Wednesday, August 15, 2012

زمن أفندينا

كثيرة هي الأسباب التي تجعل من "طارق نور" ظاهرةً تستحق التوقف والدراسة.. الإعلانجي الذي نجح في أن يصنع ذوقاً يجري وراء مكان معين في العاصمة يمثل طبقة معينة أو شريحة معينة من طبقة معينة ، ليس فقط بـ"حبشتكاناته" التي دأب عليها منذ اليوم الأول لدخوله عالم الإعلان من إفيهات واستغلال لموسيقى الأغاني الغربية ، وإنما بحلم الانتماء للصفوة والوجاهة الاجتماعية الذي يدغدغ به الجميع في ظل ما يصفه بعض اليساريين - مش بعضهم قوي : تقريباً 90% منهم بس- بالمجتمع الاستهلاكي المتطلع إلى نمط من الاستهلاك الترفي يعوض به تعثر خطوات أغلبيته في الصعود الطبقي لمستوى يقارب مستوى طبقة "الصفوة"...الخ..الإعلانجي الذي يفعل أشياءاً كثيرة خطأ بطريقة سليمة ، هو يخاطب الناس من عل (حتى في الخير) ويعلم أن الناس ستستجيب له ، وغيره من الساسة و"الموصقَّافين" يحاولون فعل نفس الشيء فينفر منهم العامة والخاصة .. الإعلانجي الذي بدأ بتسويق منتجاته ، ثم بدأ بتسويق نفسه بوصفه قادراً على تسويق منتجات (معظمها "اسكارتا")- وإقناع من يؤمنون بتدني مستواها بشرائها ، وربما يعتقد البعض ومنهم كاتب السطور بأنه انتقل مؤخراً لمرحلة تسويق علاقاته التي أقامها كثيرون من أولي الطول معه نتيجة لضخامة اسمه في عالم الإعلان في المنطقة..

ظاهرة "أفندينا" لم تكن وليدة طفرة ، ولكنها ، وبحسب إفيه شهير في أحد إعلاناته القديمة ، تتسلل ، وتتوغل ، وتنتشر ، وتستمر ، وتستمر ، وتستمر.. في المرحلة الأولى "علق" مع الناس وحفظ جيل أطفال الثمانينات إعلاناته أكثر من أي شيء آخر ، في الثانية انهال عليه منتجون كثر ، في الثالثة قوى نجاحه نفوذه وقواه أكثر نفوذ من ارتبطوا به من رجال أعمال ، في الرابعة كبر حجم ووزن زبائنه أكثر وأكثر ، وبدأ يلتهم كعكة الإعلانات دون وجود منافس له وقتها (نتحدث عن أواخر التسعينيات والنصف الأول من العقد الأول من الألفية)، في الخامسة دخل مجال الإنتاج البرامجي ، في السادسة دخل مجال الإنتاج التليفزيوني (بوحدات تصويره والمساعدة الفنية أو بالإنتاج المباشر كما حدث في مسلسل "السندريلا")، في السابعة صارت الحكومة والنظام السياسي زبوناً له ، في الثامنة يقرر استغلال جبروته في سوق الإعلانات بقناة يكتفي ببثها حصرياً في شهر رمضان فقط..

في التاسعة رأى نفسه أقوى مالياً واقتصادياً وسياسياً ، حتى مع وصول تيار لا يلائم مزاجه إلى السلطة ، بشكل يجعله قادراً على الخروج من مرحلة الإعلان إلى مرحلة الإعلام ، ومن لعبة الترفيه للعبة التأثير السياسي.. رأى في نفسه قادراً على "شيل محطة" في الوقت الذي نجد فيه ، كما تعرفون أفضل مني ، أن معظم أصحاب الفضائيات الخاصة إما رجال أعمال (يملك بعضهم شركات إعلان خاصة) يريدون العبث في السياسة بما لا يخالف مصالحهم (ولو على حساب البلد بمن فيه) ، أو رجال أعمال يتذللون لشركات إعلان قوية ومفترية (قد يملك بعضها صراحةً أو من الباطن بعض رجال الأعمال المشار إليهم سلفاً).. أما هو فيريد أن يكون أول إعلاني يدخل مجال الإعلام بشكل احترافي ، من باب "من دقنه وافتل له"..

في الواقع ، اللي كله قواقع ، قد تكلفه هذه اللعبة الجلد والسقط.. الإعلام شيء والإعلان شيء آخر.. حتى لو اتفقنا على صحة نظرية "عمرو أديب" التي ترى أن الـshowbusiness الناجح يعني أن تخرج في كل يوم من "البرنيطة" أرنباً مختلفاً لجمهورك ، فإن الأرنب الذي يخرج من "برنيطة" الإعلام غير الذي يخرج من "برنيطة" الإعلان.. وحسب نوعية الأرانب ونوعية "البرنيطة" تتحدد طريقة إخراج الأرنب من البرنيطة..

"أفندينا" لم يعِ - بعد - أن أي ثورة يصاحبها تغير اجتماعي قد لا يكون وليد اللحظة ، ولكنه يبدأ في الحدوث تدريجياً ، أي أن السوق الذي يوجه له "نور" جهوده في طريقه إلى أن يكون غير السوق الذي كان يتمايل على ألحان أغاني إعلاناته في وقت سابق.. لاحظت عن نفسي أن آراء بعض الناس بدأت تتغير في حملاته وإعلاناته بما فيها تلك الخيرية الموجهة لبناء مستشفى سرطان الأطفال ، وبدأت تظهر حالة من التململ من إعلانات التبرع لجامعة "زويل"، ولا يقلل من ذلك القبول "الهادئ" لحملته الأخيرة الخاصة بالبنك الأهلي المصري..

لم يحضر "أفندينا" -بعد- إجابات عن العديد من الأسئلة التي تشغل من يعطون ثوان من وقتهم لمشاهدة "القاهرة والناس" لمجرد الفضول ، مثلاً:

من أين سيملأ سيادته الوقت على مدى أحد عشر شهراً؟ هل سيجتر برامجه كما يحدث في "فتافيت" ، رغم أن طبيعة الأخيرة تسمح جداً بالتكرار بعكس "القاهرة والناس"؟ هل سيملأ القناة - بصريح العبارة - بمقتطفات من حلقات "الكاميرا الخفية" و "لا سوستا" و"مين بيقول الحق" و "نشرة أخبار الفراخ" مع السهرة مع مسرحية "قهوة سادة" التي تذاع في البث التجريبي كل عام كما لو كانت "الرصاصة لا تزال في جيبي" في ذكرى نصر أكتوبر ، إلى أن يأتي رمضان التالي؟

بمن سيحتفظ "أفندينا" من نجومه الذين يحصل على خدمات معظمهم "بالعافية" لمدة شهر؟ بـ"طوني خليفة" الذي لا يطيق أن يبقى مقيداً بقناة أو بمشروع خارج بلده؟ من سيكون نجم قناة "أفندينا" في حال إذا ما قرر "طوني خليفة" العمل لبعض الوقت مع آخرين ، علماً بأن ذوقه (="أفندينا") في الصفقات المضروبة لا يعلى عليه؟ (وقطنة "نضال الأحمدية" ما بتكذبش)..

هل سيبحث عن صحفي أو صحفية ، أو مذيعة منوعات مسطحة الثقافة من عينة "شافكي المنيري" أو "دينا رامز" ليجعل منها "فوزيتا" - مع الاعتذار للفنان الكبير "المنتصر بالله" - ويناطح بها "منى الشاذلي" و "لميس الحديدي" و "عمرو أديب"؟ وهل سيبقي على أسماء بعينها مثل "إبراهيم عيسى" اتقاءً لشرها ، وكسباً لجريدة "التحرير"؟

زمن "أفندينا" قد يلحق بزمن "مبارك" في زمن أقصر بكثير من الزمن الذي احتاجه "طارق نور" لبناء إمبراطوريته .. و"القاهرة والناس" قد تكون أكبر نقطة تحول ضد "نور" في مسيرته الإعلانية الطويلة بالضلوع في لعبة ليس مؤهلاً لها بالمرة..
* الصورة من موقع "الخبر الاقتصادي"..

No comments: