Friday, July 22, 2011

تتر "دموع في عيون وقحة" : أقوى من الذاكرة



فكرت كثيراً في الكتابة عن تتر هذا المسلسل بالتحديد ، هو تتر أقوى من قدرة الذاكرة على النسيان ، وللمصادفة أذيع هذا المسلسل لأول مرة في رمضان ، ويبدو أنها صارت عادة لدى العبد لله أن يطلق قبل الشهر الكريم تدوينة نوستالجية تعيد الإنسان إلى الماضي الجميل وذكرياته..

لا أبالغ إن قلت إنه واحد من أجمل تترات المسلسلات العربية على الإطلاق ، تتر يقتسم نجاحه موسيقار بحجم وثقل وخبرة "عمار الشريعي" ، ومخرج بحجم وثقل وخبرة "يحيى العلمي"..

صحيح أن فترة الثمانينات التي أنتج فيها المسلسل ظهر فيها عدد من مؤلفي الموسيقى التصويرية الموهوبين في أحسن حالاتهم ، منهم إلى جانب "الشريعي" "هاني شنودة" على سبيل المثال ، لكن تشعر بأن "عمار" الثمانينات ، وتحديداً هذا الجزء من الثمانينات شكل آخر ، احساس عال رغم سهولة وبساطة التنفيذ الموسيقي ، وتريات صنعت جزءاً من تميز موسيقى التتر بمقدمته التي صارت علامة مميزة للمسلسل ، وبيز جيتار تسمعه بوضوح وتلاحظ تأثيره من الثانية الأولى إلى الأخيرة ، ولمسات مميزة على الكيبورد ميزت موسيقى المسلسل ، وموسيقى مسلسلات أخرى عاصرت تلك الفترة منها "غداً تتفتح الزهور" ، وجملة الكولة المميزة التي أعتقد أن عازفها هو "إبراهيم كولة" ، الرجل الذي لفت النظر لآلة موسيقية مصرية صرفة فرضت نفسها لاحقاً عندما تغير شكل الأغنية وصار إيقاعها أسرع لتسحب الأضواء من الناي الذي يعرفه الناس أكثر ، وأشعر أنه كان ترجمان "عمار الشريعي" لآذان الناس في تلك المرحلة من مشواره الفني الحافل..

لكن ما يلفت النظر جداً هو العلاقة الغريبة التي أشعر بها على الأقل بين تصميم التتر والموسيقى ، أشعر أن اختيار الألوان المستخدمة في اللوحات ، ما بين أحمر ، وأبيض ، وخلفية سوداء ، ناهيك عن الأبيض والأسود في صور الممثلين الرئيسيين وبعض اللقطات "الفوتوغرافية" ، والكتابة الصفراء جاء متماشياً وبشكل غير طبيعي مع السلم الذي عزف منه التتر ، وصححوني على اعتبار التواضع الشديد جداً في ثقافتي الموسيقية..

من الملاحظ أيضاً وسط كل تلك الرسوم تواجد عنصر البحر بقوة ، سفن هنا وهناك على الخلفية السوداء ، لذلك علاقة بقصة المسلسل ، الذي تصادف أن يكون كاتب السيناريو له هو "صالح مرسي" ، الرجل الذي كان أحد من قدموا ما عرف بـ"أدب البحر" في العالم العربي ، وله فيه روائع شوهها بعض المخرجين بعد رحيله كـ"البحار مندي"..

بالمناسبة ، في تلك الفترة كان من العادي أن تخلُ مقدمات المسلسلات ونهاياتها من أي لقطة من لقطات المسلسل ، اكتفاءً فقط باللوحات التعبيرية (="مايروحش دماغكم لبعيد" :))، أو بعرض لمنظر متحرك تتحرك عليه الأسماء من أعلى لأسفل كما فعل "إسماعيل عبد الحافظ" مثلاً في "الشهد والدموع" (وقد يكون ثابتاً كما فعل "يوسف مرزوق" في الجزئين اللذين أخرجهما من "ثلاثية نجيب محفوظ") ، منها نوع من التشويق ، ومنها شكل فني كان سائداً لحين من الدهر في الدراما المصرية ، لتختفي مع اختلاف نوعيات المسلسلات التي تحتاج لتقديمها للناس -بما أن "الجواب بيبان من عنوانه"- بشكل "بصري" آخر .. وصل لأسوأ مستوياته مثلاً في المسلسل السيء "لن أعيش في جلباب أبي" ، والمأخوذ عن نص أدبي أسوأ ، الذي قدم مجموعة من اللقطات كانت كافية جداً لحرق المسلسل ، أكبر خطأ فادح ارتكبه المخرج والممثل الراحل الكبير "أحمد توفيق" في حياته!

مرت السنوات واستحال فصل موسيقى "دموع في عيون وقحة" عن الصورة ، كما لو كانا توأمين ملتصقين ، حتى عندما أعاد "الشريعي" توزيع مقدمة المسلسل في ألبوم خاص لم تكن بنفس سحر موسيقى الثمانينات وتقنياتها الأبسط بكثير من تلك اليوم.. بصرف النظر عن موقفك وموقفي من "عادل إمام" .. يبقى "دموع في عيون وقحة" ، وتتره بالذات ، أقوى من أن ينساه المرء بسهولة .. كحال أي عمل فني جميل في ذاته ، فما بالك لو ارتبط بذكريات جميلة في الصغر ، وقت أن كانت الحياة أبسط والبال خالياً.. كل عام أنتم بألف خير..
* الفيديو - طبعاً - من الـ"يوتيوب"..

3 comments:

MedZag said...

http://foorga.blogspot.com/2011/07/blog-post_22.html
ليه صاحب المدونة دي مبيكتبش في الجرائد خصوصا انه افضل من الكثير من النقاد السينمائيين
http://twitter.com/#!/plexus99/status/94531471607480320

قلم جاف said...

الحمد لله ، ربنا لا يجعلنا في موضع شهرة ولا في عمود في جرنال..

MedZag said...

انا متابع جيد لمدونتك بالرغم من عدم اهتمامي حقيقة بالفن ولكن اسلوبك الرشيق يثير دائما حسرة في نفسي لسببين الاول عدم وجود تعليقات تكافيء ما تكتبه.
والثاني اسلوبك الرشيق وقلمك الجاف الرطب الذي يملئني تجددا, اتمنى ان تجد ما تستحق من متابعة وتوفيق ان شاء الله.

محمد