Tuesday, June 06, 2006

الفقراء و "السيمة" : من "شجيع الانفتاح" إلى اللمبي!


في تدوينة سابقة قلت أن صعود طبقتي الأغنياء والفقراء الجدد فرض على صناع السينما مخاطبة الطبقتين والتركيز عليهما.. وقلت أيضاً أن الفقراء الجدد كانوا تابوهاً يحظر الاقتراب منه .. فما الذي حول الفقراء الجدد إلى مادة جاذبة للسينما؟ وقبل ذلك.. ما هي علاقة الفقراء بالسينما؟

الفقراء كانوا لفترات طويلة هم المحرك والممول للصناعة ، كما كانوا سبباً في موسميتها (مواسم الأعياد والصيف)..ففي كل موسم تكون الوجهة الأولى ، بل والأخيرة ، للعيديات ومصاريف الجيب إلى صالات العرض ، خاصة دور العرض الدرجة الثانية والثالثة ، لمشاهدة عادل إمام وأحمد زكي ونادية الجندي .. بل وتحديداً عادل إمام الذي مثل ولفترات طويلة شخصية "شجيع الانفتاح" البطل الذي يأخذ حقه "بدراعه" ، وأحياناً الفهلوي أو الانتهازي الصاعد للقمة في زمن الانفتاح في أفلام من عينة "سلام يا صاحبي" و "حتى لا يطير الدخان" ، وتحتفظ ذاكرتي بمقال نقدي قديم نشر في مجلة اليقظة الكويتية قبل عشرين عاماً عن الفيلم الأخير.. وللحق فقد لعب إمام بذكاء على تلك النغمة واستفاد منها لأقصى مدى ممكن..وعلى أي حال..كانت تلك الأفلام تمثل لهم أحلاماً يسعون لتحقيقها..إن لم تكن نماذج يسعون لتقليدها..

ولم يكن الفقراء فقط مجرد داعم وممول وصانع لنجومية ممثلين من أمثال عادل إمام ، فعلى الجانب الآخر ، جانب الإنتاج والتأليف ، كان الفقراء موضوعاً للسينما ، إما تبنياً صادقاً لقضاياهم (سواق الأتوبيس) ، أو محاولة لتملقهم في بعض الأحيان خاصة في فترات السينما الموجهة أو حتى تسولاً لملاليم تذاكرهم..وتكرر هذا الداء المهبب في التليفزيون..وخصوصاً من كتاب ينتمون لاتجاهات سياسية بعينها ، أو "بتوع سوق" في ظل نظام المنتج المنفذ الذي "جاب الدراما المصرية الأرض"..

هذا لا يمنع أن بعض السينمائيين من أمثال داوود عبد السيد ورضوان الكاشف قرروا دخول عالم الفقراء الجدد تغييراً للمناظر ، وبحثاً وراء "المهمشين" .. فنجد فيلم "الكيت كات" لداوود عبد السيد والذي يدور في منطقة لا تخطئ العين العادية معرفة أنها منطقة عشوائية .. قس على ذلك أفلاماً أخرى منها "ليه يا بنفسج"..وحقيقة كانت تلك النوعية من الأفلام تثير "حساسية شديدة" لدى المنتجين .. بل ولدى العديد من المتفرجين.. وكانت منطقة "سكان العشوائيات" قبل أن تشيع تسميتهم بـ"البيئة" منطقة "لبش" يستحسن تجنب الاقتراب منها.. إلى أن ..

حدثت صدفة أخرى..

الصدفة هي شخصية "اللنبي" التي ظهرت في فيلم الناظر أشهر (إن لم يكن أفضل) أفلام الراحل علاء ولي الدين .. شخصية تمثل الطبقة الجديدة التي ارتبطت صورتها إلى حد كبير بـ"المساطيل" و "المجرمين".. وأدى "اللنبي" ممثل من الصف الثاني اسمه محمد سعد .. ممثل كان يوماً طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية قبل فصله .. وشارك في العديد من الأدوار أهمها دوره في فيلم "الطريق إلى إيلات" و مسلسل "مازال النيل يجري"..

نجح "الناظر" ومعه "اللنبي".. للحد الذي جعل "السبكي" أحد منتجي السينما يقرر إنتاج فيلم عن "اللنبي" .. الذي حرف اسمه فيما بعد إلى "اللمبي".. قام بإخراجه وائل إحسان .. وكانت المفاجأة الأكبر أنه حقق نجاحاً جماهيرياً غير مسبوق .. متفوقاً على فيلم "مافيا" دلوعة النقاد في ذلك الوقت (وبعد أن عرض "مافيا" على الفضائيات عرفه الجمهور على حقيقته)..وكان الداعم الأكبر جماهيرياً لـ"اللمبي" هو جمهور الفقراء الجدد الذين وجدوا أنفسهم فيه ، ووجدوا مساحة للفرجة على ، بل والسخرية من أنفسهم.. كما قرأت في تحليل نشر على أحد المواقع الإلكترونية..

وبعد "اللمبي" أعاد مؤلفو السينما حساباتهم ، وقرروا الاتجاه بأقصى سرعة إلى طبقة الفقراء الجدد ، ليقدموا أفلاماً يغلب عليها طابع الاستسهال إن لم يكن الاستهبال من عينة "خالتي فرنسا" و"حاحا والتفاحة" .. حتى وإن ظهر في المنتصف فيلم مثير للجدل مثل "مواطن ومخبر وحرامي".. ولم يقتصر الأمر على الأفلام فقط.. بل صار هناك ممثلون ملتصقون تماماً بتلك النوعية من السينما الطبقية ، فنجد عبلة كامل وقد دفنت موهبتها في منطقة خالتي فرنسا التي تكررت بأشكال مختلفة في أفلام مختلفة ، رغم دورها القوي في مسلسل ريا وسكينة ، وأحياناً حسن حسني ، فضلاً عن محمد سعد الذي لم يجرؤ بعد على خلع عباءة اللمبي ، وأخيراً سعد الصغير مطرب الطبقة الأول مع الاعتذار لشعبولة الذي "بطلت موضته"..

انحيازاً للفلوس إذن ، وعملاً بشعار "اللي تغلب به العب به".. قرر صناع السينما في مصر جعل السينما أكثر طبقية .. مركزين على طرفي المسطرة الطبقية في مصر ، وأسقطوا الطبقة الوسطى الحقيقية من حساباتهم ..لتبقى السينما المصرية محشورة بين داليا البحيري في شرم الشيخ ، واللمبي في "المنتئة"!

*الصورة من موقع جريدة الجزيرة السعودية

9 comments:

قبل الطوفان said...

تحليل جميل ومنطقي لواقع العلاقة بين السينما والطبقات الاجتماعية للمشاهدين في مصر
أود فقط أن أشير إلى أن السينما - وقبلها التلفزيون- أرادت تصوير حياة الأغنياء كي تجذب إليها جمهورا يعاني السطحية وقلة الوعي..جمهور يحاول أن يتماهى مع هؤلاء الأغنياء الذين لا يعانون إلا في مشكلات القلب ومتاعب الحب.. جمهور تتحرك رغباته الكامنة لدى رؤية القصر الفخم وحمامات السباحة التي تتلألأ الأضواء من حولها والنساء بأجسادهن العارية وهن يتهادين أو يتنفسن بصعوبة في وجه الرجال المتأنقين
أما التركيز على الفقراء الجدد في السينما فهو شبيه بما جرى في فيلم "كابوريا" عندما استعان الأغنياء بعدد من الفقراء على سبيل التسلية.. وليس مهماً إنسانية هؤلاء بقدر ما يهم التسلي بهم وتشييئهم كأن أدوات للترفيه
بالمناسبة.. الطبقة الوسطى في مصر وحسب مقاييس اقتصادية واجتماعية محددة.. تآكلت وأصبحت في مرحلة الاندثار.. وقسمها الأكبر انضم إلى فقراء هذا الوطن
أحسنت

قلم جاف said...

لفتت نظري لشيء مهم كنت نسيته أثناء الكتابة ، ألا وهو التمادي في الأرستقراطية اللي شهدته بعض أفلام الأربعينيات اللي بيتحسر عليها الجيل اللي عاشها (فين أيام الشوارع النضيفة والقصور العالية ، مش حارة بيئة وناسها شراشيح)..

كان عاطف سالم قال في مرة من المرات إن على أيامه كانت كل الأفلام بتنتهي بجواز البطل والبطلة ، وكل بيت كان فيه "سلم" حتى ولو كان أصحابه فقرا دقة .. وكان رافض هو ، وفي رأيي مش لوحده (صلاح أبو سيف كمان)التيمات السخيفة المكررة دي..

تعليق ثري كالمعتاد منك يا أستاذ ياسر..

HANY said...

على غرار مجلس الشعب وتحديدأ نواب الحزب الوطنى اعلن موافقتى " موافقة" على ما كتبت فى مقالك واعتقد انه يرصد واقع اليم الا وهو الناس عايزه ايه مثلا الناس يريدون رؤيه من هو اغبى منهم فلنقدم لهم شعبان عبد الرحيم وهو بالمناسبه من ازكى ازكياء مصر فقد وجد الناس يريدون رؤيه بلياتشو فقدم لهم ما يريدون واخذ هو ما يريد انها مأساة الغيبوبه الفكرية التى يعيش بها شعب مصر وان كان هناك خطأ ما فالخطأ خطأ المتقفون "" ويل للمجتمع اذا انحرف المثقفون""
ملحوظه ثوف اكتب مقاله بهذا العنوان فى مدونتى اتمنى منك قراءته ووضع تعليقك عليه
والى الامام دائما اخى الكريم

محمد هشام عبيه said...

فين ياعم
مابعتش المقال في الميعاد ليه ياريس؟

abderrahman said...

عزيزي قلم جاف..
كنت قد كتبت تدوينة في مدونتي عن أحمد عدوية والفن الشعبي ..

وكان في نيتي أن أكتب عن الفارق بين أحمد عدوية، وأمثال الصغير وشعبان عبدالرحيم، وأصحاب المولد وغيرهم .
وسعدت بالبوست الماضي لأنه يتحدث عن فكرة مقاربة .

أما في هذا البوست.. أريد أن أسجل ملاحظة نحو توجه بعض السيناريوهات في فترة الثمانينات وما حولها للإتجاه للطبقة الكادحة .
يجب أن نلاحظ أن بعض الأسماء التي كتبت عن هؤلاء كانت تحمل خلفية يسارية .
والتي انعكست على فكرة وجود بطل غني فاسد حرامي.. والفقير الكادح الذي يتبني فكر الغني للقضاء عليه .

الفكرة مستهلكة وكانت منتشرة جدا في فترة الثمانينات، وأتذكر أني كنت قد قرأت عن أن (أحد) أسباب تواجدها هو الخلفية اليسارية للقائمين على تلك الأعمال والتي دفعتهم لتشويه صورة الأغنياء عبر السينما دون تخطيط طبعا.

قلم جاف said...

أنهي مقال ؟.. عموماُ إن شاء الله ح أبعت واحد قريب..

محمد هشام عبيه said...

المقال ده ياعم ما أنا بعت لك بالإيميل أقول لك فيه اختصره بس إلى 450 كلمة وابعتها لي..بسرعة ياعم الماتش هيبدئ حالا!

زمان الوصل said...

من العدل فعلا ان نصف سعيد الصغير بأنّه مطرب "الطبقه" الأوّل عطفا على انّه المطرب الذى يغنّى ب"مؤخرته" !!

كما هو عادل جدّا ايضا ان توصف "عبله كامل" ب "غول التمثيل" إذا قرّر بعض الخبثاء امثالى الاكتفاء بوصف الغول و حذف كلمة تمثيل من الجمله !! فعبله كامل بلغة حمّى كأس العالم التى تجتاحنا هذه الأيام "لم تختبر" .. و مهاراتها التمثيليه فى رأيى المتواضع تنحصر فى قدرتها الفائقه على التطجين و التشويح فى أوقات الحرب و البربشه بعينيها للبكاء فى اوقات السلام !!

وعلى رأى اللى قال "سلّم لى ع الطبقه و ماتنساش الأستك"

قلم جاف said...

بخصوص عبلة كامل ، أؤمن تماماً على رأيك فقط فيما يخص مسلسل لن أعيش في جلباب أبي الذي كان واحداً من أكثر أدوارها نمطية.. وكذلك في هارون الرشيد .. وهناك ممثلون لا يجيدون الأعمال التاريخية في مواجهة ممثلون يتألقون في التاريخي دوناً عن غيره ..تلك النمطية التي استغلها مخرجون آخرون في أعمال أخرى مثل خالتي فرنسا وأخواتها ..

إلا أنها "تختبر" في أحيان قليلة جداً ..عندما تجد مخرجاً يستطيع استغلال عيوب ممثليه لتقديمهم في شكل مختلف ومغاير..

الاختبار الوحيد ، والصعب ، الذي شاهدته لها كان مشهد الانهيار في مسلسل ريا وسكينة ، وكيف استطاعت الانتقال في دقيقة واحدة من قمة الهدوء والبرود والاستخفاف أمام وكيل النيابة فتحي عبد الوهاب ، إلى قمة التوحش عندما تهم بالهجوم على ابنتها التي اعترفت عليها ..إلى قمة الانهيار عندما تحس أن أمرها قد انفضح.. بالتأكيد وراء ذلك توجيه دقيق من جمال عبد الحميد ، وتركيز من عبلة كامل في المشهد الأفضل في المسلسل والذي يعطي انطباعاً - لي على الأقل - أنه one shot صور لمرة واحدة فقط لأنه لا يحتمل الخطأ..

باستثناء هذا المشهد ، ومشاهد أخرى في المسلسل بقيت هي عبلة كامل النمطية التي نعرفها ..