Saturday, September 02, 2006

عن الهجان وبيتر سيلرز


من الأشياء التي كنت أريد كتابتها في تدوينة خاصة عن مسلسل رأفت الهجان ومقارنته بما يسمى العميل 1001 ، أن الناس تعاطفت وأحبت رأفت الهجان (الشخصية) رغم عدم مثاليته على العكس من الشخصية التي أداها مصطفى شعبان رغم مثاليتها المفرطة ..كذلك لم يغير الفيلم الذي شاهدته عن الممثل الكوميدي الأسطوري بيتر سيلرز شيئاً من حبي واحترامي له..

على الوصلة شاهدت فيلم حياة وموت بيتر سيلرز (2003) ، والمأخوذ عن كتاب عن كتاب لروجر لويس بنفس الاسم ، وقام بالبطولة جيوفري راش وشارليز ثيرون وأخرجه ستيفن هوبكنز..

الفيلم يصنف كسيرة ذاتية ، لكن كتاب سيناريو الفيلم وربما الكتاب لم يقدموا بيتر سيلرز بوصفه الملاك البريء أبو قلب طيب قوي ، ولم يسردوا حسناته ولا معجزاته ولا كراماته بجانب بعضها ، ولم يرصوا الشخصيات التي صاحبها رغم أن علاقته ببعضها (كبليك إدواردز الذي ابتكر سلسلة الأفلام "بينك بانثر- الفهد الوردي" والتي حققت لسيلرز شهرة عالمية) تستحق فيلماً بذاته.. بل سردوا حياته بشكل واقعي ، بأخطائه وعثراته وحماقاته ولحظات تهوره وجنونه ومعاناته الموروثة من أمراض القلب والتي كاد أن يموت في أحدها..

قدم الفيلم الوجه القاسي لهوليوود ، كيف أنه كان عليه فقط أن يمثل ما يريده أصحاب المال وليس ما يريده هو ، وكثيراً ما سلطت الكاميرا على كتاب "being there" الذي كان يحلم بتمثيله بشدة ، ومثله في أواخر حياته ، وكاد أن يحصل على الأوسكار لولا خسارته أمام داستين هوفمان عن دوره في كرامر ضد كرامر، كذلك قدم بشكل عام الوجه المظلم للنجومية، وكيف كان لوالدته المتسلطة دور كبير في إحساسه بالنجومية والعيش كنجم حتى على حساب ما يراه هو صحيحاً كإنسان وأنسب لحياته..والغريب أنه تشرب ذلك ، ففي مشهد وفاة والدته التي كان مرتبطاً بها جداً كانت تطلبه في التليفون وهي تحتضر ، فاعتقد أنها تمزح وقال لها ببساطة وبرود أنه سيعود قريباً لها .. والأغرب أنها كانت سعيدة جداً بردة فعل سيلرز .. قائلة ما معناه "هكذا يتصرف النجوم الحقيقيون".. هذا لا يمنع أنه بكى بحرقة بعد أن علم وفاتها فعلاً .. في مشهد أداه راش باقتدار..

الأغرب هي رؤيته هو للعديد من الشخصيات التي مثلها ، كممثل كوميدي ضخم غير مفاهيم كثيرة عن "الكاركتر" ، وخرج عدد من أعتى فارسيرات العالم من تحت عباءته ، تخيل أنه غير راض عن شخصية المفتش كلوزو التي حققت له شهرة ضخمة .. كان يشعر أنه وهو يؤديها أقرب للمهرج .. وإن كنت أشك جداً في ذلك .. فدوره في "الحفل" مثلاً لم يكن دور مهرج بل ممثل يفهم حدود الكاركتر الذي يؤديه وينفذه بكل حرفية وذكاء .. لم يرد الرجل أن يحبس نفسه في شخصية واحدة أو عدة شخصيات يطلبها منه الجمهور ومنتجو السينما في هوليوود .. في المقابل وصلت الضغوط عليه لدرجة أنه أحس بأنه شخص تافه لا قيمة له بدون الكاراكترات التي يلعبها بغرض الإضحاك..أحد الشخصيات قال أن تلك الشخصيات تسبح بداخله.. وهو ما وضحه تماماً مشهد الأزمة القلبية الذي سيلي ذكره..

حتى تركيبة الفيلم نفسها غريبة ، تجمع ما بين الفانتازيا والوثائقي مع بعض الدراما.. مثلاً في مشهد النوبة القلبية الكبيرة التي أصابته بعد فترة من زواجه من الممثلة السويدية بريت إيكهارد (لعبت دورها شارليز ثيرون) .. عندما قابل كل شخصياته في مشهد شديد الشبه بالحلم ، كذلك مشهد حوار له مع والدته وهو يتقمص شخصية دكتور ستراينجلوف (في فيلمه كيف تحب القنبلة وتكره القلق مع ستانلي كيوبرك) .. مشهد تتحير في كونه حقيقة أو فانتازيا عندما تراه.. لو كان فانتازيا هذه هي رؤية أصحاب الفيلم وهم أحرار ، أما لو كان حقيقياً فسيلرز إذن كان عبقرياً لدرجة الجنون!.. حتى مشهد وفاة والدته وهي تتحرك على أنغام الموسيقى إلى النعش!.. ومن ناحية أخرى ترى بعض الشخصيات وكأنها تعلق في فيلم وثائقي في ختام مشاهدها في الفيلم .. مثل شخصية الأم وستانلي كيوبرك وعلى ما أذكر بليك إدواردز .. الشخصيات التي بدت الأكثر تأثيراً في حياته..أما "قفلة" الفيلم فهي الفانتازيا بعينها عندما نرى سيلرز (راش) وهو يمشي على الماء ثم يطير.. ربما كانت تلك لحظة سعادته ، وحلمه الذي لم يكتمل..

يصعب أن ترى الفيلم في قنوات الأفلام على النايل سات -رغم كونه فيلم تليفزيوني والأفلام التليفزيونية معتادة الوجود على الفضائيات- إلا إذا قرروا عرضه كسد خانة ، فالفيلم غير تجاري بالمرة ، ليس فيه قصص حب ملتهبة ولا جرافيكس ولا معارك ولا مؤثرات خاصة أو مشاهد رعب أو...أو.... فقط مجرد رؤية لحياة شخص كان يقول أنه ينتمي لفصيلة من الكوميديانات تتسم بالمرح فقط وقت العمل!

ورغم أن البعض - مثلما يحدث مع كل أفلام السيرة الذاتية - وصفوا الفيلم بأنه "إهانة" لسيلرز.. أرى أن الفيلم كان واقعياً وإن صدمني بعض الشيء .. المشاهير ليسوا ملائكة ولا أنبياء.. لهم أخطاؤهم ووجهات نظرهم ونزواتهم وسقطاتهم .. الناس تريد أن ترى بشراً على شاشة السينما أو التليفزيون.. لهذا أحب الجمهور رأفت الهجان وكرهوا شخصية مصطفى شعبان التي يذكرون اسمها بالكاد..

3 comments:

Ossama said...

حبيبي شريف كلامك رائع عن بيتر سيلرز الفيلم وفهمك لمعنى السيرة الذاتية الفيلمية ممتاز وده طبعا يخليك تقارن صح وتوصل لنتايج صح ومقنعة لحد كبير
ده يا شريف نقد سنيمائي بجد

على فكرة اضافة صغيرة لكلامك عن اداء بيتر سيلرز وهو واحد من اعضم الممثلين في التاريخ انه افضل من يؤدي شخصية الغريب الذي يتكلم الانجليزية
مثلا في فيلم
murder by death
لعب دور المخبر السري الصيني
في
the party
لعب دور الممثل الكومبارس من اصل هندي مستر باكشي
في
pink panther
المفتش كلوزو الفرنسي
وهكذا
وكانوا بيسموه
المشخص العظيم
او
the grand impersonator
الفيلم جميل حقا
والممثل رائع
طبعا مسلسل 1001 ملاكي منوفية ده
زفت بالتمر الهندي
وده عادي في المعادي يا شريف وربنا يصبر عباده

ibn_abdel_aziz said...

موضوع جميل يا قلم يا جاف
مع اني مليش في النقد السينمائي واخر عهدي بيها كانت من ايام شركة ار دي اي
الله يرحمها ويحسن اليها
اما كان الدوك اسامة بيدينا محاضرات في كتابة السيناريو والقصة والاعلانات التلفيزيونية القصيرة

بس لفت انتباهي العبارة دي بالتحديد

"ورغم أن البعض - مثلما يحدث مع كل أفلام السيرة الذاتية - وصفوا الفيلم بأنه "إهانة" لسيلرز.. أرى أن الفيلم كان واقعياً وإن صدمني بعض الشيء .. المشاهير ليسوا ملائكة ولا أنبياء.. لهم أخطاؤهم ووجهات نظرهم ونزواتهم وسقطاتهم .. الناس تريد أن ترى بشراً على شاشة السينما أو التليفزيون.. لهذا أحب الجمهور رأفت الهجان وكرهوا شخصية مصطفى شعبان التي يذكرون اسمها بالكاد"

السؤال اللي عاوز اساله وياريت الدوك يساعد في الاجابة
هل الشخصيات التاريخية والشهيرة سواء الهجان او عمر بن الخطاب
طريقة سرد سيرتها وقصصها له تاثير سلبي كما له تاثير ايجابي احيانا؟
واللي قصدي عليه بالتحديد
اننا مثلا لما بنروي قصص الابطال والناس دي
اتعودنا نرويها باسطورية تخلينا نقعد نشاور عليهم كل شوية ونقول لو رجعنا زيهم نبقي مية مية
بس في الحقيقة احنا بنعجز نفسنا
لان الشخصيات دي مكنتش ملايكة
لكننا نقدسهم لدرجة اننا نصنع منهم اصناما
ونشير اليها
ثم لا نتحرك خطوة واحدة الي الامام
بالاستعانة بكلام الحاج قلم جاف
هل لو تم سرد السيرة وقصص الصحابة بشكل اخر غير حبوب منع الفهم الا بتتعمل دلوقتي في الكتيبات والشرايط وكمان الفضائيات
يعني تغيير
خدلك صحابي في العضل وادعيلي وانت بتصلي الفجر وشوف حتبقي ميت فل وعشرة

الي

سرد حقيقي بدون "اسطرة" من اسطورة
الشخصيات دي بالطريقة اللي تخليهم حاجات في الماضي كدة ومتحفية نبص عليها ونتحسر
بما اننا بنبص علي الماضيي كدة كدة
هل من الممكن الاستفادة من ده باسلوب افضل ليؤثر في الحاضر والمستقبل بشكل افضل ؟

قلم جاف said...

شوية حقائق :

1-الحقيقة الأولى إن إحنا كشعب نعشق تصنيم الموتى وتقديسهم ، ونصنع لهم أولياء ونصطنع لهم كرامات .. وربما هذا الأمر بالذات يضرب بجذور عميقة في ثقافتنا بشكل عام .. تذكروا ما افتُعِلَ منذ فترة عن وجود جسد عبد الحليم حافظ سليماً حتى الآن.. نوع من أنواع الكرامة تم اصطناعة ليس إلا..

في وجود هذا الميراث من التقديس فإن إثارة أي وجهة نظر قد تخالف قليلاً ولا تشوه الفقيد من الممكن أن تفتح عليه أبواب جهنم.. تذكروا هذه المشكلة عندما ينوي التليفزيون أو أي جهة إنتاجية إنتاج مسلسل عن أي شخصية فنية أو سياسية ، واللي ممكن توصل للقواضي والمحاكم وهلم جرا.. مع إن الراجل السيناريست مظبط الفقيد ع الآخر!

2-الحقيقة الثانية أنه لم تتوافر أي معلومة موضوعية عن كثير من شخصيات التاريخ القديم ، إما تطرف في المدح أو تطرف في الذم والسب..

أما الشخصيات المعاصرة فطبيعي تتوافر عنها معلومات كتيرة ومن كل الزوايا بسبب التقدم المعرفي اللي بنعيشه..

3-أحد أصدقائي قال لي : إحنا بنحب الحكاوي قوي .. ودة صحيح .. ودة يفسر إقبالنا على إننا نشوف فيلم أكثر عن فلان ، أو نسمع شريط عن علان أكثر من إننا نقرا كتاب عنهم ..


نيجي هنا لأسلوب السرد .. ملحوظة الصديق العزيز ابن عبد العزيز..

تاريخنا فيه حكاوي ، حكاوي وحكاوي مضادة ، كلها بتعتمد على التضخيم ، تضحيم المحاسن وتضخيم المساوئ .. ورص للمواقف جنب بعضها .. كلها عاطفية جداً ومش عقلانية .. هدفها إحداث حالة انبهار (عاطفي) أو استعداء (عاطفي برضه) مش حالة فهم واقتداء (عقلي)..

الانبهار حيخليك تحاول تقلد فتحبط فترجع للمربع رقم 1 ، الفهم حيخليك تفهم وتتفهم وتمشي في الطريق ما استطعت.. وعلى المرء أن يحاول ..

للأسف محترفي الحكي لسة ما فكروش يستهدفوا العقل في تحليلاتهم..

داء السرد المهبب والحكاوي والكرامات والمش عارف إيه انتقل للدراما بشكل فاقع ، مسلسلات كتيرة (قاسم أمين وأم كلثوم وأحياناً إمام الدعاة) ، وأفلام (ناصر 56 ، كوكب الشرق) .. لهذا السبب وضعت رابط مقال سابق عن فيلم حليم في نهاية التدوينة..

والغرض من الحكي هو كسب تعاطف الجمهور المتعصب لهؤلاء لا أكثر ولا أقل ..

4-رأفت الهجان ماكانش الغرض منه تقديم قدوة ، اللي وصلني من المسلسل إنه شخصية ثرية إنسانياً لأبعد حد ، ولأنه اتقدم في سياق روائي فماكانش دة تاريخ صرف قد ما هو كان شاهد على التاريخ ومؤثر فيه ..(كما قرأت في أحد الكتب المترجمة التي تتناول تاريخ الجاسوسية في الشرق الأوسط) ..

الناس حبته لأن فيه أخطاء..لأنه شارع يمكن الوصول إليه وليس جبلاً يستحيل الصعود إليه.. فيه الحلو وفيه الوحش .. دة غير إنه مكتوب بعقل واحد روائي زي صالح مرسي .. والروائي الحقيقي بيعنى تماماً بتصميم شخصياته .. وكل ما كانت الشخصيات دي لحم ودم على الورق ، وكمان اتنفذت صح ، المعنى حيوصل والعمل الفني حيكسر الدنيا..

في المقابل بقت المثالية المفرطة في كتابة الشخصيات شيء مقرف ، بتاع ولا بتاعة نازلين فينا نصايح .. والناس بتعمل حاجة واحدة بس لما تشوف مسلسل من دول اللي ابتلينا بيهم في نظام المنتج المنفس : تشوف أي حاجة تانية تعملها..

وعن العميل 1001 ح أحاول أكتب قبل رمضان .. اللي شكلنا حنضحك فيه ضحك!