Wednesday, September 14, 2011

"اكس" ، "آدم" ، و"علي" ابن الجنايني



مقدمة: ترددت كثيراً ، وكثيراً جداً ، قبل كتابة هذه التدوينة ، وربما بشكل لم يحدث خلال السنوات الخمس الماضية ، قد تثير السطور القادمة غضبك ، أو غضب كثيرين ، لكن دعونا ، في ظل ظرف فاصل ، ومختلف ، لم تعيشه ، وربما لن تعيشه بشكل مستمر أجيال من المصريين ، نختلف في الرأي ، ونتباين في الرؤى ، دون أن يكفر ، أو يخون ، أو "يُكَنِّب" بعضنا بعضاً.. ربما نشعر بالتغيير في حالة إذا ما أبقى الخلاف للود قضية ، ولو لمرة واحدة..

0-لنعترف أنه في الثورات ، وبالذات في مصر ، يحتكر "الفعل الثوري" بعض ممن شاركوا في الثورة .. ففي ثورة 1952 مثلاً احتكر مجلس قيادة الضباط الأحرار الفعل الثوري بموجب ما حدث في 1954 ، رغم ما يقوله مؤرخون بأن الثورة شاركت فيها أطياف سياسية عديدة ما بين يمين ويسار وتيارات أخرى ، وهو ما تكرر في ثورة 25 يناير ، طفت على السطح ائتلافات ، وحركات ، ورجال أعمال قامت هي باحتكار الفعل الثوري وبالحديث منفردة ودوناً عن غيرها باسم الثورة كما لو كانت قد قامت بمفردها بها دون مشاركة من أحد.. والمبررات جاهزة .. فمجلس "قيادة الثورة" رأى أنه هو الذي تحمل المخاطرة ووضع كفنه على يده في مواجهة الملكية والاحتلال معاً ، وبالتالي لا يحق لقوى سياسية كانت موجودة قبل الثورة أو ظهرت بعدها أن تقاسم هؤلاء في الكعكة ، وبالتالي مات الهدف السادس من أهداف الثورة قبل أن يولد ، وحدث ما حدث ، أما الائتلافات والحركات فكانت لديها نفس الرغبة ولكن بشكل أكثر ضمنية وأقل وضوحاً.. هكذا أرى..

1-وكان من الطبيعي أن من ينفرد بالحديث باسم الثورة ينفرد بالدعاية لها ، ومن ثم "له" .. ضباط 1952 ، بحكم اتباعهم لنموذج سياسي واقتصادي يضع أدوات الإنتاج ، والسلطة ، ووسائل التعبير تحت تصرف النظام الحاكم استغلوا وسيلة الترفيه الجماهيرية الوحيدة المتاحة ألا وهي السينما لتقدم أفلاماً دعائية بشكل مباشر أو غير مباشر مثل "رد قلبي" (1957) ولمن يلاحظ التاريخ يجد أنه قبل إنشاء التليفزيون المصري بثلاث سنوات أو أقل قليلاً أو أكثر ، كي يصل إلى الجمهور ويقنعهم بوجهة نظره ، صحيح أنه على الجانب الآخر لم ينفرد المتحدثون باسم الثورة -بعد- بالسلطة ، لكن رأوا بحكم وصايتهم عليها التطوع بالدعاية لها -أو للدقة : الدعاية "لهم" - من خلال وسيلة ترفيه شديدة التأثير وهي الدراما التليفزيونية ، خاصةً وأن لديهم من الإمكانيات ما لم يتوافر حتى لأعتى صناع السينما في الخمسينيات والستينيات لتقديم مسلسل "يبدو" مبهراً من الناحية البصرية كـ"اكس" ..

2-قامت ثورة يوليو 1952 ضد استعمار ، ونظام ملكي ، وحياة سياسية فاسدة ، ورأسمالية مستغلة وإقطاعية ، وقامت ثورة 25 يناير ضد فساد سياسي واقتصادي ، قامت ثورة يوليو بهدف تحقيق عدالة اجتماعية ، اتفقنا أو اختلفنا مع وعلى المفهوم والطريقة ، وسيبقى التاريخ حكماً على ما نجحت فيه ثورة يوليو أو أخفقت في هذا الصدد ، وقامت ثورة 25 يناير أيضاً لنفس الهدف ، على الأقل في عيون الجنود المجهولين الحقيقيين من عامة الشعب الذين آمنوا بعدالة القضية دون وصاية ممن اعتقدوا أنهم قادة الرأي ومن يروه ، الذين من أجلهم قامت الثورة ، وليسوا الائتلافيين والحركيين ورجال المال السياسي (الذين كان يفترض أن تقوم ضدهم الثورة وليس فرقة "مبارك" وأبنائه فحسب ، بما أنهم كانوا شركاء بطريقة أو بأخرى فيما شهدته العقود الثلاث الأخيرة من فساد).. احتاج ضباط يوليو حديثو العهد بالسياسة لبعض الوقت لتشكيل وفرض رؤاهم وسياساتهم ، بينما على الجانب الآخر زعم تيار المال السياسي -قبل الثورة وبعدها- أنه قادر على تحقيق عدالة اجتماعية (رغم قيام المال السياسي الحالي على أسس أخلاقية أسوأ من التي قامت عليها الرأسمالية المستغلة الإقطاعية التي قامت ضدها ثورة 1952 ، وبالتالي العدالة الاجتماعية مش في دماغهم أصلاً)!

3-نفس الهدف كان موجوداً لدى الثورتين ، في القمة والقاعدة ، لكن جاء التعبير عنهما في العملين الفنيين الدعائيين -وليست الدعاية السياسية عيباً في الفن ما دامت تحترم الفن وتحترم عقلية من يتلقوه- متبايناً ، وبشكل صادم..

ففي "رد قلبي" ، عبَّر صناع العمل المستمد عن نص روائي لـ"يوسف السباعي" ، عن حاجة المجتمع لعدالة اجتماعية من خلال شخصيات فقيرة تحملت ويلات سوء توزيع الثروة والسلطة ، بدءاً ببطل الرواية والفيلم "علي" (=لعبه "شكري سرحان") ابن "عبد الواحد" (=لعبه "حسين رياض") "الجنايني" في سراي الأمير -رمز السلطة والإقطاع (الذي جاءت ثورة يوليو للقضاء عليه) ، المرتبط بقصة حب مع "إنجي" (=لعبتها "مريم فخر الدين") تعوقها الفوارق الطبقية التي تعوقه ، وتعوق "سليمان" (=لعبه "كمال حسين") عن الانضمام حتى للجيش ، المؤسسة التي "حملت آمال الجماهير" في "التخلص من الاستعمار والإقطاع والفساد".. والتي دفعها ما دار في حرب فلسطين (1948) للقيام بالثورة.. باختصار ، عبر عن فكرة "العدالة الاجتماعية" من خلال الطبقة التي قامت بالثورة ، ومن أجلها قامت الثورة..

وكان من المتوقع أن يقوم من تطوعوا بإنتاج عمل فني دعائي ، بعد الثورة بثلاثة أشهر فقط ، طالما تبنوا نفس الهدف أن يسيروا على نفس الدرب ، أن يختاروا نموذجاً من الطبقة الفقيرة يكون بطلاً لنسختهم من الثورة ومنادياً بحقوق من استضعفوا طوال العهد المباركي.. لكن لا يابابا لا..

اختاروا "اكس" ولم "يختاروا "آدم"..

ومش أي "اكس"..

المتوقع لدي ، ولديك ، أن يكون "اكس" - رمز رياضي نستعمل عوضاً عنه في العربية "س" ويشير إلى شخص مجهول أو غير محدد ("س" من الناس مثلاً)- من السينات الذين احترقوا في قطار الصعيد ، أو غرقوا في العبارة ، أو تمت بهدلتهم في السفارات هنا وهناك ، أو ممن حولهم النظام التعليمي الفاشل إلى عاطلين ، أو من دعستهم لواري فلان بيه وعلان باشا تحت حماية رجالهم المخلصين في "مقلة الشعب" ، أو اعتقلوا عشوائياً على يد الداخلية في الثمانينيات والتسعينيات دون أن يهتم لأمرهم ناشط أو حقوقي ، أو سقطوا ضحية لإهمال طبيب من ذوي الحيثيات دون حماية له من قانون أو نقابة ، إلى آخر قائمة "الإكسات" التي سقطت ضحية للمباركية على مدى ثلاثة عقود اختصرها محتكرو الثورة إلى خمس سنوات وقيل ثمانية عشر يوماً ، لكن من قاموا على المسلسل قدموا لنا "إكساً" آخراً ، من الجزء الأعلى من الطبقة المتوسطة ، وله من علية القوم أصدقاء ، منهم ابن وزير (=لعبه "نبيل عيسى" أفضل ممثلي المسلسل على الإطلاق) ، وابن لرجل أعمال كان له مشروع أضاعته الرأسمالية المباركية (أما رأسمالية المال السياسي فهي نظيفة نظيفة نظيفة .. والقطنة ما بتكدبش) ، قتله جهاز الشرطة بتحريض من الفاسدين ، ليصبح استشهاده بمثابة النور الذي ينير الطريق لقيام الثورة.. عن طريق الناشطين والمناضلين الذين لا أعتقد أنهم سيقومون لو كان الضحية هو "آدم".. الذي كان أيضاً ضحيةً لفساد الشرطة ، مع فرق أنه جاء من طبقة أدنى وأفقر ، ولم يهتم لأمره كثير ممن اهتموا لـ"اكس" بيه.. بل سالت دماؤه على طريقة "الدم العربي" في قصيدة "فاروق شوشة" التي درسها بعضنا في الثانوي!

رأى البعض ، وأتفق معه ، أن اختيار "اكس" بشكله الحالي يأتي في إطار خطاب محتكري الثورة بأن الثورة هي ثورة "ولاد الناس" وليست ثورة "الغوغاء والدهماء والمش عارف إيه" ، خطاب أثار غضب كثيرين من الناس ، غضب عبر عنه الزميل "محمد أبو الغيط" في إحدى أهم تدوينات العام "الفقراء أولاً يا ولاد الكلب" ، التعامل مع الثورة كمنتج طبقي يتم الترويج له على طريقة "أفندينا" (=وهو في هذه المدونة "طارق نور" ما لم يذكر خلاف ذلك) ملك مدرسة تقوم على الترويج الطبقي للمنتج ، والمفارقة المضحكة أن المسلسل عرض على قناة "طارق نور" نفسه كعرض أول (جنباً إلى جنب مع "ام بي سي دراما" و "اون تي في") ، بل إني على المستوى الشخصي أرى أن الفقراء كانوا بالنسبة للفئة المحتكرة التي لها صحفها وفضائياتها كانوا مجرد سلاح مرحلي لتعبئة الرأي العام ، وفور أن استنفذ أهدافه قرروا صنع بطل جديد للمرحلة ، على غرار ما حدث في الفيلم قبل الأخير للراحل الرائع "صلاح أبو سيف" "المواطن مصري"..

"أحمد قاسم" مواطن مصري ، وكذلك "آدم عبد الحي".. الثورة قامت من أجل الاثنين ، وبالاثنين ، لا الأول فاعل ظاهر ، ولا الآخر ضمير مستتر ، الثورة قامت من أجل بلد أفضل ، لا يحتكره فصيل أو مجموعة باسم الدين ، أو باسم الوطن ، أو حتى باسم الثورة.. وصناع ومنتجو دراما الدعاية -من محترفي "سلق البيض" وأتباع "عبده حريقة"- وبعض من يدافعون عنها لم تصل إليهم الرسالة بعد .. سواء في 1957 ، أو في 2011 ، فمن الدعاية دائماً ما قتل..

قبل الختام: لست ناصرياً ، ولن أكون ، فقط ما كتبت عن ثورة 1952 هو مجرد تسجيل تاريخي ومقارنة مع حالة مشابهة تحدث اليوم ، ولا أحب "رد قلبي" إطلاقاً ، ولم يعجبني "اخص" بالمرة ، ولم أقارن بينهما كعمل فني ، وإنما كمضمون دعائي ، فلست ، على كل عيوبي التي أعترف بها على كثرتها ، من يقارن فيلماً بفيلم آخر من نوع أو قالب مختلف فما بالكم بمقارنة فيلم بمسلسل ، والثورة ليست عندي ائتلافاً أو حركة ، الثورة قامت للجميع ، والمهمشين والمستقلين وعامة الشعب الذين لا يكترث لهم محتكرو الثورة عندي أهم كثيراً من الأخيرين .. احتكار الثورات يؤدي دائماً إلى "سكة اللي يروح ما يرجعش"..

ورحم الله من قال "ولكن آفة حارتنا النسيان".. عذراً للإطالة الشديدة ، وكل احترامي للجميع..
* إهداء خاص للزملاء الأعزاء "ساسو" ، "محمد عادل" وطبعاً أستاذي "أسامة القفاش".. الصورة من "المليون دوت كوم" ، ودة الموقع اللي لقيت منه صورة مالهاش علاقة بموقع image shack!

2 comments:

Rana said...

أنا بس هصحح حاجة صغيرة، كاتب تدوينة الفقراء أولا اسمه "محمد أبو الغيط" وليس أحمد.

قلم جاف said...

تم التصحيح يا فندم :)