"إذ فجأةً" -مع الاعتذار لـ"عمرو أديب" وجدنا الصحافة المصرية وقد اصطبغت باللون الناصري بسبب مسلسل "الملك فاروق".. الأقلام الناصرية والأقلام التي ارتدت الفانلة الناصرية خصيصاً لهذه المناسبة رأت أن المسلسل يعتبر "دعاية للعودة للفترة الملكية" ..وطبعاً هات يا قصائد في مدح ثورة يوليو والعهد الناصري .. كما لو كانوا لا يخافون أن يحن الشعب للعهد الناصري!
المدهش أن تلك الأقلام ومن سبقوها هم من عمل على "بَخ" الحنين إلى الماضي في كل صوره فيما يكتبون من مقالات ومسلسلات وأفلام.. فلا فن إلا فن الأربعينيات والخمسينيات والستينيات.. ولا إبداع إلا إبداع الأربعينيات والخمسينيات والستينيات.. ولا مجتمع مصري حقيقي سوى مجتمع الأربعينيات والخمسينيات والستينيات كما لو كانت اليوتوبيا قد تحققت في تلك الفترات دون غيرها.. تلك الأقلام لا تقبل أبداً بالتعايش مع كل ما هو حالي في تلك المناطق وفي غيرها وتصدر عليه وعلى من يجتهدون فيه أحكاماً تعميمية بالإعدام!
والأكثر إدهاشاً أن تلك الأقلام هي من تنتصب وتسن سكاكينها عندما يبدي أحد تحفظاً دينياً أو تاريخياً على عمل فني .. مؤكدة أنه لا سلطان على الفن سوى ضمير المبدع.. ثم تكتشف بعد ذلك أن أي مبدع يعمل سلطانه في غير الاتجاه الذي يريدون فهو مبدع عديم الضمير!
خلال الأيام الماضية طالعت بعض "السخافات" المكتوبة في هذا الصدد في صحف مصرية مختلفة .. منها سخافة لصحفي في الأخبار يصر على أن المسلسل احتوى على "أخطاء تاريخية متعمدة" بهدف تجميل صورة العهد الملكي.. نسي الرجل أن أخطاءاً فاضحة احتوتها أعمال فنية تتناول حقباً سياسية أخرى في التاريخ المصري المعاصر مرت عليه وعلى غيره مرور الكرام ولم يعترض أحد منهم..
أما رئيس تحرير مجلة الهلال فيسخر من عقول الناس في مقاله في العدد الأخير منها قائلاً أن المذكرات هي محاولة لتبييض أو لغسل التاريخ .. وهو كلام صحيح إذا قيل في سياقه الصحيح .. لكن أن يقوله الرجل في معرض "التلسين" على المسلسل فهذه مسخرة.. فتاريخ المرحلة الناصرية وما بعد الناصرية مبني كله على المذكرات .. وهي مصادر مشكوك في صلاحيتها.. "مجدي الدقاق" يعشق فيما يبدو إحراج نفسه!
أراهنكم أن هؤلاء ستتغير كتاباتهم 180 درجة إذا ما تم تزوير التاريخ في الاتجاه المضاد .. وسيصرون على إنجاح المسلسل من مكاتبهم (وهي طبعاً عادتهم ولن يشتروها) .. وسيقولون بعلو الصوت "إنه فرصة لتعريف الأجيال بمراحل سياسية لم يعيشوها".. حتى ولو لم يكن المسلسل بتمويل محلي مصري.. حتى ولو كانت نسبة المشاهدة لذلك المسلسل شبه منعدمة.. هذه الزرارية المقيتة والازدواجية البغيضة التي أراها أكبر خطر على الفن في مصر ممن يلوكون ألسنتهم آناء الليل وأطراف النهار بفتاوى تحريمه..
الكاتب "الأيديولوجي" مشكلة إذا كان متطرفاً عندما يرى ما يمس أيديولوجيته .. أما الكاتب الذي يرتدي "سموكنج" الأيديولوجية فهو مصيبة تمشي على قدمين!
بي اس:أنا كمواطن مصري لا أنتمي لأي اتجاه سياسي ولا مذهبي - وهذا من جزيل عطايا المولى على عبده الفقير- وأرى كما يرى كثيرون حولي وكثيرون من عامة الناس أن لكل مرحلة ما لها وعليها ما عليها .. عن قناعة وليس فضاً للمجالس أو من قبيل "أنا بشجَّع المنتخب"..
* الصورة من جريدة "الأخبار" اللبنانية وليست القاهرية هذه المرة!
* الصورة من جريدة "الأخبار" اللبنانية وليست القاهرية هذه المرة!
6 comments:
الذي لا شك فيه هو أن مسلسل "الملك فاروق" تضمن أخطاء تاريخية، مع أن كاتبته د. لميس جابر حاولت واجتهدت قدر إمكانها في التقيد بمراجع ومصادر تاريخية
لكنني أتفق معك تماماً في أن الله خلق لنا عينين حتى لا نبصر بعين واحدة ونقتنع أنها الحقيقة مجردة.. فأخطاء عصورنا المتلاحقة تبدأ بإنكار السابقين واللاحقين، وتنتهي بالتمجيد باسم شخص أو عهد من العهود بوصفه عصر المنجزات التي لا تتكرر
الواجب هو أن نقرأ التاريخ والأحداث بموضوعية، لا أن نتحزب ونتعصب ونلوذ بالمقار الحزبية والحناجر التي أدمنت الزعيق.. دون مبرر
وانا اتفق معك تماما وقد تعبت من ابواق السلطة .. ومن هؤلاء الدجالين .. الآن الحنين للناصرية وهل زورا تاريخ في البشرية مثلما زور لناصر واذياله ..
ثم اذا كان العهد البائد كما يسمونه غثاً او ثمينا فلماذا لم نر من وجوههم العكرة الا الغث فقط ... لماذا لم يتم تغير اي شيء
انا مثلكم لا اتبع اي مذهب ولا ، ،
اتقوقع حول راي..
لكني امقت هذه الاساليب الخبيثة...
دمتم بكل ود..
خالص تحياتي
اسمحي في اول زياره
لم تحظي مصر بمن يستحقها
و فيكفي الملكيه عار48
ويكفي الثوره عار 67
كل الفكره هي ان الحنين الي الماضي نوع من رفض الحاضر فققط
كتابه التاريخ صنعه
ممكن الكاتب ما يزورش حدث معين ولكن يتجاهل جريمه او خطأ رهيب لذات الشخص الذي يؤرخ له ويبقا دا برضه نوع من طمس الحقيقه وشكل اخر للتزوير
مثلما فعلت لميس جابر
تحياتي
بنت القمر :
المساواة في التعامل مع التزوير عدل .. ولو كان هناك صحفيون موضوعيون لاعترفوا بالتزوير الذي قام به كتاب ناصريون لتلميع الحقبة الناصرية .. ولعرضت كتب المذكرات التي بني على أساسها ثمانون بالمائة من معلوماتنا عن التاريخ المصري المعاصر كله على العقل..
لكن تقولي لمين؟
هذا أولاً.. ثانياً..هناك لعب باستمرار من قبل الكتاب المصريون والأحزاب المصرية على الماضي.. أخذاً بعين الاعتبار أن معظم تلك الأحزاب وصلت ، أو وصلت أفكارها إلى سدة الحكم..
وهناك كتاب معتنقو أيديولوجيا أو أفكار وإن كانوا ليسوا بمنتسبين للحزب..
ليس كل الحنين إلى الماضي رفضاً للحاضر قدر ما هو دعوة للعودة إلى الماضي.. والله أعلم..
أسامة:
التكفير السياسي للأعمال الفنية عادة ولن يشتريها أحد .. لكنه يصبح أكثر إثارة للقيء عندما يخرج من أفواه أناس يزعمون أنهم أنصار الفن في مواجهة الانحدار والتطرف .. وأن الفن لا يجب أن يحاكم بمقاييس دينية أو سياسية..
تذكر ما كتبه بعض النقاد الناصريين عن فيلم "أيام السادات" للمخرج السينمائي البارز "محمد خان" .. وهم الذين طاروا كثيراً بـ"خان"..
وتذكر ما كُتِبَ في "الكرامة" قبل عام أو أكثر عن "محمد صفاء عامر".. الصحفي كاتب المقال اتهم "صفاء عامر" بمعاداة ثورة يوليو.. وارتكن فقط في جمل لا تسمن ولا تغني من جوع لرداءة مستوى أعماله.. رغم أن تلك الرداءة أوضح من الشمس في قيظ أغسطس.. ورغم أن مسلسلاته توشك على أن تصل لمستوى من الركاكة يتعدى إمكانية الخلاف عليه!
عزيزي الدكتور ياسر:
أتفق مع كل ما قلت .. وأضيف:
قرأت للكاتب الكبير أحمد رجب قصة قصيرة ضمن كتابه "أي كلام" على ما أذكر اسمها "المجد للملك عرعر".. وفيها يتناول بشكل ساخر العادة الفرعونية القديمة بطمس كل آثار الملك السابق ونسب كل الإنجازات للملك الحالي!
ما أشبه اليوم بالبارحة!
Post a Comment