Monday, October 08, 2012

كابوريا : بين "أوكا وأورتيجا" و "حسن هدهد"

مقدمة: "حسن هدهد" لمن لا يعرف كان الشخصية الرئيسة في فيلم "كابوريا" الذي مضى عليه ما يقرب من العقدين ، الفيلم الذي كتبه "عصام الشماع" الذي تحول لاحقاً إلى "إبراهيم عفيفي" تليفزيوني ، وأخرجه "خيري بشارة" في مرحلة من حياته أصبحت أفلامه فيها أكثر إثارةً للجدل كلما بعد الزمن أكثر عن وقت إخراجها.. فيلم يمكن قراءة رموزه ، وكذلك باقي أفلام مشروع "بشارة" المشترك مع "مدحت العدل" كـ"أمريكا شيكا بيكا" و "إشارة مرور" و "قشر البندق" و"حرب الفراولة" ومن قبلهم "آيس كريم في جليم" بطريقة مختلفة في الوقت الحالي عن الأسلوب "الانطباعي" الذي غلف المدح المبالغ فيه لها ، والهجوم المبالغ فيه عليها ، أمر أراه ببساطة يحسب لسينما "خيري بشارة".. وإن كان يحسب أيضاً للسيناريوهات وكتابها بدرجة أقل..

ولمن لا يتذكر الفيلم ، أقول ببساطة أن "حسن هدهد" (=لعبه الراحل "أحمد زكي") هو ملاكم فقير كل طموحه أن يتأهل إلى "الأوليمبية" -الألعاب الأوليمبية- وربما المنافسة على ميدالية أوليمبية ، مرتبط بفتاة والدها يرفضه بحجة أن الملاكمة التي يمتهنها "ما بتأكلش عيش" ، تتغير حياته عندما تجمع المصادفة بينه وبين "حورية" (=لعبتها "رغدة") وهي زوجة لمليونير (=لعب دوره "حسين الإمام") ، تدعو "حورية" "هدهد" وأصدقائه للعب سلسلة مباريات للملاكمة تتراهن فيها وزوجها وأصدقاؤهما عليهم وعلى آخرين من أجل المتعة والتسلية لا أكثر ولا أقل ، وبالمرة تتيح لـ"هدهد" ورفاقه الإقامة في قصرها ، تعجبه التسلية والأموال التي تغدق عليه بينما لا تعجب آخرين من أصحابه يتمردون عليه ويبقى هو في القصر مستمتعاً بما يحدث ومستفيداً، وتصل التسلية إلى ذروتها حين توحي "حورية" إلى "هدهد" أنها تريد إقامة "علاقة" معه ، فيرفض ، فتتركه وتلفظه بعد أن شعرت أن هدفها قد تحقق ، فيتمرد هو على كل شيء ، "حورية" و "سليمان" و حتى "نور" (=لعبتها "سحر رامي") وهي الفتاة الفقيرة التي تعمل في خدمة "حورية" وتحبه بصدق ، ويعود إلى حيه الشعبي ليعاود القتال من أجل أحلامه القديمة على حلبة الملاكمة..

ذات مومنت يثور السؤال : انت جايبنا هنا علشان تسمعنا قصة فيلم؟ إيه الرخامة دي؟

استحملوا الرخامة الصح اللي جاية..

في تحليلي الشخصي ، وفي تحليلات عدة لنقاد ، يبدو "كابوريا" على خفة طابعه ولغة حواره فيلما رمزياً بامتياز ، حافل برموز وإشارات وإسقاطات يفهمها من شاهد الفيلم بتمعن وحاول قراءته.. رموز وإشارات وإسقاطات قفزت إلى الذهن عندما بدأت أذكر علاقة المال السياسي بموسيقى المهرجانات.. وقبل أن تتهموني باستخدام "المال السياسي" في أي جملة مفيدة .. أطلب قليلاً من الصبر..

0-تستطيع أن تتذكر ما كتبه "خالد طاهر جلالة" عن أحد رموز المال السياسي ، أو ما أسميه بثقافة "الكنتنة" ، أن تنشئ طبقات المجتمع ومنها بالطبع المال السياسي ما يشبه الكنتونات وتغلقها على نفسها ، تماماً كما كان الحال بالنسبة لـ"سليمان" و "حورية" ، وكعادة الطبقات الأغنى ، والأكثر استغلالاً - تذكروا إقطاعيي ما قبل 1952 في أغلبهم - تميل تلك الطبقة الأغنى إلى مزاج يعكس نخبويتها ونقاءها مقارنة بـ"الآخرين" ، ذوق موسيقي تغريبي في طابعه ، ذوق ثقافي مائل إلى التغريب ، صحافة رصينة وحنجوري متين من الذي تقدمه وتعرف به دولة "الشروق" ، مزاج يتماشى مع المظهرية السائدة في المجتمع المصري حالياً في الثقافة وفي التدين وفي أشياء أخرى.. مزاج ينظر إلى باقي المجتمع ، وليس لـ"أوكا" و "أورتيجا" وأشباههما بنفس النظرة التي ينظرها "سليمان" و "حورية" لـ"حسن هدهد" وشلته في الأحوال العادية ، طبيعي جداً أن مزاجاً ثقافياً قوامه كتب "هيكل" وروايات "يوسف زيدان" و"الشروقيين الجدد" وموسيقى "وسط البلد" و"اسكندريللا" أن ينظر لأغاني الأفراح والمهرجانات من أعلى لأسفل ، وأن يتعامل في الأحوال العادية بكل قرف مع من يعتبرهم مجموعة من الهلافيت يقدمون فناً هابطاً في أجواء البيرة والحشيش..

1-الشلة المكونة من مليونيرات من عينة "سليمان" و "حورية" ومثقفين يشبهون كثيراً "نور" قررت إقامة علاقة من نوع جديد مع "حسن هدهد" وفصيلته ، علاقة فيها من النفعية السياسية ، بما أن المال السياسي يقدم نفسه كمنقذ لمصر التي بها بالتأكيد فقراء تشكل المهرجانات جزءاً من ذوقه الموسيقي ، وفيها أيضاً من التسلية ، وقد "ترن" في أذنك كما رنت في أذني عبارات الإكليشيه المتعفن المبتذل القميء في السينما والدراما المصرية عندما يتذوق أحد الأغنياء الطعمية "يااااايي أوريجييييناللللل" ، نظرة تشبه انبهار "سليمان" و "حورية" والشلة بـ"حسن هدهد" ومن معه في مشهد ما قبل أغنية الفيلم الشهيرة التي تمايلوا جميعاً على إيقاعها..

2-هذا الانبهار كان كفيلاً بضم "حسن هدهد" لفرقة المسلواتية الذين من أهدافهم تسلية الصفوة وتحسين حالتهم المزاجية ، وبتلميعهم أكثر ، فقرة غنائية في إعلان ، تسليط الأضواء على نوع "أوريجييييييناللللل" من الموسيقى ، الدعاية ، استضافة في برامج في "أون" و "سي بي سي" ، حزمة خدمات وامتيازات يستفيد منها المسلواتية الجدد كما استفاد "هدهد" في "كابوريا" ، حيث باع فنه ، ولعبته ، وموهبته لمن يستفيد ، حتى وإن لم يأخذها ذلك المستفيد على محمل الجد ولم يحترم إنسانية ذلك الموهوب وما تشكله له.. الملاكمة كانت لـ"هدهد" الفن والموهبة والمتنفس ، وكانت لـ"حورية" ومن معها تسلية لذيذة بمشاهدة لعبة مصارعة الفقراء.. أمر يحدث مع من قرروا أن يلعبوا دور "هدهد".. "المهرجانات" بالنسبة للفقراء والبسطاء مساحة للهرب والبحث عن مود جديد بعيداً عما تحفل به حياتهم من إحباط واكتئاب وانسحاق .. وبالنسبة لـ"إياهم" تمثل شيئاً "أوريجيييييييينالللل" من الممكن أن يكون لهم فيه مآرب وأغراض أخرى.. كما سيتقدم..

3-في "كابوريا" الفيلم نجد صفقة داخل صفقة ، على غرار قصة داخل قصة ، الصفقة الداخلية بين "حورية" و "هدهد" تشبه كثيراً ما أشعر أنه يحدث ، وربما أكون مخطئاً جداً ، بين السادة المال سياسيين وبين بعض فناني المهرجانات : كونوا لنا ، نكن لكم ، كونوا جزءاً من مزيجنا الفني السياسي ، كونوا سفراءنا لدى الفقراء المساكين ، كي يكونوا حجارتنا التي ستكون جسرنا للسلطة ، وستبقون في قصرنا المنيف ، مع الصفوة ورموز "العياقة" الثقافية والفنية والاجتماعية ، يرفع الناس ناظريهم لكي يرونهم مجرد رؤية ، وليس العكس..

4-لا توجد صفقة مستديمة ، سيأتي اليوم الذي تنتهي فيه تلك الصفقة ، بنفس الطريقة التي انتهت بها في الفيلم ، أو بطريقة أخرى ، والمحصلة واحدة ، كما عرف "هدهد" أن قوته مخصصة لإسعاد من يحبونه بحق ، ولتحقيق حلم يسعدهم ويسعده ، قد يعرف أولئك أنهم ليسوا ملكاً لأحد ، وأن موسيقاهم مهما اختلفنا على نوعيتها هي ملك لهم ولغيرهم من البسطاء.. كيف ستنتهي الصفقة في الحقيقة؟ الله أعلم.. دمتم بود..
* الصورة من موقع "عين على السينما"..

No comments: