قد تصدمون عندما تعلمون أن عدد ما قرأت من قصص قليل جداً ، ومن ضمن تلك القصص قصة لإيلوين بروكس وايت(صاحب ستيوارت ليتل القصة والفيلم الشهيرين) مترجمة طبعاً إلى العربية في مجلة "العربي" الكويتية قبل سنوات .. كان اسمها "العائلة التي كانت تعيش بسلام" , وكانت تدور ببساطة حول عائلة "برويت" التي كانت تسكن جزيرة معزولة لا وجود لها على الخريطة ، ثم تحولت حياتها إلى جحيم مقيم عندما اكتشفت وسائل الإعلام تلك الجزيرة وحطت رحالها عليها هي وأصحاب الشركات الذين سعوا إلى سبق دعائي باختراق تلك الجزيرة..
لأن الشيء بالشيء يذكر ، أذكر تعليقاً ذكرتني به الزميلة زمان الوصل في التعليق على موضوع "نفتح الشباك ولا نقفله" في "الصحافة فين التعليم أهه" لنور الشريف قال فيه أن بطل المسلسل قد أخطأ عندما وضع ابنه جنباً إلى جنب مع الأغنياء فقرر التمرد على واقعه وانحرف..
تعليق يجانبه الصواب بكل تأكيد .. والسبب بسيط..
المجتمع المصري ليس مكوناً من جزر معزولة على غرار جزيرة عائلة "برويت" ، جزيرة للفقراء وجزيرة للأغنياء وجزيرة لأهل الوسط ، ومهما حاول أهل كل جزيرة عزل أنفسهم عن الآخرين بالزواج المغلق أو سكنى أماكن معينة ، فإن كل المحاولات تبوء بالفشل ، وإن حاول بطل "حضرة المتهم" منع ابنه من التعلق بابنة الثري الفاسد ، فإنه فشل وبامتياز في منع ابنة شقيقته من التورط مع ابن الصحفي .. الشريف!
حتى لو بقي ابنه وسط الفقراء ، و "ضرب صحوبية" مع ابن البواب الطموح ، فسيزيده ذلك حرصاً على التمرد أكثر مما ذي قبل ، فالمستوى أقل بكثير من المستوى "المستور" الذي اعتاد العيش فيه ، أمر يدفعه إلى الإحباط ، ثم إلى الانفجار..
وقد يكون الفتى على حق ، فالصيت يمثل كل شيء لأهل الوسط في المسلسل وفي الحقيقة تقريباً ، المركز هو الحاكم في علاقات الزواج والنسب واختيار العمل ، لم يحزن نور الشريف لأن ابنه فشل في دخول "كليات الكمة" .. إذ كان البديل موجوداً وهو دخول كلية الشرطة ، فقط من أجل البرستيج (دوافع أبناء الطبقات الدنيا للتسابق على السلطة مختلفة تماماً)..
الرضا الزائد بالمستوى الاجتماعي-لو مشينا للآخر مع نور الشريف في تعليقه من وجهة نظره- والفرحة بالبرستيج لا تلغي كلها الطموح غير المشروع فحسب ، بل يلغي معه الطموح المشروع كذلك .. حقيقة قد تحتاج إلى "ضربة على الرأس" من عينة العلقة الساخنة التي أخذها ابن نور الشريف في المسلسل .. كي يفيق..وربما اختار عبد القوي أن يضرب الابن على رأسه تماشياً مع العبارة الدارجة "مش حيفوق إلا لما ياخد على دماغه"!
يحسب لمحمد جلال عبد القوي تقديمه لخريطة جديدة علينا في الدراما المصرية للصراع الطبقي داخل مجتمعنا ، خريطة لا يدخل فيها أبناء الطبقات المختلفة في صراعات غير متكافئة ، بل يدخلون في علاقات تكافلية الكل يستفيد منها..
ابن البواب يخدم سكان عمارة نور الشريف ويغسل له سيارته ليل نهار، وإن كانت عينه على كلية تؤمن له مركزاً محترماً يضعه بين ، أو أعلى من ، أهل الوسط ، وابن نور الشريف يبيع المخدرات التي تلزم أبناء الأثرياء ، وإن كانت عينه على ثروة تضعه وسط الكبار..
ويحسب له أيضاً أنه أول من قدم تناولاً من وجهة نظر طبقة منتقداً إياها من الداخل، ماسورة المواعظ التي انفجرت من الحوار لم تمنع من اعترافي كمتفرج أن الواعظ "عبد الحميد دراز" ارتكب أخطاءاً جسام ، رغم أننا كلنا اعتدنا التوحد مع "البطل" في الفيلم أو المسلسل والتعاطف معه والإيمان المطلق بأنه على حق دائماً ، على العكس من التحيز ، لنقل التسول العاطفي ، الذي يمارسه بعض أرزقية الكتابة لتملق عاطفة الفقراء بإظهارهم دائماً بمظهر الملائكة والأغنياء بمظهر الشياطين (في الوقت الذي يمارس فيه أرزقية آخرون اللعبة في الاتجاه المضاد)..
لو كنت مكان محمد جلال عبد القوي ، لاكتفيت بعمل رواية تحقق نجاحاً كعمارة يعقوبيان ، دون المخاطرة بتحويلها إلى مسلسل أقرب في حواره إلى الوعظ المباشر ، وسط مط وتطويل متوحشين ، ومحاولات مستميتة من معالي زايد لاستنساخ جمالات زايد ، وأداء كاريكاتيري من قبل سمير صبري وأشرف عبد الغفور ، ومكررات المؤلف التي لا يمل تكرارها من عينة ربط الشخوص بالتاريخ (كجعله وكيل النيابة حفيداً لحسن طوبار كما كانت حياة الجوهري حفيدة للشيخ الجوهري)والسيدة نفيسة التي مر فيها تسعون بالمائة من شخصيات مسلسلاته ، وحالة من الإخفاق ضربت أداء عناصر فنية منها الإخراج ومعظم الممثلين ، ولم ينج منها إلا زينة وشريف سلامة وتوفيق عبد الحميد ، وموسيقى ياسر عبد الرحمن الذي يثبت في كل عمل أنه طاقة حقيقية تحتاج لمن يستغلها، ومعهم – من وجهة نظري- أحمد جلال الذي أصبح "ملطشة" الصحفيين رغم أنه برأيي المتواضع نفذ الدور جيداً قياساً على مواصفات الشخصية ، وإن كان الدور ليظهر بشكل أفضل إذا ما أداه ممثل أقوى ، حتى ولو كان أقصر قامة بعض الشيء!
* الصورة من الراية القطرية..
* الصورة من الراية القطرية..
4 comments:
سبحان الله
تدوبينتك دي اثبتت ان لو تنفيذ المسلسل سئ فدة بيغطي حتى على محاولات المؤلف لتقديم قصة جيدة. انا كل اللي طلعت بة من المسلسل دة سلبي لاني شايفة انة كان ممل جدا وسخيف جدا وفية كمية فانتازيا غريبة. زي مثلا لما اتقبض على نور الشريف بدل ابنة ومعالي زايد قعدت يومين تصوت ومفكرتش تدخل على البية ابنها تديلة قلمين وتقول لة جبت المخدرات دي منين يا موكوس! الكل عمال يعيط وخلاص! دة غير كورس المواعظ اللي كان في منتهى السخافة. كل دة غطى على اي حاجة ممكن تكون حلوة في المسلسل وبحييك انك قدرت تتخطى كل الصعاب دي وتشوف حاجة ايجابية ههه
فيه ناس كتيرة بتكتب أفكار حلوة(محدش جاب سيرة مجدي صابر ولا من على شاكلته من أمثال سماح الحريري).. بس الكتابة مش أفكار وبس .. الكتابة شخصيات ، وخطة ، ومنطق لازم يتراعى ، تسلسل للأحداث ، صراع لازم يبقى قوي ، حبكة ما تخرش المية ، يخدم عليها حوار معبر عن الشخصيات.. دي فنيات كتابة ، وعمرنا ما بنتكلم كتير - للأسف - عن الفنيات دي..
المسلسل فيه كمية تطويل ما حصلتش ، ودة بيؤكد إن الكتاب دول مبينجحوش في السينما لإنهم بيحبوا يكتبوا في المالا نهاية ، أربعين حلقة يعني تلاتين ساعة بينما الفيلم السينمائي آخره ساعتين ونصف ، العياط ، والجمل الحوارية الطويلة ، وكل دة يندرج تحت بند اللي بيتسمى في الكورة "استهلاك الوقت بشكل قانوني" والوقت مفيش أكثر منه علشان نقفل التلاتين أربعين حلقة ونخلص..
محمد جلال عبد القوي - للأسف - عمل حسابه على مسألة الوقت ومعاه رباب حسين ، اللي حتى مسلسلهم الأفضل نسبياً "الليل وآخره" كان ممكن يطلع أحسن ، لولا المط والتطويل والمسرحة اللي في كذا مشهد .. من ضمنهم مشهد عبد الحميد دراز وهو بيضرب رياض ، ومشهد الفينال الفانتازي المسرحي المونولوجي!
على ذكر العياط.. القاسم المشترك بين الليل وآخره وحضرة المتهم إنهم كانوا معيطتين على حق!
تدوينة جيدة كالعادة يا قلم..فى رأيى "حضرة المتهم أبى" كان من أفضل المسلسلات السنة دى برغم عيوبه الشديدة..ناوية من ساعة رمضان أكتب تدوينة تفصيلية عن المسلسل لكن هندسة بقى ربنا يساعدنا..تدوينتك جاءت مهمة لى عشان طرحت فيها أفكار مهمة عايزة أتكلم عنها
" قد تصدمون عندما تعلمون أن عدد ما قرأت من قصص قليل جداً "
:)
عدد ما قرأته نسبى و بيختلف من شخص لشخص..فى ناس مهما قرأوا هيحسوا دايما ان اللى قرأوه قليل جدا..متهيألى ان انت من الناس دى
عدد ما قرأته من قصص قليل على إطلاقه ..وذلك ربما قد يكون سبباً في رأيي المتواضع في جعل قراءاتي القصصية القليلة شيئاً حاضراً في الذاكرة.. تماماً كما أتذكر الفيلم الأول والوحيد الذي شاهدته في صالة العرض..
Post a Comment