Thursday, March 22, 2012

"أنغام" الآن الأفضل

"أنغام" حالياً الأفضل بين كل مطربات جيلها ، ليس نفاقاً ولا مدحاً مغالىً فيه ولكنه تسجيل لواقع موجود على الساحة الغنائية المصرية.. لأسباب عدة..

أتفه الأسباب وأقلها أهمية هي كونها تخلصت من فكرة كونها ابنة لملحن كبير اسمه "محمد علي سليمان" ، فالأضواء في الوسط الغنائي انحسرت عنه لابتعاده عن تلحين الأغنية ، فكل جيله تقريباً إن لم يكن الجيل التالي تفرغ للموسيقى التصويرية (وبرع معظمهم فيها كـ"عمار الشريعي" و "عمر خيرت" ، و"محمد علي سليمان" نفسه في فترة الثمانينيات حيث عصره الذهبي) ، في الوقت الذي كان الاستثناء الوحيد للقاعدة هو "حسن أبو السعود" الذي نجح في الأغنية والموسيقى التصويرية معاً ، في فترة تغيرت فيها الأغنية ، وظهرت لها مقاييس موسيقية جديدة تطلبت ملحنين جدد ظلم كثير منهم وتم وضعهم في سلة واحدة والهجوم عليهم رغم أن منهم موهوبين جداً من أمثال "رياض الهمشري" و "مدحت الخولي" و "سامي الحفناوي" والأخوين "الشرنوبي".. هي قررت فقط ألا تعيش في جلباب أبيها لأسباب عديدة منها الإنساني ومنها الفني ، فد تختلف معها، بل وترفض الشق الإنساني في خلافها مع الوالد والأستاذ والمعلم ، لكنك ستخلص إلى نتيجة أنها اختارت أن تكون نفسها فنياً..

المطرب في معادلة الأغنية في مصر هو الممثل والمخرج والمؤلف معاً ، مع احترامي للموزع الذي زاد دوره بعد انقلاب "لولاكي" ، عندما تنقد فيلماً سينمائياً فإن أصابع المديح و/أو الاتهام ستتجه رأساً إلى المخرج (قبل أن يتغير هذا المفهوم بعد تزايد سطوة نجوم التمثيل) ، أما الأغنية فمنذ "محمد عبد الوهاب" ومَن قبله ويتحمل المطرب مسئوليتها كاملةً.. وبالتالي فإن المطرب هو الذي يخط طريقه باختياره لكلماته وألحانه وتوزيعاته ..

فكرت "أنغام" "صح".. قررت أن تنتقي كلمات مختلفة ، وأكثر نضجاً ، لشعراء مختلفين منهم "بهاء الدين محمد" و "ناصر رشوان" و "عزت الجندي" و"عوض بدوي" ، ثم تعامل شعراء جدد معها على نفس الأساس ، كل منهم يفكر بطريقة تختلف عن الآخرين ، وتختار كلمات ، وألحان ، بمودات مختلفة ، بعيداً عن فكرة "لو بتحبني ما تدينيش على قفايا وما تسيبنيش وتجري يا مفتري يا قليل الأدب" ، في الألبوم الواحد عدة مودات ، بعدة ألحان ، بعدة إيقاعات ، يصعب أن يتعامل معه المستمع كـ"هيد" و"طلع ليه" تسعة أغاني أخرى..

"أنغام" تعرف عندما تختار لحناً حدود صوتها رغم قوته ، تجيد التعامل مع الأغنية بحس درامي رغم أنها لم تنجح كممثلة نجاح مطربين آخرين ، يزداد الشعور بذلك في ألبوماتها الأخيرة ، التي تشهد خطاً بيانياً متصاعداً منذ مرحلة "بتحب مين" و "وحدانية" إلى الميني ألبوم الأخير "محدش يحاسبني" ، أصبح لها مع الوقت من الخبرة وقوة الشخصية ما يجعلها تؤدي أغاني يراها البعض تصلح لغيرها ، مثل "ضي عينيك" في ألبوم "نفسي أحبك" والتي كنت أراها تليق أكثر لـ"إليسا" ، لكنها أجادت فيها أكثر من "إليسا" وبمراحل..فوق ذلك ، زادتها الخبرة اهتماماً بشكل التوزيع دون أن تقبل محاولة من أي موزع ، كما حدث من البعض في التسعينيات ويحدث الآن ، أن "يعمل نفسه تركي" أو "يعمل نفسه غربي" بما يتسبب في نوع من "الكليشة" في شكل الأغنية فيجعلها غير مقنعة ومثيرة للسخرية ، كما حدث في "رايح بيا فين" لـ"آمال ماهر" وحدث بعضه في ألبوم "شيرين" الأخير.. وبالمناسبة ، حتى على مستوى التوزيع تختار "أنغام" أكثر من "دماغ" في الألبوم الواحد ، رغم أن الميني ألبوم الأخير كله لموزع واحد هو "حسن الشافعي" الذي قدم فيه أفضل ما لديه حتى الآن..

تستطيع أن تتذكر "محدش يحاسبني" الذي مر عليه بعض الوقت بينما يمكن نسيان ألبومي "آمال ماهر" و "شيرين" وبسهولة.. ليس تقليلاً من الأخيرتين لكن "محدش يحاسبني" و من قبله "نفسي أحبك" أفضل كلمةً ولحناً وتوزيعاً ، كثير من الفروق بين المطربين فروق أدمغة أكثر ما هي فروق مواهب.. من الممكن للدماغ أن تصعد بأي موهوب لسلم النجومية ، ومن الممكن أن تحمي نجوميته ، أو أن تضعها بصاحبها على المحك.. إلى الآن "أنغام" هي الأفضل والأنضج بين مطربات جيلها والجيلين التاليين عليها بعد ربع قرن من الغناء..
* الصورة غلاف ألبوم "نفسي أحبك" (2009)..من موقع "مُشرِق دوت كوم"..

No comments: