Thursday, October 07, 2010

كيف تكتب مسلسلاً في مصر؟


لا يوجد شيء في سهولة كتابة المسلسلات في مصر.. كل ما تحتاجه هو بعض التفكير المنظم والكثير من الفهلوة واللعب بالبيضة والحجر ما أمكن .. هذه الخطوات قد تشكل دليلاً نافعاً للأشخاص القادرين على اتباعها من أجل أن يصبح كاتباً دراماتيكياً يشار إليه بالخنصر والسبابة..

1-العلاقات أولاً وأخيراً: أحسن توضيب علاقاتك مع المنتج الذي يناسب وضعك الحالي في سلم الكتابة ، وإن كنت صحفياً فأنت محظوظ محظوظ محظوظ يا ولدي .. فمنتجو هذه الأيام خاصة القادمون من عالم السينما "بيتنشقوا" على صحفيين ليقوموا بأعمال الكتابة ، ولا أخفيك سراً أن هذه الأيام أيام صحفيين ، حيث أصبح من الصعب ذكر مجال لا يعمل به الصحفيون في الوقت الحالي ، وما سيغريهم بطلب خدماتك هو حجم علاقاتك في الوسط الصحفي واسم الجريدة التي تعمل بها سواء أكانت صحيفة حزبوطنية أو مال سياسية ، والتي عن طريقها تقدم أوراق اعتمادك للمنتج الأفخم بتدبيجك قصائد المديح والثناء في حقه ، ووصفه تارة بأنه رجل "بركة" ، وبأنه يتعامل مع كل الناس بـ"العدل" ، وهو من "صفوت" الناس ، وشخص "كامل" الأوصاف و"أبو علي" زمانه ..

2-اختر الرفيق قبل الطريق.. النجم يعني: اختيار النجم أمر شديد الأهمية ، فهو الذي على أساسه ، أو أساسها ، سيتم تسريب المسلسل للقنوات الدرامية المحلية أو العربية ، من الممكن أن يكون لك "بعض" الدور في اختيار النجم تنفيذاً لرغبات المنتج إن كنت مبتدئاً ، أما إن استطعت "تسنيج" المنتج ، وجعله كالخاتم في إصبعك ، فتستطيع أن تفرض عليه أي نجم كيف شئت .. ومن الأشياء النافعة لك وأنت تقترح على منتجك اسم أي نجم أن تعرف الحجم المالي لمنتجك ، فإن كان من المنتجين السينمائيين العاشقين للمنظرة ، اقترح عليه نجماً سينمائياً يأخذ بالملايين ، أو نجمة من الكبار "لسة فيها الرمق" ولا تزال تعرض عليها بعض الأفلام التي تتمنع عليها بتناكة.. أما إن كان "على قده" اقترح عليه نجماً أو نجمة من النجوم شبه المتقاعدين الذين أجلسهم نجوم السينما الجديدة في بيوتهم بعد أن انتهت صلاحيتهم في السينما فحلوا ضيوفاً ثقالاً على الفيديو لاستعراض عضلاتهم على الممثلين والممثلات الناشئين..

3-إدي نجمك برستيجه: فبدون نجمك فلن تحصل على الأفلس التي تستطيع تقليبها من تحت رأس منتجك.. وطبعاً على حسب نوع نجمك المفضل وحجمه يترتب البرستيج ..

إن كنت تتعامل مع نجمة من النجمات المتقاعدات ، حاول أن تشعرها من خلال السيناريو الذي تكتبه أنها لا تزال تعيش شبابها الغض ، وأن كل رجال المسلسل سينتحرون شوقاً من أجل الفوز بقلب جنابها ، وأنها مثل الأهرامات وأبو الهول لا تؤثر فيها عوامل الزمن التي تشيخ من في نصف عمرها قبل الأوان.. وحاول أن تقنع "القفص" - المخرج يعني - بألا يستقدم أي شيء مؤنث قد يشكل "خطورة معنوية" على صورة النجمة الكبيرة ، أو بصريح العبارة : حاول اقناعه بتفادي الاستعانة بأي ممثلة أصغر في السن وأكثر جمالاً وأعلى تمثيلاً يمكنها أن تشتت الأضواء عنها..

وفي اعتقادي فإن ذلك وحده لا يكفي ، حاول أن تقنع القفص أيضاً بإعطائها مساحة أكبر للتدخل في العمل الفني ككل ، المخرج "بييجي ويروح" أما النجم فيصعب تكراره ، وإن لم تستطع الإبقاء عليه أو عليها ، فسيطير أو ستطير بقدرة قادر إلى منتج آخر يطلب بأي طريقة الاستعانة بخدماته أو خدماتها من أجل مسلسل من المائة وخمسين مسلسلاً الذين سيعرضون في رمضان..

النجم أسهل من النجمة في إعطائه البرستيج اللازم ، والنجوم الرجال أقل كلاماً وأقل استغلالاً لنفوذهم داخل المسلسل من قريناتهم.. فقط احرص على جعله يشعر بأنه "ريدج" في مسلسل "الجريء والجميلات" -والذي أتعمد تسميته "الأقرع والجميلات" - وما أدراكم ما كان "ريدج" أو "مهند" .. وخلي القوس مفتوح!

واحرص على أن تستمر عملية الدلع أثناء تصوير المسلسل ، وشدد على القفص بأن "يتوصى" بالبطل أو البطلة ، فلا يدع أي مشهد يخلُ من ظهور له ، واحرص على أن تأكل صورته أو صورتها تتر الختام بالكامل فلا يظهر أي كومبارس آخر -أي ممثل تاني في المسلسل يعني - معه أو معها.. تماماً كالصورة الضخمة لـ"تهامي" في آخر برومو من سلسلة "تهامي ووديع" "الحقيقة وراء سفن".. وأوصي المخرج كذلك بالفلاتر ، "اهريه فلاتر".. خاصةً إن كان الممثل أو كانت الممثلة كبيرة في السن بعض الشيء ، لزوم إخفاء التجاعيد و"الديفوهات" .. "احنا عايزين ناكل عيش مش ناكل بحاجات تانية"..

4-خش في المفيد: لا شيء بسهولة التأليف ، والأفكار "مرطرطة" في كل مكان كما الخضار في السوق -قبل موجة الغلاء طبعاً- وللعلم ، لا يوجد شيء في الدراما التليفزيونية المصرية المعاصرة اسمه "مؤلف" بل هو "مولف" يقوم بتوليف الأفكار المنتقاة كما الخضار من سوق الخضار ، وفق "متطلبات المرحلة"..

في الماضي ، كانت هناك حزمة Package الرقصة والأغنية والخناقة والقبلة .. الآن توجد متلازمة الفساد والثروة والسلطة والإرهاب .. ويمكن عمل "أحلى شغل" ممكن من تلك التوليفة التي لا تخرج عنها المسلسلات هذه الأيام..

نبدأ بالفساد ، احرص على أن يكون الفاسد دائماً عضو مجلس شعب أو رجل أعمال كبير ، بحيث يكون أول حرف من اسمه "هشام طلعت مصطفى" ، وحاول التصرف على طريقة "مش اللمبي خالص"* أو ما فعله صناع فيلم "الجزيرة لنفي علاقة فيلمهم بـ"عزت حنفي" ، كل ذلك بهدف التأكيد على زواج الثروة بالسلطة ، لا تحاول استعمال كليشيه القروض لأن "موضته بطلت" ، ولأن السادة الذين "تعثروا" عادوا من جديد إلى أرض الوطن استعداداً للبحث عن دور في ظل "الحراك".. ركز فقط على الاستثمار العقاري ، ويستحسن أيضاً أن تجعل رجل الأعمال الوحش يقيم علاقة مع فتاة مغمورة ، ممثلة مغمورة ، أو مطربة مغمورة ، ولست بحاجة لتذكيرك بأن تكون هذه الممثلة أو المطربة "وحشة" لأنه لا يصح بالمرة أن تتواجد أنثى أجمل من البطلة .. "هارش"؟

والآن مع الإرهاب .. أسهل شيء في كتابة المسلسلات هو الحديث عن المتطرفين بكافة أشكالهم ، أشكال مين ، هو شكل واحد فقط .. أي شخص بجلابية بيضاء ، ومنديل أبيض ، وبلحية سوداء ، بدون شارب ، وبكلمات باللغة العربية الفصحى طبعاً ، في السياق في غير السياق "مش مهم" .. وتذكر إنه "يووووه يووووه يووووه هوة فيه حد النهاردة بيفتكر".. أحلى حاجة في كاتب السيناريو ألا يشغل نفسه بالتفاصيل ، وبألا تكون له معرفة بالفرق بين السلفيين الحسانيين ولا الجهاديين ولا الإخوان ، بل يفضل ألا يعرف الفرق بين الشيوعيين والإخوان، "ليه تشغل باااالك ليه ليه"..

وفي وسط "محراق الشر" الذي ستبني عليه مسلسلك التحفة ، احرص على أن يكون هناك شخص طيب ، شخص مثالي ، شخص لا يتغير ، شخص أبيض يا ورد ، وطبعاً أنت تعرف من سيكون أو من ستكون.. والحدق دائماً يفهم..فقط حاول ألا تبدو مكرراً ومملاً ..اجعل ذلك الشخص صحفياً مرة .. ومحامياً مرة .. ووزيراً مرة .. ومفكراً مرة .. وموظفاً فقيراً مرة .. ومعتقلاً سياسياً من ثوار الحركة الطلابية في السبعينات مرة ..وطبيباً شرعياً مرة .. وناظر مدرسة مربي أجيال مرة.. التغيير حلو .. تحدى الملل يا صديقي!

حاول حشر أكبر عدد ممكن من الحوادث والقضايا في مسلسلك كي تعطي انطباعاً بأنك متابع لكل شيء ، وبشكل فج طبعاً ، من أول قضية "لينا والفيشاوي" إلى "سوزان تميم" مروراً بـ"مدينتي" والاعتصامات والمعتصمين -وكتر الصلصة لإن الصنف دة مطلوب عند الحكومة والمعارضة- ونهايةً بموقعة "أم درمان".. والأهم .. احشو المسلسل بأكبر كمية ممكنة من الإكليشيهات إياها .. إن كان البطل أو البطلة من الصحفيين "البلد لازم تنضف ، وأنا ح أحاربهم بقلمي دة" أو "أنا معايا المستندات اللي حتوديه في ستين داهية" إلى آخر قائمة الكلام الكبير التي تزخر به الأفلام التي سميت بـ"أفلام المقاولات" في فترة الثمانينيات.. حتى تعطي مبرراً جيداً لأصدقائك من الصحفيين بأن ينافقوك وينافقوا نجمك أو نجمتك.. لهذا السبب قلت "العلاقات أولاً وأخيراً"..

بعد أن اتبعت كل هذه الخطوات ، استرخ في منزلك مطمئناً إلى النجاح الذي حققته ، فمسلسلك هو أفضل مسلسل في رمضان بأقلام الصحفيين وكتاب الأعمدة وإلحاح الفضائيات ، والمشاهد القرفان الوحش قليل الأدب ناكر الجميل عديم الأهالي والأهلية سيتذمر أول الأمر ، إلا أن يأتي السحر الأسود النابع من "الزن ع الودان" ثماره ، ليقر ويعترف بأن مسلسلك أجدع ناس..

فضل العبد لله كتابة هذه السطور كتعليق عام وشامل على تسعين بالمائة من المسلسلات التي عرضت في رمضان الماضي ، والتي امتدحتها الصحف بشكل مبالغ فيه ، وستشمل كذلك مسلسلات السنوات القادمة ما إن بقيت نفس الظروف ، وبقي نفس من يتبع تلك النصائح السابق ذكرها..
* الصورة من موقع "في الفن"..

2 comments:

د/دودى said...

الاول احب ابدى اعجابى بالمدونه فى زيارتى الاولى والتى لا اظنها ستكون الاخيره....

ثانيا : نظام المتلازمه والباكتج هو اهم خطوه المهم تلم الحاجات الاساسيه وكمل بقى باى حاجه ....الظريف ان القاعده دى تمشى حتى على الاعمال الامريكيه

آخر أيام الخريف said...

اتفق معاك للأسف الشديد :(((