Tuesday, November 01, 2011

خاطر مستفز حبتين: تيمة المهدي المنتظر

الدراما في مصر صارت تشبه برنامج "الوورد".. هناك قوالب جاهزة يستخدمها كتاب سبوبة الدراما التليفزيونية في بلادنا لضرب أي مسلسل في الخلاط ، ودخل مع هؤلاء عدد لا بأس به من الكتاب الجادين الذين تصورنا فيهم أنهم أكبر من أن ينساقوا وراء هوجة "الكوبي والبيست" السائدة من تلك القوالب.. التي تحتاج منا أن نعرضها على العقل .. بما أن الدراما التليفزيونية ليست عملاً مسرحياً يعرض للسادة المثقفين في "الهناجر" أو في "ساقية الصاوي" أو يُشاهَد عادةً في "مهرجان المسرح التجريبي".. بل هي موجهة للمحتكين بالتليفزيون ، أي ما يزيد على التسعين بالمائة من الشعب المصري..

أحد أبرز هذه التيمات وأكثرها استفزازاً هي تيمة المنقذ المخلص الغريب ، هذا الرجل ، أو هذه المرأة الذي يدخل أو التي تدخل إلى عالم غير منضبط لتعيد إليه انضباطه وهدوءه واستقراره.. تيمة من أغبى ما يمكن ومن أبعدها عن المنطق..

القادم ، أياً كان نوعه ، جسم غريب ، دخيل على مجتمع مختلف ربما كان أكثر توازناً واتساقاً مع نفسه ، قبل أن يحط كالباراشوت عليه بقيم وثقافة أخرى ، القاعدة المألوفة والمنطقية أن أي غريب يحط على نظام يؤثر بالسلب على توازنه ، في أحيان كثيرة كان للتدخل البشري أثره السيء على نظم بيئية تسكنها حيوانات وتعيش فيها نباتات انقرضت جميعاً على يديه .. البشر الذين يفترض بهم أنهم مفضلون من الله عز وجل على سائر المخلوقات.. تخيل تأثير البشر على بشر.. خصوصاً إن كان الوافد الجديد لا يعلم ولا يفهم شيئاً عن البيئة المحيطة ، وعندما يفهم ويعلم فسيحقق عدداً هائلاً من المعجزات قل أن نراها في فيلم هندي..

ويفترض المنظرون لهذه التيمة الخرقاء أن الدراما ستظهر بالتأكيد من خلال تضارب ما يعتنقه هذا الشخص من مثل وقيم ، آمن بها هو ، أو تعلمها في الخارج وما يحدث الآن ، على أساس أنه أفضل -كشخص- من الآخرين ، أو أن النمط الثقافي الذي استقاه من زمن سابق ، بمتغيرات مختلفة ، أو من مكان آخر عاش فيه ، كان أفضل بكثير من الحال المزري الحالي ، وهذا كلام فارغ ..يخرج في كثير من الأحيان عن النقد اللاذع الموجع لمجتمع نعرف مدى سوء حالته الحالية إلى حالة من الدونية ، حالة يعجز معها أفراد المجتمع عن أن يجدوا حلولهم بأنفسهم ، وتقف فيها حياتهم في انتظار سي "تيجر" .. "اللي حيقرمش ويسيطر"..

هذا التضارب "قد" ينفع في الدراما الكوميدية ، حيث يفترض أن تكون هناك مساحة أكبر للخيال يفترضها من يشاهد المسلسل أو الفيلم الكوميدي من تلك التي نراها في الدراما الاجتماعية أو دراما الجريمة مثلاً.. لكن حتى في الدراما الكوميدية من الغباء أن تستخدم نفس التيمة بنفس الطريقة أكثر من مرة ، وإن فشل الكاتب في التنويع عليها يكون كمن استخدم نفس التيمة بنفس الطريقة أكثر من مرة ، بل يكون قد أهلكها وأنهى صلاحيتها وقتلها قتلاً لا اكتفى بمجرد استهلاكها.. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فقد استخدمت تلك التيمة في عدة أنواع وقوالب من المسلسلات والأفلام بشيء كبير من الإسراف ، والغباء أيضاً..

لم يعِ - بعد - من يؤمن بمبدأ "اللي تغلب به العب به" أن ما تغلب به اليوم قد تُهزَم به غداً ، وأن ما يصلح اليوم لن يصلح غداً ، ولم يقنعهم التململ الجماهيري منها بأنهم لا يسيرون في الطريق الصحيح ، وبأنهم صاروا يتصرفون بنفس منطق الغريب الساذج الوافد على مجتمع مشاهدي التليفزيون وهو يحاول إقناعهم بما لديه من تيمات محروقة ومضروبة بالنار وأشياء أخرى ، مع الفرق أن الغريب هنا لم يكلف نفسه عناء معرفة جمهوره ، والذي -رغم قرفه منها ("لسة جايبين لنا فلانة علشان تعمل دور الواعظ" ، "إيه عم المصلح الاجتماعي دة" ، "الفكرة دي اتحرقت بجاز")- استسلم لها ، متصوراً أن المنقذ المخلص المهدي المنتظر سيأتي له ، من بلاد العم سام ، أو الاتحاد الأوروبي ، أو حتى من قلب الشاشة ليغير له حياته للأفضل..

يا كتاب الدراما.. فوقوا بقى الله لا يسيئكم..
* الصورة من موقع مجلة "لها" ..

No comments: