Saturday, November 25, 2006

فرجات آخر الشهر

* صديقي وزميلي أحمد "حائر في دنيا الله" .. كلنا معك ، ولا تبتئس بما فعل "الصحفجي".. وأذكر نفسي وإياكم بأنه يقال أن اللصوص و "النَّور" بحسب ما يسمون في كتب قديمة كانوا يسكنون مناطق بعينها ، ومع دخول مركب البجاحة في السرقة أصبح من المعتاد أن نرى اللصوص .. في قلب "الميدان"!

* من الانتقادات العنيفة الموجهة لـ"يوسف شاهين" أنه يلغي شخصية الممثل الذي يقوم ببطولة فيلمه ويضع بدلاً منها شخصيته .. الأمر نفسه ينسحب على "حمدي رزق" و "يسري الفخراني" عندما يعدان برامج للتليفزيون ، أرجو ألا يفهم من كلامي أنني أساوي بين الصحفيين المذكورين وبين "شاهين".. "شاهين" على الأقل "له" في السينما!

* إلى صناع فيلم "أيظن".. ما أظنش!

* ألا تلاحظون أن السينمائيين المصريين دأبوا على عادة غريبة الشكل بتعمد الدفع بأفلامهم قبل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعدة أيام؟ هل المسألة تحدي أم إخراج لسان فحسب؟

* أتمنى رؤية إعلان "ميلودي يتحدى الملل" الذي يستهدف فيه البطل التقليدي مذيعي برنامج "هوة فيه إيه".. سيكون منظره مدهشاً وهو يقتص لنا جميعاً من هذين الشخصين!

* أتعجب من صحفي يفشل في جعل جريدته توزع أكثر من خمسة آلاف نسخة ، عندما يثق في قدرته على جعل الملايين من المشاهدين يشاهدون البرنامج الذي يعده!

* ما هو الفرق الواضح والبين للعيان بين "عنب" سعد الصغير و"عنب" بعرور؟ يسئل في ذلك أصحاب "التكعيبة" آل السبكي!

* بمناسبة العنب ، ألا تبدو تصريحات فاروق بيه حسني ، سياسياً على الأقل ، نوعاً من أنواع "التكعيبية السياسية"؟ أم أن تلك التصريحات قد "فرطت" منه في لحظة قد يفهمها البعض على أنها لحظة "سكر" سياسي؟

* أموت وأعرف : لماذا كان العرب يكتبون الشعر قديماً للخمر؟ ولماذا يغني البعض حالياً.. للحشيش؟

* من المؤكد أن وزير الإعلام يرى شيئاً لا نراه بعيوننا المجردة عندما يصر على استمرار الصرف على ما يسمى بمهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون!

* يقال أن شيرين وتامر حسني سيوقعان لروتانا.. يبدو أن كلاهما كما بدأ معاً سينتحر معاً!

* عندما يصنع الضيوف كل ثِقَل البرنامج .. لا تسألن عن المذيع!

* اعترف المخرج الكبير محمد فاضل أن "جهات ما" رفضت استخدام صور قديمة لقصر عابدين لتصوير فيلم "كوكب الشرق" الذي يدور في حقبة زمنية قديمة ، الأمر الذي اضطره إلى التصوير في "متحف محمد محمود خليل" على أنه القصر الجمهوري!.. واقعة أهديها لمن لا يزال يتصور أن البيروقراطية العفنة "تطبطب" على الفن وتدلعه!

* أخيراً .. هناك ضيوف لا أحزن لمشاهدتهم في برنامج تليفزيوني مهما بلغت درجة سطحيتهم وغرورهم ونرجسيتهم .. فهي فرصة لكي يعرفهم الناس على حقيقتهم!

تحديث 29/11 : رغم أن الاعتذار جاء مقتضباً ، في مربع صغير في الصفحة الثانية من "الميدان" ، ورغم وصف الجريدة لما حدث بأنه "سوء فهم" و "خطأ غير مقصود"- وهو وصف أترك الحكم عليه لمن عرف الواقعة من أولها لآخرها، ورغم أن الاعتذار لا ينفي وجود الخطأ ، سأحذف البانر الموجود أعلى العداد احتراماً فقط لتعهد قطعته بنزعه في حال الاعتذار الكتابي.. فقط أطالب كل الصحف التي تنشر لنا كمدونين احترام حقوق الملكية الفكرية .. نحن لا نملك في النهاية إلا أفكارنا فقط .. أما اللغة التي تحدث بها باهر السليمي في تعقيبه على الزميل حائر في دنيا الله .. فلا تعليق عليها .. ولا أفضل النزول إلى مستواها..

Tuesday, November 21, 2006

والاستظراف - أيضاً- أدب


في الفيلم الكوميدي القديم "إنت اللي قتلت بابايا" ظهر ممثل في دور صغير ، كل دوره في الفيلم يتلخص في أنه عضو في العصابة متخصص في سرد مجموعة من أبشع النكات وأثقلها ظلاً ، والتي تمثل تسعين بالمائة من جملة ظهوره في الفيلم الذي لم يستغرق بضع دقائق..

لم نرَ ما فعله الرجل ممجوجاً ، ولم نره "رزلاً" ، وذلك لسبب بسيط : أن "الدور كدة".. حتى مع وجود فؤاد المهندس تبقى في تلك النوعية من الكوميديا أماكن لأدوار مرسومة بالورقة والقلم تنفذ بالحذافير من أجل إكمال النكتة..

والفرق كبير بين من يقوم بدور شخص ثقيل الدم يستظرف ، وبين شخص ثقيل الدم فعالاً يقوم بدور الظريف "الفُكهي" الذي يجعلك توشك على شد شعرك من انبهارك بقدراته الكوميدية ..

من يفعل ذلك هذه الأيام ليسوا ممثلين محترفين قد يدخل الإضحاك ضمن عملهم وأكل عيشهم ، لكن بعضهم صحفيون ومذيعون يتصورون في أنفسهم أنهم إسماعيل ياسين وسمير غانم مع قليل من عادل أدهم!

أقرب مثال هو البرنامج الفاشل والمتخلف "هوة فيه إيه" ، أو مع الاعتذار لصاحب سلسلة فلاش رسام الكاريكاتير خالد الصفتي "مين كسر إيه دة" .. وما كنت لأتناول هذا البرنامج "الجيلي" الهلامي إلا عندما ذكرتني به مقابلة أجراها "الظرفاء كيك" مذيعا البرنامج مع الدكتورة بلو روز وزميلتنا الناشطة الحقوقية نورا يونس كممثلتين عن مجتمع التدوين ..

البرنامج الذي رزئت بمشاهدة بعض حلقاته قائم على فاصل من الظرافة المستفزة من مذيعته ومذيعه ، المذيعة ثابتة ولن أقول اسمها ، أما منصب المذيع فقد مر به عدد من المذيعين المستفزين في مقدمتهم تامر بسيوني ، ثم مروراً بمجهول لن أذكر اسمه حتى ولو تذكرته ، ونهاية بعاطف كامل الذي اعتقدنا أنه مشروع لمذيع جيد ، لكنه "جاب أساسات المشروع" بمجرد انتقاله إلى هذا البرنامج ..

ويبدو أسلوب "الهانم" في تقديم الحلقة مع "السنيد" الآخر أشبه ، بركاكة منقطعة النظير ، باثنين من الطلاب يقدمان حلقات برنامج المنوعات الإذاعي الشهير "مسرح المنوعات" في مرحلة ما بعد علي فايق زغلول ، كلاهما يبدلان الإفيهات السمجة في سيناريو مسبق الوضع سواء بغرض التقديم للحوار أو التقرير التالي ، أو "قفل" الحلقة ..

المفاجئ لأناس كثيرين أن معد الحلقة هو الصحفي حمدي رزق ، والصادم لي أن هذا الصحفي المخضرم هو الآخر يستظرف عندما يحل ضيفاً على الإعلامي الدقهلاوي خيري رمضان ، ويقدم -رزق- للازماته على نفس طريقة المذيعة والمذيع .. جملة افتتاحية ، وحشر لفاصل من التعليقات ثقيلة الظل في محلها أو في غير محلها..

بمناسبة الظرافة وسنينها السوداء..

درست في الكلية أن استخدام الدعابة - فما بالك التنكيت - سلاح ذو حدين في الدعاية ، وحتى في الإعلام ، سلاح من الممكن أن يكسبك ثقة الجمهور لفترة ، أو يكلفك ثقة الجمهور مدى الحياة..

سبب ذلك أن نجاح الاستظراف نسبي ، ما يضحكني لا يضحكك ، وما يضحكك قد لا يضحكني ، حتى مع نجوم الكوميديا المحترفين .. هذا لا يمنع أن هناك حداً أدنى للظرافة يقبله الكائن البشري ، تخرج عنه نكت الشخصية المذكورة في بداية التدوينة ومعهم الثلاثي المرح تماماً!

في وسط "ذواق" للضحك ، ويسخر "أتوماتيكيا" من كل شيء .. تصبح المأمورية صعبة .. أي بالبلدي "مش أي شيء يضحك".. يروي سعيد صالح أن إفيهات كاملة في الأصل الفرنسي لمسرحية "هاللو شلبي" تم تغييرها لكي يفهمها الجمهور المصري ويضحك عليها .. وهذا ليس عيباً في عمل من أهدافه المعلنة الإضحاك ، وليس في برنامج تليفزيوني!

وهناك من يرى أن الضحك صنعة ، وله أصول ، ومن أصول اللعبة ألا تحس بأن هناك مخططاً مسبقاً لإضحاكك ، وأن يأتي الإفيه في مكانه وسياقه المناسبين دون إقحام ودون افتعال..

الحكم حكم واللاعب لاعب ، والمذيع مذيع والممثل الكوميدي ممثل كوميدي والبلياتشو بلياتشو..

هذا الاستظراف الزائد في رأي البعض وأنا منهم محاولة من المذيعين سالفي الذكر ، وغيرهم ، للتغطية على نقاط عوار مهني فاضحة ، الاثنين كمعظم من حاور مدونين في التليفزيون والحمد لله "أستيكة" .. يعتقدان أن المدونات صحافة صفراء ، تماماً كإمام لمسجد قرأت عنه في صحيفة قبل بضع سنوات يصف إنترنت بأنها "قناة فضائية لإذاعة الأفلام الجنسية الفاضحة"! أي أن المذيعين اللذين يأكلان عيشهما من العمل بثاني أقدم تليفزيون بالمنطقة لم يحضرا أصلاً للحلقة التي يقدمانها .. خطأ مهني فاضح..

لن أجد كثيرين يشاهدون البرنامج خاسئ الذكر إلا بعد حلقة بلوروز ونورا يونس ، ولن يتحمل أحد مشاهدة حلقة أو حلقتين أخرتين منه في وجود مذيعين مشكوك في معرفتهما بأصول المهنة ، تزعم إحداهما في حلقة مع شافكي المنيري في البرنامج المقبور "وسط البلد" أن كل ما تفعله وزميلها "تلقائي"..أترك لأصحاب قوة التحمل منكم مشاهدة البرنامج لحلقة واحدة (على مسئوليته الشخصية) دون الحاجة لاستعمال أدوية الضغط..

وللمشاهدين الله..
* الصورة من الموقف العربي وهي مكررة من تدوينة سابقة ، وكانت مهمتي مستحيلة في البحث عن صورة مناسبة ذات صلة بما يسمى ببرنامج "هوة فيه إيه"..

Friday, November 17, 2006

فعل "راقص" في الطريق العام!


من الأخبار الغريبة التي طالعناها مؤخراً قرار نقابة المهن التمثيلية بإحالة الراقصة دينا إلى التحقيق بتهمة الرقص في الشارع الأمر الذي اعتبرته النقابة مشيناً و"مسيئاً" إلى المهنة بحسب اتصال للنقيب أشرف زكي بجريدة الشرق الأوسط اللندنية..

قبل التعليق على الخبر ، أؤكد من جهتي أنني لا أعتبر الرقص الشرقي فناً من أصله ، هذه قناعتي وأنا حر تماماً فيها ولست على استعداد لمناقشتها ، لكني مستغرب من القرار بعض الشيء..

لم يكن الرقص "عيباً" طوال تاريخ الدراما في مصر سينمائية كانت أو تليفزيونية.. بل إن وجود الراقصة كان جزءاً لا يتجزأ من "الخلطة السحرية" التجارية للسينما المصرية على مدى قرن كامل من الزمان .. وهناك أفلام قامت ببطولتها راقصات .. كما أن "مهنة" الراقصة حظيت بتقدير كبير ومعاملة خاصة من جانب كتاب ومخرجين حملوا الراقصات "معاني أخلاقية رفيعة" ، من أفلام "امتثال" و "بامبة كشر" و "شفيقة القبطية" مروراً بـ"خلي بالك من زوزو" ونهاية بـ "الراقصة والسياسي"!

حتى في التليفزيون الذي يعرف بمعايير رقابية "أكثر صرامة" فتح أبوابه للرقص الشرقي ، وبالرغم من أن الست دينا لم تثبت كرامة تذكر في عالم التمثيل ، إلا أنها اختيرت للتمثيل - وطبعاً للرقص- في غير مسلسل من بينها رد قلبي و فريسكا وريا وسكينة .. من دون أن يعترض أحد..

كل ما فعلته "الرقاصة" أنها رقصت .. ليس إلا ..ومع ذلك ثارت النقابة واعتبرت ما حدث فعلاً راقصاً في الطريق العام ، أما الصحافة - يا روحي عليها - فاعتبرت ما قامت به الراقصة المبجلة هو الشرارة التي أثارت أحداث التحرش في عيد الفطر الماضي .. صحيح أنه ليس مستغرباً على صحافتنا أن تحمل تحتمس الثالث مسئولية هزيمة عرابي ، لكن المفاجئ أن النقابة التي تمثل قطاعاً هاماً من القائمين على صناعة الدراما في مصر أن تكسر تقليداً اكتفت بالفرجة عليه..

ما هو الفرق بين الرقص في الأماكن المغلقة والأماكن المفتوحة؟ و مادام الرقص عملاً بطولياً فلماذا تعتبره نقابة المهن التمثيلية مشيناً في الشارع؟ وما دام عيباً فلماذا يتباكى الصحفيون على ما حدث لهذا "الفن الرفيع" لدرجة تحسسنا أن غزو الراقصات الروسيات مضر بالأمن القومي المصري؟

إذا كان أي صحفي أو فنان يظهر على الشاشات وصفحات الجرائد ليتهم الجمهور بأنه مزدوج المعايير ، فالذي على رأسه بطحة .. يحسس عليها..مع الاعتذار لصاحب الجمهورية العتريسية ريفن..
* الصورة من موقع في البلد..

Tuesday, November 14, 2006

حضرة المتهم : هارد لك!


قد تصدمون عندما تعلمون أن عدد ما قرأت من قصص قليل جداً ، ومن ضمن تلك القصص قصة لإيلوين بروكس وايت(صاحب ستيوارت ليتل القصة والفيلم الشهيرين) مترجمة طبعاً إلى العربية في مجلة "العربي" الكويتية قبل سنوات .. كان اسمها "العائلة التي كانت تعيش بسلام" , وكانت تدور ببساطة حول عائلة "برويت" التي كانت تسكن جزيرة معزولة لا وجود لها على الخريطة ، ثم تحولت حياتها إلى جحيم مقيم عندما اكتشفت وسائل الإعلام تلك الجزيرة وحطت رحالها عليها هي وأصحاب الشركات الذين سعوا إلى سبق دعائي باختراق تلك الجزيرة..

لأن الشيء بالشيء يذكر ، أذكر تعليقاً ذكرتني به الزميلة زمان الوصل في التعليق على موضوع "نفتح الشباك ولا نقفله" في "الصحافة فين التعليم أهه" لنور الشريف قال فيه أن بطل المسلسل قد أخطأ عندما وضع ابنه جنباً إلى جنب مع الأغنياء فقرر التمرد على واقعه وانحرف..

تعليق يجانبه الصواب بكل تأكيد .. والسبب بسيط..

المجتمع المصري ليس مكوناً من جزر معزولة على غرار جزيرة عائلة "برويت" ، جزيرة للفقراء وجزيرة للأغنياء وجزيرة لأهل الوسط ، ومهما حاول أهل كل جزيرة عزل أنفسهم عن الآخرين بالزواج المغلق أو سكنى أماكن معينة ، فإن كل المحاولات تبوء بالفشل ، وإن حاول بطل "حضرة المتهم" منع ابنه من التعلق بابنة الثري الفاسد ، فإنه فشل وبامتياز في منع ابنة شقيقته من التورط مع ابن الصحفي .. الشريف!

حتى لو بقي ابنه وسط الفقراء ، و "ضرب صحوبية" مع ابن البواب الطموح ، فسيزيده ذلك حرصاً على التمرد أكثر مما ذي قبل ، فالمستوى أقل بكثير من المستوى "المستور" الذي اعتاد العيش فيه ، أمر يدفعه إلى الإحباط ، ثم إلى الانفجار..

وقد يكون الفتى على حق ، فالصيت يمثل كل شيء لأهل الوسط في المسلسل وفي الحقيقة تقريباً ، المركز هو الحاكم في علاقات الزواج والنسب واختيار العمل ، لم يحزن نور الشريف لأن ابنه فشل في دخول "كليات الكمة" .. إذ كان البديل موجوداً وهو دخول كلية الشرطة ، فقط من أجل البرستيج (دوافع أبناء الطبقات الدنيا للتسابق على السلطة مختلفة تماماً)..

الرضا الزائد بالمستوى الاجتماعي-لو مشينا للآخر مع نور الشريف في تعليقه من وجهة نظره- والفرحة بالبرستيج لا تلغي كلها الطموح غير المشروع فحسب ، بل يلغي معه الطموح المشروع كذلك .. حقيقة قد تحتاج إلى "ضربة على الرأس" من عينة العلقة الساخنة التي أخذها ابن نور الشريف في المسلسل .. كي يفيق..وربما اختار عبد القوي أن يضرب الابن على رأسه تماشياً مع العبارة الدارجة "مش حيفوق إلا لما ياخد على دماغه"!

يحسب لمحمد جلال عبد القوي تقديمه لخريطة جديدة علينا في الدراما المصرية للصراع الطبقي داخل مجتمعنا ، خريطة لا يدخل فيها أبناء الطبقات المختلفة في صراعات غير متكافئة ، بل يدخلون في علاقات تكافلية الكل يستفيد منها..

ابن البواب يخدم سكان عمارة نور الشريف ويغسل له سيارته ليل نهار، وإن كانت عينه على كلية تؤمن له مركزاً محترماً يضعه بين ، أو أعلى من ، أهل الوسط ، وابن نور الشريف يبيع المخدرات التي تلزم أبناء الأثرياء ، وإن كانت عينه على ثروة تضعه وسط الكبار..

ويحسب له أيضاً أنه أول من قدم تناولاً من وجهة نظر طبقة منتقداً إياها من الداخل، ماسورة المواعظ التي انفجرت من الحوار لم تمنع من اعترافي كمتفرج أن الواعظ "عبد الحميد دراز" ارتكب أخطاءاً جسام ، رغم أننا كلنا اعتدنا التوحد مع "البطل" في الفيلم أو المسلسل والتعاطف معه والإيمان المطلق بأنه على حق دائماً ، على العكس من التحيز ، لنقل التسول العاطفي ، الذي يمارسه بعض أرزقية الكتابة لتملق عاطفة الفقراء بإظهارهم دائماً بمظهر الملائكة والأغنياء بمظهر الشياطين (في الوقت الذي يمارس فيه أرزقية آخرون اللعبة في الاتجاه المضاد)..

لو كنت مكان محمد جلال عبد القوي ، لاكتفيت بعمل رواية تحقق نجاحاً كعمارة يعقوبيان ، دون المخاطرة بتحويلها إلى مسلسل أقرب في حواره إلى الوعظ المباشر ، وسط مط وتطويل متوحشين ، ومحاولات مستميتة من معالي زايد لاستنساخ جمالات زايد ، وأداء كاريكاتيري من قبل سمير صبري وأشرف عبد الغفور ، ومكررات المؤلف التي لا يمل تكرارها من عينة ربط الشخوص بالتاريخ (كجعله وكيل النيابة حفيداً لحسن طوبار كما كانت حياة الجوهري حفيدة للشيخ الجوهري)والسيدة نفيسة التي مر فيها تسعون بالمائة من شخصيات مسلسلاته ، وحالة من الإخفاق ضربت أداء عناصر فنية منها الإخراج ومعظم الممثلين ، ولم ينج منها إلا زينة وشريف سلامة وتوفيق عبد الحميد ، وموسيقى ياسر عبد الرحمن الذي يثبت في كل عمل أنه طاقة حقيقية تحتاج لمن يستغلها، ومعهم – من وجهة نظري- أحمد جلال الذي أصبح "ملطشة" الصحفيين رغم أنه برأيي المتواضع نفذ الدور جيداً قياساً على مواصفات الشخصية ، وإن كان الدور ليظهر بشكل أفضل إذا ما أداه ممثل أقوى ، حتى ولو كان أقصر قامة بعض الشيء!
* الصورة من الراية القطرية..

Saturday, November 04, 2006

الأفوكاتو : لعبة الفساد


أعود للكتابة عن السينما بعد شهرين تقريباً من الانشغال بالدراما التليفزيونية ومولدها .. اليوم أحاول إلقاء الضوء على فيلم مصري قد لا يعيره معظمنا التفاتاً رغم مرور اثنين وعشرين عاماً على عرضه لأول مرة في صالات العرض المصرية .. لكنه أحدث من المشاكل والأزمات ما وصل إلى ساحات المحاكم .. ولا يزال يطرح في كل عرض على شاشات الفضائيات أسئلة بالجملة.. إنه فيلم الأفوكاتو (1984) ..

تحيز النقاد أكثر -نسبياً-لـ"عيون لا تنام" على حساب "الأفوكاتو" ، في الوقت الذي أرى فيه العكس ، فالأفوكاتو أرخ لمرحلة جديدة في مسيرة رأفت الميهي اتجه فيها نحو الفانتازيا الصارخة في معظم أفلامه التالية باستثناء "للحب قصة أخيرة".. .. كما أنه من أوائل الأفلام التي تطرقت للعبة الفساد في المجتمع المصري بشكل موضوعي .. بعيداً عن العاطفية التي سادت أفلام الانفتاح قبل الأفوكاتو وبعده..

اللعبة بسيطة ، لاعبوها فاسدون "تايكونات" ، وفاسدون كبار "أصغر قليلاً" ، وفاسدون من صغار الموظفين في الجهاز البيروقراطي المصري ، وبينهم يلعب الجوكر ، الداري بقواعد القانون ، الذي يتم الفساد في حمايته.. مواصفات الجوكر بالطبع لم تتوفر إلا في محامي .. وهذا ما أثار سخط المحامين على الفيلم بشدة..

الجوكر في الفيلم هو عادل إمام ، شخصية "حسن عبد الرحيم الشهير بحسن سبانخ" .. محامي يعشق اللعب مع الفاسدين ، لا حباً في الثروة والسلطة (كبطل فيلم "حتى لا يطير الدخان" .. لعب دوره عادل إمام أيضاً) .. ولكن لسبب بسيط وغريب .. حبه في اللعب والمغامرة ..ربما قبلته كمشاهد أكثر مثلاً من شخصية "سيد أوبرا" في مسلسل "أوبرا عايدة" الذي اصطنع فيه المؤلف بطلاً من محامي يعطي حقن الماكس فورت.. في الوقت الذي لم يتصنع فيه سبانخ البطولة ولا المثل العليا .. مجرد أفاق يعشق اللعب للعب..

يدخل "سبانخ" السجن بإرادته ، ولا يتوان بغرابة شديدة عن التسويق لنفسه حتى في داخل سيارة الترحيلات التي تقله إلى هناك ، حيث تبدأ أحداث الفيلم فعلياً ..وهناك يحتك باللاعبين الآخرين ..

الأول هو "حسونة محرم" - لعب دوره حسين الشربيني ، فاسد من الذين طفوا على السطح في السبعينيات عن طريق صفقات الفراخ الفاسدة وخلافه ، والثاني ، وهذا هو الجديد ، أحد مراكز القوى السابقين "سليم أبو زيد" - لعب دوره صلاح نظمي ، وللشخصية مغزى عميق ، إذ أن هذا الصنف من الفساد الذي وضع في السجون في بداية العهد الساداتي ، وجد نفسه معرضاً للخروج مرة أخرى إلى المجتمع في أيدي صنف من الفاسدين على طريقة "حسن سبانخ"..حتى وإن كان استنتاجي خاطئاً بأن الفيلم يدور في الحقبة الساداتية ، فإن المراقبين يرون المرحلة الحالية كامتداد لمرحلة السادات ..فكرة خروج "أبو زيد" إذن هي انقلاب تلك المرحلة على نفسها!

لاعب قصير الدور لا يقل أهمية ولا عمقاً .. علي الشريف .. صول السجن البسيط "الشاويش عبد الجبار" الذي يعطي خدماته لمن يدفع أكثر ، فالشاويش ، والرتب الصغيرة عموماً ينظر لها من جانب البسطاء على أنها "الحكومة" بكل ما تحمي الكلمة من معنى (ولذلك يكون إحساسها بالسلطة أضخم من إحساس بعض الرتب الأعلى) ، ودعمها الميهي بتسميته "عبد الجبار" الفظ الغليظ على "عامة المساجين"، هو ببساطة أحد الصغار ، التروس الصغيرة في ماكينة الفساد التي تدور بسرعة أكثر من التروس الكبيرة (كما تعلمنا في التعليم الرابسوي)، فلولاه، ولولا أمثاله ، لما وجدنا زنزانة "سليم أبو زيد" الخمس نجوم ، والتي قدمها الميهي لأول مرة في الدراما العربية لتصبح نموذجاً مكرراً لزنزانات كبار الفاسدين في السجون في المسلسلات والأفلام المصرية (آخرها على الأقل "واحد من الناس").. ولأن عادل إمام صار في حماية سليم أبو زيد ، ولأنه "من جاور السعيد يسعد" ، قدم الميهي أفضل مشاهد الفيلم ممثلة في عادل إمام في البانيو ، كأنه في المصيف تماماً ، ومن حوله الصول -علي الشريف- وهو يقلد باعة "الكلو كلو" على الشواطئ في الصيف.. كأن السجن الذي كان يتزاحم الكل على دخول دورة المياه فيه قبل لقطات تحول إلى مصيف ، يقوم فيه صغار الفاسدين بدور الخدم والحشم للفاسدين الكبار..

لا يتورع "سبانخ" عن اتباع كل السبل لإتمام ألاعيبه مع "سليم أبو زيد" و "حسونة محرم".. بما فيه الزج بشقيقته "لعبت دورها إسعاد يونس" المتزوجة من مدرس تربية رياضية عمل سابقاً بإحدى دول الخليج لعب دوره محمد الشرقاوي ..واصطناع كونها متزوجة من "حسونة محرم"!..فيما بعد يزداد الموقف تأزماً بعد أن يتمسك "حسونة محرم" بها على حساب زوجها!

لعب الميهي بإتقان على فهمنا لكلمة "تهريج"..فعندما نتكلم في جلساتنا العادية عن الفساد وعربدته نصل للقول بأن هذا "تهريج" .. كلمة لها معنى آخر له علاقة بفاصل من الحركات والمواقف الغريبة تدفعك للضحك .. وعليه فقد غلف الفيلم كله بمهازله في إطار "تهريجي" يتعدى حدود الواقع .. ففي الأحوال العادية لا تصدق أن محامياً يدخل السجن عامداً متعمداً ، ويوزع كروته على مساجين سيارة الترحيلات ، أو أن تصدق أن محاكمة تدور بهذه الطريقة العجيبة .. لكن في الفانتازيا كل شيء جائز ، خاصة عندما تعيش في واقع يفوق الفانتازيا غرابة!

ويضرب رأفت الميهي التوقعات في اختياره لنهاية الفيلم ، إذ أنه في الوقت الذي ينقلب فيه السحر على الساحر ، ويدخل "أبو زيد" و "محرم" "حسن سبانخ" السجن معهما بعد أن ضاقا ذرعاً بألاعيبه ، ويتوقع الجميع أن ينعم الثلاثة معاً بسجن سعيد يكسرون فيه الأحجار بالمعاول (لوحة الأشغال الشاقة المستخدمة في أفلام عربية عدة)، يكون "سبانخ" قد أعد للعبة أخرى يهرب فيها بصحبة "سليم أبو زيد" .. بعد أن يتمكن من إقناع عسكري الحراسة وزميله بالتخلي عن زيهما "الميري" لتسهيل عملية الهرب .. ويفرح العسكري البسيط بشدة لفرصة السفر إلى ليبيا لتحسين أحواله .. أما علي الشريف .. فيشرب في سعادة غامرة "السيجار الكوبي" الخاص بـ"سليم أبو زيد".. السيجار الكوبي الشهير بـ "صباع الكفتة" هو أحد الرموز المستخدمة لعلية القوم ولصوص الانفتاح خلال أفلام تلك الفترة .. لعل تلك اللقطة تُفَسَّر من قبل البعض على أنها ترمز لتطلع "الصول"، الرتبة المتواضعة ، إلى أن يكون مثل من يشربون هذا السيجار ليل نهار..رغم أن هذا النوع من الفاسدين يستفيد أكثر من كونه صغيراً (متدارياً) لا تلمحه عيون الأجهزة الرقابية..

في اثنين وعشرين عاماً من الزمن رفعت القضايا على الفيلم ومنتجيه ، وبدأت خصومة عنيفة بين عادل إمام ومرتضى منصور .. أصبح عادل إمام نجماً للشباك قبل ظهور هنيدي ورفاقه .. واصل الميهي العمل إلى أن ضاقت به الأرض وواجه الإفلاس .. اعتزلت إسعاد يونس التمثيل لفترة عادت بعدها كواحدة من أكبر منتجي السينما الحاليين .. وتغير المجتمع رأساً على عقب .. لكن اللعبة لم تتغير.. لأنه في حقبة ما بعد السادات لم يفعل أحد شيئاً يخترق به تلك الحلقة "التكافلية" بين صغار الفاسدين وكبارهم..

لم تنته اللعبة بعد.. باختصار شديد..
* الصورة من موقع قناة إيه آر طين للأفلام ، ويحسب لهم أنهم قدموا في هذا الرابط ملخصاً وافياً لأحداثه قد يجبر أي نقص في المعلومات التي أوردتها هنا..
بالمناسبة هناك اختلاف في سنة الفيلم ، منهم من يقول أنها 1984 ، أو 1983 ، أو 1981.. أميل نسبياً للرقم الأخير!