Thursday, August 23, 2012

حتى في الخير : قد يختلط الزيت بالماء

أتذكر مرافعة "هاني رمزي" في فيلم "محامي خلع" الذي كتبه "وحيد حامد".. وعبارته الشهيرة فيها "هل يختلط الزيت بالماء"؟ في العادة يبدو هذا السؤال استنكارياً ، وإجابته الوحيدة نفي صريح ، لكن في بعض الحالات ترى الزيت يختلط بالماء بأشياء أخرى ، ولا تعرف من على صواب ، ومن على خطأ ..

الصديق العزيز وزميل التدوين "عبد الرحمن مصطفى" والمعروف بين المدونين بـ"عبده باشا" وصاحب مدونة "آخر الحارة" كتب تقريراً شديد الأهمية ومثيراً جداً للجدل حول إعلانات تبرعات المستشفيات ، وما تتلقاه من نقد ، وما يعانيه المرضى فعلاً على الأرض دون أن ينتبه إليهم أحد..ستخرج بأسئلة كثيرة متناقضة ، وإجابات أغرب:

هل تلك الإعلانات بشكلها الحالي وسيلة فعالة للفت الأنظار لمعاناة المرضى في تلك المستشفيات؟ نعم!

هل تلك الإعلانات تمتهن كرامة المريض وتعتبر تسولاً على حسه؟ نعم!

هل تخلت الدولة المصرية في وقت سابق ، بل وقد تتخلى أكثر خاصةً لو حكم المال السياسي والنيوليبراليون مصر ، عن هؤلاء ، خاصةً من يعالجون في مراكز حكومية تنساها ميزانيات الصحة كل عام؟ نعم!

هل يختلف وزن الإنسان وأهميته باختلاف اسم وكالة الإعلانات التي تعلن عن مستشفى يحاول إنقاذه من معاناته؟ نعم!

هل تلك الجمعيات أمينة بالفعل على المريض وأموال التبرعات؟ نعم! .. هل تلك الجمعيات تتربح على قفا المريض؟ نعم!

هل يرفض الناس التبرع للمستشفيات الحكومية التي تعاني ويعاني مرضاها أكثر (رغم أن بعضها تحول في أواخر عهد المخليوع إلى عزب تدار على طريقة النظم العسكرية في وسط أفريقيا)؟ هل لدينا فكرة "دول حكومة دول ما يستاهلوش خلوا الحكومة تصرف عليهم واحنا مال أسلافنا بيهم"؟ نعم!

هل للخير في عالم الإعلانات سوق؟ وعليه منافسة؟ ويأكل فيه الكبير الصغير من أجل مزيد من التبرعات؟ نعم!

كل الأسئلة السابقة تناقض بعضها بعضاً ، ولجميعها إجابة واحدة فقط .. يختلط كل شيء بكل شيء ، مصلحة المريض بكرامته ، الخير بالبيزنس ، الإنساني بالمادي ، ويتبادل الجميع الاتهامات .. ويصل الأمر بك إلى حالة من عدم الفهم والارتباك.. الكل على صواب .. والكل على خطأ ، كأنك تسمع "كمال الشناوي" في جملته التاريخية في فيلم "الكرنك" : "كلنا مجرمين .. كلنا ضحايا"!

الوصول إلى كلمةٍ سواء ليس مستحيلاً.. من الممكن تحقيق توازن بين توصيل معاناة المريض للناس وحفظ كرامته أمام نفسه والناس ، بين دعم الدولة لمستشفياتها وإصلاح الخدمات الصحية (اللي ما بيفكرش فيه أي حد له علاقة بالسياسة في مصر إلا علشان أي انتخابات وأي مرشح رئاسي) من ناحية وترك مساحة للعمل الخيري الأهلي من أخرى ، بين من يروج لهم "طارق نور" ومن لا يجدون من يروج لهم.. وحتى بين فتح نوافذ التبرع والشفافية في استخدام التبرعات.. والوصفة سهلة .. الإنسان .. أن تعلو مصلحة وكرامة الإنسان فوق الجميع ، وهو أمر لا يحتاج إلى نص في الدستور ولا يوجد في المقرر ولا ندخل فيه امتحانات.. بل يحسه المرء ويؤمن به .. الإنسان أولاً يا سادة..
* الصورة من الفيس بوك..

No comments: