Friday, November 11, 2011

أحرف الصنايعية

اليوم يمر مائة عام -وقيل مائة عام وواحد - على ميلاد "نيازي مصطفى" ، وهذا العام يمر ربع قرن على رحيله الغامض..

نفس الإحساس الذي أحسه كثيرون عند وفاة كاتب كبير كـ"عبد الحي أديب" عندما فوجئوا بعدد الأفلام الهائلة والهامة التي كتبها أو اشترك في كتابتها ، هو نفس الإحساس الذي يشعره كل من يتابع السيرة الذاتية لمن يمكن وصفه بـ"مخرج الأجيال" "نيازي مصطفى" ، أحد أحرف مخرجي السينما في أصول الصنعة ، وأقدرهم على تقديم سينما ممتعة كفرجة ، بدءاً من "سلامة في خير" ونهايةً بـ"القرداتي"..

يقول التاريخ أنه ولد في الحادي عشر من نوفمبر 1911 لأب سوداني وأم تركية في محافظة أسيوط ، درس السينما في ألمانيا عام 1929 ليعود متخرجاً من مدرسة السينما في "ميونيخ" منتصف الثلاثينيات، عمل مونتيراً في عدد من الأفلام منها "لاشين" (1938) ، رغم أنه أخرج فيلمه الروائي الطويل الأول "سلامة في خير" قبلها بعام أو أقل.. بدأ "نيازي" حياته السينمائية باختبار صعب ، بفيلم كوميدي يقوم ببطولته "نجيب الريحاني" نجم المسرح الكوميدي الأول في مصر في ذلك الوقت ، بالطبع أبدى "الريحاني" أول الأمر قلقه من العمل مع مخرج جديد لم يكمل عامه السادس والعشرين ، لكنه سرعان ما تحول قلقه إلى ثقة في إمكانيات مخرج خرج - بحسب الناقد "سمير فريد" -في إخراج الفيلم الكوميدي من الأسلوب المسرحي إلى أسلوب السينما..

قائمة أفلامه الضخمة إن دلت على شيء فهي تدل على محاولته عمل كل شيء ، طور مفهوم أفلام الحركة في السينما المصرية ونفذها بشكل حرفي لم تعهده الصناعة في مصر من قبله ، وجعل من ممثليها نجوماً كـ"فريد شوقي" و"رشدي أباظة" و"أحمد رمزي" ، أدخل الخدع السينمائية والحيل في أفلام أشهرها "سر طاقية الإخفاء" و"فتوة الناس الغلابة" ، قدم أنواعاً مختلفة من الأفلام الكوميدية ، ما بين أفلام الحركة الكوميدية وأفلام الكوميديا الاجتماعية ، ونجح في المجالين باقتدار ، لم تفلت السينما الغنائية من يديه ، وقدم أفلاماً غنائية واستعراضية هامة، يرى ممثليه بعين مختلفة ، وأماكن تصويره بعين مختلفة ، والسيناريوهات التي يخرجها أيضاً بعين مختلفة..هي العين التي ترى بين التفاصيل ، عين مونتير محترف وطموح بخيال جامح، ينظر إلى ما هو أبعد من تقديم فيلم متماسك ومترابط إلى فيلم لا يمله مشاهدوه.. كان يرى أن فيلماً لا يقبل عليه الجمهور هو فيلم لم يولد بعد ، كان يخرج له من القبعة أرنباً يختلف عن الأرنب الذي أخرجه في المرة السابقة .. لعبة أعجبت الجماهير ، لكنها لم تعجب بعض النقاد الذين سخروا منه طويلاً ، بل ووصل الأمر إلى وصفه بأنه "مخرج حرب" بسبب كثرة ما قدمه من أفلام حركة..لكن النجاحات المستحقة التي حققتها معظم أفلامه ، سينمائياً في وقتها أو تليفزيونياً بعدها بسنوات ، كانت ترد..

تتلمذ على يده كثر ، سواء وقت أن كان رئيساً لقسم المونتاج في أيام "ستوديو مصر" الأولى أو عبر مسيرته الطويلة كمخرج ومنهم أسماء في حجم "كمال الشيخ" و "صلاح أبو سيف" ، وتأثر به عدد كبير ممن أخرجوا من بعده بينهم محترفون كـ"نادر جلال" .. وحتى رحيله الغامض عام 1986 لم ينهِ الجدل حول سينماه ، ولا حول أيهما أهم في السينما : الفكر والمضمون أم الفرجة.. الأخيرة التي مثلها "نيازي مصطفى" كما لم يمثلها مخلوق غيره في ما يقرب من القرن وربع القرن..

ذو صلة: الناقد "سمير فريد" يتذكر الفيلم الأول لـ "نيازي مصطفى".. ، وكذلك مقال جميل لـ"أحمد الجندي" في جريدة "النهار" الكويتية ، والقائمة الكاملة لأفلامه من موقع "السينما دوت كوم"..
* الصورة من "محيط" ..

No comments: