Thursday, November 13, 2008

مشروب الرجولة.. خالي من الكحول


هل من أصول التوجه للجماهير أن تنافق -إما السلطة وإما النافذين وإما المثقفين وإما الذوق السائد- أم أن هذا هو معتقد لدى بعض الناس لا يؤمن به البعض الآخر؟

لماذا أسأل هذا السؤال الرخم؟

أمس شاهدت إعلاناً غريب الشكل لمجموعة من البشر جالسين في "كوفي شوب" وتمر من أمامهم فتاة تحيي أحدهم فيرد عليها التحية .. ويثني على شخصيتها .. فنفاجأ بصوت جعوري مخشوشن يقول "شخصية البنت آخر حاجة تعلق عليها .. استرجل واشرب بيريل"..

أول الكلام: الله تعالى أعلم إن كان في هذا الـ"بيريل" كحول من عدمه ، وعلى كلٍ لا أشرب هذا الشيء ولا أي شيء من عائلته..

لكن تخيلوا معي المشروب -غير الكحولي- العجيب الذي يقترن شربه بـ"الرجولة" من وجهة نظر الإعلان.. مثله مثل السجائر التي يصطلح في مجتمعنا المحافظ -حتى حسب ظني في الستينيات التي تجد من يتباكى عليها- على أنها قرين "الرجولة" والنضج.. صحيح أن المعلنين ابتدعوا "منهم لنفسياتهم" ارتباطات معينة لمشروبات معينة مثل مشروب "البوم بوم" مشروب الطاقة .. ومشروب الـ "mountain dew" مشروب "قوي قلبك" .. لكن هذه ربما أول مرة في تاريخ الإعلان في مصر يقترن فيها مشروب بـ"الرجولة" أو "الأنوثة".. يفترض أن هذه الحملة التسويقية العرمرمة موجهة بالمقام الأول إلى كلا الجنسين .. هناك ذكور وإناث يدخنون ، وبالتالي (يُستَنتَج أن) هناك ذكور وإناث يشربون مشروب "الرجولة"!

تأمل بسيط في الثواني الثلاث الأخيرة من الإعلان على نظرة السيد الذي اقتنع بشرب البيريل.. يؤكد ما سبق .. ويسهل ربطه بالأقوال المأثورة التي ورثناها كابراً عن كابر كلما يسكر أحدهم في أي فيلم ..."هات الإزازة واقعد لاعبني.. دي المزة (بفتح الميم وتشديد الزاي) طازة والحال عاجبني" وطبعاً "أنا جدع"..لولا الرقابة لكان الشاب الوسيم قد قالها في الإعلان كما يظن البعض (وحقه يظن كدة بيني وبينكم)..

كل ما سبق غريب .. لكن الأغرب منه أنك في الوقت الذي تجد فيه تماهياً مع الإكليشيهات السائدة عن تلك النوعية من المشروبات نجد المخرج كسر ذلك بالنسبة للفتاة .. طالما أن الشاب الوسيم يتحدث عن شخصية الفتاة كنت لتتوقع أن تكون هذه الفتاة "عادية" المظهر أو حتى -كما في الأفلام أيضاً- ترتدي نظارة "كعب كباية" على غرار "زينة" في "حضرة المتهم أبي".. وهذا يُرَد عليه بالقول بأن مخرجي الإعلانات في مصر لا يهتمون كثيراً بمناسبة الشكل للشخصية .. بدليل سوابق "أفندينا" "طارق نور" في الاستعانة بفتيات الإيه يو سي للقيام بدور فلاحات!

لكن أرجع لأقول أنه ما غريب إلا الشوشو.. فالإعلان موجه لجمهور يميل تدريجياً نحو المحافظة إن لم يكن نحو التشدد -في ظل علو صوت حبايبنا الحلوين المتمذهبين المتصارعين على زعامة الدين- وهو -تقريباً- نفس الجمهور الذي استقبل بلا استنكار أغاني تتغنى بالحشيش والجوني ووكر .. بل إن الأغنية الأخيرة واحدة من أكثر أغاني العام رواجاً.. وهو نفسه الذي لا يزال -رغم ازدياد الميل نحو المحافظة- يثَمِّن استخدام "اللغة" وتعاطي الحشيش والخمور ويربطها بالرجولة والجدعنة .. وتميل فيه بعض الفتيات لـ"الاسترجال" رفضاً وكراهيةً لأنوثتهن .. كان على صناعه إذن أن ينافقوا هذا المجتمع بتناقضاته ، وأن ينافقوا كذلك المحافظين الحقيقيين المتصالحين مع أنفسهم والسلطة أيضاً بتذكيرنا بعبارة قصيرة جداً في منتصف الإعلان .. "خالي من الكحول"..وربما يثير ذلك حفيظة "الأمازونيات" اللائي يرون في الرجل كائناً تحركه شهواته وغرائزه فينافقهم منتجو السلعة والإعلان بمشروب خاص بهن أيضاً.. يااللا.. مفيش حد أحسن من حد!

صناع الإعلان في مصر سينسون- إن لم يكونوا قد نسوا فعلاً- الهدف من الإعلان في حد ذاته .. منتقلين من الإقناع بالسلعة إلى النفاق والاشتغال و"التسنيج" أيضاً.. اليوم كان على أساس "النوع" و"سمعة" المشروب وارتباطه بـ"الرجولة".. وغداً.. يا عالم!

* أعتذر عن عدم وجود صورة للإعلان .. علامة الاستفهام من موقع أجنبي..

10 comments:

زمان الوصل said...

لأ لأ لأ إنت رحت بفكرك لبعيد خالص :-) أو يمكن أنا اللىّ فكرى استقرب ..
فهمى للإعلان كان كالتالى .. نحن وسط معمعه إعلاميه تهاجم تشييئ المرأه و تسليعها و الإعجاب بالأنثى صغيرة الحجم ضئيلة الجسد "نهى رشدى" على أشدّه و ذلك بسبب شخصيتها القويه
ومن أجل عمل إعلان يسمّع ليه مانفاجئش المجتمع بما يضرب كل هذا و يجعل الناس تتحدّث بغضب عن الإعلان و تشير لما أشرت إليه من ربط للرجوله بالمشروب و لدرجة تفكيرى أنا كمان فى كتابة تدوينه غاضبه عن هذا الإعلان السافل بس استخسرت وقتى فيهم و قلت ولا هاعبّرهم و أحقق لهم غرضهم ..

البنت الموجوده فى الإعلان بنت جميله و لافته عشان يبقى التساؤل الذى يطرحه الإعلان له معنى : شخصية إيه اللىّ بتبص لها فى وقت ما البنت جميله بشكل لافت !! على اعتبار أن الشكل يطغى على أى شئ آخر فى المرأه .. بينما لو كانت البنت وحشه على طريقة الشاويش "نفيسه" كان هيبقى فيه سبب إن مفيش حاجه تانيه فيها تلفت انتباه الشاب و فى كل الاحوال مش مفترض تظهر فى الاعلان بنت وحشه ..

على كل الأحوال هو إعلان سمج جدّا .. و إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه :-)

qwert anime said...

انا مع زمان الوصل فى كل اللى قالته

Marwa Rakha said...

http://globalvoicesonline.org/2008/11/14/egypt-no-manhood-for-the-manhood-drink/

Thank you

هدى said...

هو انا لاسباب تتعلق بكوني زوجة عاملة ففي الغالب بسمع التلفزيون مش بشوفه .. وفعلا من يومين سبت الممسحة من ايدي وبلمت .. لما سمعت جملة استرجل واشرب بيرل .. مشكور انك وصفتلي اللي حصل رغم ان خيالي ما بعدش عنه

سالت بصوت عالي هو ايه دخل الرجولة في بيرل ؟؟؟

وكلامك دار في ذهني حاجات شبهه .. بس انا مش مقتنعة .. فيه حاجة تانية ومش عارفة ايه هي

..

تحياتي

blackcairorose said...

بعد قراءة البوست مباشرة وجدت أنى أحمل افكار متناقضة سأحاول تلخيصها فى هذه النقاط، ولكن أبدأ بالقول أنى لم اشاهد الاعلان وحاولت البحث عنه فى اليوتيوب ولم أجده، ولكن من وصفك الدقيق اعتقد ان لدى فكرة واضحة عنه

* ارتباط مشروب ما بالرجولة أمر شائع فى الغرب، يعنى البيرة دائما توصف بأنها مشروب الرجال والاعلانات الخاصة بالبيرة أيضا موجهة بشكل اساسى للرجل ونشاطاته كأن تجد الاعلان عن مجموعة رجال فى سبورتس كافيه والبيرة امامهم، الخ، أى هذا الارتباط موجود، وبالتالى مخاطبة فئة معينة أيضا منطقية

* اشعر أن لدينا فى مصر ـ بخلاف الغرب ـ خللا رئيسيا فى ادراك وبالتالى تحديد وبالتالى التفرقة بين الجاد وغير الجاد، وهذه التفرقة اساسية لأنه بناءا عليها يجب أن تصدر ردود افعالنا

يعنى مثلا

حين يقلد كوميدى ما شخصية عامة او زعيم، هل هذا مزاح ام استهانة يجب التصدى لها؟

حين يرقص سعد الصغير، هل الامر بسيط سواء احببناه أم لا، ام أنه دلالة على بداية انهيار الاخلاق العامة وانعدام معانى الرجولة؟

هل الليمبى حين يقلد اغنية لأم كلثوم ويحورها بكلمات تافهة، هل هى هرطقة تقارب تحريف المقدس، ام ان الامر ابسط من ذلك بكثير؟

الامثلة لا تحصى عن أمور أرى من وجهة نظرى الشخصية أننا نضخمها وننفخ فيها ونعتبرها بادرة وسابقة وعلامة فارقة فى حين أنه يمكن أخذها على مستوى ابسط بكثير مما أخذت به

وقس على هذا اشياء كثيرة جدا نراها ونسمع عنها بشكل شبه يومى، لدرجة أنه لن تجد حدثا ما مهما كانت درجة تفاهته الا وهناك من يتشنج ويخطب ويندد ويشجب ويعتبره من علامات الساعة

وأجد أن التعبير الانجليزى
uptight
هو الوصف المناسب لمواقفنا هذه

واعتقد أنه لو تم نقد كل فكرة أو رأى أو عمل فنى أو أو أو لأن هناك من يعترض عليه، فلن نجد شيئا ذا طعم او نكهة فيما نقرأه ونسمعه

لذا انطباعى الاول أن الاعلان الموجه لفئة معينة هو مجرد ترديد لكليشيه ذكورى ـ بل يمكن أن اقول مجتمعى أيضا ـ بأن المرأة بالدرجة الأولى هى شكل ومظهر

عادى ان الاعلان سيجد فيه بعض الرجال صدى لاسلوبهم وتفكيرهم، وعادى ايضا أن تجد فيه الكثير من النساء تكريس للكليشيه ولكنه فى النهاية يظل اعلان، مثله مثل الاعلان الآخر الذى تحاول فيه الزوجة أن تدلع امام زوجها وتقلد النساء اللاتى يشاهدهن زوجها فى التليفزيون

karakib said...

يا عزيزي ... هل حياتك تصبح افضل عندما تشتري تكييف يونيون اير ؟ و تصبح علي وفاق مع زوجتك بعد ان كنتم في مشاكل ؟
--------
طيب بلاش .. هل مشروب البيبسي مشروب رائع و يغير مزاجك ؟ و يجعل يومك جميلا ؟
--------
لوصحيت يوم الصبح ما شربتش نسكافيه و شربت فنجان قهوة او كوباية شاي او حتي بق ميه في حاجة كتير هاتختلف ؟؟
-------
البيريل مشروب غير كحولي و هو بديل للبيرة و بنفس الطعم تماما .. مشروب شعير خالي من الكحوليات .. و هو مهم لبعض مرضي الكلي و فعلا بيغسل الكلي
لكن مفيش اعلان هيطلع يقول لك
---
اغسل كليتك
او كليتك اكثر بياضا
او الشعير حلو و من غيره يومك ما يعديش
---------
طبيعي جدا انه أي اعلان يخاطب غرائز الانسان الطبيعية
في حبه ان يكون ناجح .. كامل الذكورة ... اقوي جسديا .. اوسم .. الجنس الاخر ينجذب اليه ... اغني ... اظرف ... او حتي اشهر (اعلان موبينيل نظام الاشتراك الشهري ستار كمثال للشهرة) يعني مالوش دعوة لا بالكحول و لا بأي حاجة شبهه
ليه ؟ اقول لك انا ليه
علي طريق العين السخنة و الغردقة الجديد هتلاقي اعلانات خمور فعلا و مكتوب انها مشروبات كحولية ... يعني بشكل واضح جدا .. و برضه هتلاقيهم بيقولوا لك.. هتبقي اكثر نجاح او رجولة او شهرة او ذكاء او سعادة لما تشربها
---------
لأن هو ده اسلوب هذه الشركات في الدعايه و الشركات دي مش المصنع اللي بيعبي قزايز و لا حتي مسئولين المبيعات جواه
دي وكالات اعلان بتشتغل علي ده
بتعرف الناس عايزه ايه و تلعب عليه علشان تسوق منتجها
اتفرج علي فيلم
what women want
لميل جيبسون و انت هتكتشف جزء من هذه الطريقة
و اقرا كتاب عصر الجماهير الغفيرة لد.جلال امين و انت هتعرف سيكولوجية خلق الحاجة اللي ما كانتش موجودة اساسا ثم تلبيتها بعد ذلك عن طريق ذلك المنتج اللي الحاجة اتخلقت علشانه اساسا
-----------
نهارك سعيد و استمتعت بقراءة تدوينتك

karakib said...

التعليق اللي فوق ده عالموضوع اللي قبله
اما تامر باشا فهو لديه الأن ورشة مشهورة لتعليم كتابة السيناريو و الحوار و هو ده سبب تواجده بشكل قوي في الساحة و فرض نفسه علي بعض الادوار

Anonymous said...

الاعلان بجد مستفز
وشكرا لمجهودك

قلم جاف said...

هاني :

شوف..

فاكر "خيانة مشروعة"؟

الشيء اللي يبقى مشروع بالنسبة لك ، أو له مبرره بالنسبة لك ، لكن ما لوش مبرر بالنسبة للناس ولا بالنسبة للقانون ولا النظام العام..

المونولجست ثقيل الدم له غرض هو "الإضحاك" .. راجل عايز يضحكك .. غرض ما عليهوش غبار.. بس بيقول نكتة سخيفة .. وصعب على النفس البشرية إنها تراعي "شرف الغاية" لما تلاقي "سخف الوسيلة"..

المعلن اللي بيعمد لاستخدام الجنس في دعاياته نفس الشيء.. له غرض هو "الإعلان والترويج لمنتجه".. غرض شريف من حيث المبدأ.. بس بيزغزغ الغرائز وبيقدم شيء مبتذل ومقرف.. طبيعي أرفضه..

هنا بأتكلم من وجهة نظر المتلقي.. اللي الكلام والإعلانات بتوصله في الآخر.. واللي برضه له ثوابت يفترض إن صاحب الإعلان يراعيها.. ومش علشان واحد عايز يعلن عن منتج إني أقبل إعلاناته على علاتها حتى ولو كان فيه ابتذال جنسي أو إهانات دينية ، أو تحريض طائفي..

قلم جاف said...

أماني:

اشعر أن لدينا فى مصر ـ بخلاف الغرب ـ خللا رئيسيا فى ادراك وبالتالى تحديد وبالتالى التفرقة بين الجاد وغير الجاد، وهذه التفرقة اساسية لأنه بناءا عليها يجب أن تصدر ردود افعالنا

يعنى مثلا

حين يقلد كوميدى ما شخصية عامة او زعيم، هل هذا مزاح ام استهانة يجب التصدى لها؟

حين يرقص سعد الصغير، هل الامر بسيط سواء احببناه أم لا، ام أنه دلالة على بداية انهيار الاخلاق العامة وانعدام معانى الرجولة؟

هل الليمبى حين يقلد اغنية لأم كلثوم ويحورها بكلمات تافهة، هل هى هرطقة تقارب تحريف المقدس، ام ان الامر ابسط من ذلك بكثير؟

بالنسبة للمثال الأول والثالث اللي قلتيهم عندك حق .. ودة مقبول في سياقات فنية مثل الـ

parody

في السينما والأغاني.. فيه أفلام كاملة بتتعمل تريقة على أفلام كاملة ومهمة وشهيرة..

لكن نية "الهزار" ما هياش واضحة قوي بعكس روح الدعابة المبتكرة في إعلان أحذية بييجي على الفضائيات بيروج لجزم مصنوعة من مواد معاد تدويرها.. وفيه بتعلن الطبيعة حربها على واحد مش لابس جزمة من دول .. وبيسيب "المتكلم" -الصامت هنا- رسالة بالإنجليزية ما معناها : هذا الحذاء مصنوع من مواد معاد تدويرها .. ارتدي أحذية (كذا) وإلا ستأخذ الطبيعة ثأرها منك!

في إعلان "مشروب الرجولة" الأمر يختلف كلياً وجزئياًَ.. دول ناس بيعملوا سلوك لا يقره صاحب الإعلان اللي بيدخل علينا دخلة عنيفة وهو بيقول "شخصية البنت آخر حاجة لازم تفكر فيها"..