Sunday, May 15, 2011

قناة التحرير.. وعصير الثورة


في المنطقة التي بها منزل أقاربنا العامر في المدينة الساحلية الكبرى يوجد لدى آهليها طبع ظريف جداً ، حيث يفاجأ من يزور المنطقة بشكل متقطع بالعديد من المحلات تغير أنشطتها من نشاط إلى نشاط لا علاقة له بسابقه.. أحد تلك المحال فتحت عينيّ على الدنيا وجدته محلاً للفراشة ، تحول بقدرة قادر إلى مقلة لب ، إلى مكتب للسمسرة العقارية ، أما المحل الآخر المواجه للعمارة فكان عصارة فواكه وقيل أنه كان محلاً للأسماك ، ولا أذكر نشاطه الحالي على وجه الدقة!

لذا قد يستغرب أناس كثيرون ما قد يراه على شاشة قناة "التحرير": كيف أن جريدة كاملة قد تحولت وبقدرة قادر إلى قناة تليفزيونية.. لكن "ما غريب إلا الشيطان" كما نقول..

ما حدث هو تطور طبيعي لظاهرة "البرشطة" التي يقوم بها عدد من الصحفيين التابعين لمكان واحد على مكان آخر ، قد يكون قناة فضائية أو أرضية على سبيل المثال ، وهو ما حدث بالفعل في تسعينيات القرن الماضي ، حين حطت فرقة مظليي جماعة "روزا اليوسف" المحظوظة على قنوات "الإيه آر طين" ، ووزعوا أنفسهم فرقاً على طريقة فرق "الميني فو" في مسلسل الكارتون الياباني الشهير "مازنجر" –أو "غرندايزر" مش فاكر قوي- ومنهم أسماء معروفة من عينة "وائل الإبراشي" ، "محمد هاني" ، و"إبراهيم عيسى" على ما أذكر ، وعمل تحت أيدي هؤلاء في مرحلة لاحقة أسماء منها "دعاء سلطان" التي سنأتي على ذكرها لاحقاً.. والمسألة ليست مجاملات أو مساعدة للزملاء في الحصول على وظيفة في فضائية "متريشة" ينفق عليها صاحبها بسخاء يتعدى حدود الكرم المقبول كما يعتقد بعض حسني النية ، بل تتعلق بنفوذ صحفيين ومؤسسة صحفية ومصالح تنتفخ و"تكلبظ" بقوة الاستمرار ولا مانع من أن تنتقل معهم من مكان لآخر ، كما حدث وانتقل "الإبراشي" و "هاني" مع "هالة سرحان" إلى "دريم" ، ثم صار "هاني" رئيس فريق المعدين الملاكي لـ"هالة سرحان" حتى النهاية التراجيدية لتجربتها في "روتانا" ، ليركز نشاطه على "البيت بيتك" الذي عاش أزهى عصوره في ظل عزبة "محمود بركة" (والذي نسته الجهات الرقابية تحت الترابيزة) ، وفرض (="هاني") على فريق الإعداد في ذلك الوقت زوجته "سهير جودة" وزميلهما في "روزا" قبل انتقاله لـ"المسائي" "حازم منير"..وظل الثالوث وآخرين مستمرين في "البيت" حتى تحوله إلى "مصر النهاردة" ثم انتقال البرنامج إلى رحمة الله..

ثم أخذت تلك الممارسة بعداً جديداً بعد أن اكتشف الروزجيون أنهم ليسوا اللاعب الوحيد في الملعب ، حيث تعلم صحفيو "المصري اليوم" أصول الصنعة ، وبدأوا في تطبيق نفس النظرية في فضائيات أخرى ، بنفس الحركة الجماعية والشللية ، كما يحدث في "الحياة" وقبلها في "دريم"..وشهدت "أون تي في" حضوراً لصحفيي "الدستور" قبل أن تظهر قصة "الدستور الأصلي" و "الدستور التايواني" ، وكلاهما ينطبق عليه المثل المصري الشهير "ما ألعن من سيدي"..

إذن كان من الطبيعي أن تتحول "الدستور الأصلي" إلى قناة كاملة ، يوزع صحفيو الجريدة وكتاب أعمدتها أنفسهم على برامجها ، وخدمهم – في رأيي المتواضع- الظرف التاريخي الذي استثمرته تلك المجموعة بشكل لا يخلُ من فجاجة..

نظرية "عصير الثورة" –مع الاعتذار للفاصل الكوميدي الذي قدمه "قطامش" الفائز بمسابقة برنامج Arabs Got Talent – فرضت نفسها على "التحرير" القناة ، بدءاً من الاسم الذي انطلق من "ميدان التحرير" الذي يعد رمزاً للثورة (ولا يبرر أن تختزل الثورة فيه لأن الثورة لم تكن في "ميدان التحرير" ولا في العاصمة فقط)، مروراً بالفواصل الغنائية الطويلة جداً لأغاني الثورة ، فواصل تنافس بها قناة "الجزيرة مباشر مصر" و "أون تي في" اللتين تتنافسان معها على لقب "قناة الثورة" تنافس ندابتين على اللطم في مأتم سيدة لا تعرفانها، ولا مانع من التكرار فالتكرار يعلم الشطار ، لتوصيل رسالة ليس مفادها فقط أن "التحرير قناة الثورة" -بتوصيل الحالة الثورية للناس بشكل يراه بعض المشاهدين وأنا منهم مبالغاً فيه إلى درجة الافتعال ضمن مزايدات الإعلام الخاص وإعلام المال السياسي - ولكن أن "قناة التحرير هي الثورة" ، وعليه فمن يختلف أو ينتقد فهو ينتقد الثورة لا القناة..ويدخل في حكمه من يختلف مع "إبراهيم عيسى" و"بلال فضل" و"دعاء سلطان" وآخرين..ولا تخل الميول الاستثمارية من برنامج يقدمه "شباب ائتلاف الثورة" باسم "العيال كبرت".. مع احترامي لهم وللثورة هل يحتاج هؤلاء إلى برنامج ليقدمونه على شاشة قناة؟ -مجاملة واسعة شوية..واسعة كتير إن أردتم الدقة..

والمشكلة أنك ستجد صعوبة كبيرة في أن تبقى على وئام لفترة طويلة مثلاً مع "إبراهيم عيسى" .. الذي عاد لكادره الأثير الذي افتقده لحساب "إياها" في "أون تي في" ، وللترابيزة ، ولـ"intro" الطويل الذي يقدمه في برنامجه الذي يذاع في نفس توقيت برنامج "القاهرة اليوم" ، ويثرثر فيه طويلاً فشر "المسلماني" ، ويحاول فيه مثل "المسلماني" –أيضاً- تقمص دور الخطيب والواعظ والصحفي الذي يبخ مقاله في وجوه مشاهديه الغلابة ، الذين قد لا تروق لشريحة كبيرة منهم حكم "أبو خليل" ، ولا يوجد لآخرين "طقطان" على الجلوس لفترة طويلة أمام التليفزيون لمتابعة شخص واحد-مهما كان- يتكلم في أي موضوع لفترة تزيد على ربع الساعة ، ومهما حاول المخرج ترضيتهم بنقل الكاميرا هنا وهناك لاستعراض الديكور أو لكسر حاجز الملل السمعي-البصري، بينما ينتظر فريق ثالث أي إيضاح من الرجل عن الفقرة القادمة ليحدد موقفه من متابعة البرنامج من عدمه ، وهو موقف يشاركه فيه عدد من ضحايا "إياها" في "أون تي في" في الجزء الأول من البرنامج..

لكن تبقى إدارة قناة "التحرير" رحيمة بالمشاهدين ، ولا تريد أن تقتلهم مللاً .. فقررت المناوبة بين "إبراهيم عيسى" و "بلال فضل" و"محمود سعد".. ولا يختلف الثلاثة كثيراً عن بعضهم البعض.. فالكل سبق له الثرثرة أمام الكاميرا كل في برنامجه "عصير الكتب" و "البيت بيتك" على الترتيب.. وهو ما يصنفه بعض معارضي القناة تحت بند "الثلاثة يشتغلوننا"!

ويلفت نظرك تلك "النشوة العارمة" التي يشعر بها "إبراهيم عيسى" المذيع بعيد عودته إلى كرسي المذيع من جديد ، وقد يلتمس لها فيها عذر ، فالرجل الذي كان يقدم عدة برامج في وقت واحد وهو رئيس تحرير لجريدة يومية حاضرة في السوق ولها جمهورها وشخصيتها التحريرية المميزة وإن اختلفت بشدة مع توجهاتها جُرِّد منها الواحد تلو الآخر ليجد جريدته وقد اختفت فجأة في صفقة غامضة ليستبدل هو وطاقم تحريره بالكامل بطاقم تحرير آخر لأسباب يقول هو أنها ذات صلة بمواقفه من النظام السابق ، ليعود بعد الثورة ليس بمفرده بل بالفريق الذي أطيح به من "الدستور"..وبشعار براق "الشعب يريد تحرير العقول" ، وفي نفس الوقت بنفس آليات إعلام المال السياسي الذي لا يختلف كثيراً عن الإعلام الموجه "البِلِط" الذي كان سائداً في فترة "صفوت الشريف" الله لا يرجعها..المنطلق من مبدأ "نحن الثورة.. نحن الحقيقة"..وكأنك تشاهد إعلاماً حكومياً جديداً مع تغير النظام، إلى درجة تدفع-بل دفعت- بعض منتقدي القناة لوصفها بأنها قناة "التبرير" أو قناة "التغرير"..

السيدة "دعاء سلطان" انتقلت –برضه بقدرة قادر- من مقعد المعد وكاتب المعد إلى مقعد المذيعة ، أمر طبيعي فتوزيع العمل في "الدستور" يقتضي أن يترقى كاتب العمود الفني أو مسئول الصفحة الفنية إلى منصب المذيع ، ليعيد إحباط تجربة "حنان شومان" في "نايل لايف" ، والمسلي واللذيذ لدرجة الـ"نيهاهاهاهاها" أن تقرر "دعاء" عمل برنامج عن "برامج التوك شو" لتنتقد أشخاصاً سبق وأن عملت (="هي") معهم ، من عينة "البريمادونا" ، الذي لم تجف آثار "طرطشة" حبر مقال السيدة "سلطان" عنها على موقع "الدستور الأصلي" ، وسبق أن نشرناه هنا ، وأشخاص آخرين لـ"الثورة" مواقف ضد بعضهم ، لا تنسوا أن تلك قناة الثورة ، ولا تخلُ الحلقة ، كما حدث في الحلقة الأولى أو الثانية من البرنامج ، والتي استضافت فيها السيدة "سلطان" "الناقد الفني" "طارق الشناوي" ، وهو بالمناسبة ، وسبحان الله .. لا سحر ولا دجل ولا شعوذة ولا اللي بالي بالك ، كاتب مقال في "الدستور" الورقي والأصلي ، ليقدم فاصلاً من المجاملة لـ"الدستور" الأصلي الذي يعتبرها الجريدة الوحيدة التي لم تغير من لهجتها قبل ولا بعد الثورة.. على عكس من قنوات أخرى من عينة قنوات وصحف المال السياسي التي يرى-ولا أرى على أساس أن نظري شيش بيش- أنها كانت واقعة "تحت ضغوط" من النظام السابق لتنافقه في فترة الثورة ، ذلك "الفاصل" من المجاملة السمجة والفشر المركز جعلني "أفصل" من البرنامج إلى الأبد..وبالمناسبة أريد أن أعرف رد "دعاء سلطان" إن فكر أحدهم في قناة أخرى عمل برنامج عن "التوك شو" في جودة برنامج عن الإعلام شاهدته على القناة الفرنسية الخامسة TV5 ، ووضع فيه شلة "دعاء سلطان" في "أون" و"دريم" (بحكم أن علاقتها في استنتاجي الشخصي أفضل مع "دينا عبد الرحمن" منها مع "البريمادونا".. رواسب قديمة بقى) ، بل وبرنامج "التوك شو" الحيلة الذي تقدمه "التحرير" في دماغه ، والأخطاء والهفوات في تلك البرامج يمكن للكفيف أن يراها في "عز الضهر" وبوضوح تام..

ومع احترامي لزميلة التدوين "نوارة نجم" ، إلا أنني لا أهضم- وقد يكون العيب في كاتب السطور- فكرة تحويل مدونة إلى عمود إلى برنامج ، في الوقت الذي وقعت فيه في نفس الخطأ الفادح والقاتل الذي وقعت فيه "غادة عبد العال" التي حولت مدونتها إلى كتاب إلى مسلسل ..لغة التدوين غير لغة التليفزيون ، لغة التليفزيون لغة صوت وصورة ، سمعية بصرية كما يقول بعض النقاد ، وما أقبل قراءته ، وما يقبل البعض قراءته هنا على سبيل المثال ، قد يرفضه إن كتبته في مقال في جريدة ورقية بل إلكترونية (وقد توصل البعض لقول عبارات منها "الأخ دة بيعمل إيه هنا" على الأقل)، فهل سيقبله عندما أتحول إلى وسيط أكثر صعوبة مثل التليفزيون؟ بل إن تحويل مدونة إلى برنامج تليفزيوني يقدمه كاتب تلك المدونة مخاطرة أصعب لم تجتزها- بصراحة- "نوارة" بنجاح ، فالمشاهد في تلك الحالة لن يكون في مواجهة مع أفكار مدون قد لا يعرف اسمه الحقيقي ، بل سيواجه – خبط لزق- صاحب الأفكار وجهاً لوجه ، في لعبة تحكمها قواعد التليفزيون التي يهابها كل من يعرفها ، لعبة إن فهم قواعدها كسب وكسب كثيراً ، وإن لم يحسن اللعب فسيخسر الجلد والسَّقَط..فالمشاهد في هذه الحالة لن يصطدم فقط بالأفكار بل بشخص صاحبها ، وإن لم يهضم صاحبها فسيصب جام غضبه على الأفكار وصاحبها في آن واحد.. أمر لا أعتقد أن كثيرين يعملون في الإعلام يريدوه أو يتحملوه.. نحن بشر في النهاية ولسنا مغرمين وسعداء بـ"التهزيق"..

البرنامج الوحيد المخالف للرصة والتوجه السائد في "التحرير" هو برنامج "طارق حبيب" الذي يعد بمثابة تكريم لأحد أساتذة فن الحوار التليفزيوني ولرجل أعتبره هو و"جيزيل خوري" الوحيدين في تاريخ الإعلام العربي اللذين حولا الحوار المنفرد إلى متعة تليفزيونية وفكرية ، وقدم أشياءً في مجال التقرير التليفزيوني يعجز إعلام المال السياسي بملايينه عن تقديم ربع مستوى جودتها في الألفية الثالثة ، "طارق حبيب يتذكر" من الاسم هو برنامج يتحدث عن الماضي ، يداعب من يحنون إليه ، ومن يهربون إليه من الوش الأيديولوجي والشعارات والحنجرة والتهميش الذي يصيبهم بالاكتئاب..

فيم عدا ذلك أنت تشاهد جريدة ، هيئة تحرير وكتاب وأعمدة ، والغريب أن "الدستور" – الأصلي الأصلي الأصلي- جريدة تنتمي لصحافة "الرأي" أكثر منها إلى صحافة "الخبر" ، والمشاهد مهما بلغت درجة عاطفيته ، وتمايله مع كل مقال يلعب على أوتار خاصة لديه ، يحتاج لأن يعرف ، بل إن شرائح كبيرة من المشاهدين تصف برنامج "التوك شو" ، أو كما أسميه "Sit-Down Show" ، بأنه برنامج "إخباري" –"بتاع أخبار"، ومن الواضح أن طاقم "الدستور" – عفواً : "التحرير" – قد اتخذ قراره على أن يحول الجريدة بمقالاتها بكافة مشتملاتها إلى قناة.. ليحولوا قلقي –كمشاهد عادي جداً- من القناة إلى أمر واقع..

عذراً لشدة الإطالة.. والكرة في ملعبكم..
* الصورة من المدونة الزميلة "ستاد مصر"..

2 comments:

د/دودى said...

الاول اهنيك على المقال الممتع ده ...فعلا بقالى فتره طويله مقرتش مقال طويل من غير ما skip اجزاء

اختلف معاك فى صعوبه انتقال المدون للصحافه فبجد مقالتك دى احلى بكتييييير من كل مقالات اخبار اليوم و الاهرام و الجمهوريه طبعا باستثناء بعض الكتاب المحترمين اصلا قبل تغيير يفطه المقال من "معا الى الاستقرار " الى "الى الامام ..ثوره ثوره"

انا مش من متابعين قناه التحرير لكن عارفه الطريقه طبعا ...عموما فكره البرامج اللى بتقدم رأى بقت قديمه قوى فعلا ...غير ان عندك ست سبع برامج شغاله كلها بين التاسعه و الواحده بيتكلموا على وتر الرأى و ليس الخبر ..عندك خمسين تين مليون واحد فوق 16 سنه كلهم عندهم اراء قد تكون حتى اكثر قدبمه من اراء صاحبنا دول

طبعا ان ضد ان الدستور -الاصلى البرفيكس بقى او المضروب- يقرر انه يبقى قناه و مش فاهمه هى الجرايد بقت عيب و الكل بيجرى عالكيكه الاعلانات و اليغمه....

فكره ان دى قناه الثوره و اللى مش عاجباه يبقى مش عاجبه الثوره - وده فى حد ذاته مش عيب طبعا غير فى محاكم تفتيش اروبا - مقززه فى حد ذاتها

اسفه عالاطاله لكن بجد استمتعت بمقالك

آخر أيام الخريف said...

مقالك مميز و قوى كالعادة .. أحيى جرأتك فى الطرح و دماغك المرتبة .دمت بود