Wednesday, October 22, 2008

اقتلوهم!


مفيش فايدة..

أعرف أنه سخف صراح أن أبدأ تدوينة بعبارة محبِطَة كهذه.. لكن تلك هي الحقيقة..

إما أن نحول الأموات عندنا - كانوا من بلدنا أو من الوافدين- إلى قديسين وأولياء، نبني لهم قباباً وأضرحة وننصب لهم موالداً ونحتفل بذكريات مواليدهم ووفياتهم ونتمادى في سرد كراماتهم ومناقبهم.. وإما أن نحولهم إلى شياطين لا خير معهم ولا فيهم ونلوك ألسنتنا بسيرتهم العفنة ولا مانع من الخوض في أعراضهم بعد أن انتقلوا إلى رحاب بارئهم.. خاتمين أحاديثنا بعبارة "إن الله حليم ستار"!

فرجة سريعة على الأعمدة وبرامج التوك شو قد تجعل الصورة أوضح..

قرأت قبل أيام مقالاً في صحيفة "قومية" مغمورة عن "أسمهان" يقارن فيه الكاتب بين حياة ونهاية كل من "أم كلثوم" و "أسمهان" .. وذلك من أجل "الدرس" و"العظة" و "العبرة".. نابشاً فيه عن حواديت قديمة عن كل منهما.. ضعوا بجانبه تصريحاً منسوباً لـ"أحمد شاكر عبد اللطيف" يُفاد منه أن "فريد الأطرش" كان "بيصهين" على علاقات "أسمهان"!

كل هذا لأن مؤلفي مسلسل "أسمهان" قرروا تقديم صورة "غير ملائكية" للمطربة السورية الراحلة الكبيرة على العكس من المتوقع (والمعتاد) في دراما القديسين والأولياء .. قد أرى في ذلك حسن نية وتفكيراً جاداً في تقديم شيء مختلف.. لكن آخرين- ولهم حق- قد يرون ذلك بزاوية مختلفة.. فلو كانت "أسمهان" بعشر جماهيرية "أم كلثوم" أو "عبد الحليم" مثلاً لتغيرت الأمور تماماً ولما استطاعوا تقديم سيرة ذاتية "متوازنة" بعيداً عن التمجيد وعن التقطيع..

وكله كوم.. والسيدة "سوزان تميم" كوم آخر..

افتحوا أي برنامج أو صفحات أي جريدة ولن تخلُ من أخبار محاكمة العصر.. وطبعاً من "التقطيع" في فروة "سوزان تميم" .. ولا مانع من أن نرى سيدنا الدرويش "عادل حمودة" شهيد الحرية والملوخوقراطية يفرد رئيسية صحيفته "الفقر" ليطلعنا على حقيقة أن "سوزان تميم" كانت على ذمة أكثر من رجل واحد .. وتحولت سيرة "سوزان" إلى فقرة ثابتة في برامج التوك شو بشكل مستفز .. أحد المتصلين بـ"القاهرة اليوم" طالب بأن يكون للمحاكمة برنامج مستقل حتى يعود البرنامج كما هو وكما عرفه.. ثم استفتانا نفس البرنامج على إذاعة صورة القتيلة بعد موتها في تقليد غريب وغير مفهوم.. ولولا بقية من حياء لأذاع الصورة بغير استئذان.. وما الحال في القنوات والبرامج الأخرى بأفضل.. أما صحيفة "الأخبار" العريقة الرصينة فانفردت بوصف تفصيلي ودقيق لمتعلقات الراحلة يعف الأدب عن وصفه والتساؤل عنه بما يليق به.. ناهيكم عن كمية التعليقات التي أطلقها ذلك الوصف وبتلك الصياغة طبعاً..

يكاد المرء أن يلعن اليوم التي جاءت فيه هذه السيدة إلى مصر بسبب هذا الشحن الإعلامي العدائي المبالغ فيه .. نعم كانت مطربة متواضعة ومغمورة ككثر مروا بمصر في طريق نجوميتهم ، و"لمَّعت" الصحافة بورنيش "نضيف" بعضهم وفرضتهم هي ومن يمولهم على الحفلات والمهرجانات والقنوات .. وحوَّلت ثقال الظل منهم إلى عملاء للشيطان الرجيم.."سوزان" ببساطة صارت من الفريق الثاني..

ما يهمني كشخص في "سوزان" وفي غيرها هو أداؤها الفني ومواقفها ووجهات نظرها .. لكن لا تعنيني حياتها الشخصية ولا زيجاتها ولا علاقاتها.. هذا عن نفسي وأعتقد أنه عن كثيرين.. وسط مجتمع أدمن سيرة الفضائح .. وتشرب من إعلامه وصحفه صنع الأصنام والشياطين والخوض في أعراض الأموات وقتلهم بعد موتهم المرة بعد المرة..
* الصورة من موقع وزارة الإعلام السورية..

No comments: