Tuesday, April 10, 2012

مش ألبوم "نكت"

ألبوم يعود إلى الثمانينيات ، 1981 تقريباً ، قد يراه البعض ألبوم مونولوجات أو أغاني كوميدية ، بما أن من يغني فيه هو "سمير غانم" الفارسير الأشهر ، لكن يفاجئك ، كما فاجأني ، أن الألبوم يحمل بصمات ثلاثة مبدعين ، الأول رغم قدمه وخضرمته في تاريخ الشعر الغنائي ، تراه يقدم في جرأة على تجربة كهذه ، والثاني رغم حياته القصيرة ، إلا أنه لا يتوقف عن إبهارك بالتألق في كل مكان يدخله ، والثالث لم يحصل إعلامياً على ما يستحقه من فهم ، رغم أنه جزء لا يتجزأ من تاريخ الأغنية المصرية في الثمانينيات ، وليس مجرد واضع موسيقى تصويرية فحسب..

لا أعرف الكثير عن ملابسات الألبوم ، ولم يتوفر على الإنترنت معلومات تذكر سوى أغانيه موجودة على "يوتيوب".. لكن ما أغرب أن يجتمع في ألبوم واحد كل من "حسين السيد" و "عصام عبد الله" و "محمد هلال".. ولكل منهم تاريخ وتجربة وشكل خاص به .. إحدى أغاني الفيلم هي تتر فيلم "أربعة - اتنين - أربعة" الذي شارك فيه "سمير غانم" نفسه وكان من نجومه إلى جانب صديقه الكوميدي الراحل "يونس شلبي" وعرضته "الحياة" قبل أيام قليلة ، وهناك أغاني لا أعتقد أنها جاءت ضمن أحداث أفلام شارك فيها "سمير غانم"..

"حسين السيد" بتاريخه الغنائي الطويل ، وتجاربه في كل لون ، يعود للكوميديا مع "سمير غانم" وهو صاحب تجارب في الأغنية الكوميدية مع "فؤاد المهندس" ومع الثلاثي نفسه ، وتربطه بهم علاقة عمل طويلة قبل وبعد وفاة "الضيف أحمد" (الذي تمر ذكراه في السادس عشر من هذا الشهر ولم يغب عن ذلك الألبوم كما سيتقدم) ، وعلاقة "حسين السيد" بالدراما أقدم بكثير من علاقته بالمونولوج ، أو الأغنية الكوميدية على الطريقة المصرية ، قال فيه "محمد عبد الوهاب" : "الشاعر حسين السيد كان يكتب الاغنية الموضوعية فاغنيته ذات موضوع و قصة"..وهو ما طبقه عملياً في أغنية مثل "الشانس" ضمن الألبوم .. جمع فيها ما بين المونولوج بسمعته في مصر كأغنية كوميدية ، وبينه بمعناه الأصلي كـ"حديث للنفس".. الجميل هنا أنه ، في أغنية حسب علمي وصححوني إن أخطأت لا تأتي ضمن سياق درامي ، يجمع فيها ما بين "المونولوج المسرحي" (بإلقاء غير غنائي) والأغنية ، مرونة تحسب لـ"محمد هلال" الذي لم يختر أن يلحن الأغنية كأغنية بجمل مكررة وكان بمقدوره ، لكنه لحنها "ثلاثي" على طريقة الثلاثي التي تحتفظ بجملة رئيسية ينطلق بعدها الملحن بحرية تامة في داخل الأغنية إيقاعاً وحركة..الأغنية تتحدث ببساطة عما يمكن للإنسان أن يفعله لو ابتسم له الحظ ، أو "ضحك له الشانس".. حالة لم تتكرر في خفة دمها إلا مع "محمود أبو زيد" و "حسن أبو السعود" و"يحيى الفخراني" في فيلم "الذل" بعدها بثماني سنوات أو أكثر ، حينما يتخيل نفس الحالة من وجهة نظر "قمارتي"!

"حسين السيد" الشاعر الدرامي النكهة صاحب الخبرة في الكوميديا يقدم في تلك المرحلة من حياته نضجاً في نهاية تجربته ، التي صادفت بداية تجربة شاعر سيبقى قصة جميلة لم تكتمل ، "عصام عبد الله".. أمل مصر في الشعر الغنائي كما وصفه "صلاح جاهين"..

لا يمكن أن أوفي هذا الرجل حقه ، وأحد الزملاء لديه مدونة خاصة بأعمال هذا الشاعر الصغير سناً الكبير موهبة وتجربة ، وعندما تطلع على تاريخه ستذهل.. هذا الرجل الذي له تحف شعرية غنائية مثل "الطول واللون والحرية" و "وحدانية" و "قلب الليل" و "ودعي المكان" ، و"لو بطلنا نحلم نموت" ، و"روحي فيكي تروح" ، كتب أغاني للأطفال -مثل "البطة أطة" لـ"عبد المنعم مدبولي" و "الديك الشركسي" لـ"يونس شلبي" ، وكتب أغان كوميدية كما في هذا الألبوم، وكتب أغاني إعلانات ربما نعرف بعضها وحفظناها عن ظهر قلب خاصة جيلي الذي كان في مرحلة الطفولة وقت توهج "أفندينا" "طارق نور" ، ومنها ، في اعتقادي ، تعرف على "محمد هلال" الملحن وصاحب الأيدي البيضاء على جيل بأكمله من المطربين منهم "عمرو دياب" و "محمد فؤاد" والقائمة تطول.. "هلال" هو الآخر نعرف تاريخه ولا نعرفه هو.. المعلومة الوحيدة لدي أنه توفي!

لـ"عصام" في "مانا مانا" ثلاث أغاني ، أغنية تتر "أربعة اثنين - أربعة" كما سبق الذكر..و"أنا مبسوط" التي تذكر من بعد بمونولوج شهير لـ"إسماعيل ياسين" اسمه "نبوية" ، وأغنية هي رسالة مفتوحة لـ"الضيف أحمد".. مود مختلف عن باقي الألبوم ، "يلقيها" ولا يغنيها "سمير غانم" على خلفية موسيقية بديعة من "هلال".. لصديق رحل قبل ذلك التاريخ بعشر سنوات ..

"حسين السيد" ، "محمد هلال" ، وثالثهما "عصام عبد الله" يجمعهم قاسم مشترك ، وهو علاقتهم بالدراما ، "حسين السيد" أحد رواد الديالوج الغنائي منذ "حكيم عيون" ، وكتب أشعاراً لأعمال درامية ما بين مسرح وسينما ، وتشكل جزءاً من أسلوبه الغنائي حتى وهو يكتب أغنية مثل "ست الحبايب" ، "عصام" له من ضمن تجاربه محاولة واحدة مع فيلم "أنياب" للراحل "محمد شبل" ، ولولا رداءة الصورة هندسياً لأجبرت فضولية الجيل الحالي الفضائيات على عرضه لما يثيره من جدل فكري وسياسي (=قصده وتعمده صناع الفيلم) ، وكانت أشعار "عصام" جزءاً لا يتجزأ من الفيلم وليست مجرد أغنيات عادية ، أما "محمد هلال" فمعروف لنا كواضع موسيقى تصويرية في العديد من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات ، وترك أسلوبه في التنفيذ الموسيقي آثاره على العديد من الموزعين الذين كانوا في بداية حياتهم وقت أن عملوا مع "هلال" في سنوات الثمانينيات.. ما نراه في هذا الألبوم بالذات هو "هلال" الملحن ، كما لم نره من قبل ..

"سمير غانم" ليس مطرباً بالمعنى المفهوم للمطرب ، لكنه ذكي بشكل يعرف معه إمكاناته جيداً جداً ، يجيد كمؤدي كما يجيد ممثلون كثر ، ويتعامل معه الملحنون على هذا الأساس ، والمتعة في الألبوم غير الضحك بالتأكيد هو الأداء أكثر منه الغناء ، الأداء الذي وضع على أساسه "محمد هلال" موزع الألبوم وملحن معظم أغانيه خططه ، الأداء الذي انتظره من كانوا فضوليين بالدرجة في ذلك الوقت لسماع ألبوم كوميدي في فترة كان فيها كل الغناء عاطفياً صرفاً (ولم يثر على ذلك الوضع إلا قليلون من صناع الأغنية في مصر) ، وبقي معنا ونحن نعيد قراءة ألبوم كان يعتبره البعض مجرد ألبوم "نكت" حتى وهو مرصع بأسماء ثلاثة مبدعين حقيقيين ينتمون لجيلين مختلفين.. سمح الظرف الحالي بإعادة اكتشاف اثنين منهم ، "عصام عبد الله" و "محمد هلال"..
* شكر خاص جداً للزميل العزيز "شريف" صاحب مدونة الشاعر "عصام عبد الله" .. الفيديو من "يوتيوب"..

No comments: