Tuesday, October 02, 2012

فرقة المصريين : خمسة وثلاثون عاماً

خمسة وثلاثون عاماً مرت على تكوين فرقة "المصريين" ، الفرقة التي لم تُقَدَّر أهميتها نقدياً إلى الآن ، ليس فقط كأنجح تجارب الغناء الجماعي في مصر على مدى القرن العشرين ، بل أيضاً كأحد علامات التغيير في الموسيقى المصرية..

تاريخياً ، وبحسب الويكيبيديا ، لعب شخصان لم يشاركا في الفرقة دوراً هاماً في خروجها للنور ، الأول هو الأديب الكبير الراحل "نجيب محفوظ" والثاني هو "محمد منير".. ويروي "هاني شنودة" أن "نجيب محفوظ" حضر ذات مرة لفريق كونه "هاني" تخصص في الأغاني والموسيقى الغربية ، شأنه شأن "البيتي شاه" الذي كان "هاني شنودة" عضواً فيه ، واقترح "محفوظ" على "هاني" أن يقدم ذلك الفريق أغان جماعية بالعربية ، لكن ذلك الأخير اعترض لأن شكل الأغنية العربية الكلاسيكي في ذلك الوقت لم يكن مناسباً لطبيعة ما يعزفه الفريق..

جاء دور "منير" بشكل غير مقصود ، حينما عمل معه ذلك الفريق بدعوة من الشاعرين الكبيرين "شوقي حجاب" و"عبد الرحيم منصور" ، وقدموا ألبوم "علموني عينيكي" الذي لم ينجح حينما طرح لأول مرة لأسباب هندسية ، وهنا والعهدة على "هاني شنودة" بدأت فكرة تكوين "المصريين" بعد التعثر الذي صادف مغامرته الأولى مع "منير"..

قدمت الفرقة أول ألبوماتها بعنوان "بحبك لا" وحقق نجاحاً كبيراً وغير متوقع ، شجع شركة "سونار" التي كانت وقتئذ تنتج ألبومات "منير" على العمل ثانيةً معه في ألبوم "بنتولد" عام 1978 ، وحقق نجاحاً مدوياً أكسب الفرقة شهرة أكبر ، وحفز فرقاً أخرى على الانطلاق من بينها "النهار" للموسيقار الكبير الراحل "محمد نوح" و"الأصدقاء" للموسيقار الكبير "عمار الشريعي"..

امتلكت "المصريين" مقومات استمرارها لأحد عشر عاماً تعتبر فترة طويلة في حياة الفرق الغنائية في مصر ، ومقومات استمرارها في ذاكرة أجيال لم يولد بعضها وقت أن كانت تلك الفرقة في أوج عنفوانها.. التغيير الذكي في شكل التنفيذ الموسيقي ، وجعله أبسط وأقل من حيث عدد آلاته ، إضافة بعد هارموني للأغنية بحسب "هاني شنودة" ونقاد ، وأيضاً ، وهو الأهم : الدماغ..

كان للفرقة دماغان مفكران ، الأول هو "هاني شنودة" وكان دماغ الفرقة الموسيقي ، ملماً بالموسيقى الشرقية والغربية معاً ، وأكسبته خبرته السابقة في مصنع النجوم "البيتي شاه" خبرة الاحتكاك بجمهور مختلف رأى في بساطة الموسيقى الغربية ما تفتقده أغاني عصر التطريب ، البساطة التي نقلها أيضاً إلى الموسيقى التصويرية التي صار أحد نجومها عن جدارة ، ومن ينسى موسيقى أفلام "المشبوه" و "غريب في بيتي" ومسلسل "فيه حاجة غلط" أحد أنجح درامات الثمانينات ، لكن مع نهاية الثمانينيات بدأ خطه البياني في التراجع ، وأثر العمل في أفلام ضعيفة القيمة عليه بالسلب الشديد..

والدماغ الثاني لفرقة المصريين ، وموجهها الفكري الحقيقي والفعلي ، كان الراحل "صلاح جاهين" ، صحيح أن الفرقة تعاملت مع شعراء كبار وشعراء غير معروفين ، لكن "جاهين" صاغ فلسفة الفرقة وخطابها التي توجهت به إلى شباب تلك الفترة وإلينا أيضاً ، وحدد إلى حد كبير خطها الغنائي التي على أساسه تعاملت الفرقة مع غيره ، خط يتمرد على الحب والغزل التقليدي ، يخرج إلى العالم بمعناه الأوسع ، يغني للتجربة والمحاولة والطريق ، والحياة بشكل عام.. بلغة بسيطة بساطة موسيقى الفرقة التي شكلت إنقلاباً على السائد ، وبروح لا تتوقف عن التمرد والمرح والتفاؤل حتى مع إصابة "جاهين" نفسه بالاكتئاب.. ضخامة دور "جاهين" في "المصريين" تجسدها حقيقة مفادها أن الفرقة استمرت بعد رحيل "عبد الرحيم منصور" عام 1984 ، لكنها لم تستطع الاستمرار طويلاً بعد رحيل "جاهين" في العام 1986..

رحيل "جاهين" و"تحسين يلمظ" أحد أعمدة الفرقة وضعا حداً لمسيرة "المصريين" التي استمرت أحد عشر عاماً ، حاول "هاني" إعادة الفريق بشكل جديد وأسماء مختلفة ، لكنه وجد نجاحات الماضي عملة نادرة قيمة تصعب على التقليد والاستنساخ ..

الآن لدينا فرق لم تستوعب الدرس ، افتقد بعضها للدماغ والاتجاه ، وارتمى بالكامل في أحضان التغريب الذي عد قريناً للوجاهة الثقافية والاجتماعية ، وتطرف بعضها الآخر في التمسك بالخط الجاهيني الحجاري بتقليديته ، فرق لم تخرج كثيراً من حدود الساقية ودار الأوبرا وكوكب وسط البلد إلى عالم أوسع يضم جيلاً من الشباب على اختلاف مشاربه وخلفياته الثقافية والاجتماعية ، ينفخ الإعلام المتربح من الثورة والساعي لحلبها واستغلالها في صور فرق منها ، لكن الأمر يبدو كتغيير أسماء الشوارع إلى أسماء غير التي عرفها عليها الناس وعاشوا وتعايشوا معها.. قد يقبل عليها بعض الشباب الحالي لكن ولاء هؤلاء الشباب الحقيقي لذكريات "المصريين" ومرح "الأصدقاء" وثورية "طيبة" الفريق المظلوم دعائياً ونقدياً..

لا يلزم على أي فريق غنائي أن يسير في نفس اتجاه "المصريين" ، فقط أن يكون له اتجاه ، لا يلزم على أي فريق غنائي أن يقلد موسيقاهم كي يكرر نجاحاتهم ، بل أن يكون له خطه وموجته التي تستطيع آذان الناس أن توالف عليها .. كان نجاح "المصريين" وبقاؤها في ذاكرة أجيال مختلفة من المصريين يتلخص في أن تلك الفرقة اختارت أن تكون نفسها فحسب ، وأن تحتمي بالناس لا أن تنعزل عليهم أو تتقعر عليهم..
* من روائع "المصريين" المنسية : "لما كان البحر أزرق" ، الكلمات للشاعر "هاني زكي" ، الفيديو من "يوتيوب"..

No comments: