مرة أخرى مع "وحيد حامد"..
وهذه المرة في فيلم دمرَّه سوء التنفيذ وانعدام التوفيق في مناطق معينة في الكتابة والإخراج ، رغم أن المخرج هو "سمير سيف" ، فضلاً عن الإنتاج التليفزيوني الذي قدم للسينما التجارية ما يتواضع أمامه أسوأ ما قدم في سينما "المقاولات".. "سوق المتعة"..
وعلى الرغم أن علاقة "حامد" بالمسرح ليست وطيدة ،ولا تتعدى مسرحية تجارية واحدة كتبها في أواسط الثمانينات باسم "جحا يحكم المدينة" من بطولة "سمير غانم" و"إسعاد يونس".. إلا أنني كمتفرج عادي أشعر بوجود تأثيرات مسرحية في كثير مما يقدمه ذلك المؤلف المخضرم ، في الحوار أحياناً ، في صنع المشاهد أحياناً ،وتصميم شخصياته أحياناً..
ما شدني في الفيلم شخصيته الرئيسة .. "أحمد أبو المحاسن".. سجين سابق لعب دوره "محمود عبد العزيز".. ارتكب جريمةً واحدة جعلت منه حبيس السجن لفترة التهمت أحلى سنين عمره .. ليخرج من ظلمة السجن وبرودته وقيوده إلى عالم الحرية بلا أهل ولا عمل وبلا مال وبلا تصور لمستقبل لا يعلم له وجهاً من قفا..
يقوم هنا "وحيد حامد" بحركة أراها مسرحية .. حيث يختلق له حيلةً تجعل كل ما حُرِمَ منه "أبو المحاسن" طوال عقود داخل السجن ممكناً ومتاحاً.. مصباح "علاء الدين" المعدل في صورة ضيف شرف الفيلم "فاروق الفيشاوي" الذي يخبر "أبي المحاسن" بأن رجل أعمال كبير خدمه ذات يوم قرر أن يرد الدين بثروة لا حصر لها ، طالباً فقط ألا يسأل أكثر عن الشخص الذي أرسل له كل هذه الثروة .. وإلا فسيرى هذا الشخص الذي لا يراه مخلوق حي مرتين..
قُصْر الكلام.. انفتحت أمام "أبي المحاسن" أبواباً لم تكن مفتوحةً في أيامه الخوالي قبل دخول السجن ، ثروة تفوق تخيله يستطيع أن يشتري بها كل شيء وأي شيء ، أن يغير بها مظهره من "رد سجون" إلى وجيه أمثل ، وسكناه من زنزانة حقيرة في السجن إلى حجرة في فندق خمس نجوم ونصف تمهيداً للانتقال إلى شقة بدرجة قصر ..رغم كل ما أتيح له ، مباحاً كان أم غير ، حلالاً كان أم حراماً.. فإن ذلك كله لم يخرجه من السجن في الواقع.. خرج من السجن لكنه لم يستطع أن يخرج السجن من داخله.. فضل النوم تحت السرير على النوم على فراش فاخر .. ذهب إلى قسم الشرطة وقام بتنظيفه بهمة ونشاط وحماسة شديدة فقط لأن المكان يذكره بالسجن .. بل وقام بجمع أصدقائه السابقين من نزلاء وضباط في مكان واحد..
أمثال "أبي المحاسن" خارج السجن كُثُر.. ممن يؤذي ضوء الحرية قرنياتهم ويلهب هواؤها رئاتهم.. أفراد وساسة وأحزاب.. الفرق أن "أبي المحاسن" كان كمعظم من كتب كاتب السطور عنهم في هذا الملف .. ضعيفاً عاجزاً.. هزم السجن كل إرادة له في التغيير .. أما "غيره" ففضلوا ترك السجن بزنازينه وعساكره وظلمته بداخلهم لأن ذلك أفيد لهم ، ويصب في بحار مصالحهم "الغويطة".. "أبو المحاسن" لم تكن لديه الاستطاعة لكسر قيوده ، واحتاج لقوة هائلة لكي يتمرد ، دارياً أن ذلك التمرد قد يكلفه حياته كما حدث في ختام الفيلم ، أما الآخرون فلديهم القدرة والإرادة .. ولكنهم قرروا حبسها لأن ذلك أنفع لهم.. هم اختاروا فقدان الشيء عن عمد .. ويوهمون غيرهم بقدرته على إعطائهم إياه.. هو رأى أن المتعة قد تكون سجناً .. هم رأوا أن السجن متعة!
يعد الدور أحد أفضل أدوار "محمود عبد العزيز" في مرحلة ما بعد "الكيت كات" ..حيث بدأ خطه البياني في النزول.. وربما كان أداؤه ، وأداء "حمدي أحمد" ضيف الشرف الآخر .. أفضل ما في الفيلم.. بغض النظر عن وعن إصرار "إلهام شاهين" على تقديم نفسها كممثلة إغراء بالعافية ، وعن المستوى الفني للعمل ككل .. والذي ساعد على جعل الناس تنساه بسرعة الصوت..
* الصورة من imageshak.
* الصورة من imageshak.
No comments:
Post a Comment