Saturday, August 19, 2006

ح أعيط!

"أبوس إيديك كفاية .. ح أعيط.. منديلي مش معايا .. ح أعيط.. اعمل ياللا الحبتين .. ابكي ونزل دمعتين .. وارضي قلبي بكلتمين .. تظبط بيهم الحكاية"!

ما بين القوسين هو النص "الحرفي" لأغنية سمعتها على طريق عودتي قبل أكثر من أسبوعين من بورسعيد في التاكسي الظريف الذي قادنا إلى قواعدنا سالمين في المنصورة.. ويغني تلك الأغنية - كما يستطيع من سمعها الاستنتاج-طفل لا يتعدى الرابعة عشر من العمر .. والطريف جداً في الموضوع أن سائق التاكسي ليس لديه كاسيت في السيارة ، بل لديه سي دي أوديو ، وهو أمر يُستغرَب عندما تكون نوعية الأغاني كتلك!

كلمات الأغاني هذه الأيام صارت شيئاً مسلياً جداً جداً جداً .. سواء ما تم تسجيله أثناء "حفلة" - أو ما يعادلها - أو حتى ما يغنى في ألبومات ويصور فيديو كليب.. فالسوقية الشديدة , والعدائية ، والنفسنة ، كلها تغلف الأغنية المصرية هذه الأيام.. لك أن تتخيل أن هذه العبارات ضمن أغاني: "أنا اصطبحت بوش مين"-والله فيه أغنية كدة! ، "اندهلي حد كبير أكلمه" ، "ح أعلمك الأدب"! ناهيك عن افتكاسات أمريكا الوسط الغنائي أيمن بهجت قمر من عينة "طلعت عينيه" ، وما أكثرها!..وبفضل هذا العبقري فلا حدود تقريباً لما يمكن أن يفعله هو أو المهووسون به في كلمات الأغاني في هذا البلد العجيب!

ليست تلك الكلمات الغريبة الشكل بعيدة عن واقع مجتمعنا ، الذي أعيد فيه توزيع الخريطة الطبقية من جديد ، وصار فيه الكل والحمد لله - بمن فيهم أصحاب الذقون - يقدم فنه وموسيقاه الخاصة به - ولو من غير آلات موسيقية ، طبيعي ألا نستكثر ذلك على الفقراء الجدد (=من بنوا وسكنوا العشوائيات وارتبطوا بها وكونوا فيها ثقافتهم وسلوكهم بشكل عام ،وهم غير فقراء أحياء المدن الكبرى والصغرى النظامية)..والتي تعتبر الأغنية "العجيبة" التي كتبت لكم مطلعها في بداية التدوينة ممثلة لموسيقاهم وغنائهم أيضاً..

وموسيقى الفقراء الجدد جديرة بالدراسة ، فهي تفرض نفسها فرضاً على الموسيقى التجارية في مصر ، ويكفي أن سعد الصغير ، الذي تناولته سابقاً في تدوينة من شهر مايو ، قدم عدة أغنيات في "لخمة رأس" مستوحاة في موسيقاها من أشهر مقطوعات موسيقى تلك الطبقة على الإطلاق "المولد".. تلك الأغنيات حققت نجاحاً ، وصارت تسمع في الحفلات وفي السيارات والمطاعم والحوارات الخاصة ، وراجت حتى بين أفراد طبقات "أعلى" في السلم بمن فيهم الأغنياء الجدد أيضاً!

باختصار ، لم يعد الأمر قصة شعبان عبد الرحيم واللحنين الثلاثة الذين يتنقل بينهم في تثاقل ، أصبحت هناك مواضيع غنائية فريدة من نوعها تجدها في تلك الأغاني المفتكسة.. ومن أطرفها مثلا أغنية "البانجو مش بتاعي".. ويبدو أن البانجو يلعب مع مؤلفي تلك الأغاني نفس الدور الذي كان الخمر يلعبه لدى شعراء الجاهلية وبعض شعراء الدولتين الأموية والعباسية (تذكروا قول بشار بن برد : صفة الطلول بلاغة الفدم .. فاجعل وصفك لابنة الكرم-أي الخمر).. كذلك الشقيق الأكبر للبانجو - الحشيش- ففي أغنية حديثة غريبة أخرى اسمها "العنب" -يغنيها شخص لا يشك من يسمعه في أن لا علاقة له بالغناء!-بدأها في المقدمة بموال غريب الشكل وغير مفهوم عن الحشيش!

هل تعبر تلك الأغاني عن آمال تلك الطبقة وآلامها ومشاكلها؟ أم هي فقط لعمل "جو فرايحي" يصلح لفرح ، أو "لحفلة" ، أو لما شابه ذلك؟ (وإن كان بعض أغانيهم كئيب ومحبط).. ما الفرق بين موسيقاهم التي هي عبارة عن أورج فقط تقريباً وموسيقى الفقراء حول العالم (وللعديد من فقراء العالم موسيقى مميزة يعرفها من هم أكثر مني ثقافة وكثير ما هم)؟ هل من الممكن أن يخرج من تلك الطبقة فنان حقيقي بدلاً من "الكابتن" صاحب "المولد" (=مجموعة من حركات الأورج الغريبة صنفت كمقطوعة موسيقية تستخدم لعمل "شبورة" يرقص عليها الحضور - كل الحضور - في الأفراح).. والتساؤل الأهم .. متى تتحدث وسائل الإعلام عن هؤلاء؟

قبل أن أترككم مع تلك التساؤلات .. تبقى ملاحظتان .. الأولى أنني لا أستبعد أن أرى كلمات مشابهة لكلمات الأغنية المذكورة يغنيها مطرب شهير أو مطربة شهيرة .. وليس مطرب مغمور طفل أو مراهق في حفلة تسجل لتسمعها ميكروباظات وتاكسيات مصر .. والثانية أنني حاولت أن "أمسك نفسي" أثناء سماع الأغنية .. لأنني لو سمعتها في مكان عام أو مع بعض الأصدقاء لانهرت من الضحك!

4 comments:

Me2nour said...

والله شكلي أنا إللي هعيط
إمبارح كنت بعلق و أنا بقلب في القنوات و بقول لجوزي
إحنا بقالنا كتير مش بنشوف أغاني و لو قلبنا بالصدفة يجيلنا مغص و دوخة و كل ما تتخيلة من القرف
هبوط و خلاعة و إنحطاط مالوش حل

قلم جاف said...

زمان وأنا صغير - مع الاعتذار لهشام عباس ، كنت فاكر عمل أغنية ولا شريط عمل انتحاري ، بيتكلف كتيييير إشي استوديوهات وإشي موسيقيين وإشي وإشي..

دلوقت حتلاقي العملية سهلة خاللص .. زي شكة الدبوس بالضبط..

الأغاني اللي من عينة أبوس إيديك كفاية وأغاني الميكروباظ بتتعمل بسهولة شديدة ، بتتسجل من حفلة ، والعازفين بس كيبورد وإيقاع .. والشريط بيتعبى زي الهوى لحد ما بقينا نشوفه ام بي ثريهات!

حتى الكليبات اللي انتي قلتي عليها ، تكلفتها بقت تافهة جداً جداً ، والمطربين على قفا من يشيل والمخرجين والمؤلفين والملحنين ، وكلهم "عايزين يخدموا" لو اقتنعوا قناعة تامة بمؤهلات الست المطربة!.. وسكة أبو زيد في الوسط أحياناً كلها مسالك..

التفاهة مش خلاعة وبس ، الواحد ممكن يسمع أغاني تعبر عن مودات معينة لكنه مش جاي يسمع شكلة ، دة ناقص عشر سنين وحنلاقي شتايم بالأب والأم وحاجات تانية في الأغاني.. وكله آل إيه ظرافة وابتكار!

Mai Kamel said...

اصل الفكرة دلوقتي اسهل لانك عشان تسجل شريط مبقتش محتاج ستوديو دانت ممكن تعملها وانت قاعد فى البيت وتظبط اللحن وكل حاجة ع الكمبيوتر ببرامج معينة ويادوبك تركب صوتك ع اللحن وخلاص مبروك الشريط

الحاجة التانية ان حتى شعبان هو اول واحد بدأ يركز على الكلمات الغريبة اكتر من اللحن لان ببساطة مفيش لحن فبيعتمد على التجديد فى الكلمات والملل دفع الناس تسمع اى كلام جديد عبيط بقى او كلام في الهجايص مش مهم المهم حاجة تكسر الملل وخلاص

i like your blog so much

قلم جاف said...

شعبان هو الأب الروحي للحركة كلها ، بس مش الوحيد ..

عندك حق إن شرايطه فعلاً ما بتتكلفش كتير من الناحية المادية ، وبتحقق أرباح كتيرة لإن شكل شعبان غريب وكل مجهول وغريب مرغوب في حد ذاته..

لكن مش كل شرايط النوع دة من الأغاني عادةً بيبقى متسجل في استوديوهات صوت .. فيه منها اللي بيبقى لايف في حفلات وأفراع وربما "قعدات خاصة" ..

دول الأنجح حالياً في سوق الكاسيت ككاسيت ، لإن المطربين التانيين مبقاش بيهمهم الكاسيت قد ما يهمهم عمل كليب ولا اتنين يتباعوا لقناة فضائية ، والرينج تونز ، دة وصل الأمر - وكتبت عنه هنا قبل كدة في موضوع الشهر قبل اللي فات على ما أذكر - بهشام عباس إنه حيطلع ابتداء من السنة اللي جاية سينجل "أغنية لواحدها" كل شهر ، وحيجمعهم كلهم في شريط ينزله آخر السنة ،وحيصور من السناجل اللي بيعملها كام فيديو كليب يبيعهم للقنوات ويعيش حياته!

في المقابل ، الناس التانية ليها جمهور مضمون وشريحة تجيب شرايطها (3 -5 جنيه بس مقارنة بشرايط المطربين التانيين اللي ممكن توصل لورقاية بعشرة) .. أول ما علي بريزة مثلاً يطلع شريط كل تاكسيات المحافظة اللي هوة فيها تشغلها ، وما تنسوش أفراح الفقراء الجدد كمان ، هات الدي جي وشغل مقطوعة المولد وخلي الناس ترقص عليها للصبح!

شعبان سلم الشعلة باختصار لبتوع الشعبي الجديد - زي الفكر الجديد كدة!