Tuesday, August 21, 2012

تلك الشعرة التي لا يريد أحد أن يراها

لو تم تحويل "أرض الخوف" - أيقونة "داوود عبد السيد" وأحد أهم الأفلام المصرية على الإطلاق في الربع قرن الأخير- إلى مسلسل تليفزيوني بنفس الطريقة والأسلوب الذي قدم بهما كفيلم سينمائي ، لفشل فشلاً ذريعاً.. أتكلم هنا عن فيلم شديد الأهمية وليس عن مجرد شريط سينمائي مدته ساعتين أو يزيد أو يقل..

شيء جيد ، وليس سيئاً على الإطلاق ، أن تعود الدراما التليفزيونية سيرتها الأولى إلى التصوير السينمائي أو ما في حكمه ، بما أنها بدأت كذلك مع سنوات التليفزيون الأولى في ستينيات القرن الماضي وحتى ربع قرن خلا في مسلسل "الأفيال" آخر مسلسل مصري بالتصوير السينمائي(1) حتى هوجة المسلسلات في السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة مع بدء هجرة مخرجي السينما إلى التليفزيون بشكل مكثف ، لكن ذلك لا يعني أن تنتقل "كل" قواعد اللعبة السينمائية إلى التليفزيون ، هناك شعرة ما بين السينما والتليفزيون نلاحظها حتى في المسلسلات الأمريكية التي نراها على قنوات مثل MBC4 و FOX والتي تختلف بدرجةً ما عن الأفلام المعروضة تجارياً في هوليوود ، حتى رغم كم الإبهار الذي تحتويه الدراما التليفزيونية الأمريكية (بعيداً عن الـ soap opera من عينة "الجريء والجميلات" و خلافه..(2))..

تلك الشعرة لم يراها منتجو ومخرجو الدراما التليفزيونية في رمضان هذا العام ، الأمر الذي تسبب في انتقادات عنيفة للمسلسلات على خلفية احتوائها على كمية كبيرة من العنف ، وما يوصف في بلدان كثيرة بـ"اللغة الحادة" ، وهي أمور تتنافى تماماً مع ما يقبله مشاهد التليفزيون عموماً ، في مصر وفي بلاد غيرها .. ربما يقبلها في السينما ويتفهمها ولكن للتليفزيون حسابات أخرى..

ليست كل قواعد اللعبة السينمائية سيئة -عندما يتعلق الأمر بالدراما التليفزيونية- وليست كلها في نفس الوقت من السوء ، فإلى جانب المرونة الرقابية تجاه الشتائم والمشاهد "إياها" وجرعات العنف ، توجد أيضاً سرعة الإيقاع وتقنيات الصورة وجماليتها وأيضاً قدر من الرمزية يمكن لمشاهد الفيلم السينمائي قبوله ، على عكس ما مرد عليه على مدى سنوات في التليفزيون من قصص مباشرة إلى حد كبير ومسطحة ، إلا ما رحم ربي ،والدراما التليفزيونية المصرية تعاني كما نعلم جميعاً ومنذ سنوات من بطء ورتابة وبلادة في السيناريوهات والمواضيع ، ربما أراد مخرجون وكتاب كسر تلك الحالة ، وألح على ذلك واقع السوق السينمائية منذ ما قبل الثورة بفترة قصيرة ، وحاجة نجوم وشركات إنتاج إلى أن تقدم أفلاماً سينمائيةً في قالب مسلسل تليفزيوني، وكانت النتيجة أن نقلت كل القواعد نقل مسطرة ، كوبي وبيست ، الصالح والطالح ، ما تقبله رقابة التليفزيون ويتفهمه مشاهد التليفزيون وما يرفضانه على حد سواء..

وبالتالي ، لم يكن العنف ، اللفظي منه والجسدي ، هو كل ما رفضه أغلب مشاهدي التليفزيون في مصر في المسلسلات هذا العام ، أيضاً رمزية النهاية في مسلسل كـ"سيدنا السيد" يبدو في صياغته أقرب للغة الأدب منها للغة الدراما ، وهو أمر "مش وحش بالمرة" إذا ما نفذ بشكل جيد (وقد أبدع فيه "أسامة أنور عكاشة" غير مرة في "الحلمية" و "الشهد والدموع").. في حين من الممكن أن يغرم نفس المشاهد بالمسلسلات التركية التي لا يوجد فيها شيء سطحي أكثر من "الحدوتة" الملتوتة الممطوطة الفشحوطة المشلة المملة..

ولكاتب هذه السطور مبدأ يعمل على ألا يحيد عنه : احترام النجاح واجب ، وأي عمل ناجح فيه شيء على الأقل يجعل الناس تقبل عليه وهو ما يجب أن يحسب له ، مع الاحتفاظ بحق الخلاف بل والرفض للمستوى الفني لذلك العمل الناجح وعرض ما جعل الناس تقبل عليه على العقل.. وعليه كمشاهد غير متخصص لا يروقني نقل كل عنف السينما وقسوتها إلى شاشة التليفزيون ، ولا يروقني أيضاً بقاء الدراما التليفزيونية على ما هو عليه خصوصاً فيما يتعلق بالكتابة وإيقاع الدراما وجماليات الصورة وهو ما يجب أن تستفيد منه المسلسلات التليفزيونية المصرية إن أرادت أن تقوم لها قائمة..

الشعرة باقية يا سادة ، مش ساعة تروح وساعة تيجي ، وليس على صناع الدراما التليفزيونية أن يروها وحدهم وعلينا أيضاً كذلك.. على المؤلفين والمخرجين أن يفهموا أن هناك فرقاً ما بين الفيلم والمسلسل ، وعلينا كمشاهدين إبداء بعض المرونة بالنسبة للإيقاع وإعمال العقل في الرمز ، خصوصاً إذا وصلنا بشكل فني ، وبعيداً عن لغة الخطابة والوعظ.. وبعض التفهم لطريقة أخرى في كتابة القصة ، فمن حقنا أن نشاهد شيئاً يختلف عما أصابنا بالضجر في سنوات الدراما المصرية العجاف الأخيرة..

(1)..وهو مأخوذ عن نص بنفس الاسم للكاتب الراحل الكبير "فتحي غانم" وكتب له السيناريو الراحل الكبير "عصام الجنبلاطي" وأخرجه أحد عمد الدراما المصرية الراحل "إبراهيم الصحن" وقام ببطولته "محمود ياسين" و "ليلى طاهر" و "هالة صدقي" و "سمية الألفي"..
(2)..ويبقى التليفزيون في أمريكا "ثانوياً" بالنسبة للسينما ، تماماً كما هو الحال هنا في مصر..
* الصورة للنجم الأردني المتألق "منذر رياحنة" من musicnation.com..

No comments: