Tuesday, September 21, 2010

مساحة كبيرة للعتاب


0-شئنا ، أم أبينا ، أصبح مسلسل "عايزة أتجوز" تحت دائرة الضوء ، ربما بسبب "موضوعه" - والذي تناوله كاتب هذه السطور في مدونة شقيقة بشيء من التحليل في حدود إمكانياته- أو بسبب كاتبته التي لها من المدون كل تقدير واحترام لا يقلل منه الآتي بعد ، أو بسبب الكتاب الذي أخذ عنه المسلسل والذي حقق نجاحاً كبيراً نشر على أثره على عدد كبير من الطبعات .. انقسم متابعوه حوله ما بين مؤيد ومعارض .. من أيَّدَ استند إلى نجاح كاتبة المسلسل في أن تحظى بمساحة اهتمام وسط كتاب كبار وأسماء لامعة في الوقت الذي يعد ذلك المسلسل العمل الأول لها.. أما المعارضون فيستندون لأشياء أخرى .. أوضحها في هذه التدوينة بشيء من التفصيل لحكم كوني واحداً منهم ، ومن المصدومين في الكثير من الناس الذين توقعوا منهم ما هو أفضل بمجرد دخولهم عالم الدراما ، بحساباته ، ومتغيراته..

1-يجمع شيء مشترك بين مسلسلي "عايزة أتجوز" و"العار" ، وهو أن لكليهما أصل سابق على إعداده ، فـ"العار" مأخوذ عن قصة فيلم شهير جداً بنفس الاسم تم إنتاجه قبل ربع قرن ، و"عايزة أتجوز" مأخوذ عن كتاب عن تدوينات بنفس الاسم نشرتها "دار الشروق" وحققت مبيعات ضخمة شجع الدار على إعادة طبعها على عدد كبير من الطبعات ، ثم على إنتاج المسلسل ، بما أن الشركة التي أنتجته تحمل نفس الشعار التي تحمله جريدة "الشروق"..وبالتالي فإن نسبة كبيرة ممن جره الفضول لمتابعة المسلسلين جاء بفعل معرفته بالأصلين ، سواء من لم يقرأ الكتاب ، أو من يريد أن يعرف إن كان هناك فرق بين الكتاب ، و"معالجة الكتاب" التي لم يظهر لها أي أثر ، كما سأوضح لاحقاً!

2-الخطأ الضخم الذي وقعت فيه المؤلفة ، وربما أقنعها به صناع المسلسل ، أن يتم تقديم الكتاب كما هو بالحرف الواحد ، أو بشكل يشعرك أنه الكتاب كوبي وبيست، وهذا "غريب" وخاصةً إذا ما اعتبرنا أولاً كون العمل هو الأول لها ، وثانياً الفرق بين لغة الدراما ولغة التدوين التي تكتب ، وأكتب ، ونكتب ، بها وهو ما ألمح إليه نقد نشر للحلقة الخامسة على صفحات "الدستور".. وثالثاً حساسية الكوميديا دوناً عن بقية أنواع الدراما الأخرى..وأن ما يكون "مقهقهاً" من الضحك على الورق قد لا يضحك بالمرة على الشاشة ..وهذا ما حدث بالفعل..

3-كمشاهد عادي .. لم أهضم المسلسل ، لأنني بحكم كوني من جيل "تليفزيونجي" اعتدت عادةً على أن يكون للعمل الكوميدي خطة.. بعبارة أخرى.. يقول أنصار المسلسل أن المسلسل "كوميدي ساخر".. ماشي.. ممَ يسخر المسلسل بالضبط؟

هناك احتمال من ثلاثة ، الأول -كما أسميه كمشاهد عادي غير متخصص- هو "السخرية الدفاعية" وفيه يظهر البطل أو الضحية عادياً في كل شيء في مواجهة ظروف أو مواقف أو شخصيات غريبة ، كما كان يحدث في أفلام "نجيب الريحاني" و "بديع خيري" مثلاً ، والثاني هو "السخرية الهجومية" وفيه يظهر البطل كشخصية غريبة غير مألوفة على المكان الذي تحل فيه ، ويأتي الضحك من غرابة طباع وأسلوب الشخص ، كما في كوميديا "الكاراكتر" ، أو من فرق الثقافة والفهم بينه وبين الآخرين "كوميديا سوء الفهم" ، والاحتمال الثالث هو السخرية من الوضع ككل ، وهو ما فشل فيه المسلسل بصراحة أكثر من أي شيء آخر.. فقط مجرد مذكرات مكتوبة أحادية الجانب فحسب.. صحيح أن العرسان كانوا عاهات ، وكذلك الدكتورة "علا" نفسها ، لكن المتفرج لا يشعر أن المسلسل يسخر منهم ولا منها ولا من التهافت المبالغ فيه على الزواج بأي ثمن.. فقط مجموعة من الممثلين بعضهم جيد وله تاريخ ، في وجود بطلة متواضعة الذكاء والموهبة ، بقيادة مخرج لا يخفى مستواه على أحد ، وكلهم يسعون لإضحاك بكل الطرق ، ولو استطاعوا سبيلاً لإضحاكه بقوة السلاح لفعلوا..

4-في العادة ، وعندما تكون المعالجة ضعيفة وغير قوية ، فإن ذلك يعطي صلاحيات للمخرج بأن يتدخل .. وهنا تأتي الخطورة .. وتخيلوا حجمها عندما يكون مخرج المسلسل هو مخرج أفضل أعماله "غبي منه فيه"!

ومشكلة السيد "رامي إمام" أنه أولاً استسهل فحاول نقل الكتاب كما هو إلى المسلسل ، وثانياً لم يستطع مقاومة إعجابه- الزائد عن الحد - بمسلسل مثل Malcolm In The Middle* الذي حاول ، وبغشامة ، ضرب أسلوبه وتقديمه في "عايزة أتجوز".. ووجهة نظره ، فيما أرى ، أن المسلسل يتناول الحياة من وجهة نظر "مالكولم" ، والكتاب يتناول الحياة من وجهة نظر "علا" ، إذن فالحل هو تقديم "عايزة أتجوز" على طريقة "مالكولم".. دي وصفة سهلة .. دي وصفة هايلة..

نسي الرجل أن المبالغات وحيل الفانتازيا كان لها ما يبررها في المسلسل الأجنبي ، الذي ينقل الحياة من وجهة نظر مراهق متذمر جامح الخيال ، يرى نفسه مثالياً أو طبيعياً على عكس من حوله ، كما يبين لبعض مشاهديه ، أما في المسلسل فلم يكن لها أي داع ، كان من الممكن أن يعمل هو والمؤلفة معاً على تقديم المواقف بشكل أبسط على أساس أنها مصدر مضمون للضحك في كوميديا تتناول موضوعاً اجتماعياً ، فالعاقل إذا تواضعت موهبته يلعب على المضمون ، ولا يخاطر إذا كان عائد المخاطرة أقل بكثير من تكلفتها..عكس -لا سمح الله - الموهوب واسع الحيلة والخيال..

والمؤسف أن "رامي" ليس متواضع الموهبة فحسب ، بل والثقافة أيضاً.. درست في مرحلة سابقة من حياتي في التسويق والدعاية أن استعمال الكوميديا في المادة الإعلانية - فما بالك بالدراما - هو سلاح ذو حدين ، يحتاج لحرفية عالية لمن يحاول استخدامه، إذا نجحت في الإضحاك فإنك ستضرب كل العصافير بحجر واحد ، سيستمتع المتفرج ويتسلى ، ستصل وجهة نظرك إليه ، ستنتشر وستنجح ، وإذا فشلت فسيسقط الحجر فوق رأسك و"سيبطحها"، ولن ينالك سوى "واوة" كبيرة في رأسك تذكرك بحماقتك ، ستخسر القضية أو الفكرة التي تحاول توصيلها للناس ، وسيتحول ما تفعل إلى مادة للسخرية ، وستتحول أنت نفسك إلى مضحكة ، وما أدراكم أن يتحول صانع عمل فني أو مخرج إعلانات إلى مضحكة في مصر!

5-بغض النظر عن تغني صحف بكثرة مشاهدة المسلسل على اليوتيوب ، وبالمقالات التي تمتدح تارة ، و"تبالغ في المديح" تارة أخرى ، أرى أن الكل قد خسر ، "الست البطلة" ، والممثلون ، والنجوم المشاركون ، والمؤلفة نفسها، خاصة أن تصريحاتها فسرت على أنها مسألة "من ليس معنا" ، وفسرت على أنها اتهام لكل منتقدي "عايزة أتجوز" بالنفسنة ، وهو أمر مرفوض جملةً وتفصيلاً..

سيكون العمل الثاني لـ"غادة عبد العال" تحدياً كبيراً ، ويمكنها أن تجتازه إذا ما درست الانتقادات المشروعة جداً للتجربة الأولى ، وإذا أدركت ، وقبل كل شيء ، أن للدراما حسابات أخرى تختلف..
* وقد يرى البعض أن "رامي" ضرب أسلوب Scrubs وليس Malcolm In The Middle.. الصورة من مدونة الزميل "أحمد الصباغ"..

4 comments:

جنون عـبقري said...

تحليل جميل وقيم .. وأتفق معك فيما قلتي

وهناك فرق كبير بين الكتابة وبين الرواية

ولابد أن يتم توظيف كل شيء بأدواته الصحيحة

لكن كبداية لغادة عبد العال تعتبر جيدة وإن كان هناك تكرار للمواقف من أفلام ومسلسلات سابقة وعدم الخروج عن النمطية المتعارف عليها

آخر أيام الخريف said...

شريف ...

النقطة الوحيدة اللى احنا متفقين فيها هى رامى إمام ..لكن فى المجمل المسلسل ظريف و أنا كصيدلانية بشوف حواليا بنات كتير كده فعلاً !!!

عموماً لو ربنا كرمنى و خصلت ريفيو أهل كايرو ..فيه ريفيو لعايزة اتجوز فى دماغى ... ساعتها نتناقش

دمت بكل الود :))

الجــــيرة والعشــــرة said...

أعتقد إن الصدمة كانت من نصيب من تابع المدونة أو قرأ الكتاب، لكنه يعتبر عمل ناجح من وجهة نظر الناس.

قلم جاف said...

الجيرة والعشرة :

مش من وجهة نظر كل الناس ، برضه المسلسل لاقى انتقادات وانتقادات عنيفة سواء على مستوى الكتابة أو على مستوى التمثيل .. وكان يهمني أوضح رأيي اللي بيحسب برضه على الرأي الآخر وإنه لا هو نفسنة ولا هجوم من أجل الهجوم.. أنا عن نفسي حطيت حيثيات يمكن مناقشتها بالحجة والبرهان..

العزيزة آخر أيام الخريف:

الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، في انتظار ريفيوهك عن "أهل كايرو" و "عايزة أتجوز"..

العزيز جنون عبقري:

أحترم رأيك .. أنا عن نفسي كمشاهد لا أرى أن المسلسل كان بداية طيبة ، بل سيحمل عليها ضغوطاً في المرة القادمة..وسنرى على أي حال .. وربنا يدينا ويديكم طولة العمر..