Wednesday, September 26, 2012

قبضة الهلالي

لماذا يوجه النقاد جل اهتماماتهم إلى السينما الجميلة و/أو السينما التي يعتبرونها كذلك ، دون أن ينصرف إلى "نوع آخر من السينما" يحتاج للتحليل والفهم مثله مثل السينما "الطبيعية" التي يستطيع عقل أي بني آدم تحملها؟ "إيد وود" يستحق الفهم والتحليل والدراسة مثله مثل "ألفريد هيتشكوك" ، و"إبراهيم عفيفي" يستحق الفهم والتحليل والدراسة مثله مثل "يوسف شاهين" و "عاطف الطيب" و"صلاح أبو سيف".. فكما أنه من حق الناس أن تشاهد وتفهم السينما الجميلة وما ينبغي للفن السابع أن يكون عليه ، من حقها أن تفهم أيضاً ما يجب على أي مخرج كامل القوى العقلية أن يتجنبه إن أراد أن يقدم شيئاً لا يستمطر بصاق الجمهور عليه..

"إبراهيم عفيفي" يتشابه مع "يوسف شاهين" في أمور ، منها أن كل منهما بدأ مسيرته بأفلام تقليدية في صناعتها ومواضيعها .. كما كانت معظم أفلام "شاهين" -باستثناء أولها "بابا أ مين" - تقليدية حتى العام 1969 مع بداية ظهور بصماته الفكرية على أفلامه جنباً مع بصماته السينمائية ، كانت أول مجموعة أفلام أخرجها "عفيفي" "عادية" قبل أن "تتبلور" "أفكاره" وتتجلى في ثلاثيته المقدسة "العجوز والبلطجي" ، "قبضة الهلالي" و "أبناء الشيطان".. والتي تعتبر "وعاءاً" لـ"أفكاره" السينمائية وأمثلة على "أسلوبه الإخراجي" الذي لا تخطئه أي عين.. وهذا هو سر استمتاع قطاع كبير من الجماهير بفيلميه الأخيرين ، فهو بأسلوبه "الفريد من نوعه" نجح في تحويل أفلام حركة ليس من أهدافها الإضحاك إلى كوميديات صارخة..

أقل ما في "المعجزة السينمائية" المسماة بـ"قبضة الهلالي" أهمية هو السيناريو ، ومن العادي أن أخبرك بأن فكرة الفيلم لن تبتعد كثيراً عما كتبه موقع "السينما دوت كوم" في رابط الفيلم.. سيناريو عادي جداً على الورق يليق بـ B-Movie أو ما يمكن تسميته بـ"أفلام الترسو" ، خاصةً وأن كاتبه الراحل "بسيوني عثمان" يجيد في تلك المنطقة التي أجاد فيها سيناريست راحل آخر هو "شريف المنيباوي" في فترة الثمانينيات ، ولا يسئل كثيراً عما حدث بعد ذلك في الفيلم!

انتهى دور السيناريست في فيلم "قبضة الهلالي" بمجرد وصول السيناريو إلى المخرج المعجزة (متشكرين قوي وسيبنا نشوف شغلنا) ، والذي رأى أن ينفذه بطريقته الخاصة جداً التي يعرفها من أوقعه الحظ في مشاهدة "العجوز والبلطجي" ثم "رائعته" التاريخية "أبناء الشيطان".. تلك الطريقة التي لها "روح" وأيضاً "رائحة" يشمها من يشاهده!

يمكن القول بأن "قبضة الهلالي" هو التطور الطبيعي لـ"العجوز والبلطجي" ، إذا كان في الأخير بوادر قصة درامية أعاقت حرية حركة "عفيفي" في "إخراج" الفيلم فإن المخرج أدرك أن أول ما يعوقه عن تنفيذ "اللي في دماغه- أياً كان" هو وجود أثر لقصة في الفيلم ، وإن وجدت يجب أن يتم تشتيت ذهن المشاهد عنها بأي طريقة.. وكان سلاحه الأمضى في ذلك هو طاقم التمثيل.. والفرق بين "شاهين" و "عفيفي" أن الأول يختار بطلاً يعكس فلسفته ورؤيته وذاته ، أما "عفيفي" فيعشق العمل الجماعي وبالتالي يقوم باختيار ممثلين يعكسون دماغه ورؤيته للدنيا والوجود وأشياء أخرى..

ولأن "الشجيع" هو أهم ما في تلك النوعية فقد استفاد "المخرج" من الصورة الذهنية التي ثبتها "يوسف منصور" في "العجوز والبلطجي" كبطل لأفلام "الكونغ فو" وفنون القتال ، في المشاهد الأولى التي يظهر فيها طيباً خنوعاً ، يعمل مرشداً سياحياً ، يتكلم بإنجليزية شرق أوسطية هي أقل مناطق الفيلم إضحاكاً ، تذكروا أننا لا نتحدث أصلاً عن فيلم كوميدي ، وسبحان الله ، دائماً ما يمثل ذلك الرجل أدواراً لا تتناسب مع شكله ولا مع قدراته التمثيلية الصارخة ، التي لا يفوقها إلا صراخه هو في حركات "الكونغ فو" سواء في هذا الفيلم "المعجزة" أو "المعجزة" السابقة "العجوز والبلطجي".. وبجانب "الشجيع" يجب تواجد بطلة ذات مواصفات خاصة ، فاختار ممثلة كانت نجمة في ذلك الوقت لا تعرف كيف وافقت على المشاركة في "شيء سينمائي" كهذا ، ويبدو أن "ليلى علوي" قبلت في مجدها الغابر تمثيل ذلك الدور تحت تأثير التنويم المغناطيسي..

ولكي تعرف تأثير "إبراهيم عفيفي" على أي فيلم يخرجه ، تمعن في وجوه الأشرار في الفيلم وطريقة تمثيلهم وتعاملهم مع الكاميرا ، نجح الرجل - الصراحة يعني - في تشكيل "حمدي الوزير" و "ضياء الميرغني" و "نبيل الهواري" (=لاعب سلة سابق ساعدته ضخامته الجسمانية على دخول مجال التمثيل والغناء لاحقاً) بطريقة تجعلهم جزءاً لا يتجزأ من جو الفيلم ، تبريقة "فيومي أبو ركبة" (="حمدي الوزير") وملابسه ، و "ضياء الميرغني" الذي يعد جزءاً من "التوليفة السحرية" لـ"عفيفي" ، وطبعاً "نبيل الهواري" المعروف باسم "وائل" بعد دوره كحارس شخصي لـ"وحيد سيف" في فيلم "المرأة الحديدية" للمخرج "عبد اللطيف زكي" قبلها بقليل.. ليكون منهم عصابة على الطريقة العفيفية..

وفي مواجهة الأشرار يجب في أي فيلم مصري تواجد ضابط شرطة ، وهنا تظهر "عبقرية" "إبراهيم عفيفي" في اختياره للاعب الكرة السابق "شريف عبد المنعم" في تمثيل شخصية الضابط ، وللحق فقد أدى الرجل مشهداً "تاريخياً" لن ينساه جمهور السينما المصرية مدى الحياة (والمصيبة إنه حقيقي مش متفبرك (1) زي ما مكتوب في "اليوتيوب") ، المشهد الذي شاهده ربع المليون إلا قليلاً على "يوتيوب" تحملوا في تضحية نادرة وشجاعة منقطعة النظير مشاهدة الرجل وهو يصرخ صرخته الأشهر "قتلتيها ليه.. ليه.. قتلتيها ليه .. ليه".. وللحق فقد كان لـ"شريف عبد المنعم" مشهد آخر قبل عرض المشبوهين على "ليلى" يثبت قدرته الخارقة كضابط شرطة ، ولو كان "عفيفي" قد أطال ذلك المشهد لدقيقتين أخرتين لرأينا عبقرية الضابط وهو ينجح في إجبار المجني عليها- لا المجرم- على الاعتراف بكل شيء!

ولأن غرض "بسيوني عثمان" من كتابة الفيلم هو عمل تقليد مصري لأفلام الحركة الهوليودية والآسيوية ، لاعباً على التيمة التي أحبها جمهور سينمات الدرجة الثالثة في ذلك الوقت وهي تيمة الهزيمة ثم الانتقام -تذكروا "الهلالي" وهو لقب الشخصية الرئيسة في فيلم شهير في تاريخ السينما المصرية هو "أمير الانتقام"- ، وهو ما أعجب "عفيفي" وحفزه على إخراج ما لديه في وجه المتفرجين ، فكان لابد من لحظة فارقة تتغير فيها حياة البطل ويبدأ فيها في تعلم فنون القتال من أجل الثأر والانتقام ، وقد قدم المخرج - الصراحة يعني - مشهداً من أعجب وأغرب ما يمكن في هذا الصدد ، لم تنتج مثله السينما الأمريكية ولا الهندية في حقبة "السعبان" و"جانجا جامونا ساراسواتي" التي اكتسبت فيها "سمعتها إياها".. والمؤسف فعلاً أن الموسيقى المصاحبة لذلك المشهد العجيب والموسيقى التصويرية للفيلم كانت للراحل "محمد نوح" ، الذي لا أفهم كيف تورط في "شيء" سينمائي كهذا ، وهو الذي وضع الموسيقى التصويرية لأفلام هامة تعد علامات في تاريخ السينما المصرية..

ولأن بعض المحسوبين على النقد السينمائي يحاولون تصنيف "إبراهيم عفيفي" كمخرج لأفلام الحركة ، وأفلام الحركة - وغير الحركة - منه براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، فلا يعقل أن تخرج مشاهد القتال في الفيلم -مضافاً إليها مشهد "الأمب لأ" الذي جعل من "ليلى علوي" مادة للسخرية طوال ما بقي من حياتها- من "قبضة" المخرج العالمي ، وإلا .. فمن غير "إبراهيم عفيفي" الذي تستمتع معه بمشاهد كسر الزجاج الذي يهيأ لأي شخص -والعياذ بالله- أنه "سكر" أو "فلين" ، في امتداد لمشهد "تاريخي" من فيلمه السابق "العجوز والبلطجي" ، ومشاهد تشعر أنها سخرية غير مقصودة من مشاهد أفلام "بروس لي" تعود بعدها لتفرك عينيك وتتذكر أن المقصود مما تراه هو خناقة حقيقية وأن ما تراه ليس مزاحاً ثقيلاً..

حقيقي "احنا آسفين يا سبكي".. أفلام السبكيين واضحة الهدف ولا تدعي تقديم مضمون أو فرجة بالمقاييس التي يمكن لنقاد الفن السابع ومشاهديه مناقشتها ، هناك فرق رهيب بين أن تشاهد فيلماً تعرف من البداية أنه "هزار" و"قلش" ، وبين أن تشاهد فيلماً جاداً يحوله "الهبل" في التنفيذ إلى فيلم كوميدي صارخ ينتزع ضحكاتك.. ومن الواضح أنها مدرسة عند ذلك المخرج وأمثاله .. شاهدت الفيلم التالي أو بعد التالي على هذا الفيلم "أبناء الشيطان" مرتين وفي المرة الثانية ، حيث شاهدته على قناة عرضته للمرة الأولى والأخيرة - وضحكت عليه كما لم أضحك على أي فيلم طوال حياتي ، ولا يتخير كثيراً عن "الهلالي" الذي عرض قبل عشرين عاماً ، والذي أرى ، ولا أمزح هذه المرة ، أنه يستحق الدراسة لشدة قبحه ، ولكي يعرف الجميع السينما القبيحة ، أو الأبيحة ، على حقيقتها..
* الصورة من "السينما دوت كوم" ، والفيديوهات من "اليوتيوب" الذي استعملته مضطراً.. (1) أول اتنين "قتلتيها ليه" حقيقيتان ، المشهد الحقيقي ألعن من المفبرك في مقطع اليوتيوب.. 28/10

2 comments:

Rab said...

فيلم فاشل. و يا ريت تخبرني بصفتك خبير محترف السبب في سباق الوزن بين الممثلات المصريات و الأبقار حيث

ahmedxara said...

انت توقفت عن الكتابة ليه، تحليلاتك اكثر من رائعة ودمها خفيف