Monday, July 26, 2010

فرجات آخر الشهر

* ما هي قيمة شريط صرصاري يظهر طوال الوقت في قنوات "الحياة" ليذكرك فقط بالبرنامج أو الفيلم التالي ليأكل جزءاً من مساحة الشاشة بلا داعي؟ لماذا لا يخصصوا هذا الشريط بالمرة -كما فعلت "مودرن" "روايات" لإعلانات "عسل نحل التمساح" وشاي الأعشاب الصيني "دكتور منج"؟ وما هو الهدف وراء إذاعة أغاني رمضان قبلها بخمسة أشهر لكي نعرف فقط أن رمضان على الأبواب وأن القناة "المحدِثة" تعاقدت على مسلسلات تحشرها حشراً في ليل رمضان القصير؟ ومن هو العبقري الـ(......) الذي صمم ووضع موسيقى مقدمات وبروموهات ما يسمى بقنوات "مودرن"؟ في رأيي .. انحطت قنوات "مودرن" و"الحياة" و"بانوراما" بشكل الشاشة إلى أسفل درب.. ومقارنة العك الذي تقوم به تلك القنوات حتى بما كان يحدث في سنوات التليفزيون الأولى ونراه حالياً في قناة "التليفزيون العربي" ظلم بين..

* أسهم "حميد الشاعري" في صناعة الأغنية "الشبابية" بنزعه بعض الحمولة الزائدة على شكل الأغنية.. أما "أيمن بهجت قمر" فقد أسهم في صناعة "الأغنية الشبابية" بنزع الثلاث نقاط من على حرف الشين!

* "دريم" لها مسلسلان هذا العام هما "أهل كايرو" و "حكايات وبنعيشها" ، و"بانوراما كاتشب" لها مسلسلان هما "أمير الجبل" و "الحارة".. إذن الآشيا معدن وعال العال.. فلماذا توهمنا تلك القنوات من حين لآخر أنها "مش لاقية تاكل"؟

* تعمد "السيد البدوي" صاحب قنوات "الحياة" زيادة إعلانات شركة "سيجما" للأدوية التي يملك النصيب الأعظم فيها على قنواته.. لدي إحساس أنه إذا أعجبته التجربة فسيطلق اسم "سيجما" على حزب "الوفد"!

* "قد" يتغير "أحمد مكي" إلى الأفضل إذا ما تعامل مع شكله العادي وأدائه العادي كـ"كاراكتر".. الكلام بمناسبة تصريح له في "الدستور" يقول فيه ما معناه أنه سيعود إلى الشارع ويترك الفن إذا لم يجد كاراكتراً يقدمه!

* أتمنى ألا تكون خيبة الأمل في مسلسل "الكبير" بنفس الحجم!

* أهنئ السيد "محمد حماقي" على عثوره على حل مناسب لذقنه (اللي لا هو مربيها ولا سايبها) التي كانت شعاره خلال المرحلة الماضية ، وعقبال الوصول لحل مناسب -وبنفس الطريقة- للشلة التي يفرضها علينا منذ ألبومين!

* توقعت أن يفلس "تامر حسني" بعد ثاني تعامل له مع "محسن جابر".. لكني لم أتوقع أن يحدث ذلك بهذه السرعة!

* قلة الإمكانيات لا تبرر كل هذا الكم من التعذيب السمعي والبصري الذي يمارسه علينا برنامج "الحقيقة" لـ"المناضل" "وائل الإبراشي"..

* شفتوا الـ "Indian-Spanish" الذي قدمه "محمد فؤاد" في ألبومه الجديد؟

* بمناسبة برنامج "حمرا" .. كنت أعتقد أن الصحفيين مقدمي البرامج -وعلى رأسهم مقدم البرنامج نفسه- لديهم شيء من "الأحمر" يكفي لعتقنا لوجه الله تعالى من أشكالهم لمدة شهر واحد في العام.. لكن هناك ذيولاً لن تنعدل ولو بني عليها كوبري..

* لا أرشح برومو برنامج "لقاء مستحيل" على الحياة لمن يعانون من مشاكل في ضغط الدم والسكر ، ولا أحبذه حتى لمن لا يعاني أي مشاكل صحية!

* تصريحات رؤساء الفضائيات في سلسلة الحوارات التي أجرتها "المصري اليوم" معهم خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد أنه إذا كان "أبو لمعة" قد توفي .. فصبيانه حاضرون!

* رغم كل جرعة الاستفزاز التي قد تخرج من برنامج "لا سوستا" الذي يقدمه "أكرم الشرقاوي" (=الشهير أكثر بـ"حمزاوي") .. إلا أنني أشعر أنه لم يقدم كل ما لديه بعد ، وأتمنى أن يقدم حلقات جديدة من برنامجه هذا مع شخصيات أحتفظ بأسمائها حالياً لنفسي!

* أخيراً.. لدي إحساس قوي بأن رمضان هذا العام سيشهد أموراً غير متوقعة ، خاصةً وأنه من المحتمل أن يوافق عيد الفطر يوم جمعة وهو ما لم يحدث منذ سنوات طويلة جداً جداً ، وأننا لم نسمع أي شيء بعد عن الجزء الجديد من مسلسل "تامر وشوقية"!

Saturday, July 24, 2010

بألف كلمة أو أكثر : درسان مصريان

الصورة بمعناها الصحفي بألف كلمة ، أما اللقطة السينمائية التي لا يستغرق وقتها بضع ثوان قد تحوي ما يفوق هذا العدد من الكلمات بكثير.. اكتفيت فقط بتقديم نموذجين بسيطين للقطتين هامتين جداً يوضحان هذه الفكرة..من فيلمين أحبهما جداً وأستمتع بمشاهدتهما والكتابة عنهما..

1-"محجوب عبد الدايم" .. إلى الأبد!



اللقطة الأشهر في فيلم "صلاح أبو سيف" "القاهرة 30".. فيلم من أهم أفلام هذا المخرج الذي ينافس دائماً على لقب أفضل مخرج سينمائي مصري مع "شاهين" و"حسن الإمام".. ولكل اسم من الثلاثة نقاط قوة ونقاط ضعف.. ويبقى هؤلاء مع كل الاحترام للآخرين الأكثر إثارة للجدل باستعراضنا تاريخ الصناعة السينمائية في مصر من أوله لآخره..

"القاهرة 30" كما نعرف مأخوذ عن نص لـ"نجيب محفوظ".. يقول البعض عن روايات "محفوظ" أنها متشعبة متعددة الخيوط .. لكن ضرورات الدراما ، بالسيناريو والحوار الذي اشترك في كتابته الكاتب ذو الانتماء اليساري "لطفي الخولي" -تغير موقف اليسار منه تماماً بعد "كوبنهاجن"-مع "وفية خيري" و"علي الزرقاني" و"صلاح أبو سيف" نفسه اقتضت أن يسير الفيلم على مسار واحد ، واختار صناعه مسار "محجوب عبد الدايم" .. البطولة المطلقة الأولى لـ"حمدي أحمد".. والذي آمن "صلاح أبو سيف" بقدرته على أداء شخصية بهذه المواصفات ..

على كل .. يؤمن بعض الناس بأن لـ"محفوظ" نظرية في اختيار أسماء شخصياته .. ومنها "محجوب عبد الدايم".. "محجوب" المهمش البعيد عن الضوء بفعل الظروف و"دائم" الابتعاد عن أي حلم أو هدف أو أي شيء.. يؤمن "محجوب" بأن لكل شيء ثمن ، وبأن من يستطيع الحصول على الشيء هو عادةً الذي يملك ثمنه ، كما ورد صراحةً في عبارة في بداية الفيلم ، وبالتالي لكي تحصل على الشيء في عالم تحكمه المصالح والصفقات ، فلابد - طبقاً له - أن تبيع .. تبيع خدماتك .. تبيع موهبتك .. تبيع جذورك وأصلك .. وتبيع شرفك..

ملخص الحدث ، ملخص الفلسفة المحجوبية ، ملخص "محجوب عبد الدايم" نفسه في تلك اللقطة تحديداً.. التي دارت على هامش زواجه بـ"إحسان شحاتة" الفقيرة التي أغرمت أول الأمر بـ"علي طه" "المناضل" "المثالي" ..الخ ، ثم مالت إلى "محجوب عبد الدايم" واعتنقت فكره..

الذي يبيع شيئاً واحداً يستطيع أن يبيع ألفاً ، ومن يبيع مبدأه من السهل عليه أن يبيع شرفه ، ممثلاً في صفقته مع "إحسان" وأهلها و"الباشا" - (=لعبه "أحمد مظهر" ضيف الفيلم) .. ولمن يفعل فعلة كهذه في الثقافة المصرية وصف دارج في العامية لم يجد "صلاح أبو سيف" أفضل منه ليصفه به بالصورة .. لا بالكلمة.. ولم يتطلب الأمر أكثر من ساعة ذات قرون معلقة على الحائط ، تشبه تلك التي استخدمت في فيلم "حلال عليك" لـ"عيسى كرامة" - سبق ذكره في تدوينة سابقة - ليضعها على ارتفاع مناسب من كراسي "أنتريه" الشقة التي يفترض أن يقيم فيها "محجوب" ، والتي يعقد فيها "قرانه" على "إحسان شحاتة" .. ليصطاد منها تلك اللقطة التي تعتبر من أهم اللقطات "الفصيحة" في تاريخ السينما المصرية..

تخيلوا معي لو أن تلك القصة حولت إلى فيلم في زمننا الحالي ، فاصل طويل من العبارات والإفيهات التي تصل إلى درجة الفجاجة ، لتصبح محوراً لتباهي البيه المخرج والباشا المؤلف بالتحرر في مواجهة "خفافيش النينجا" ، وموضوعاً مسلياً لبعض المراهقين الباحثين عن مشهد من إياهم في أي فيلم.. وحدث عن بهوات وباشاوات الصناعة اليوم خاصةً من الذين يدعون أنهم أصحاب فكر ولا حرج.. الذين لم يتعلموا من "صلاح أبو سيف" المخرج حسن فهم النص الذي يخرجه .. وحسن فهم آليات السينما التي تبقى صورةً وصوتاً..

2-"العار": الطريق إلى السرداب!



"علي عبد الخالق" أحد مخرجي "الصنعة" في سينما الثمانينيات .. لكن السينما في رأيي تحتاج إلى المخرج "الصنايعي" مثلما تحتاج إلى المخرج "المفكر" .. وعندما يتألق المخرج الصنايعي يمكنك مشاهدة فيلم جميل وممتع وراقي المستوى .. التألق الذي من عناصره عمل جيد من المخرج والمؤلف والطاقم الفني .. و"شوية توفيق"..

حتى وإن بدت هذه اللقطة غير مقصودة ، أو التقطت بشكل عادي وعفوي.. إلا أنها أوصلت لي كمتفرج رسالة في منتهى الخطورة كان من الممكن أن يتم توصيلها اليوم بركاكة فاضحة.. وليس بهذا الشكل الممتاز الذي رأيناه..

تدور فكرة الفيلم عن تاجر يعيش حياتين ، حياة "فوق" الأرض .. معلنة ..وسط الناس ، في الحي الشعبي المفعم بالروحانيات ، كتاجر شريف متدين حسن السمعة ، وحياة "تحت" الأرض .. سرية .. وسط صبيانه وأعوانه .. كتاجر مخدرات يختبئ وراء تجارته في لوازم العطارة.. حياة أخفاها عن أهله وذويه .. إلا واحداً هو "كمال" (=لعبه بتألق "نور الشريف") .. الابن الأكبر ومدير المحل والساعد الأيمن الذي يعيش "فوق" بين الناس ، و"تحت" .. في "السرداب"..

كان هو الوحيد الذي يعرف بحقيقة والده ، واستلزم الأمر أن يشاركه سره الشخصان الوحيدان اللذان يستطيعان مساعدته في صفقة مشبوهة ، واللذان كانا يؤمنان بأن أباهما هو تاجر العطارة لا تاجر "الصنف" .. ولكي يقنعهما "كمال" بالمشاركة في الصفقة المشبوهة كان عليه أولاً أن يمهد لهما الموضوع بالحديث عن صفقة "عطارة" تخص المحل الذي يديره "كمال" منفرداً تاركاً شقيقيه لأعمالهما المحترمة والمرموقة ، ثم يخبرهما بالحقيقة بكل صدمتها وقساوتها ، ثم يدخل معهما في مواجهة .. إما أن يخرج معهما إلى النور .. أو يسحبهما معه ..

إلى السرداب..

في حوار ، وجدل لا تخلُ منه أفلام "محمود أبو زيد" ، نجح في توريطنا كمشاهدين فيه في كل مرة نشاهد الفيلم ، يدور حوار يستعرض كل وجهات النظر "المحتملة" فيما يتعلق بدخول العملية من عدمها ، في مكان مرتفع ، غالباً سطح مبنى ، تكرر في بعض أفلام "علي عبد الخالق" الأخرى لاحقاً .. لا يخلُ من روحانية بآثار قباب عملاقة في الخلفية (ومحدش يسألني المكان دة فين لإني مش قاهري ومش عارف حاجات كتير في العاصمة)..هذا المكان المرتفع لم يكن في الفيلم سوى سطح المحل .. الذي يربطه بالمحل سلم ..

يتغلب منطق "كمال" .. وبالتالي ينجح في سحبهم إلى أرضه .. إلى محله .. إلى ملعبه .. إلى السلم الذي يظهر في اللقطة مؤدياً إلى سرداب .. وهو في الواقع إلى المحل بعد أن تبين لشقيقي "كمال" أنه مجرد ستار لعمل "الحاج عبد التواب" (=لعبه بجودة عالمية "عبد البديع العربي") رجل البر والتقوى .. "اللي مش مخلي حد نفسه في أي حاجة"!

ربما احتوى عرضي للقطتين على مبالغات .. وربما أعطيت لأشياء غير مقصودة حجماً يفوق حجمها جمالاً و فكراً.. لكن تبقى تلك على أي حال هي الرسالة التي وصلتني كمتفرج ، ويتحمل مسئوليتها كاملة المخرج في كل حالة ، وأرى أن المخرج في الفيلمين قدما لنا ، بقصد في الحالة الأولى ، أو بقصد أو بدون في الثانية ، لقطتين فصيحتين تذكرانا بقوة المنطق وسطوة الكاميرا.. أساس السينما يا سادة.. عذراً للإطالة..
*تحديث 26/7: أعترف بأني "اتلخبطت" عندما شاهدت فيلم "العار" أمس 25/7 على "OTV"ولم أر تلك اللقطة التي أردت الكتابة عنها تماماً والتي شاهدتها في عرض سابق للفيلم على قناة "أوربيت سينما" 2.. لدرجة دفعتني إلى تعديل تلك التدوينة ثم تراجعت..ربما تعرض بعض تلك الأفلام منقوصة أو غير كاملة على فضائيات ما كما حدث مع أفلام أخرى كثيرة لسبب لا أعرفه أو أن النسخة التي نعرفها ناقصة وبها مواضع حذف على غرار مسرحية "العيال كبرت".. مش عارف.. لكنني حاولت توصيل أقرب صورة للمشهد الذي شاهدته قبل أشهر وشاهدته بعد كتابتي لهذه التدوينة بعدة ساعات.. أنتظر أي تصحيح من قراء "فرجة" ومتابعيها في الموضوع وفي أي موضوع آخر..متفرج لوحده ما يصقفش :)
Image Credits:"القاهرة 30" (موقع "السينما دوت كوم") ، "العار" (موقع "نوكيا وورلد" نقلاً عن أحد مواقع تحميل الصور)..

Thursday, July 22, 2010

في الأصل البراق


كرم حاتمي يظهره اتحاد الإذاعة والتليفزيون في الاحتفال بخمسينية الأخير ، يتناقض مع بخل كوهيني في الاحتفال بإحدى أقدم إذاعات العالم .. كرم من مظاهره حالة عارمة من الاحتفال والفرحة وصل إلى إطلاق قناة تليفزيونية بعنوان "التليفزيون العربي" تتناول مقتطفات من التراث التليفزيوني المصري في مقابل نصف قرن ..

قد يكون مرجع ذلك هو رغبة "أسامة الشيخ" في إبراء ذمته من كل الاتهامات التي وجهت له إبان عمله في الإيه آر طين هو ومسئولين سابقين في التليفزيون المصري في "شفط" الأرشيف الوثائقي للتليفزيون المصري .. وقد يكون مرجع ذلك أيضاً هو أن "أسامة" تعلم من رئيس الاتحاد السابق "أحمد أنيس" شيئاً ما..

هذا الأخير يكاد يكون نسخة طبق الأصل من "شكري سرحان" في "عودة الابن الضال" .. كما أدار "شكري" المصنع في الفيلم أدار الرجل الاتحاد ثم النايل سات (بدليل كمية قنوات التخلف الموجودة على النايل سات الآن) .. وكان من مشاريع "أنيس" السابقة فكرة قناة إذاعية للتراث الإذاعي بحسب تسريبات إعلامية ، "أسامة" رجل الإيه آر طين المتقاعد تعلم إذن فكرة "حلب الماضي" واعتبار النوستالجيا والحنين للأمس الجميل دجاجة تبيض ذهباً من كل عيار.. بدليل أنه كلما تمشي في أي شارع أو بجوار أي "كافي شوب" تجد التليفزيون مفتوحاً على قنوات الأغاني الطربية في "الوصلة" أو "الدش" ، وبالذات أغاني حفلات "أم كلثوم" ، وبدليل أنك تلاحظ أن لدى الجيل الحالي وأجيال سبقته كجيلي ميلاً للأغاني القديمة ، هرباً من الحاضر ، استكشافاً لزمن لم نعشه ، بحثاً عن جديد ..الخ..

هذا هو التأثير الذي أحدثته فيّ قناة "التليفزيون العربي" كمتفرج لم يعش بدايات التليفزيون في الستينات (حيث أنني ولدت بعد افتتاح التليفزيون بأقل من ثمانية عشر عاماً فقط).. نفس حالة الشغف بالأمس المثير بالفعل للشغف والاهتمام ، كما لو كنت من الذين تابعوا تجربة المصريين الأولى مع التليفزيون قبل خمسين عاماً ، يشاهد وجوه المرحلة التليفزيونية القديمة لأول مرة .. "سلوى حجازي" .. "أماني ناشد" .. "ليلى رستم".. وعدد ضخم من الشخصيات التي قل أن تجتمع في مكان واحد .. وشرائط وثائقية لشخصيات عظيمة ، وما سرب من تحت عقب الباب - أكيد - كان أعظم ، وربما مع الوقت يمرون ذات مرة على السبعينات ، والثمانينات التي عشتها وعاصرتها ، وهنا تبدأ مرحلة النوستالجيا لذكريات الطفولة بالنسبة لي ، "كشكول" "فهمي عبد الحميد" و منوعات "فتحي عبد الستار" ومسلسلات الثمانينات التي لن تستوعبها عدة مدونات ..والإعلانات التي حفظناها أكثر من المقررات الدراسية ، و...و...و...

أصل براق .. حلم جميل .. تفيق منه عندما تدير الريموت على القنوات التليفزيونية الرسمية الحالية .. تفيق منه على شيء آخر .. على جهاز ولد عملاقاً ولا تعرف ماذا حدث له.. عشوائية .. "بركة" .. اجتياح صحفي .. غياب فاضح لأي مذيع أو مذيعة من المستوى فوق المتوسط بعد أن كان لدينا كل نجوم الإعلام في العالم العربي ، على غياب فاضح للجمال في الصورة والصوت والاختيارات الموسيقية والديكور .. على تجارب خاضها التليفزيون في التسعينيات لم يكن لها أي داع ، مثل القنوات الإقليمية التي تمثل على أهل الأقاليم ولا تمثلهم .. على سبوبة المنتج المنفذ التي "جابت الدراما الأرض".. على أشياء من عينة "الفائز غبي" و "الهرم" و"سواريه" و"اخرس خالص حنغني" وقائمة برامج الكيتش المرتبطة بمهندس الديكور الظاهرة إياه "محمود بركة"..

يقال أن القناة التذكارية ستبث لمدة ثلاثة أسابيع ، ثم تتوقف على بداية شهر رمضان بعد تسعة عشر يوماً .. وعليه فإني أتوقع أن يكتفي المشاهدون بهذا القدر محتفظين بصورة التليفزيون المصري في سالف العصر والأوان ، بجماله وذكرياته ، قبل أن يقرروا على أي مؤشر قناة غير مصرية سيتجهون في رمضان القادم!
* الصورة من عشرينات..

Tuesday, July 06, 2010

حماتي ملاك


قد يكون "فطين عبد الوهاب" أفضل مخرج سينمائي مصري تخصص في إخراج الكوميديا.. لكنه بالقطع لم يكن الوحيد .. ظهرت إلى جانب "فطين" أسماء أخرى قدمت أفلاماً كوميدية ذات نكهة خاصة وخفة ظل عالية .. من بين هؤلاء المخرج "عيسى كرامة"..

لم أتحصل للأسف على معلومات كثيرة عن هذا المخرج ، لا عن جنسيته (من إحدى دول الشام حسب علمي) ، ولا عن إن كان حياً أم لا ، وربما يكون ما كتب عنه قليل للغاية ليس فقط على النت ، لكن يبقى اسمه مرتبطاً بأفلام كوميدية من العيار الثقيل من بينها "آخر شقاوة" ، وهذا الفيلم..ويبقى أحد أخف المخرجين ظلاً على الشاشة الكبيرة على الإطلاق في مائة عام أو يزيد من السينما في مصر.. خفة ظل تلمحها في روح أفلامه التي تذكرك بمسرح "الريحاني" ، وفي طريقة تنفيذها..

جاء الفيلم الذي أنتج عام 1959 كالكثير من كوميديات عصره ، لا يخلُ من آثار مسرحية ، في وقت كان فيه كتاب كثر يكتبون للسينما والمسرح في نفس الوقت من أمثال "الإبياري" و"السيد بدير" و"عبد المنعم مدبولي" ، وكان من العادي أن تحول الأفلام إلى مسرحيات وبالعكس -"أنا وهو وهي" ، "مطار الحب" ، ...الخ- وأخذ ذلك الفيلم من المسرح الكوميدي التجاري أفضل مميزاته ، كوميديا الموقف المصبوغة بالبصمات الشخصية لممثليه ، وفي الفيلم اثنان من أشهرهما "إسماعيل ياسين" و "ماري منيب"..وكلاهما في أفضل حالاته ، ضمن خطة فيلم محكمة وضعها مؤلف ومخرج الفيلم "عيسى كرامة"..

فكرة الفيلم بسيطة ، نفس اسطوانة "الحموات" التي كانت سائدة لفترة من الفترات في السينما والمسرح ، في وجود "ماري منيب" -بطلة فيلم "حماتي قنبلة ذرية" الشهير- التي تقوم بدور حماة شرسة لـ"يوسف فخر الدين" ، الذي ينتقم منها بادعائه الموت ، مستغلاً إيمان حماته بالأشباح والعفاريت .. ولكي يتم سبك التمثيلية أكثر يتم الاستعانة بحانوتي ليقوم بتغسيل "المرحوم"..

معجب بشدة بالمكان الذي وضع فيه "عيسى كرامة" "إسماعيل ياسين".. ولم يأنف هذا الأخير من أن يوضع بعيداً عن المكان المتوقع له وهو الرائج تجارياً ونجم الشباك ، في ظل ما نعرفه عن أن نجم الشباك لا يرضى بديلاً عن دور "الجان" أو البطل التقليدي.. بالعكس.. شخصية الحانوتي كانت ذلك "الجسم الغريب" الذي يقلب كل شيء رأساً على عقب ، والذي يحول المزحة إلى جد..

يأتي الحانوتي الذي تستدعيه خادمة الأسرة - "خيرية أحمد" ممثلة "ساعة لقلبك"- ومعه مساعده الأكول الذي عينه معه مرغماً- لعبه "حسن أتلة" صاحب لازمة شهيرة جداً في فيلم "إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين"- من أجل تغسيل الميت وتكفينه كالمعتاد ، ويحاول "يوسف فخر الدين" اصطياده ، بحيل معتادة يتقنها "عيسى كرامة" وسبق له تجربتها مرتين في فيلمين مختلفين -"حلال عليك" (1952) ، "حرام عليك" (1954)المستوحيين من أفلام لـ" وليم أبوت" و"لو كوستيللو"-وهي حيل مقبولة وفعالة في الإضحاك في المسرح التجاري المصري وقتئذ ولا تزال تستعمل على نطاق محدود جداً..ولأن اللعبة تفترض أن الزوج "ميت" وبأنه لا وجود له إلا في صورة شبح ، فقرر تصفية حساباته مع حماته بنفس الطريقة التي لعبها مع الحانوتي ، صحيح أن التصرفات التي قام بها-كمنطق- صبيانية بعض الشيء ، لكن يمكن قبول بعض الأشياء في فيلم كوميدي ولا تُقْبَل في فيلم جريمة مثلاً.. خاصةً إن تم تنفيذها بشكل يحقق الهدف منها ، وهو الإضحاك..

في معظم ما كتب "عيسى كرامة" - وهو من مخرجي الكوميديا الذين يشاركون في ، ويقومون بالكتابة إلى جانب الإخراج- لا ترى مجرد اسكتشات ضاحكة ، بل مواقف متقنة الصنع يتم ربطها في إطار درامي قوي ، أقله بالنسبة لفيلم كوميدي ، يستغل هنا فكرة الخطأ غير المقصود الذي يخرج الأمور عن الإطار الموضوع له- وهو هنا سلسلة الأخطاء غريبة الشكل التي ارتكبها الحانوتي -والراجعة إلى كونه فاشلاً في "الكار"- وانتهت به إلى وضع "الجثة" في دولاب بغرفتها ، ثم اختفائها بالدولاب ، وعليه ، فلا حل لهم ، ولمتابعي الفيلم بالتالي ، إلا تتبع الدولاب الذي اختفت فيه الجثة..

قبيل نهاية الفيلم تتضح الأمور لكل الشخصيات ، إلا الحانوتي وشريكه ، حيث تمكن الميت المزيف من الهروب من الدولاب ، واصطلح مع حماته وزوجته وانتهى كل شيء، في الوقت الذي ينتهي فيه الفيلم على مطاردة يقوم بها الحانوتي المسكين للدولاب في أقاصي الصعيد!

فيلم بسيط في مجمله ، مضحك للغاية ، سواء في مواقفه أو في إفيهاته ، والممتع أكثر أنه تم توزيع الضحك على الجميع ، بدءاً من الاسمين الكبيرين في الفيلم "إسماعيل ياسين" و "ماري منيب" ومروراً حتى بـ"يوسف فخر الدين" .. ناهيك عن قنابل الضحك من الشخصيات الثانوية ومنهم أعضاء كبار في فرقة ساعة لقلبك منهم "دكتور شديد" .. بل إن الفيلم شهد الظهور الأول للكاتب الساخر الراحل الرائع "يوسف عوف" في هذا الاستعراض ، الذي نقلته من اليوتيوب..أتمنى ألا تقلل السطور الساذجة السابقة من استمتاعكم بفيلم أراه مضحكاً بحق وحقيق ، ويستحق الفرجة في ظل ما نعيشه من كآبة واكتئاب..
* تحديث 7/7: تصحيح لمعلومة تخص الكاتب الكبير "يوسف عوف" .. شكر خاص جداً للزميل العزيز أميروز..

Monday, July 05, 2010

قرع -هههه-الجرس!


في رمضان الماضي أقام الإعلام المصري غير الرسمي الدنيا ولم يقعدها على استقدام "طارق نور" لـ "طوني خليفة" -والذي وصفه "مفيد فوزي" بأنه يتبع "أسلوباً إرهابياً" مع ضيوفه - وكذلك على استقدام "رولا جبريل" على نفس القناة لتقدم "باب الشمس".. وبالمناسبة لا أعرف عن نفسي ما إذا كان "أفندينا" سيكرر نفس التجربة في رمضان هذا العام ، بما أن قناته لا تفتح إلا في الشهر الفضيل ، ولم نشاهد إلى الآن أي برومو عن القناة رغم تبقي سبعة وثلاثين يوماً فقط على رمضان..

ولم تكن قناة "أفندينا" هي الوحيدة التي تورطت في صفقات "مثيرة للجدل" من هذا القبيل ، حتى التليفزيون الرسمي "المؤرتن"- نسبة إلى "إيه آر طين"- تفتق ذهنه عن استقدام السيدة "إيناس الدغيدي" لتقديم برنامج على "نايل سينما".. على الأقل كان لـ"خليفة" و "رولا" سوابق جيدة في العمل الإعلامي ، أما المسكينة فعادت لتكرار الفشل الذريع في التجربة السابقة مع "روتانا" مع التليفزيون الحكومي الرسمي..

هذا الأخير استحضر النكتة الشهيرة التي أمسك فيها مجنون بعلبة كبريت ، يخرج في كل مرة عوداً يشعله فلا يشتعل ، إلا أن وصل للأخير الذي اشتعل فقال "هييييه" ثم وضعه داخل العلبة.. وقرر - آل إيه - استقدام السيدة "نضال الأحمدية" لتقديم برنامج على التليفزيون المصري بحسب "مصراوي" ونقلاً بدورها عن "الدستور"..

أول ما ستلاحظه بالتأكيد أن التليفزيون المصري في عهد السيد "أسامة الشيخ" "إيده فرطة" ، ولديه مزرعة أرانب خضراء لا يعرف أين سيصرفها ، خاصةً وقد انهالت عليه كـ"المطرة" في "يا مطرة رخي رخي..الخ" بعد نكتة مباريات كأس العالم التي اعتقد أنها ستستمطر أموال الإعلانات من السماء في صيف يولية الحار استمطاراً ، وبعد ثقته الزائدة في تغطية عوائد المسلسلات بالإعلانات إن لم تستغل قنوات "إيه آر طين" "الشقيقة" فرق رؤية الهلال والتوقيت لإذاعة المسلسلات في مواعيد أفضل لضرب التليفزيون المصري في مقتل ، كما حدث قبل سنوات .. ولهذا فقد قرر رئيس الاتحاد القيام بمغامرة يعتقد أنها ستضيف إلى عشة الأرانب أرنباً أخضراً سميناً..

وإن كان سيادته سيحتاج لاصطحاب أرنوب "أوزي" "ترانزستور" من أجل استقدام السيدة "نضال الأحمدية".. إذا كان استقدام أسماء "معروفة" لتقديم برنامج في أي قناة مكلف "الشيء الفلاني" ، فما بالكم بصاحبة قناة "الجرس" فضلاً عن مجلة بنفس اسم القناة ، والتي ستطلب بالتأكيد مبلغاً وقدره ..حتى وإن كان مشاهدو القناة قليلون ، وإن كان قراء الجريدة أقل ، وإن كانت "راحت عليها".. فغرام التليفزيون المصري في عهد "الشيخ" بالزبائن المستديمين لقهوة المعاشات من الإعلاميين والشخصيات العامة والصحفيين لغز يستعصي على أي حل..

يلعب التليفزيون المصري الرسمي نفس اللعبة التي اعتاد هو وصحفيوه انتقادها ، لعبة الإعلام الإثاري الرخيص التهييجي التي لطالما انتقد ممارسة قنوات "الجاز" لها ، فشتائم و"تلويش" السيدة "نضال الأحمدية" ستصنع عناوين الصحف في اليوم التالي ، كما كان يصنعها "عدو الشعب" "طوني خليفة" في "لمن يجرؤ فقط" ، وكما كانت "السيدة"* "وفاء الكيلاني" تفعل في برنامجها الكئيب "بدون رقابة" ، وبالتالي فإن المعلنين لن يتوانوا ثانية عن رعاية البرنامج الذي لن يغمض جفن للمشاهد قبل أن يتابعه قبل السحور..هكذا يحسبها "أسامة الشيخ"..

أتوقع على ذلك و"من الكنترول" أن يهلل الصحفيون المقربون ، العشمانون ، المتطلعون ، للصفقة الجديدة والتي سيدافع عنها رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون بضراوة ، فبرغم خبرته الطويلة بالعمل في الفضائيات التجارية الطابع في دول الخليج العربي عاد ليتقمص دور "سي السيد" في التليفزيون المحلي ، حيث يأمر فيُطَاع ولا يُناقَش ولا يسئَل ، وحيث يفرض على مشاهديه ممن لا وصلة لديهم ولا دش على أكل الـ"menu" وتحمل قرع الجرس..
* في أحيان كثيرة أحاول ضبط النفس فيما يتعلق بـ"وفاء الكيلاني".. الصورة من موقع "صوت الوطن" الفلسطيني..

Thursday, July 01, 2010

في الشهد والدموع-جزء ثان


تحت نفس الشمس.. فوق نفس التراب..كلنا بنجري ورا نفس السراب..كلنا من أم واحدة ..أب واحد ..دم واحد .. بس حاسسين اغتراب-تتر المسلسل..

"أسامة أنور عكاشة" هو أفضل من يكتب "جزء أول".. لكنه لا يوفق أحياناً في "الثاني"..تجلى ذلك في "الشهد والدموع" و"ليالي الحلمية"..والفرق بين الاثنين هو أنه كان من الممكن أن ينهي كل شيء في "ليالي الحلمية" بفينال رائع ، على العكس من الحال في "الشهد والدموع" الذي كان من الحتمي - لضرورات تتعلق بعلاقتنا بالدراما- أن تكون له تكملة ، أقله لإشباع فضولك عما سيفعله هؤلاء الأشخاص في الجزء الثاني.. وربما كان سر نجاح الجزء الأول هو أن "أسامة" "بياخد راحته" في كتابته بلا ضغوط ، بالسرعة التي تريحه ، بالإيقاع الذي يريحه.. أما في الثاني فالكاتب مقيد بمواعيد ، وموزعين ، وممثلين ، وفنيين ، وحسابات أخرى..

كلا الجزئين الأولين للمسلسلين كان مقدمة قوية ، حجر أساس لما تلاهما .. وإن كانت حالة "الشهد والدموع" كانت أكثر تميزاً وتأثيراً على "أسامة" نفسه ، واستفاد بها بكل تأكيد في "ليالي الحلمية" بعدها بخمس سنوات..

في "الشهد والدموع" قرر "أسامة أنور عكاشة" ومعه "إسماعيل عبد الحافظ" عمل "دراما شعبية" لا تجري أحداثها فقط في بيئة شعبية ، ولكن تحمل في طياتها تيمات قريبة مستوحاة في معظمها من التراث الشعبي ، أو على الأقل تشعر بأنك قد رأيتها من قبل فيه..كما سيتقدم..

باختصار.. تدور أحداث المسلسل حول "رضوان" (=لعبه بشكل مميز "حمدي غيث")صاحب سلسلة محلات حلويات ضخمة له ثلاثة أبناء.. "حافظ" (=لعبه "يوسف شعبان") و "شوقي" (=لعبه "محمود الجندي") و "إحسان" (=لعبتها "رجاء حسين").. ولأن زوجة "رضوان" توفيت فتزوج من أخرى (لعبتها "جليلة محمود") وأنجب منها ولداً (="عبد العزيز مخيون" في الجزء الثاني)..و"رضوان" الأب لا يخل من أمراض الثروة والسلطة التي جعلته يصنع مجداً على عظام شريكه السابق ليكون تجارته الضخمة ، وليرتب علاقته بأبنائه بالشكل الذي يحفظ ثروته له، ليُعاقَب قدرياً بأن يرى أبناءه الثلاثة في حالة صدام عنيف .. "حافظ" التاجر الطامح إلى الاستيلاء على الثروة ، و"شوقي" الأقرب إلى الفنان بفوضويته وطيبته الزائدة التي تصل إلى حدود السذاجة ، و"إحسان" التي تأخر بها العمر إلى ما بعد السن "التقليدي" للزواج ..

من حسن حظ المشاهد أن جاء المسلسل في فترة الثمانينات ، حيث المسلسلات لا تزيد كثيراً عن الخمس عشرة حلقة إلا فيما ندر ، وهو ما أحسن "أسامة" استغلاله ، فبدأ بالدخول في الموضوع مباشرة وبسرعة ، وأشعل الصراع في ثلاث محطات.. الأولى إنجاب الأخ الثالث بما يربك حسابات التركة بالنسبة لـ"حافظ" ، وفي الثانية يجن جنون الأخير عندما يعلم بأن الأب سيعطي حصة من الثروة لـ"إحسان" تعويضاً لها عن تأخر زواجها ، وفي الثالثة تزداد الأمور اشتعالاً بإعلان "شوقي" التحدي بالزواج من "زينب" (="عفاف شعيب") ابنة "جعفر" (=لعبه أولاً"أحمد الجزيري" في الجزء الأول وحل بعده لرحيله "عبد المنعم إبراهيم" في الجزء الثاني) رئيس عمال "رضوان" لعدم التكافؤ ، خاصةً وأن "حافظ" متزوج من "دولت"(="نوال أبو الفتوح") ذات الأصول التركية وبالتالي فإن وجود "زينب" وسط الأسرة لا يتناسب مع ما وصل إليه "رضوان" الأب من ثروة..يتوفى الأب ، وتمر الأحداث إلى أن يصبح الصراع مباشراً بين "حافظ" و "شوقي" على المحلات ، ويدبر الأول له عدداً من المؤامرات يجبر فيها الثاني على بيع حصته في المحلات..

"حافظ" تاجر كما يصفه "رضوان" نفسه في جملة حوارية ..يحسب كل شيء بالورقة والقلم ، لكن ماديته جعلته -عكس تجار كثر- على استعداد لفعل أي شيء ، أي شيء ، من أجل الاحتفاظ بثروته ، صحيح أنه كأبيه يتنازع بداخله الخير والشر ، لكن وجود صديقه "مختار" (="صبري عبد المنعم") وزوجته "دولت" كانا كافيين تماماً لجعله يمضي في خطة غدره بأخيه.. صحيح أنه لم يعلم بأن "مختار" دبر لـ"شوقي" خطة ينقض فيها بلطجية عليه ليسرقوا منه ثمن حصته في المحلات ، ليموت لاحقاً بحسرته ، لكنه كان يريد ذلك في قرارة نفسه ، كل ما حدث أنه وجد أحد الشياطين الذي حقق له حلمه..على جثة أخيه ، وحقوق أولاد أخيه..وبفضل "مختار" و "دولت" تحولت علاقته بأخيه من طمع في ثروته حياً إلى رغبة مقيتة في الإذلال ميتاً..وفي مواجهة ذلك تقف "زينب" بأولادها بأبيها المريض في مواجهة "حافظ" بحثاً عن استعادة الحق وعن الانتقام .. صراع استمر الجزء الثاني بكامله..

لو مضيت في تحليل المسلسل على طريقة "إبراهيم عيسى" في برنامج "فرجة" - والتي سميت هذه المدونة على اسمه- سأخلص إلى أشياء عجيبة ورموز أعجب ، كفكرة أن "دولت" تمثل المستعمر الأجنبي* الذي لا يكتفي بسلب ثروات مصر "زينب" بل تعمل على إذلال أبنائها بكل الطرق وعدم تحقيقهم لأي تقدم يذكر .. لكني عن نفسي أرى أن مسلسلاً شعبياً كـ"الشهد والدموع" لم يخل من تيمات شعبية ، منها فكرة الأخ الغادر بأخيه ، العم السالب لحقوق أبنائه ، أو الزوجة والأم ، أو الابن الثائر المنتقم.. شيء يشبه من بعيد قصة "سعد اليتيم" ..والتي من الممكن القول بأن المسلسل كان معالجة عصرية لها (وإن كان "أسامة" قد قدمها بشكل أفضل في رائعته "عصفور النار").. وهو ما تأكد أكثر في الجزء الثاني ، بكل ما في شخصية الابن (="خالد زكي") من صراع بين الحب والانتقام..

الجزء الأول دار في مدى زمني قصير لا يتعدى بضع سنوات في أواخر الأربعينيات وانتهى بالثورة ، ولم نشعر فيه بالمط والتطويل الذي وجدناه إلى حد ما في الثاني ، ساعد على ذلك لجوء "أسامة" و"إسماعيل عبد الحافظ" إلى اختصار بعض الأحداث بحكيها على لسان أبطالها ، كما كان متبعاً في بدايات المسرح ، ولو كان المسلسل قد صنع العام الماضي لوجدنا كل حدث وقد خصصت له ثلاث حلقات كاملة ، مما أضفى سرعة وصعوبة على الصراع ، لب الدراما بامتياز..أما الثاني الذي دار في عشرين عاماً تقريباً فلم يخل من بعض المط، وبعض التطويل ، وبعض التشعب ، قد يبرر بصنع عالم خاص وأوسع للشخصيات الجديدة ، وتوضيب العلاقات فيما بينها ، والحدث التاريخي المصاحب سواء نكسة 1967 أو حرب أكتوبر..

أي نوع من الدراما يتضمن صراعاً بين الخير والشر ، وهناك ملحوظة في دراما "أسامة أنور عكاشة" أنه حتى مع اختلاط الخير بالشر في شخصيات دراماه ، كما في "الشهد والدموع" كمثال ، يبقى الصراع لديه بين شر ناصع السواد وخير ناصع البياض ، باستثناء "الشهد والدموع" و "ليالي الحلمية".. بل وصل الأمر في "أبو العلا البشري" لأن يكون صراعاً بين الأبيض "بالجامد قوي" وبين كل الألوان الأخرى.. على طريقة "دون كيشوت" كما ورد في جملة حوارية شهيرة على لسان "صفوت" (="محمد وفيق") لـ"أبو العلا البشري" (="محمود مرسي").. شدة البياض وشدة السواد قد يراها البعض- وأنا منهم- نقطة ضعف في دراما "أسامة أنور عكاشة"..

تاريخياً.. صادفت المسلسل مشاكل إنتاجية ، حيث أنتجت الجزء الأول "ستوديوهات عجمان الخاصة" بالإمارات ، ولما تعثرت الأمور لجأ "أسامة" و"إسماعيل" إلى التليفزيون المصري لإنتاجه ، لتبدأ علاقة شراكة طويلة بين "أسامة أنور عكاشة" والتليفزيون المصري استمرت حتى قبيل وفاة "أسامة" بسنوات..صحيح أن هناك فرق في الصورة يلاحظه المشاهد العادي مع الفرق الزمني الطويل بين سنة عرض المسلسل بجزئيه والوقت الحالي ، وكان حال الصورة في الجزء الأول بطبيعة الحال كان أفضل.. إلا أن نجاح الجزء الثاني جعله أكثر تصميماً على العمل مع التليفزيون الرسمي لسنوات طويلة حتى على حساب منتجين من خارج البلاد، المفارقة الغريبة جداً أن ما حدث في "الشهد والدموع" تكرر في مسلسله الأخير "المصراوية" حيث أنتج الجزء الأول "تليفزيون دبي" بينما أنتجت مدينة الإنتاج الإعلامي مع "محمود شميس" الجزء الثاني .. وشتان جداً بين المسلسلين.. صحيح أن كلاهما لمؤلف واحد ، ومخرج واحد ، لكننا مع الثاني "حاسسين باغتراب"!
* في "زيزينيا" انقلب على نفسه تماماً بحيث اعتبر تجاور الأجانب مع المصريين أمراً شديد الإيجابية ورمزاً لتفتح "الشخصية المصرية" على "الآخر"..الصورة من الويكيبيديا..