لمن يصعرون خدهم للكوميديا ، أرد بالقول بأن سبعة على الأقل من أفضل عشرة كتاب سيناريو وحوار في تاريخ السينما في مصر ذوي ميول كوميدية .. وأن هؤلاء قد أسهموا وبشكل كبير في شعبية الفن السابع في مصر ليس فقط في نجاحهم في كتابة أفلام الكوميديا .. بل في نجاحهم في الكتابة لأكثر من قالب سينمائي .. فالتجربة تثبت في كل مرة أن من ينجح في الكوميديا ينجح في كل ما سواها .. والعكس بالعكس..وبالتالي يصعب بل يستحيل تخيل تاريخ الفن السابع في مصر بدون أسماء مثل "بديع خيري" ، "علي الزرقاني" ، "السيد بدير" ، "بهجت قمر" ، "صلاح جاهين" ، وبالطبع "أبو السعود الإبياري"..
مائة عام تمر على ميلاد هذا الراحل العبقري ، بكل المقاييس ، هذا الرجل الذي ظهرت موهبته صغيراً كزجال نشر بعض أعماله في مجلة "الأولاد" قبل أن يتعرف على أستاذه ، والأب الروحي لكتابة الحوار في السينما المصرية "بديع خيري" والذي عده مثله الأعلى ، وتعلم منه الكثير ، وأسهم "بديع" في وضع قدم "أبو السعود" على أول الطريق ككاتب ومؤلف ذي شخصية خاصة وقبول عال وموهبة متميزة..
كانت الكوميديا هي ملعب "الإبياري" بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، ولذلك أبدع فيها فكتب قائمة طويلة من الأفلام الكوميدية والغنائية واللايت كوميدي كقصة وكسيناريو وحوار .. فضلاً عن عدد كبير من أغاني واستعراضات ومونولوجات تلك الأفلام ، وارتبط في مشواره الفني بأسماء "فريد الأطرش" و "محمد فوزي" و "شادية" ورفيق كفاحه "إسماعيل ياسين".. والذي كتب له عدداً كبيراً من الأفلام والمسرحيات والمونولوجات ، ربما كان من أميزها على قلة عرضه فيلم "إنسان غلبان" الذي أخرجه صديقهما المشترك الموهوب الراحل "فطين عبد الوهاب"..
وكأي ممن يتفوق في الكوميديا ، فقد تألق خارج مجاله المفضل ، سواء في السينما التي كتب لها أفلاماً درامية مثل "اليتمتين" - لـ"فاتن حمامة" ، أو في الأغنية.. في قائمة مؤلفاته الغنائية أغانِ مثل "قلبي دليلي" ، "البوسطجية اشتكوا"، وحتى أغنية "يا رايحين للنبي الغالي" التي تعد من أشهر أغاني الحج!
صحيح أنه كان واسع الثقافة كجل شعراء عصره وفنانيه ، إلا أن جزءاً كبيراً من قوته يكمن في قوة ملاحظته.. كان يدرك ببساطة شديدة أن من يريد تقديم فن عن مجتمع وإليه يجب أن يعرف عنه أكثر ، ويلاحظ ما يدور في جنباته من أحداث وتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى التغيرات التي تطرأ على سلوكيات الأفراد ، والألفاظ والمصطلحات التي يستخدمونها ..
هذا الرجل الذي كان يجلس على مقعد في كازينو الكورسال ، ومعه ورقة وقلم ، يلتقط كلمة من هنا ، مصطلح من هناك ، فكرة من هنا وأخرى من هناك.. يجمع أطرافها ويضعها في مكانها الصحيح.. ولعل قرب مفردات الحوار في أفلامه ،وإيقاع جمله من ما يمارسه الناس العاديون في حياتهم من أقوى أسباب القبول التي تحظى به الأفلام والأغاني التي يكتبها حتى لحظة كتابة هذه السطور ، أي بعد واحد وأربعين عاماً من رحيله..
قد تتفق أو تختلف معه .. لكنه يبقى واحداً من أكثر زملائه موهبةً وحضوراً وقبولاً وذكاءاً وأقواهم ملاحظة.. وضعوا تحت الأخيرة مائة خط..
*الصورة لـ"أبو السعود الإبياري" (1910-1969) من ويكيبيديا..
*الصورة لـ"أبو السعود الإبياري" (1910-1969) من ويكيبيديا..
2 comments:
انا كمان بحبه جدا جدا ..الله يرحمه
كان مسلسل "إسماعيل ياسين" قد أعيد عرضه على "ميلودي دراما" .. ومن المسلسل بدأت أعيد اكتشاف عالم المونولوج بأكمله ، و"أبو السعود الإبياري" أحد أهم كتاب الحوار في السينما المصرية.. وأحد أعظم من كتب المونولوج في تاريخ مصر.. باختصار أصبحت واحداً من عشاق إبداعات وذكاء هذا الرجل..
هو باختصار أحد شخصيتين شدوا انتباهي في الشهرين اللي فاتوا .. أما التاني فهو عملاق الابتهالات الدينية "نصر الدين طوبار"..
Post a Comment