Tuesday, November 15, 2011

عزيزي المواطن المصري : ماذا تعرف فعلاً عن مصر؟

عندما نتحدث عن مصر فإننا لا نتحدث فقط عن "ماسبيرو" ولا عن "وسط البلد" ولا عن "ميدان التحرير" ولا عن ميدان "مصطفى محمود".. مصر بلد كبير ، به محافظات وأقاليم ومدن وقرى وعزب ونجوع ، مجتمعات مختلفة ومتنوعة ما بين الزراعي والصناعي والتجاري والخدمي والرعوي والقبلي وحتى مجتمعات الصيد، ليس لها علاقة بالصورة "المحفلطة" التي نراها في المسلسلات والأفلام وبرامج "التوك توك شو" وخلافه..

ونحن - والحمد لله دائماً وأبداً- لا نعرف عن هذا البلد وتنوعه أي شيء إلا ما يمليه عليه سلفاً الإعلام "المركزي" -عادةً - الموجود في قلب العاصمة ، سواء أكان الإعلام الرسمي في "ماسبيرو" الذي يستمد شرعيته و"موثوقيته"- شفتوا الكلام الكبير اللي أنا باكتبه-من ارتباطه بدوائر السلطة (مثله مثل كتاب الوزارة في التعليم وإحصائيات مراكز البحوث الحكومية) أو الإعلام الخاص الذي يستمد شرعيته وموثوقيته من اللعب على عواطف الناس والاستثمار فيها (من أجل مزيد من الإعلانات)، وفي كلا الحالتين لا أشعر - عن نفسي - بأن الإعلام يخاطب عقلاً أو ينوي ذلك..

كاتب هذه السطور إقليمي ويفتخر ،قد لا تكون له تجربة حياتية حافلة لكن حياته حفلت بزيارات وتجارب و"مرورات" على مدن وقرى مصرية عدة ، وعلى قلة عدد ما مررت عليه وزرته تبدو لي الأماكن ويبدو لي البشر على خلاف ، وربما على عكس ، ما أراه في تقارير صحفية أو تحقيقات أو في "توك شو" عنهم.. كأن الإعلام "المركزي" غريب عن تلك المجتمعات أو قاطنيها ، وحتى ما يرد منها من تقارير يماثل تماماً ما يرد في نشرات الأخبار - بأنواعها - عن دول أخرى ، وليس محافظات أخرى.. حتى لو كان المراسلون من أبناء تلك المناطق..وكما أن التغطيات الإخبارية للقنوات عن ملفات خارجية تعكس ما تريد أن توصله لنا عن تلك الدول طبقاً لسياسة الدولة (الإعلام الرسمي) أو لسياسة القناة وأصحابها ومصالحهم الخاصة ، يسري نفس الشيء على الأقاليم ، فنحن نُشِّئنا على أن ما يخرج من صندوق التليفزيون هو حقيقة لا تقبل النقاش ، وعن أن الإعلام هو الأستاذ الذي يعرف (أصحابه)أكثر حتى من أهل الدار.. وأن التقسيمة التي يضعها ممولو الإعلام وموجهوه للخير والشر (الحلوين أهالي والوحشين بلطجية ومندسين)داخل تلك المجتمعات تعكس الواقع (بما إن الإعلام ما بيكدبش ولا بيغلط ولا ليه مصالح وقاعد زاهد ع السجادة) .. حتى لو ناقض ما يذيعه ما نراه بأعيننا ونسمعه بآذاننا ونصدقه بعقولنا.. أمر لم أكن وحدي - كشخص- من لاحظه ولكن يشاركني في ذلك زملاء إقليميون وغير إقليميين ينتقدون "الصياغة القاهرية" للأخبار والتقارير.. التي لا تراعي أبعاداً كثيرة تخص الإقليم وتوزيع القوى بداخله وتنوع آراء الناس ووجهات نظرهم تجاه ما يحدث فيه (مواقف أهالي "بورسعيد" تجاه المنطقة الحرة والتي لا يعكس الإعلام تباينها الذي رأيته وعايشته على المستوى الشخصي- كمثال).. حتى أن بعض الإعلاميين أنفسهم ، منهم "محمد موافي" - المذيع بالتليفزيون المصري- بدأ ينتقد وبشدة فكرة غياب "البعد الإقليمي" عن نشرات الأخبار في ماسبيرو وغير ماسبيرو والتي تجعلك تعرف كل شيء عن أبعد بلد في العالم بينما لا تعرف فيها أي شيء عن محافظة لا تبعد عن بيتك الشيء الكثير.. وإن كان الأمر في ظل النظرة السائدة للأقاليم "زي عدمه"..

يا فرحتي .. كثرت محاولات الإعلام للتقرب من الأقاليم "الشقيقة" ، مرة على يد الإعلام الرسمي الذي اخترع لنا "القنوات الإقليمية" ، وليته ما فعل ، فعقدة "القناة الأولى" و"الثانية" تمكنت في فترة من الفترات من تلك القنوات كما تمكنت عقدة "الرجل الأبيض" من التسلط على فرق مثل "وسط البلد" .. فحرصت على تقليد القناتين الكبيرتين القطريتين (بضم القاف) بأي شكل ، وساعد على ذلك وزراء إعلام ورؤساء تليفزيون سابقون.. ناهيك عن "اللكلكة" و"الطلسأة" التي اتبعها المذكورون مع تلك القنوات من ناحية اختيار المذيعين والفنيين وشكل الشاشة والمواصفات الهندسية بما لا يتفق مع ما تملكه تلك المناطق من إمكانيات بشرية "لها خير" على "ماسبيرو" وغير "ماسبيرو".. ولا حتى مع الاستهلاك الآدمي للإعلام.. ناهيك عن انتظار رأي ومشورة الرئيس المباشر في قلب العاصمة ، أو المجموعات التي صارت تضغط على الإعلام حالياً قبل أن تبث أي تقرير أو تغطية إخبارية..

قاد الإعلام الخاص محاولات لخطب ود الأقاليم لا تختلف في هزالها وكساحها عن تلك التي بدأت في عهد "صفوت الشريف" في التليفزيون الرسمي المصري ، من أشهرها وأكثرها إضحاكاً محاولة "مودرن" قبل الثورة ، حين خصصت يوماً لكل "مجموعة أقاليم" تقدم فيه ما تعتبره أخبارها ودفتر أحوال أهلها.. باستوديوهات في قلب القاهرة وبمذيعين معظمهم قاهريين وبرامج لا تشعرك بأنها تمت بصلة للقناة أو الصعيد أو لشمال سيناء.. رغم أن أسماء تلك الأقاليم تظهر تحت "لوجو" القناة .. آل يعني..أما محاولات تقديم نشرات أخبار إقليمية -سواء في "on tv" أو في غيرها فلا تختلف عما ذكرته قبل فقرتين..

المحصلة واحدة في كل الحالات .. نجح الإعلام بكل أطيافه في أن أعرف كمواطن مصري عن الانتخابات الرئاسية في "فرنسا" أكثر مما أعرف عن المجتمع البورسعيدي أو الدمياطي أو السكندري .. حتى "السويس" التي كانت مهد الثورة لا يعرف أحد ، ولم يهتم إعلامي واحد ، بالخصوصية التي اتسم بها المجتمع السويسي وساعدت الأحداث على التسارع في تلك المدينة لتسبق مظاهرات النخبة والناشطين الهادئة الوادعة يوم الخامس والعشرين من يناير فيما وصلت تلك المدينة إلى درجة الغليان قبل الجميع..

على أي حال يستمر الإعلام الرسمي ، والإعلام الخاص ، بأجنحته "المستقل" و "الحزبي" "المال سياسي" في محاولة كسب ود سكان الأقاليم.. بطريقة أو بأخرى ، من أجل الانتخابات أو من أجل الإعلانات أو لغرض في نفس يعقوب.. بتقرير أو بـ"شحتفة" على مظاهرة أو اعتصام أو بـ"تصعيبة" أو بمصمصة شفاة على الناس الذين يعيشون في "كَوكَو تاني".. لكن هل تؤدي تلك المحاولات إلى أن نعرف - كمصريين- الشيء الكثير عن مصر؟
* الصورة من المدوِّنة الزميلة "بنت الصعيد"..

4 comments:

Unknown said...

مقال بحق محق وفي الجون
مصر ليست القاهرة وحدها حتى لو كانت القاهرة هي الأكبر في الكثافة السكانية والصخب الإعلامي ومقصد المؤتمرات
مصر عرفتها في رحلاتي لمحافظاتها المختلفة
مصر عرفتها في إبداعات الصعايدة وإنجازات البحاروة
مصر كبيرة قوي وتكفي لملأ قناة أخبار على مدار أربع وعشرين ساعة كاملة وبلا توقف
لكننا مصرون على أن تكون أخبار العراق وباكستان وزنجبار والفلبين قبل أخبار إمبابة وأسيوط والشرقية وقنا وسوهاج وكفر الشيخ
بجد مقال رائع
شكرا لك
وأرجو قبول الصداقة
http://www.facebook.com/Info.Mowafi?v=box_3
محمد موافي

قلم جاف said...

ضيفي العزيز الأستاذ محمد موافي :

أشكرك على المرور والزيارة ، وأتمنى فقط أن نجد إعلاماً يهتم بالمصريين بنفس أو حتى بنصف الدرجة التي يهتم بها بتذكيرنا بأنه يتحدث باسم المصريين..

Rana said...

الإعلام المركزي يشبه القاهريين، حيث تصنيف مصر عاصمة و"أقاليم"، يعتبر القاهريون أنفسهم أرقى ولو سكنوا العشوائيات. بينما باقي القُطر "بيخدّم" عليهم كمركز الدائرة.

ظهرت هذه النظرة بوضوح في اختزال الثورة في التحرير، لو لم نخرج نحن في "الأقاليم" لانتهت الحكاية في يومين بعجن المتظاهرين و تقريرين في التلفزيون عن "مثيري الشغب" ثم.. اردم.

قلم جاف said...

أزيدك يا رنا من الشعر بيت..

فات على الثورة عشر شهور إلا كسور .. هل عرف مواطن مصري واحد حاجة عن المجتمع السويسي قبل وبعد الثورة على سبيل المثال؟

هل شاف الناس الصورة في "دمياط" بكافة أبعادها؟ حالة الانقسام المجتمعي في بورسعيد" على المنطقة الحرة؟"

تقرير ومكالمة تليفونية من هنا ومن هنا ودمتم وسمعني سلام بودعك..

ثورة يعني تغيير ، والناس دي ما بتتغيرش..