1-ما الذي يميز صناع الأفلام "اللي عندهم دم" عن غيرهم؟
صناع الأفلام "ذوي الدم" يعرفون ويدركون أنهم عندما يقدمون مواضيع مكررة وإكليشيهات معادة يحاولون جهدهم البحث عن شيء جديد يشعِرون به المشاهد بأنه يرى شيئاً يختلف عما سبق وأن حفظه عن ظهر قلب ، يلعبون على التنفيذ وعلى التفاصيل وعلى أي شيء آخر يضفي النكهة على طبخة معتادة .. على العكس من الآخرين الذين يصل بهم الغرور إلى درجة تسليمهم بقبول المشاهد لأكل كل ما يقدم على مائدته ، وهو ما يحدث في التليفزيون أكثر منه في أي مكان آخر في مصر..
2-اختار صناع "عسل اسود" الطريق الأصعب ، وكانت مهمتهم أصعب وأصعب ، إذ أن متابع الفيلم يشعر بأنه رأى كل شيء في الفيلم تقريباً في مكان ما ، في أفلام أخرى ، في قصص أخرى ، في مسلسلات أخرى .. يعني.. بدءاً من تيمة المغترب الذي جاء يدفعه الحنين إلى وطنه الأم ليفاجأ فيها بفاصل من المنغصات .. تيمة يعرفها قراء ومتابعي أعمال عملاق الأدب الساخر "يوسف عوف" - رحمه الله - ويتأكد ذلك أكثر عندما ترى فاصلاً من اللوحات الساخرة القصيرة اعتاد "عوف" على تقديمها بشكل ساخر لاذع في أعماله الاجتماعية ، بفاصل من الكاراكترات المعتادة في أعمال "عوف" أيضاً ، من ضمنها على سبيل المثال لا الحصر "راضي" - لعبه ببراعة "لطفي لبيب" - الاستغلالي "المستبز" كما وصفه "حلمي" أثناء الفيلم ، مروراً بطواقم الموظفين في الفندق وشخصية الرجل الذي يؤجر الخيول للسياح و..و.. والذي يجمع بينهم جميعاً ضعفهم الشديد تجاه أي جواز سفر غير مصري ، واستقوائهم على أي مصري مهما أوصل شكله وأسلوب حديثه شيئاً آخر ، أضف لذلك تباين الثقافات التي تعد من أشهر مصادر الضحك في تاريخ الكوميديا ، ثم تحول علاقة الاستغراب والضيق التي يعانيها هذا الشخص العائد إثر ما رآه في مصر إلى اعتياد وحب للبلد بما له وما عليه.. ولا ننسى الحميمية والجو الأسري الدافئ الذي تشعر أنك رأيته من قبل في فيلم "اتش دبور" أو "الإرهابي" .. أو بالتأكيد في "في بيتنا رجل" .. وللمصادفة الغريبة وغير المقصودة فإن كلا الفيلمين تدور أحداثه في شهر رمضان!
3-لذا .. وكما سبق البيان ، حاول صناع "عسل اسود" اللعب على التفاصيل ، اختاروا لـ"حلمي" كاراكتر مكون من شكل أجنبي ، شعر طويل ، وعربي "مكسر" يلائم أسلوب "حلمي" القديم الجديد في الإضحاك بالتلاعب بالألفاظ وطريقة نطقها.. ويحسب جداً لصناع الفيلم أن هذا الأسلوب جاء في مكانه الصحيح ، بعكس ما كان عليه الحال في "مطب صناعي" حيث جاءت الأمور مفتعلة للغاية، ولا مانع من خلط العبارات ببعض الألفاظ التي تترجم في التليفزيون المصري على طريقة "الوغد..الشرير..الخ" ، والتي أثر في مصداقيتها عدم تمكن "حلمي" من اللكنة الإنجليزية الأمريكية (ولكن ليس بالشكل الكارثي التي ظهرت عليه "نبيلة عبيد" في "العمة نور)!
كما اختاروا لشخصية "حلمي" الشخصية الرئيسة في الفيلم اسم "مصري سيد العربي" .. والاسم في ذاته طبقاً لما شاهدته في الفيلم ساعد في إكساب اللوحات الساخرة في الثلث الأول من الفيلم قوة أكثر "أنا مصري..الخ".. ويحسب لـ"خالد دياب" و "خالد مرعي" أنهما ربطا بشكل مقنع تلك اللوحات -معظمها على الأقل- بشكل منطقي ، سوء المعاملة بسبب جواز السفر المصري يجبر "مصري سيد العربي" على إلقاء جواز سفره المصري والاعتماد على نظيره الأمريكي الذي يفقده في مظاهرة معادية لأمريكا..مما يجعله يبحث عن جذوره - على طريقة "أحلى الأوقات"- متعلقاً بالشخص الوحيد الذي يذكره من أيام الصبا -"سعيد" الذي لعبه "إدوارد"- ليقيم معه بشكل مؤقت إلى أن يستعيد جواز سفره الأمريكي - بطريقة ملفقة درامياً.. بل حاول الخالدان "دياب ومرعي" محاولة تشتيت المشاهد عن شبه فترة إقامة "مصري" مع عائلة "سعيد" بإضافة تفاصيل ورتوش بسيطة ، فيما يتعلق بتكوين العائلة نفسها مثلاً ، وفي محاولة إسقاط مشاكل الواقع المصري المعاش من بطالة ("سعيد"="إدوارد") أو عنوسة ("ميرفت"=لا أذكر الممثلة) أو أزمة سكن ("عبد المنصف" - "طارق الأمير*"-وزوجته =أيضاً لا أعرفها).. لكن تبقى المشكلة الوحيدة التي نجح المؤلف والمخرج في الإشارة إليها بشكل مبتكر وخفيف الظل هي مشكلة تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الحكومية المصرية..
4-يعيب بعض النقاد ، وبعض كتبة الأعمدة ، وبعض المشاهدين على الأفلام الحالية أشياء عدة على الأفلام الحالية ، منها مثلاً ظهور ممثلين أقدم في أدوار صغيرة جداً ، وإن كنت أرى أن ظهورهم أضفى نكهة على الفيلم طبقاً لأحداثه ، سواء "طرابيك" أو "مشرف" مثلاً الذين لم يدم ظهورهم على الشاشة دقيقتين كاملتين ، أو "يوسف داوود" الذي قام بدور المصور الفوتوغرافي في الفيلم .. ليمثل "صوت العقل" الذي دائماً ما يقدمه ممثل كبير وقديم كما حدث في "عايز حقي" في المشهد الوحيد -والأخير- للراحل الكبير "عبد المنعم مدبولي" وهو يحاول إقناع "هاني رمزي" بعدم البيع لأنه لن يجد وطناً يشتريه إن باع وطنه..
ويعيب هؤلاء أيضاً على الأفلام الجديدة عدم استعانة أبطالها ببطلات معروفات لكي لا تغطين على نجوميتهم ، بل مضى "حلمي" بالذات أكثر بدءاً من فيلمه السابق "ألف مبروك" حيث لم يستعن تقريباً ببطلة ولا بشخصية تصلح لأن تكون بطلة .. وجاء ذلك أيضاً موفقاً جداً في "عسل اسود" -على العكس منه في "ألف مبروك"- إذ منع ذلك من اصطناع قصة حب لا مجال لها درامياً في أحداث الفيلم ، كان من الممكن أن تراها فيه كما كان الحال قبل سنوات عدة لو صنع الفيلم في الستينيات أو الثمانينيات مثلاً..
فيلم في مجمله مسلي - بحق وحقيق- يخرج فيه المشاهد بكمية ضحك أكبر نسبياً من أفلام "حلمي" الأخيرة ، في قالب من أشياء رآها (=المشاهد) في مكان ما!
ملحوظة أخيرة: "حلمي" موفق في اختيار أفيشات أفلامه أكثر من اختيار أسمائها.. "مصر هي أوضتي" أو "جواز سفر مصري"- الاسمان السابقان للفيلم- كانا أفضل..
* بالمناسبة .. "طارق الأمير" هو مؤلف "مطب صناعي".. الصورة هي ما استطعت الحصول عليه من الفيلم .. من موقع "في الشارع" دوت كوم..
* بالمناسبة .. "طارق الأمير" هو مؤلف "مطب صناعي".. الصورة هي ما استطعت الحصول عليه من الفيلم .. من موقع "في الشارع" دوت كوم..
3 comments:
ان شاء الله اشوفه ..انا بقالى كتييييييير مش فاضية اروح سينما , مشفتش رسائل بحر ولا كلمنى شكراً
ميرسى على التحليل
يا راجل حراااام عليك. ده فيلم زبالة، وكليشة الكليشة. وأخلاقي بزيادة، وفيه مشهد كامل عبارة عن مناظرة، ورسالته النهائية زفت جدا.
انا اتخنقت منه جدا جدا جدا. وجابلي اكتئاب اسبوع
بيرو:
أنا تعمدت أتكلم عن الفيلم كفرجة وشريط سينمائي فقط.. أما المضمون فحركنه على جنب علشان عايز أربط بينه وبين الكليتش الحقيقي في سينما "ما بعد الحراك" (2005 وطالع) سواء أفلام الكباريه السياسي أو أفلام بعينها زي فيلم الجزيرة.. شريط سينمائي محترم ومضمون حقير..
العزيزة آخر أيام الخريف:
ما شفتش بكل أسف الفيلمين دول .. جايز أشوفهم دي في دي إن عرفت أحملهم بما إن مشاهدة الأفلام المتصورة من السينمات بكاميرا محمول هي التعذيب ذاته..
Post a Comment