Thursday, January 19, 2012

في قلة الأدب : حرق شتائمك القديمة كلها

أكاد أتخيل شعور رواد أول دور عرض سينمائي عرض فيه "واحد صحيح" لم يكونوا قد شاهدوا له "برومو" من قبل ، وبنوا مغامرتهم في النزول وسط طقس مسلٍ ولذيذ إلى الشارع لمشاهدة فيلم فيه أسماء كـ"هاني سلامة" و "بسمة" و "كندة علوش" ويكتبه صاحب الإحساس المرهف وصاروخ الرومانسية و"منى نور الدين" الشاشة الكبيرة "تامر حبيب" ، حين نزلت على رءوسهم العبارات التاريخية التي كتبها السيد "تامر حبيب" وقالتها "بسمة" كالصاعقة ، صاعقة أذهلتهم لوهلة قبل الانفجار في نوبة ضحك هستيرية ، كمن صادفت من شاهد المشهد على الـ"يوتيوب" وقرأ تعليقات الزوار عليه..

ولهم حق ، فما حدث لا يتوقعه أحد ، لا من حساس السينما المصرية الذي يهلل له نقاد وكتبة بعضهم معروف بنزعاته "الأخلاقية" يصنفون الأفلام حسب استخفافهم لدم صناعها أو استثقالهم له تحت ستار أخلاقي، ولا من فنانة مثقفة صاحبة موقف سياسي (وإن كنت أرفضه عن نفسي جملةً وتفصيلاً ، ولا أختلف معه فحسب) ، ولا حتى في سياق مشهد "مؤثر" كهذا ، على الرغم من أن أمثلة "قلة الأدب" الشهيرة في الدراما المصرية بكافة صورها دائماً ما ارتبطت بمحاولات الإضحاك ، لكن لا الفيلم كوميدي ، ولا المشهد كوميدي ، ولا يتحمل أبداً أن نرى ونسمع ما لا يمكن تخيله حتى في أكثر كوابيسنا جموحاً ..

قد يقول قائل أن عامة الناس ومنهم المتفرجين سالفي الذكر وغيرهم يستخدمون مثل تلك الألفاظ ، وهذا ما لم أنفِه ، ولم أنفِ وجود تلك الألفاظ لدى شرائح منها ما لا تتوقع أن تسمعها لديهم ، لكن هل من الفن في شيء نقل كل شيء في الحياة "كوبي وبيست" غير مراعين الشعرة التي يحتويها الفن ، أي فن ، حتى ولو كان سينما وثائقية مثلاً ، بين الخيال والحقيقة (وإلا ما كناش سمعنا عن فيلم وئائقي ممتع وفيلم وثائقي مباشر وممل حتى ولو بيتناولوا نفس القضية من نفس وجهة النظر) ، وإن الفن فيه نوع من الجمال حتى عندما يتناول قبحاً.. القبح نفسه عندما يتم تناوله فنياً لا يتم تناوله بشكل قبيح..هناك أدوات فنية تستعمل لتمرير أشياء كثيرة قد تكون منها قلة الأدب بمعناها أو بغير معناها وقد تكون منها أشياء غير مُجَرَّمَة رقابياً من الأساس ، جزء من الفن توصيل شعور ما ، وجهة نظر ما ، انطباع ما ، وهو يختلف عن فكرة المباشرة و "خبط اللزق" الذي يتبناه "البعض"..

بل إن حجة "ما هو دة الواقع" لا محل لها من الإعراب إذا ما تعلق الأمر بـ"تامر حبيب" أو مخرج الفيلم "هادي الباجوري".. فـ"تامر" في كل مشاريعه السينمائية السابقة يستلهم "منى نور الدين" شكلاً وموضوعاً (بدون "عزيز" و "دادة حليمة" والصحفي الرومانسي الذي يجب أن ينتهي اسمه بـ"عز الدين")، يقدم شريحة معينة من المجتمع تختلف في حياتها وتقاليدها وأعرافها عن السواد الأعظم من دافعي التذاكر ، بمن فيهم الجزء الأعلى من الطبقة الوسطى (التي زعم نقاد منافقون لـ"حبيب" أنه قدمها في تجربته السينمائية الأولى "سهر الليالي"!) ، شريحة قد يكون الهدف منها تقديم شيء "أكثر جمالاً" و "إبهاراً" ، فما بالك إذا اجتمع "تامر" مع "هادي الباجوري" التلميذ الوفي لتقاليد أستاذه "طارق العريان" الحريص على تقديم "صورة أكثر جمالاً وإبهاراً" مستمداً ذلك من تاريخه في عالم الإعلانات والفيديو كليب (1).. صورة يراها قابلة للتحقيق على الشاشة عندما يتناول تلك طبقة معينة أو وسطاً معيناً (كما كان يحدث كثيراً في الأربعينيات على سبيل المثال)..حلم طبقي يجذب المشاهدين بصرياً وفكرياً ربما.. لا يتماشى مع مجموعة من الشتائم المرصوصة بجانب بعضها في جملة حوارية كما لو كانت ترجمة حرفيةً من لغة أخرى!

المشهد كان بمثابة "قفزة الثقة" التي ستشجع كتاباً ومخرجين آخرين على فعل نفس الشيء ، مرة ومراراً ، سيجابه الأمر ببعض المقاومة ، من المجتمع ومن بعض النقاد ، وسيقابل من قبل صناع السينما المتحمسين لاستخدام اللغة إياها ببعض الصراخ على الحريات والواقع والفن والمش عارف إيه ، وستقوم معارك ، لكن فيما بعد ستصبح اللغة إياها كالماء والهواء ، وستصبح توليفة السينما للبعض قصة ، و"مناظر" ، وشتائم..وداعاً عصر التلميح ، وأهلاً بالتصريح ، والشعب لازم يعرف..

ذو صلة: "تامر حبيب" على "التحرير" يدافع عن الألفاظ إياها على "التحرير" ويلمح إلى أنه ضحية لمؤامرة سلفية إخوانية!
(1)..على العكس من "شريف عرفة" الذي يهتم بتقديم صورة جميلة وفيلم متقن الصنع ، في الوقت الذي لا يهم إتقان الصنعة في كثير "طارق العريان" ومن سلكوا دربه.. *ولو أني لست من المغرمين بتلك الجريدة ، الصورة من "التحرير"..

No comments: