Sunday, January 03, 2010

"آنون" المراغي..


صراحةً أشفق على من تحملوا مشاهدة ثماني وعشرين حلقة من العك الدرامي المركز على قناة "بانوراما الدراما" ، والتي عرضته بعد أن فشل بجدارة واستحقاق في لفت الأنظار إليه طوال فترة عرضه داخل السباق الرمضاني ، سواء على القناة الثانية "الرسمية" أو على قناة دريم ..هذا التحمل الذي إن عكس شيئاً فهو يعكس أولاً قدرة فائقة للمتفرج المصري على تحمل "قسوة" المتابعة للدراما سواء التي تنتجها بلده أم لا ، وإصراره ثانياً على معرفة نهاية العمل الدرامي حتى ولو شرب كأس العذاب دوبل..

نصف كأس العذاب يرجع إلى طبيعة قناة "بانوراما الدراما" التي تحول عرض المسلسل إلى وسيلة تعذيب ، فالمسلسل الذي يعرض عادةً في أي قناة في مدة لا يجاوز مجموعها الساعة أصبح يعرض في ساعتين نتيجة لفواصل الإعلانات التي تخترق فترة عرض الحلقة الواحدة ، وليتها كانت إعلانات "عدلة" ، بل هي إعلانات من نوع "التلي شوب" مصمم بشكل مقزز ويفقع أقوى مرارة ، لدرجة أقترح معها أن يجبر رئيس تحرير منشور "الشروق" الجزائري على مشاهدتها لمدة ثلاثة أيام حتى يجري في ميدان التحرير صارخاً "حبيبة بابا.. رااااشا.. أمووورة بابا ..رااااشا".. ولن يحتمل الثلاثة أيام كاملة..

أما النصف الآخر فيرجع إلى المسلسل نفسه..

1-كتبت في تدوينة سابقة أن ورش عمل السيناريو وفرق الكتابة نماذج عملية على السبوبة ، وهذا المسلسل من واقع مشاهدتي له يؤكد أنني لم أفتر الكذب على هذه النوعية من الدراما في مصر ، خاصةً عندما ينتجها أشخاص مثل الطفل المعجزة مهندس الديكور الذي أصبح في غفلة من الزمن منتجاً لبرنامج "البيت بيت روزا العز يا بيتنا" ، ثم منتجاً سينمائياً وتليفزيونياً في زمن أصبحت تكلفة المسلسل التليفزيوني تزيد تقريباً عن تكلفة إنشاء مستوصف.. والمنتج مغناطيس يجتذب إليه المؤلف مثلما يجتذب كل "تهامي" "وديع" الخاص به ، كما سلف ذكره في تدوينة سابقة..

2-ومن الطرق المعتادة للسبوبة أسلوب "ضرب" النماذج الهوليودية ، وتم الضرب بغشامة فائقة على مستوى الفكر والصورة ، فيبدو أن تقليعة الصورة السينمائية أو شبه السينمائية التي قدمها - أو أعاد تقديمها- إخواننا الشوام مشكورين قد راقت للمنتج إياه فقرر تطبيقها على مسلسل ركيك في كتابته إلى أقصى حد..

2-وأول خدعة يتعرض لها مشاهد "قانون المراغي" تكمن في إحساسه للحظة واحدة على الأقل أنه سيشاهد شيئاً جديداً ، فالمسلسل في رأيي هو مجرد نسخة جديدة من الثالوث التاريخي للدراما في مصر ، "الجان" و الزوجة والحبيبة..

شخصية الـ"جان" ، أو الـ"ريدج" كما يحلو لي تسميتها نسبة إلى مسلسل "الجريء والجميلات" -ما تجوزش عليه غير الرحمة، تتمثل في شخصية "هشام المراغي" ، الشخصية الوحيدة "الطبيعية" وقليلة الافتعال نسبياً نسبياً بين باقي شخصيات المسلسل من حيث التصميم والمواصفات ،عرَّف "هشام" -لعبه "خالد الصاوي" إحدى حسنتي المسلسل- نفسه في مونولوج طوييييييل وغير جذاب بأنه شخص فقير طموح نشأ في أسرة مفككة تبناه مهنياً أستاذه ووالد زوجته -لعبه "رشوان توفيق"- وزوجه ابنته ،وأصبح واحداً من كبار المحامين في مصر ، يتعامل - كما يقول- بمهنية مع مهنته ، يتولى أي قضية يعطيها له عميل مكتبه أياً كان وأياً كانت ، ولا يمانع في استعمال أي أسلوب في الفوز بأي معركة يدخلها ، وبعيداً عن الـintro المذكور نراه في الحلقات على المستوى الشخصي شخص "ابن أصل" وفي لمن أوصله للمستوى المعيشي والسمعة التي يرفل تحت ظلها ، يشغله عمله كثيراً عن عائلته -عكس الإكليشيه السائد عن الفقير الانتهازي الطموح العظامي، ابن نكتة ، وصاحب مزاج عال وذوق موسيقي مميز ، وفوق كل ذلك جذاب للغاية ، وسر جاذبيته هو اكتفاء "فريق الكتابة" -كما يسمى في التتر - بالتنازل عن إكليشيه واحد- "فشقة بيك يا رمضان" في رمضان- تمهيداً للهجوم عليك بفاصل من أكثر المكررات الدرامية المصرية سماجة..

الزوجة ، لعبتها السيدة "أنوشكا" التي أصبح فيما يبدو لزاماً علينا أن نعتادها كممثلة ، النموذج النمطي الصح الصح للزوجة النكدية التي تجبر زوجها - خصوصاً لو كان "ريدجاً" ملو هدومه - على أن "ينودر لبرة" -كما في إعلان تسعيني مقزز لصنف من السمن - فهي متسلطة للغاية ، عصبية ، مهملة لابنتها الوحيدة ولزوجها ، شيء يشبه تماماً "سهير البابلي" في فيلم "أميرة حبي أنا".. حيث كانت متزوجة من "حسين فهمي" بطل الفيلم ، الذي هرب منها إلى الفتاة التي أحبها وارتبط بها سراً أول الأمر ، والتي لعبتها - وللصدفة - "سعاد حسني" المعروفة صحفياً وإعلامياً بـ"السندريللا".. وشتان بين "السندريللا" في "أميرة حبي أنا" ، و"السنتريللا" في "قانون المراغي"!

الحبيبة ، "السنتريللا" ، "صفية" التي لعبتها "النجمة" "غادة عبد الرازق".. وهي على حق "سنتريللا" بمعظم مواصفات النموذج السنتريللي التقليدي ، فهي الفقيرة القادمة من الحي الشعبي الفقير في العمرانية ، المعروفة بأنها "صاحبة قيم ومواقف" و"تدافع عن الحق والمبادئ" منذ أن كانت في كلية الحقوق ، وفوق كدة "جامدة" لأنها "مش بتاعة الكلام دة"، متمردة ، متحررة متنحررة، ذات "التاريخ التظاهري النضالي الاعتصامي العريييييض" ، تؤمن بمبدأ "أنا بأعمل اللي براسي" للمفكر الكبير "جاد شويري" ، حتى أننا نراها "بتشيش" في مشهد يجمعها بـ"هشام المراغي" .. وإن كانت "سندريلا" في القصة الأصلية تعاني من قهر زوجة الأب ، عانت هي من قهر مجتمعي بعد زيجة فاشلة من محامٍ زميل ، لتجد في شقتها الجديدة وحياتها الجديدة ما يشبه الحفل الذي ذهبت إليه "سندريلا" في القصة الشهيرة..

صحيح أن "هشام" وجد فيها "الشيء الطيب الطاهر الجميل النبيل ..." إلى آخر الإكليشيه الشهير الذي نسمعه عندما يحب رجل غني فتاة فقيرة ، أو الملجأ والملاذ من "الأشكيف" -السيدة حرمه المصون- ، واستشعرت من جانبها منه بوادر إعجاب ، لكن "البحر يحب الزيادة" ، وعليه ومن أجل مزيد من إعجاب الأمير ، عفواً "الريدج" ، كان يجب عليها أن "تديها نيولوك" ، شديد الشبه بـ"لوك" "شادية" في النصف الأول من آخر أفلام "فطين عبد الوهاب" "أضواء المدينة"، وأن تضرب شعرها بوية صفراء شديدة الشبه بتلك التي كانت تستخدم لتزيين الأرصفة في "المنصورة" منذ فترة طويلة ، لتظهر كنسخة شبه صينية من عروسة المولد التي نعرفها ، والظريف في الموضوع أن تعليقات من حولها في المسلسل تشيد بالنيولوك الذي جعل منها "صاروخاً" على غرار "صواريخ" "تهامي" و "وديع"..بس على "بيئة" حبتين ..

كل ما سبق غريب ، والأغرب أن تنجذب شخصية "صاحبة مبادئ" مثل السيدة المحامية إلى السيد "هشام المراغي" ، انجذاب "هندي" صريح لا يمكن تصديقه و"ما يركبش" مع طبيعة الوسط أو طبيعة المهنة التي لا تخفى فيها خافية ، والتي من السهل على أي شخص في المحكمة أن يعرف فيها كل شيء عن المحامي وطباعه وسمعته ، وتحت سمعته نضع مائة خط .. وعليه فمن "الواسع حبتين" إلى درجة "البهوقة" أن أصدق كمتلقي أن محامية "صاحبة مبادئ" لا تعرف أن "فلان الفلاني" المحامي ضلالي ويستعمل أساليب غير مشروعة وبعض زبائنه من كبار الفاسدين في مصر ، وهو أمر يسهل على أي شخص في داخل مجتمع المحكمة ، وداخل مجتمع المحامين ، أن يعرفه وبسهولة .. شيء يذكرك في لامنطقيته وبلاهته بفيلم "خيانة مشروعة" وفي علاقة الصحفية -"مي عز الدين"- بـ"صلاح البحيري"- لعبه "عمرو سعد"..

3-وتظهر التأثيرات الهندية الكلاسيكية في تطور علاقة السيد"هشام المراغي" بالسيدة "صفية" ، بدايةً من إكليشيه "الحاجة الأصفرا" التي شربها السيد "هشام المراغي" في الفندق في الإسكندرية ، التمهيد المنطقي لما سيحدث بعدها كما عرفنا من سينما "حسن الإمام" ، ومشهد غرفة الفندق ، والذي يعتبر الأكثر إضحاكاً من نوعه ، ورحم الله أيام "الرعد" و "البرق" و "فنجان القهوة المكسور".. تلك العلاقة غير المشروعة التي قننت بعقد زواج عرفي - سنأتي على ذكره فيمَ بعد - يرى فيها "فريق الكتابة" لا فوض فوه - دلالة رمزية عميييييييييقة .. مفادها أن وقوع السيدة "صفية" في "الختشييييئة" رمز لوقوعها في نوع آخر من "الختشيييييئة" يتمثل في تفهمها الوقتي لأساليب وطرق "المراغي" الملتوية ، وبداية تبنيها لتصوراته الملتوية المتناقضة شكلاً وموضوعاً مع ما تؤمن به من مبادئ ، ويرمز فيه للعقد العرفي بالغطاء القانوني لما حدث بينهما ولممارسات "الأفوكاتو" السيد "هشام المراغي" إجمالاً!

ولكن.. لابد أن يهزم الشريرين على يد الخيريريين ، وأن تهزم القيم "قِوىَ الشررر" 2-1 في الشوط الثاني ، ولكي يحدث ذلك فلابد من اللحظة الفارقة ، وهي تلك التي تعود فيها "هاميس" - "صفية" يعني-فيهاإلى رشدها، والتي استغرق التمهيد لها عشرون حلقة فقط ، يا عم بلا مط بلا كلام فارغ ، وبشكل ساذج ومفتعل، بداية من علاقة "المراغي" بـ"عضو مجلس الشعب" - ما هو لازم يطلع يا عضو مجلس شعب يا وزير - الذي لعب دوره "سامي العدل" ، تمهيداً لإقحام قصة شديدة الشبه بقضية "الفيشاوي" و "هند الحناوي" ، وكالمتوقع يدافع "هشام" عن الشاب بينما تتبنى هي قضية الفتاة بعد صراع وخلافات بين "الرجل الشرقي المستبد" و"الأنثى العصرية المتنحررة" .. ثم ينتهي المسلسل بنهاية ترضي جميع الأطراف ، سقوط حمل الفتاة وسقوط العلاقة بين "هشام المراغي" وبين "صفية" .. واعتبره قلب وراح .. اعتبره قصر جراح ، واتهد ع اللي بانيه!

حالة "أنا شفت الكلام دة فين قبل كدة" والتي تتحول مع الوقت إلى "هسهس" مزمن لدى المشاهد كلما تابع تفاصيل تلك القصة المهلهلة الركيكة ، تتزايد عندما ترى الشخصيات المساعدة أيضاً ، بدايةً من سنيد البطل -لعبه "مفيد عاشور" - وسنيدة البطلة -لا أعرف اسمها - وخط المحامي الانتهازي -لعبه "خالد محمود"- وعلاقة الحب من طرف واحد مع سكرتيرة المحامي التي تذكرك من بعد بـ"محامي خلع"- وهو خط كان من الممكن وبسهولة الاستغناء عنه لعدم الحاجة إليه..

4-لم يكن "آنون المراغي" إذاً إلا مجرد يخني ، عك يعني ، خليط غير متجانس بين مجموعة ستيريوتايبات من هنا وهناك على قضية على مقال على تحقيق صحفي ، لا فكر ، لا متعة ، لا إقناع ، لا إبداع.. بل إن العك وصل حتى إلى مواصفات الصورة الهندسية السيئة جداً مقارنةً بالصورة التي قدمت في مسلسلات "أسمهان" و "في إيد أمينة" مثلاً.. وكأن أذى أعصاب المتفرج ومرارته لا يكفي حتى يمتد الأذى إلى العين أيضاً.. ولا تفهم لماذا قرر "أحمد عبد الحميد" -مخرج مغمور اعتقد أن التوقيع باسمه في التترات يجعل منه "جمال عبد الحميد" - الاستعانة بالصورة شبه السينمائية على إخراج هو تليفزيوني بكل المقاييس..هي جت على دي؟

والأسوأ في هذه النوعية من الأعمال أن أصحابها ومنتجيها وبعض المروجين لها يتترسون خلف فكرة القضية .. "أنا اتناولت قضية إذن أنا بطل إذن يغور الفن ويتحرق المشاهد بجاز" .. وهذا الهراء والسفه مردود عليه بالقول بأنه ما دام ذلك كذلك فلماذا لا يكتب مؤلفها مقالاً في جريدة يستطيع فيه أن يوصل ما يريد بدلاً من مسلسل يتكلف الملايين مكتوب بشكل مدرسي ولا يوصل لأي شيء ، إلا إذا كان ضامناً في جيبه منتجاً معاه قرش ومحيره بس فيه "البركة".. والمعنى في بطن الشاعر..

ولا يوجد في المسلسل شيء يستحق الثناء سوى موسيقى "خالد حماد" و أداء "خالد الصاوي" اللذان غطيا على العيوب الفادحة في مسلسل "آنون المراغي" .. الذي فرضه "حكم القوي"..الطفل المعجزة وشركاه!
كتبت هذه التدوينة في التاسع عشر من نوفمبر بشكل مبدئي وظللت أعدلها حتى يوم نشرها الثالث من يناير.. الصورة من منتدى نغمات..

No comments: