Thursday, February 12, 2009

هات قفص للباشا!


"الرقابة على المصنفات الفنية".. جهاز يراه كل منا بطريقته ، البعض يراه شراً لا بد منه ، والبعض الآخر يراه شراً فقط .. لكن المؤكد أنه أحد "ظلال" و"ترمومترات" الدولة في مصر ، شئنا نحن ، وشاء صناع الأعمال الفنية ، وشاء مؤيدوه ، ومعارضوه ، وموظفوه ، أم أبى كل من سبق.. ومن يعرف أكثر عن تاريخ هذا الجهاز سيرى فيه مرآة تلخص كثيراً من التوجهات السياسية التي يعاصرها أكثر ربما من شخوص وتوجهات وأفكار القائمين عليه..

ولأننا نتحدث عن "الرقابة" فبالتأكيد سنتحدث عن "الخطوط الحمراء".. وإذا نحينا التوجهات السياسية جانباً (النظام والشخصيات المقربة له والقوى السياسية والمذهبية الدينية المتحالفة معه ...الخ) بما أنها "فضفاضة" تتغير من عهد إلى عهد ومن فترة إلى أخرى في نفس العهد ، تبقى هناك خطوط حمراء أخرى تتعلق بالسلم العام ، والوحدة الوطنية ، والجنس ، والدين.. وهي خطوط واضحة يعرفها جيداً عامة الناس وليس مؤلفو ومنتجو الأغاني والمسلسلات والأفلام..

وينقسم صناع الأعمال الفنية أمام هذه الحقائق إلى عدة فرق ..فريق من أصحاب قضايا يهمهم أن تصل لأكبر عدد من الناس ، ولكي تصل هذه الأعمال فعليها تخطي حاجز الرقابة ، وبالتالي فإنه لو تخطت أفكارهم تلك الخطوط الحمراء فإنهم يبدون قدراً من المرونة أثناء تعاملهم مع الرقابة حتى وإن تصادموا معها أحياناً ، وهؤلاء يحترمهم أغلب الناس وإن اختلفوا معهم ، وفريق آخر "محترف" يتقن تمرير ما يريد من محظورات تتعلق بالجنس واللغة البذيئة والتلميحات الطائفية فوق رءوس موظفي جهاز الرقابة ، يحترم الناس ذكاء هؤلاء ولا يحترمهم ، وفريق ثالث يسمى فريق "لا تصالح".. يبحث عن المحظورات من أجل المحظورات ، ويلفقها في أعماله تلفيقاً كي يظهر بمظهر الجرأة السياسية والفنية، وعندما ترفض الرقابة يهم بتمثيل دور الشهيد ويبدأ في الصراخ لكي يستدر عطف المثقفين.. وهذا الصنف لا يحترمه السواء الأعظم من الجمهور خاصة الذين لا يحترمون من يستغبيهم!

ولكن يبقى فريق رابع هو الأذكى بين هؤلاء جميعاً.. الفريق القادم من أسفل درجات السلم الطبقي.. مهما اختلف كاتب السطور واختلفنا جميعاً حول ما يقدم إلا أنه يبقى الوحيد الذي يحقق هدفه بلا خسائر..

جاء مطربو الميكروباص و"الشعبي الجديد" من القسم الأدنى من الطبقة الفقيرة ، ومن طبقة "الفقراء الجدد" - ساكني العشوائيات- وهم الأكثر تعاملاً وتصادماً مع "الدولة" بدايةً من صغار ضباط المرور إلى صغار المخبرين إلى صغار ضباط الشرطة والموظفين.. هذا التعامل جعلهم ينتهجون سياسة عبقرية تتيح لهم التعايش مع الدولة في صراغ "غير متكافئ" يجمعهم بها كل يوم.. سياسة تجعل الكل يربح .. أو ما يوصف لدى "المثقفين" بالـwin-win situation..

النظرية ببساطة : عندما تفعل ما تشاء رغم أنف الباشا فإنك قد انتصرت واسترحت ، وعندما تعطي الباشا "برستيجه" فإنك تعطيه شعوراً وهمياً بالانتصار يريحه .. وبهذا يخرج الجميع مسروراً في النهاية.. شيء يشبه من بعيد نظام (هات "قفص" للباشا)!

إبان تولي "حمدي سرور" الرقابة في التسعينيات أزعجته أغاني "شعبان عبد الرحيم" وقام بمصادرة شريط "كداب يا خيشة" في ذلك الوقت فأرسل له "شعبولاً" -بحسب صحيفة- برقية اعتذار عن تلك الأغنية ، وأغنية أخرى مطلعها "صادق يا خيشة وكلك طيابة.. زعلت منك حتى الرقابة".. وإن كنت أشك أحياناً في مصداقية هذه الواقعة..

ما أنا متأكد منه ، أن "بعرور" صاحب "العنب" أبدى مرونة كبيرة جداً عندما طُلِب إليه -من "السبكيين"- تعديل مطلع الأغنية خاصةً ما يخص "الحشيش" (أكل العسل حلو بس النحل بيقرص..شرب الحشيش مزاجه عالي والراجل اللي يكرس) لكي يمكن استخدامها في فيلم "أيظن" للمخرج "أكرم فريد".. ونجحت النسخة الأخرى - المعدلة رقابياً- نجاحاً كبيراً -أكثر من الفيلم- وإن كان لا يقترب طبعاً من النسخة الحقيقية التي قال فيها ما يريد!

وحتى عندما اكتشف جهاز الرقابة على المصنفات الفنية وجود أغنية "العبد والشيطان" ضمن مسرحية "ترالملم" للممثل "سمير غانم"-بعد أكثر من عام على انتشارها الكاسح في الأسواق- والتي -كما يراها الجهاز الرقابي- "تحرض على المعصية" و"شرب الخمر" لم تأخذ العزة "محمود الحسيني" ولم يتقمص دور "خالد يوسف" وقبل التعديلات لكي تستمر الأمور بشكل طبيعي..

قد يرى بعض من سيقرأ تلك السطور التحليل السابق على أنه يدخل في "تسبيب ما لا سبب له".. وإن كنت أرى أنه يصعب جداً فصل علاقة مطربي الميكروباص بالرقابة عن علاقة من يعيش حولهم هؤلاء المطربون بكل مظاهر الدولة.. جهاز الرقابة وعسكري المرور والمخبر والصول والموظف كلهم وجوه لـ"الباشا" الذي يصعب جداً عض يده ، ولكن يمكن جداً تقبيلها..
* الصورة من موقع حريف دوت نت..

3 comments:

Desert cat said...

يا عزيزى المصنفات الفنية انا حاسة انهم بيعملوا دماغ من اغانى الميكروباص دى اصلها انتشرت بشكل عشوائى فى كل مكان حتى فى الأماكن الراقية انت ممكن تصحى الصبح تلاقى واحد شيك بيسمع شعبولا
وواحد شيك لابس شيك وراكب عربية اشيك وبيسمع واحدة مجهولة الاغنية اللى بتغنيها كلها عبارة عن كلمة تعبانة
فين المصنفات بقى على الانحطاط ده

تحياتى

قلم جاف said...

شوية صبر .. إن شاء الله بنحضر عفريت ملف كامل عن الشعبي كما أراه .. وعن سبب إعجاب علية القوم الحاليين بالشعبي الجديد!

Ossama said...

عزيزي شريف مقال جميل جدا
وهذا الاسلوب منذ الازل
و للتاريخ كان محمد يونس القاضي شيخا معمما ومن اوائل ارلثباء في مصر وهو ايضا صاحب اغاني ارخي الستارة و اوعى تكلمني و غيرها من الطقاطيق التي اعتبرت خليعة
تلك نقرة و تلك نقرة اخرى
بالنسبة لشعبان فاعتقد ان الثنائي الذي كونه مع اسلام خليل ناجح ولذيذ بجد و هذا رأيي وخاصة في كلمات الخيال الجامح
مثل
البط يهز ديله وعاملي هيركوليز
الخ
شعبولا وامثاله لا يكترسون كثيرا للرقابة و يتم توزيع الشرائط بشكل سري / علني
و العناوين تكتب بشكل خراف يو باسماء شركات وهمية
واذكر انه مرة كتب عناونا حقيقيا و عندما داهمته شرطة المصنفات اكتشفوا انه منزل حمدي سرور