقم بيها ، ودة بيوقع من التصنيف كتير قوي من قصص الانتقام في الدراما والسينما المصرية والعربية وربما الهندية كمان (انتكامو هييييه .. ذاليل .. كيتتي كومينييييه-العبارات اللي حافظها من الأفلام الهندي)!

قلم جاف said...

الكدب خيبة ، أنا برضه من الناس اللي عرفت دورينمات من السيدة العجوز ، ومن الأفلام اللي اتعملت عنه خصوصاً الفيلم بتاع أنتوني كوين ومن المسرحيات اللي اتعملت عليها ، قلة المترجمات في السوق المصري للكتاب مشكلة كبيرة..

روحي و روحي said...

تحليل جيد للفيلم و خصوصاً اذا وضعنا فى الأعتبار انك اول مرة تدخل السينما لأنى لحد دلوقتى مش مصدقة او بمعنى اصح مش مستوعبة ازاى قعدت كل ده صابر على نفسك مع ان واضح انك من محبى الأفلام و حتى لو انت من سكان الأقاليم انزل القاهرة و ادخل سينما يلا ملحوقة و انشاء الله تصبح عادة

قلم جاف said...

نحكيلك بسرعة عن المنصورة وسينماتها.. وشر البلية ما يضحك..

ليس لدينا في المنصورة دور عرض بمعناها الحديث ، همة تلاتة ولا أربعة .. عدن والنصر وأوبرا وقصر الثقافة .. عدن الله يرحمها .. وقالوا من عشر أو تسع سنين إنهم حيعملوا "مجمع سينمائي ضخم" مكانها ولسة ما اتعملش.. النصر وأوبرا والثقافة بيطلعوا في الروح ..

وأعتقد أن منظر السينمات التلاتة المذكورة يوم العيد يوم عرض فيلم تيتة نادية الجندي أو عادل إمام حيخلوكي تحلفي بجميع أنواع الأيمانات ما تدخليش سينما تاني!.. فما بالك وهية فاضية ..دا أنا وأنا راجل شحط بأقرف أدخل .. أمال انتي كبنت حتعملي إيه؟

في بورسعيد طلعت الجنونة في دماغي .. أجرب ولو لمرة واحدة .. السينما اللي هناك يمكن تكون اتأثرت شوية بزحمة المنطقة والموسم الصيفي ، لكنها مكيفة ، حسنة التجهيز ، والشاشة اللي فيها بس يعيبها إنها ما كانتش زي ما أنا متوقع .. كنت فاكر نقاوة الصورة فيها زي الدي في دي .. لكن المرء ما يسرحش بخياله بعيد..

فيه نوع من الناس بتبتدي تجاربهم متأخرة شوية بحكم العمل ونقص الخبرة الحياتية.. أول زيارة للقاهرة ليا كانت سنة 2001 يعني لما كان عندي 23 سنة !.. وكانت إنترفيو شغل زي الزيارة اللي بعدها.. ودخلت سينما لأول مرة في 2006 يعني وأنا عندي 28 سنة ..