1-يحلو للعديد من النقاد وكتاب الأعمدة تناول استخدام كتاب الدراما لجهاز الشرطة في مسلسلاتهم وأفلامهم على أنه رمز لـ"الدولة" أو "النظام" أو "السلطة".. وهذا صحيح إلى حد ما ، وظهر ذلك في أفلام متعددة في حقب سياسية مختلفة .. سواء الأفلام التي تناولت الحقبة الناصرية كـ"الكرنك" ، أو الساداتية كـ"زوجة رجل مهم" .. ولوحظ في معظم تلك الأفلام تناول رتب متوسطة وكبيرة عطفاً على حقيقة أنه في أي مؤسسة عسكرية - جيش أو شرطة- في جميع أنحاء العالم تتحرك السلطة من الأعلى إلى الأدنى ..وكلما كان الرجل في الدرجة الأعلى من السلم كلما كانت سلطته ونفوذه أقوى ،وكلما زاد شعوره بحجمها..لكن تلك القاعدة بدأت في التهاوي لأسباب سيلي ذكرها.. ولوحظ أيضاً وبطبيعة الحال تباين تناول كتاب الدراما لهؤلاء تباين انتماءاتهم السياسية والفكرية وعلاقتهم بالسلطة..
كمثال.. عندما قرر "ناصر عبد الرحمن" -يساري- و"خالد يوسف" - ناصري- تقديم نموذج لمخبر صغير فائق الاحساس بالقوة والنفوذ في "هية فوضى" .. لم يخل تناول "حاتم" في الفيلم من تأثيرات يسارية - ناصرية كما رأى البعض .. كما لم يخل تناول "وحيد حامد" للرتب الصغيرة من ارتباك يراه البعض - وربما بعض آخر- من الناس في تقييمهم له (="وحيد حامد") عموماً.. فمن الناس من يراه معارضاً .. ومنهم من يتهمه بمغازلة السلطة .. ومنهم من يعتبره رافضاً للجميع .. ومنهم أيضاً من يصنفه من ضمن اللاعبين على كل الحبال..
على كلٍ.. لن أتناول الشخصيةالتي قدمها "وحيد" في فيلم "البريء" كما توقع كثيرون.. لأن شخصية أخرى شدت اهتمامي .. كتبها خصيصاً لفيلم "الإرهاب والكباب" ومثلها "أشرف عبد الباقي" .. "هلال" "عسكري المراسلة" الذي خرج من قريته لا ليعمل كعسكري صغير في جهاز الشرطة.. بل كشبه خادم لرتبة أعلى داخل الجهاز الشرطي.. من توصيل الابن للنادي لشراء الخضر لمسح السيارة .. مهمش نزعت آدميته بحكم القوي على الضعيف.. لا يشعر به أحد.. نسي منسي..
ترك له "وحيد حامد" فرصة ذهبية للتمرد.. بكل ما يتعرض له من اضطهاد وظلم بحكم الحاجة للاستقرار وحكم القوي في ظرف استثنائي ،لم يتردد "هلال" في الانضمام إلى "أحمد فتح الباب" - لعبه "عادل إمام" - في مخاطرة قد تكلفه كل شيء يلخصها في عبارة ما معناها أنه على استعداد لفعل أي شيء طالما يغضب سيادة اللواء!.. عبارة قد يراها الكثيرون ساذجة ومقحمة لغرض الإضحاك.. لكنها تلخص الكثير من معاناة "هلال" وكل "هلال"..
"شريف عرفة" كما قلت غير مرة هو مخرج "صنايعي" يولي اهتماماً بصنع فيلم جميل الشكل ومتقن .. ولم تكن هناك غرابة إذن في اختياره الموفق جداً لـ"أشرف عبد الباقي" لهذا الدور.. ومما ساعد "أشرف" على النجاح فيه شكله في تلك المرحلة السنية وطريقة أدائه المتقنة لشخصية عسكري المراسلة الريفي- بكل الإكليشيهات المحيطة بشخصية جندي الأمن المركزي أو عسكري المراسلة في الدراما المصرية (والتي كرَّس "حامد" لبعضها في بعض أعماله الأخرى)- ممزوجة بأسلوب أداء تميز به لفترة معينة في مشواره الفني ..وحسناً فعل بتخليه عنها ليجرب نفسه في مناطق أخرى بعيدة عنها كما في "خالي من الكوليسترول" ثم "صيد اليمام"..
قد تتذكر "هلال" بـ"أشرف عبد الباقي" .. لكنك ترى هذا النموذج المقهور حولك في كل مكان .. تراه في مهمشين لا يأبه أحد لهم مقهورين بـ"حكم القوي".. بأوامر غير مكتوبة ومنصوص عليها .. ولا تعرف لآدميتهم قيمة إلا عندما يريد بعض أصحاب المصالح في الميديا ذلك .. غير ذلك فهم أهلة غير ثابتة الرؤية..أهلة مقهورة لا يخرج ضياها للوجود..
* الصورة من Mazaj TV.. لـ"هلال" -يميناً- واللواء -"سامي سرحان"- يساراً..
* الصورة من Mazaj TV.. لـ"هلال" -يميناً- واللواء -"سامي سرحان"- يساراً..
No comments:
Post a Comment