Tuesday, July 06, 2010

حماتي ملاك


قد يكون "فطين عبد الوهاب" أفضل مخرج سينمائي مصري تخصص في إخراج الكوميديا.. لكنه بالقطع لم يكن الوحيد .. ظهرت إلى جانب "فطين" أسماء أخرى قدمت أفلاماً كوميدية ذات نكهة خاصة وخفة ظل عالية .. من بين هؤلاء المخرج "عيسى كرامة"..

لم أتحصل للأسف على معلومات كثيرة عن هذا المخرج ، لا عن جنسيته (من إحدى دول الشام حسب علمي) ، ولا عن إن كان حياً أم لا ، وربما يكون ما كتب عنه قليل للغاية ليس فقط على النت ، لكن يبقى اسمه مرتبطاً بأفلام كوميدية من العيار الثقيل من بينها "آخر شقاوة" ، وهذا الفيلم..ويبقى أحد أخف المخرجين ظلاً على الشاشة الكبيرة على الإطلاق في مائة عام أو يزيد من السينما في مصر.. خفة ظل تلمحها في روح أفلامه التي تذكرك بمسرح "الريحاني" ، وفي طريقة تنفيذها..

جاء الفيلم الذي أنتج عام 1959 كالكثير من كوميديات عصره ، لا يخلُ من آثار مسرحية ، في وقت كان فيه كتاب كثر يكتبون للسينما والمسرح في نفس الوقت من أمثال "الإبياري" و"السيد بدير" و"عبد المنعم مدبولي" ، وكان من العادي أن تحول الأفلام إلى مسرحيات وبالعكس -"أنا وهو وهي" ، "مطار الحب" ، ...الخ- وأخذ ذلك الفيلم من المسرح الكوميدي التجاري أفضل مميزاته ، كوميديا الموقف المصبوغة بالبصمات الشخصية لممثليه ، وفي الفيلم اثنان من أشهرهما "إسماعيل ياسين" و "ماري منيب"..وكلاهما في أفضل حالاته ، ضمن خطة فيلم محكمة وضعها مؤلف ومخرج الفيلم "عيسى كرامة"..

فكرة الفيلم بسيطة ، نفس اسطوانة "الحموات" التي كانت سائدة لفترة من الفترات في السينما والمسرح ، في وجود "ماري منيب" -بطلة فيلم "حماتي قنبلة ذرية" الشهير- التي تقوم بدور حماة شرسة لـ"يوسف فخر الدين" ، الذي ينتقم منها بادعائه الموت ، مستغلاً إيمان حماته بالأشباح والعفاريت .. ولكي يتم سبك التمثيلية أكثر يتم الاستعانة بحانوتي ليقوم بتغسيل "المرحوم"..

معجب بشدة بالمكان الذي وضع فيه "عيسى كرامة" "إسماعيل ياسين".. ولم يأنف هذا الأخير من أن يوضع بعيداً عن المكان المتوقع له وهو الرائج تجارياً ونجم الشباك ، في ظل ما نعرفه عن أن نجم الشباك لا يرضى بديلاً عن دور "الجان" أو البطل التقليدي.. بالعكس.. شخصية الحانوتي كانت ذلك "الجسم الغريب" الذي يقلب كل شيء رأساً على عقب ، والذي يحول المزحة إلى جد..

يأتي الحانوتي الذي تستدعيه خادمة الأسرة - "خيرية أحمد" ممثلة "ساعة لقلبك"- ومعه مساعده الأكول الذي عينه معه مرغماً- لعبه "حسن أتلة" صاحب لازمة شهيرة جداً في فيلم "إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين"- من أجل تغسيل الميت وتكفينه كالمعتاد ، ويحاول "يوسف فخر الدين" اصطياده ، بحيل معتادة يتقنها "عيسى كرامة" وسبق له تجربتها مرتين في فيلمين مختلفين -"حلال عليك" (1952) ، "حرام عليك" (1954)المستوحيين من أفلام لـ" وليم أبوت" و"لو كوستيللو"-وهي حيل مقبولة وفعالة في الإضحاك في المسرح التجاري المصري وقتئذ ولا تزال تستعمل على نطاق محدود جداً..ولأن اللعبة تفترض أن الزوج "ميت" وبأنه لا وجود له إلا في صورة شبح ، فقرر تصفية حساباته مع حماته بنفس الطريقة التي لعبها مع الحانوتي ، صحيح أن التصرفات التي قام بها-كمنطق- صبيانية بعض الشيء ، لكن يمكن قبول بعض الأشياء في فيلم كوميدي ولا تُقْبَل في فيلم جريمة مثلاً.. خاصةً إن تم تنفيذها بشكل يحقق الهدف منها ، وهو الإضحاك..

في معظم ما كتب "عيسى كرامة" - وهو من مخرجي الكوميديا الذين يشاركون في ، ويقومون بالكتابة إلى جانب الإخراج- لا ترى مجرد اسكتشات ضاحكة ، بل مواقف متقنة الصنع يتم ربطها في إطار درامي قوي ، أقله بالنسبة لفيلم كوميدي ، يستغل هنا فكرة الخطأ غير المقصود الذي يخرج الأمور عن الإطار الموضوع له- وهو هنا سلسلة الأخطاء غريبة الشكل التي ارتكبها الحانوتي -والراجعة إلى كونه فاشلاً في "الكار"- وانتهت به إلى وضع "الجثة" في دولاب بغرفتها ، ثم اختفائها بالدولاب ، وعليه ، فلا حل لهم ، ولمتابعي الفيلم بالتالي ، إلا تتبع الدولاب الذي اختفت فيه الجثة..

قبيل نهاية الفيلم تتضح الأمور لكل الشخصيات ، إلا الحانوتي وشريكه ، حيث تمكن الميت المزيف من الهروب من الدولاب ، واصطلح مع حماته وزوجته وانتهى كل شيء، في الوقت الذي ينتهي فيه الفيلم على مطاردة يقوم بها الحانوتي المسكين للدولاب في أقاصي الصعيد!

فيلم بسيط في مجمله ، مضحك للغاية ، سواء في مواقفه أو في إفيهاته ، والممتع أكثر أنه تم توزيع الضحك على الجميع ، بدءاً من الاسمين الكبيرين في الفيلم "إسماعيل ياسين" و "ماري منيب" ومروراً حتى بـ"يوسف فخر الدين" .. ناهيك عن قنابل الضحك من الشخصيات الثانوية ومنهم أعضاء كبار في فرقة ساعة لقلبك منهم "دكتور شديد" .. بل إن الفيلم شهد الظهور الأول للكاتب الساخر الراحل الرائع "يوسف عوف" في هذا الاستعراض ، الذي نقلته من اليوتيوب..أتمنى ألا تقلل السطور الساذجة السابقة من استمتاعكم بفيلم أراه مضحكاً بحق وحقيق ، ويستحق الفرجة في ظل ما نعيشه من كآبة واكتئاب..
* تحديث 7/7: تصحيح لمعلومة تخص الكاتب الكبير "يوسف عوف" .. شكر خاص جداً للزميل العزيز أميروز..

10 comments:

آخر أيام الخريف said...

الله ..اخيرا حد انتبه لعيسى كرامة ..الراجل ده كان موهوب بجد و اللى زيه كده عباس كامل الله يرحمه

شكرا للمقال الجميل

Unknown said...

حرام عليك وحلال عليك لمخرج واحد
اول مره اعرف المعلومه دي
مقاله ممتعه

AmiroZ said...

استمتعت جدا بتدوينتك دي بس كان ليا ملحوظة...
يوسف عوف ماكانش له ظهور وحيد فى فيلم حماتى ملاك، هو ظهر كمان في فيلمين تانيين: اللهب (1964) و شهر العسل بدون إزعاج(1968)ا

قلم جاف said...

العزيزة آخر أيام الخريف:

والغريب كمان إن مفيش معلومات عن الراجل دة كتير حتى في كتب متخصصة عن السينما ، لكنه بكل المقاييس مخرج أكثر من موهوب..

عمرك أطول من عمري زي ما بيقول التعبير الدارج ، كنت من فترة طويلة بأحضر لكذا مقال عن أفلام سينمائية مبتكرة منها فيلم "العقل والمال" لـ"عباس كامل".. مخرج ما بنقراش عنه كتابات كتيرة لكنه كان رائع في تخصصه..

قلم جاف said...

العزيز شمعون :

أنا فوجئت زيي زيك بحكاية إن الراجل هو اللي أخرج الفيلمين وإن الفيلمين قريبين قوي زمنياً بالطريقة دي..

واللي حتستغرب له إن "سناء جميل" كانت في "حرام عليك" وكانت واخدة البطولة النسائية في الفيلم جنب "لولا صدقي" ، أما البطولة الرجالي فكانت لـ"إسماعيل ياسين" و "عبد الفتاح القصري" اللي حل محل "إلياس مؤدب" ..

وكان من المفاجآت اللي طلعت لي كمان إن "حسن أتلة" يعد من اكتشافات "عيسى كرامة" رغم إنه يمكن يكون مثل مع ناس تانيين..دي لازمة "ساعة تروح ..الخ" كانت في فيلم "إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين"..إخراج "عيسى كرامة" برضه!

قلم جاف said...

العزيز أميروز:

شكراً على التصحيح وعدلت المعلومة قبل قليل .. لكن يبقى دة الظهور الأولاني لإن "حماتي ملاك" كان سنة 1959 قبل الفيلمين التانيين..

وإن كنت مستني فرصة أكتب فيها عن "يوسف عوف" اللي كان من أوائل اللي تنبأوا بحكاية الانتخابات الرئاسية في كتابه "حيجننوني".. وعن فيلم تاني لـ"عيسى كرامة" بأحبه جداً جداً هو فيلم "آخر شقاوة"..

Hopiz said...

الى استغربته لما اكتشفته فى الاسكتش الغنائى ده هو وجود امين الهنيدى
وحركاته حتى ماكنتش تدل على موهبة كوميدية صارخه
زى ما بانت بعد كده
بس مقال رائع لمواضيع وفترة سينمائية جميلة وقوية

قلم جاف said...

العزيزة هوبيز:

"أمين الهنيدي" كان بيمثل في فرقة "ساعة لقلبك" شخصية كان اسمها على ما أعتقد "فهلاو" القروي اللي شايف إنه فاهمها وهي طايرة .. لكنه فيما بعد استقل كممثل كوميدي وبقى "أمين الهنيدي" اللي نعرفه..

Saadbasha said...

فيلم اكثر من رائع . كل التفاصيل مصنوعة بدقة

حامد فؤاد said...

رائع جدا مقالك وموضوع عيسي كرامة ده محير جدا مافيش معلومات عنه مطلقا لازم حد يستقصي المعلومات عنه وده مش هيأتي غير من صناع السينمااللي عملوا افلام معاه أو ناقد زي محمود قاسم وأحمد الحضري ويمكن تعرض الإهمال بسبب أن أفلامه كوميدية خفيفة